بدأت «صحافة اللاجئين» في ألمانيا بالظهور مع دخول نحو مليون لاجئ سوري البلاد قبل نحو عامين. ولكن التغييرات التي عاشها اللاجئون منذ ذلك الحين، انعكست كذلك على شكل الصحافة الموجهة إليهم؛ بعضها قرر إحداث تغييرات في المضمون وأخرى لم تعد ترى حاجة حتى لوجودها، فيما مشاريع جديدة ما زالت تجد طريقها وحاجتها للتوجه إلى الناطقين بالعربية في ألمانيا... وأبعد.
اقترب موعد نشر العدد الجديد من مجلة «أبواب» الشهرية، وخليط من الحماسة والترقب يسيطران على سعاد عباس رئيسة تحريرها. فهو العدد الثاني الذي تصدره سعاد بعد تسلمها دفة إدارة الصحيفة تحريرياً قبل نحو ثلاثة أشهر. والتحديات التي تواجهها ليست بقليلة.
الصحيفة التي أصدرت أول أعدادها نهاية عام 2015 كرد فعل رئيسي على دخول مئات آلاف اللاجئين السوريين، تعيش مرحلة تجديد ونوع من إعادة التأهيل «فكرة الصحيفة عندما بدأت كانت من اللاجئين إلى اللاجئين»، تقول سعاد.
في هذه الأعداد كانت المواضيع تتركز على قصص معاناة وألم عاشها السوريون للوصول إلى ألمانيا. أيام من السير على الأقدام إلى التنقل بمركب في البحر الهائج وخسارة أصدقاء في الطريق... وغيرها من القصص السوداء التي وجدت طريقها إلى صفحات «أبواب». وكانت تضم أيضاً في صفحتها الـ24 نصائح للواصلين الجدد حول ألمانيا لمساعدتهم على الاستقرار فيها.
عامان مرّا والأوضاع بالنسبة لهؤلاء بدأت تتغير. كثيرون تعلموا الألمانية وصاروا معتادين على قوانين البلاد وطرق استحصال أوراق وتقديم لجوء وغيرها من المسائل اليومية.
هكذا بدأت القصص في «أبواب» تتغير. تقول سعاد: «اليوم لم تعد الصحيفة من اللاجئين إلى اللاجئين، بل أصبحت موجهة إلى المهاجرين الناطقين بالعربية، وليسوا بالضرورة سوريين فقط». وتضيف: «تغيرت القصص المنشورة من الحزن والنجاة إلى النجاح والأمل. وبتنا نسلط الضوء على السوريين القدامى الذي جاءوا إلى ألمانيا قبل الحرب لإعطاء الجدد أملاً بأن النجاح وارد».
ناشر الصحيفة «New European Media» شركة إيطالية تصدر عدداً من المنشورات التي تتوجه للاجئين في أكثر من بلد أوروبي. ورغم أن سعاد تؤكد أن الناشر لا يتدخل في اختيار المواضيع وتحديد سياستها، فإنها تضيف أن تغيير نهج الصحيفة لكي تتوجه إلى أبعد من اللاجئين، حصل باتفاق مشترك.
وتتحدث سعاد عن تحديات كثيرة أمام الصحيفة، أبرزها تغيير الصورة النمطية السائدة لدى البعض عن اللاجئين، التي كثيراً ما تربطهم بالإرهاب. وتحمل صحف ألمانية مسؤولية نشر أخبار كاذبة عن اللاجئين والمساهمة في صعود اليمين المتطرف ودخول حزب «البديل لألمانيا» البرلمان للمرة الأولى.
تقول سعاد: «في المواد المترجمة من العربية للألمانية، نحاول اختيار مواضيع تغير هذه الأفكار السائدة». وسعياً للوصول إلى القارئ الألماني، بدأت الصحيفة توزّع في مكتبات عامة وليس في مراكز لاجئين كما كانت في البداية.
وإذا كانت صحيفة «أبواب» قررت البقاء والتأقلم مع تغير مشهد اللجوء، فان قناة «دويتشه فيله» العربية الثانية التي أُطلقت أيضاً نهاية عام 2015، قررت إنهاء مهمتها والتوقف عن البث قبل نهاية العام.
يقول ناصر شروف مدير القناة الممولة من البرلمان الألماني، إن قرار إغلاق المحطة التي تبث عبر الأقمار الصناعية فقط، غير مرتبط بأسباب سياسية وأنه جاء بعد انتهاء الفترة الزمنية التي كانت محددة لها وأيضاً بسبب انتهاء العقد مع القمر الصناعي الذي كان يقدم خدمة البث بشكل مجاني.
ورغم ذلك لا ينكر شروف أن قرار إطلاق القناة لم يكن مرغوباً سياسياً بشكل كامل، ويقول: «كان الاستنتاج أن هناك حاجة مجتمعية للتوجه إلى اللاجئين الجدد ومدهم بمعلومات صادقة ودقيقة. كان هدف القناة توعوياً منذ البداية وليس سياسياً». ويضيف أن المشروع اقترحته المحطة نفسها على البرلمان بهدف تقريب ألمانيا من اللاجئين.
المحطة لم تحظَ بميزانية خاصة بل كان بثها يتركز على التعاون مع قنوات أخرى لاستعارة حقوق عرض برامج تعرف اللاجئين بشكل أساسي على ألمانيا، إضافة إلى تعرض على قناة «دويتشه فيليه» العربية الأم.
ولم تبث القناة أيضاً عبر الإنترنت بسبب التزامها بحقوق البث، ربما ما جعل قدرة وصول اللاجئين إليها أكثر صعوبة وقد يكون أسهم باتخاذ القرار بوقفها. ولكن شروف ينفي ذلك، ويقول إنها كانت متوفرة بسهولة عبر الأقمار الصناعية، ويضيف: «نحن نحاول عبر هذه القناة تقريب المجتمع الألماني من اللاجئين. والآن خفت موجة اللجوء ولم تعد هناك حاجة لقناة تبث لهذه الشريحة بشكل خاص. فاللاجئ بات يعرف بالقوانين هنا وما هو مطلوب منه».
وفي كل الأحوال ورغم قرار إغلاق هذه المحطة، فإن القناة الأم باتت تتضمن الكثير من الأخبار والمواضيع عن اللاجئين في ألمانيا. كما أن القناة تشارك في موقع «مهاجر نيوز» على الإنترنت الذي يقدم معلومات عامة للاجئين ويتطرق لأخبار تهمهم. وبين هاتين التجربتين، تجربة ثالثة لم ترَ النور بعد. وصاحب الفكرة المخرج والكاتب المغربي الألماني محمد نبيل يعتقد أن الساحة تتسع لقناة جديدة. ويقول إن القناة التي سيطلق عليها اسم «الشاشة العربية» وتكون فقط عبر الإنترنت وتبدأ العام المقبل ليس هدفها أن «تنافس أي قناة أخرى بل تقديم معلومات جديدة».
ويطمح نبيل أن يغطي مع فريقه الصغير من 10 أفراد إضافة إلى متعاونين في دول عربية، الشؤون العربية في ألمانيا والدول الجرمانية (النمسا وسويسرا بشكل خاص). ويؤكد نبيل إن فكرة الموقع قديمة ولكن وصول اللاجئين قبل عامين كان دافعاً إضافياً لبدء تنفيذ الفكرة. ويقول: «اللجوء في ألمانيا هو محنة بغض النظر عن الأمان الذي يوفره للاجئ. هناك محنة يومية بعاني منها اللاجئون لا بد من الحديث عنها، تتعلق بالجريمة والمدارس وحالات الطلاق والزواج».
ينقص نبيل التمويل الجدي لمشروعه القائم بشكل أساسي على العمل التطوعي. ولكنه هو لا يرى عائقاً في ذلك بل أفضلية. ويقول: «لا تدعمنا مؤسسات رسمية وليست لدينا خطوط حمراء. الصحافة مهنة وإبداع وليست ترجمات لمواضيع تتناقض مع ثقافة العرب».
7:57 دقيقة
«صحافة اللاجئين» في ألمانيا إلى انحسار
https://aawsat.com/home/article/1102291/%C2%AB%D8%B5%D8%AD%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D8%AC%D8%A6%D9%8A%D9%86%C2%BB-%D9%81%D9%8A-%D8%A3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A7-%D8%A5%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%86%D8%AD%D8%B3%D8%A7%D8%B1
«صحافة اللاجئين» في ألمانيا إلى انحسار
- برلين: راغدة بهنام
- برلين: راغدة بهنام
«صحافة اللاجئين» في ألمانيا إلى انحسار
مقالات ذات صلة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة