التأشيرة و«جريمة الاستعمار»... ملفان شائكان أمام زيارة ماكرون للجزائر

قضية «الذاكرة» لا تزال تلقي بثقلها على العلاقات الجزائرية ـ الفرنسية

وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل (يسار) مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان أثناء مؤتمر صحافي ويبدو بينهما وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي (أ.ب)
وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل (يسار) مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان أثناء مؤتمر صحافي ويبدو بينهما وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي (أ.ب)
TT

التأشيرة و«جريمة الاستعمار»... ملفان شائكان أمام زيارة ماكرون للجزائر

وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل (يسار) مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان أثناء مؤتمر صحافي ويبدو بينهما وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي (أ.ب)
وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل (يسار) مع نظيره الفرنسي جان إيف لودريان أثناء مؤتمر صحافي ويبدو بينهما وزير الطاقة الجزائري يوسف يوسفي (أ.ب)

سيواجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عندما يزور الجزائر الأربعاء المقبل، طلبين ملحين لدى فئتين من الجزائريين: الأول مرتبط بالتاريخ يتعلق بتقديم اعتذار رسمي عن احتلال الجزائر (1830 - 1962)، وهذا الطلب يطرحه الجيل الذي عاش الاستعمار. أما الطلب الثاني فيتعلق بمزيد من تأشيرات الدخول إلى فرنسا، التي فاق عددها نصف مليون في 2016، وهذا الطلب يلح عليه خصوصاً الباحثون وطلبة الجامعة.
وتلقى المسؤولون الجزائريون إشارات سلبية من ماكرون تفيد بأنه غير مستعد للخوض في مسائل «الاعتذار عن الجريمة الاستعمارية»، و«التوبة عن ذنب الاحتلال». ففي لقاء مع طلبة جامعة واغادوغو في بوركينا فاسو الثلاثاء الماضي قال الرئيس الفرنسي: «أنا وأنتم ننتمي إلى جيل لم يعش الاستعمار»، وهي جملة فهمت في الجزائر على أن فرنسا لن تتحمل في فترة حكمه مسؤولية فرنسا الاستعمارية، وهذا المعنى يكرهه الجزائريون لأنه كان سبباً في توتر العلاقة بين البلدين في فترة حكم الرئيس نيكولا ساركوزي (2007 - 2012) الذي زار الجزائر نهاية 2007، إذ قال: «لا تطلبوا من الأبناء أن يعتذروا عن أخطاء ارتكبها آباؤهم».
ويشعر الجانب الجزائري بأن ماكرون تراجع عن موقف قوي صدر منه عندما زار الجزائر في فبراير (شباط) الماضي، وكان حينها مرشحاً للرئاسة منافساً لزعيمة اليمين المتطرف مارين لوبان، التي يعاديها غالبية الجزائريين المقيمين بفرنسا، حتى ممن يملكون الجنسيتين. فقد قال لدى استضافته في فضائية خاصة: «إن الاستعمار جزء من التاريخ الفرنسي. إنه جريمة، جريمة ضد الإنسانية، إنه وحشية حقيقية، وهو جزء من هذا الماضي الذي يجب أن نواجهه بتقديم الاعتذار لمن ارتكبنا بحقهم هذه الممارسات».
وقام جدل كبير في فرنسا بعد هذا التصريح، ودعا قادة عدة أحزاب ماكرون إلى التراجع عنه. وتحت ضغط وسائل الإعلام قدم الاعتذار «ممن تسببت في خدش مشاعرهم من دون قصد».
وفي نظر الجزائريين، فإن كثيراً من الفرنسيين ينظرون إلى احتلال الجزائر على أنه «فعل حضاري»، تشكر عليه فرنسا ولا تلام. وهذا بالضبط ما انطوى عليه ما يعرف بـ«قانون تمجيد الاستعمار»، الذي أصدره البرلمان الفرنسي عام 2005، وكان سبباً في فشل مسعى إمضاء «معاهدة صداقة»، كان الرئيسان جاك شيراك وعبد العزيز بوتفليقة اتفقا عليها عام 2003.
وقال السعيد عبادو، أمين عام «المنظمة الوطنية للمجاهدين» في تصريحات نشرتها «الشرق الأوسط» في وقت سابق، إن «واجبنا كمجاهدين حاربوا الاستعمار، وواجب الأحزاب السياسية هو التمسك بمطلبنا القديم، وهو الضغط على فرنسا حتى تقدم اعتذارها عن جرائمها بالجزائر، ودفع تعويضات عن الدمار الذي أحدثته في بلادنا، خصوصاً ما خلفته تجاربها النووية من دمار وآلام نفسية في صحرائنا بعد الاستقلال». وذكر عبادو، وهو وزير سابق لقدامى المجاهدين (1994 - 1997) أن فرنسا «تحاول التنكر لمسؤوليتها التاريخية عن المظالم التي ارتكبتها في بلادنا، ولا ينبغي أن نمكنها من ذلك».
ويقول أستاذ التاريخ محمد ولد سيد قدور القورصو، وهو أشهر الباحثين في العلاقات الجزائرية - الفرنسية، بخصوص زيارة ماكرون وأبعادها: «هناك مؤشرات قوية تدل على أن الفكر الاستعماري، بمفهوم القرنين التاسع عشر والعشرين، ما زال يهيمن على ذهنية عدد من المسيرين السياسيين في أوروبا، خصوصاً في فرنسا، وماكرون لا يشذ عن هذه القاعدة برأيي».
ولاحظ القورصو «انعدام إرادة سياسية من جانب المسؤولين الجزائريين لدفع فرنسا إلى تحمل مسؤوليتها تجاه ماضيها الاستعماري».
وأضاف بهذا الخصوص: «هناك أدوات للضغط على فرنسا في هذا المجال، أهمها توفر إرادة سياسية لذلك وتفعيلها. ورأيي أن الإرادة السياسية ضعيفة لدى الجزائريين حتى لا أقول منعدمة، بدليل أن قضية الذاكرة تمت مقايضتها باستثمارات فرنسية، أقصد أن المنافع الاقتصادية قابلها اعتراف رمزي بالمآسي التي تكبدها الجزائريون. والحقيقة التي كان ينبغي توظيفها لصالحنا كجزائريين، أن تاريخ الاستعمار بالجزائر لا يزال يمزق الطبقة الفرنسية، التي لم تتخلص من عقدتها تجاه الجزائر. وهذا المعطى يفترض أن نستفيد منه لافتكاك الاعتراف بالجرائم الاستعمارية، ولكن لن يتحقق ذلك من دون إرادة سياسية لتجريم فرنسا».



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.