كيانات ليبية في مرمى عقوبات مجلس الأمن بسبب تهريب البشر

TT

كيانات ليبية في مرمى عقوبات مجلس الأمن بسبب تهريب البشر

كشف مسؤول عسكري، يتبع الجيش الوطني الليبي، ومتحدث باسم غرفة أمنية في مدينة صبراتة (70 كيلومتراً غرب العاصمة طرابلس) عن وجود شخصيات وكيانات وميليشيات مسلحة، قد تتعرض لعقوبات دولية من مجلس الأمن، بـ«تهمة تهريب المهاجرين غير الشرعيين» إلى أوروبا، وقالوا لـ«الشرق الأوسط» إن ليبيا «تعاني من ظلم المجتمع الدولي، الذي يحملها تبعات هذه الأزمة، في حين أنها بلد عبور، وليست مصدراً للهجرة».
يأتي ذلك وسط إعلان الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة عن خطة «لتفكيك شبكات تهريب البشر، ومعاقبة المتهمين المعروفين، وإعادة توطين المهاجرين العالقين في ليبيا».وطالبت فرنسا مجلس الأمن الدولي، الثلاثاء الماضي، بفرض عقوبات على «مهربي البشر» في ليبيا، واقترحت مساعدة لجنة العقوبات في تحديد الأفراد والكيانات المسؤولة عن التهريب عبر الأراضي الليبية.
وقال فرنسوا ديلاتر، سفير فرنسا لدى الأمم المتحدة، خلال الجلسة: «على المجلس استخدام العقوبات للمساعدة في القضاء على تهريب البشر في ليبيا... وفرنسا تعوِّل على دعم أعضاء المجلس لإحراز تقدم قصد الوصول إلى هذه الغاية».
وأفاد المسؤول العسكري بأن «الفراغ الأمني الذي ساد البلاد عقب سقوط النظام السابق عام 2011 دفع كثيراً من الأفراد لتكوين تشكيلات للعمل على تجميع الراغبين في الهجرة إلى أوروبا بهدف جمع الأموال»، مشيراً إلى وجود أشخاص وميليشيات ومنتسبين لإحدى القبائل في الجنوب، وكيانات عدة، يعملون منذ نحو خمس سنوات في تجميع المهاجرين غير الشرعيين داخل بعض المناطق ثم تسفيرهم إلى أوروبا.
كما أوضح المسؤول العسكري أن «ميليشيا أحمد الدباشي، قائد ما يُسمى بـ(كتيبة 48 مشاة)، الشهير بـ(العمو) التابعة لمجلس فائز السراج، تأتي في مقدمة الذين يمارسون عملية التهريب في منطقة الغرب الليبي»، وقال بهذا الخصوص إن «هذه الميليشيا تُعدّ من أكبر عصابات الهجرة غير الشرعية، قبل أن تقوم قوات الجيش الوطني بتطهير المدينة من (المسلحين المخربين)»، لافتاً إلى أنها «كانت تمتلك مقرات لتجميع المهاجرين قبل نقلهم عبر سواحلنا».
ومضى المسؤول العسكري يقول: «ولا ننسى ميليشيا مصعب أبوقرين، التي تعد المنافس الأول لـ(العمو)»، مشيراً إلى أنها تنشط في منطقة دحمان القريبة من صبراتة، وتُجمّع المهاجرين غير الشرعيين في مناطق قريبة من شاطئ البحر، قبل إرسالهم في قوارب إلى الجانب الآخر.
وفي الثالث من سبتمبر (أيلول) الماضي نقلت صحيفة «صنداي تايمز» البريطانية عن الدباشي، قوله إنه «أبرم اتفاقاً مع حكومة الوفاق في طرابلس لوقف تدفق المهاجرين إلى أوروبا»، مبرزاً أن «الاتفاق جاء مقابل سيارات وقوارب، والاعتراف بقواته باعتبارها قوى أمنية شرعية»، موضحة أن «الدباشي قابل بعض المسؤولين من حكومة الوفاق في يوليو (تموز) الماضي لمناقشة سبل إنهاء أنشطة الاتجار بالبشر عند سواحل ليبيا، وخلال اللقاء اتفقوا على إسقاط التهم الجنائية الموجهة ضد قواته»، لافتة إلى أن «كتيبة (أنس الدباشي) متهمة بالتورط في تهريب المهاجرين عبر سواحل ليبيا، وتُعدّ من المجموعات الرئيسية المسيطرة على تلك الأنشطة في مدينة صبراتة»، غير أن الأخير «نفى التهم الموجهة إلى قواته بالتورط في تهريب البشر، أو الحصول على أموال من إيطاليا مقابل وقف أنشطة التهريب».
لكن صالح قريسيعة، مدير الإعلام لغرفة مكافحة «داعش» في صبراتة، قال لـ«الشرق الأوسط» إن «عمليات التهريب مستمرة في مدن بشرق البلاد، مثل زوارة والزاوية، والقرة بوللي، والمطرد، لكنها توقفت في صبراتة»، مبرزاً أن «كل الذين يعملون بالتهريب في مدينتنا، وكانوا يخفون الأفارقة في (هناكر) سلموا ما لديهم للغرفة ومكتب الهجرة، وتم ترحيل المهاجرين تباعاً إلى دولهم»، لافتاً إلى أن «(العمو) هرب إلى تركيا».
وأشار قريسيعة إلى أن «مجال تهريب البشر راج خلال السنوات الماضية، ودخله أشخاص جدد، يأتون بأفارقة من جنسيات عدة، يرغبون في الهجرة لكنهم لا يملكون نقوداً، فيوفرون لهم وظائف لجمع تكاليف الرحلة، التي تتم غالباً بواسطة قوارب متهالكة».
وأبرز المسؤول الأمني أن «الحدود الجنوبية مفتوحة أمام المهاجرين الذين يأتون من تشاد والنيجر بشكل كبير جداً، حيث تستقبلهم ميليشيات بمناطق قريبة من قبائل التبو، وتجمعهم في مدينة سبها، ثم نقلهم إلى سواحل الغرب الليبي، على أن تتولى قبيلة أولاد سليمان تأمينهم خلال انتقالهم».
وتحمّل الحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء (شرق البلاد) المجلس الرئاسي المسؤولية عن تنامي إشكالية الهجرة غير الشرعية، وقالت في بيان سابق إن «مناطق سيطرتها التي تمثل معظم مساحة البلاد لم تعرف تسجيل حالة واحدة لعبور البحر الأبيض المتوسط»، لكن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي فضل التحرك على مسار مجلس الأمن الدولي، قال إن التحرك ميدانيا في ليبيا يجري بالتنسيق مع «الزعيمين الليبيين خليفة حفتر وفائز السراج».
وأكد ماكرون لفضائية «فرانس 24»، مساء أول من أمس، على ضرورة «اتخاذ مبادرات عسكرية وشرطية لتفكيك شبكات الاتجار بالبشر في ليبيا»، مستدركاً أن «اتخاذها يكون بالتعاون بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي والحكومة الليبية». وأمس، أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين أن أجهزة مكافحة الهجرة غير الشرعية في العاصمة طرابلس ستقيم قريباً مركزاً ليكون «منشأة عبور وترحيل» للمهاجرين «الأكثر عرضة للخطر» نحو دول ثالثة.
وقالت المفوضية في بيان نشرته وكالة «الصحافة الفرنسية»، أمس، إن هذه المبادرة التي تدعمها الحكومة الإيطالية ستسهل نقل آلاف المهاجرين الأكثر عرضة للخطر إلى دول ثالثة، وأشار الناطق باسم المفوضية في ليبيا روبرتو منيوني إلى أن «من بين تلك الحلول لمّ شمل الأسر، والإجلاء إلى مراكز طوارئ تديرها المفوضية السامية للاجئين في دول أخرى أو العودة الاختيارية».
ولام صالح قريسيعة، مدير الإعلام لغرفة مكافحة «داعش» في صبراتة، المجتمع الدولي على «تعاطيه السيئ مع ملف الهجرة غير الشرعية في بلاده»، وقال إن «المجتمع الدولي ظالم وغير متعاون مع ليبيا، فالمنظمات الدولية تشن حرباً على ليبيا، بسبب (فيديو) غير صحيح، دون تحقيق، مما ورد به من مزاعم بيع أفارقة على أنهم (رقيق)».
واختتم قريسيعة حديثه مع «الشرق الأوسط» قائلاً: «بلادي تعاني من المهاجرين غير الشرعيين، نحن دولة عبور فقط، والدول الغربية لا تتعامل مع هذه القضية بجدية... بل فقط تبحث عن إدانة، ولا تقدم حلولاً».
في السياق ذاته، قال مسؤولون إن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وافقوا على خطة طوارئ لتفكيك شبكات تهريب البشر، وإعادة توطين المهاجرين العالقين في مسعى لتخفيف وطأة كارثة تتعلق بحقوق الإنسان في ليبيا.
وخرجت الخطة، وفقاً لـ«رويترز»، من اجتماع بين مسؤولين من الأمم المتحدة وقادة في الاتحاد الأوروبي، وممثلين لحكومات تشاد والنيجر والمغرب والكونغو وليبيا عقد، أول من أمس، بناء على طلب من فرنسا، خلال قمة بين الاتحادين الأفريقي والأوروبي، افتتحت أعمالها في ساحل العاج أول من أمس (الأربعاء).
وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ليل الأربعاء، إن الخطة تتضمن تشكيل «قوة عمل تنفيذية» مؤلفة من أفراد شرطة أوروبيين وأفارقة وأجهزة مخابرات، مضيفاً أن «الهدف سيكون في وقت قصير جداً هو التمكن من اعتقال مَن يتم التعرف عليه من المهربين، وتفكيك هذه الشبكات وتمويلها، الذي يجري من خلال بنوك ومدفوعات في المنطقة تسهم في دعم الإرهاب».
من جهتهم، قال مسؤولون ألمان إن «الحكومة الليبية التي تعهدت بالتحقيق في التقارير المتعلقة بمزادات العبيد، وافقت على السماح لوكالات الأمم المتحدة بزيارة مخيمات المهاجرين في المناطق الخاضعة لسيطرتها»، مضيفين أن دول الاتحاد الأوروبي وافقت على تمويل جهود إعادة توطين المهاجرين من ليبيا، وهي العملية التي تنظمها بالفعل المنظمة الدولية للهجرة.



مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
TT

مصر تؤكد تمسكها باحترام سيادة الصومال ووحدة وسلامة أراضيه

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)
الرئيس التركي رجب طيب إردوغان متوسطاً الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في أنقرة بعيد انتهاء المحادثات (رويترز)

قالت وزارة الخارجية المصرية، في بيان اليوم (الأحد)، إن الوزير بدر عبد العاطي تلقّى اتصالاً هاتفياً من نظيره الصومالي أحمد معلم فقي؛ لإطلاعه على نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت مؤخراً في العاصمة التركية، أنقرة، بين الصومال وإثيوبيا وتركيا؛ لحل نزاع بين مقديشو وأديس أبابا.

ووفقاً لـ«رويترز»، جاء الاتصال، الذي جرى مساء أمس (السبت)، بعد أيام من إعلان مقديشو وإثيوبيا أنهما ستعملان معاً لحل نزاع حول خطة أديس أبابا لبناء ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية، التي استقطبت قوى إقليمية وهدَّدت بزيادة زعزعة استقرار منطقة القرن الأفريقي.

وجاء في بيان وزارة الخارجية المصرية: «أكد السيد وزير خارجية الصومال على تمسُّك بلاده باحترام السيادة الصومالية ووحدة وسلامة أراضيها، وهو ما أمَّن عليه الوزير عبد العاطي مؤكداً على دعم مصر الكامل للحكومة الفيدرالية (الاتحادية) في الصومال الشقيق، وفي مكافحة الإرهاب وتحقيق الأمن والاستقرار».

وقال زعيما الصومال وإثيوبيا إنهما اتفقا على إيجاد ترتيبات تجارية للسماح لإثيوبيا، التي لا تطل على أي مسطح مائي، «بالوصول الموثوق والآمن والمستدام من وإلى البحر» بعد محادثات عُقدت يوم الأربعاء، بوساطة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان.

وهذا الاجتماع هو الأول منذ يناير (كانون الثاني) عندما قالت إثيوبيا إنها ستؤجر ميناء في منطقة أرض الصومال الانفصالية بشمال الصومال مقابل الاعتراف باستقلال المنطقة.

ورفضت مقديشو الاتفاق، وهدَّدت بطرد القوات الإثيوبية المتمركزة في الصومال لمحاربة المتشددين الإسلاميين.

ويعارض الصومال الاعتراف الدولي بأرض الصومال ذاتية الحكم، والتي تتمتع بسلام واستقرار نسبيَّين منذ إعلانها الاستقلال في عام 1991.

وأدى الخلاف إلى تقارب بين الصومال ومصر، التي يوجد خلافٌ بينها وبين إثيوبيا منذ سنوات حول بناء أديس أبابا سداً مائيّاً ضخماً على نهر النيل، وإريتريا، وهي دولة أخرى من خصوم إثيوبيا القدامى.

وتتمتع تركيا بعلاقات وثيقة مع كل من إثيوبيا والصومال، حيث تُدرِّب قوات الأمن الصومالية، وتُقدِّم مساعدةً إنمائيةً مقابل موطئ قدم على طريق شحن عالمي رئيسي.

وأعلنت مصر وإريتريا والصومال، في بيان مشترك، في أكتوبر (تشرين الأول) أن رؤساء البلاد الثلاثة اتفقوا على تعزيز التعاون من أجل «تمكين الجيش الفيدرالي الصومالي الوطني من التصدي للإرهاب بصوره كافة، وحماية حدوده البرية والبحرية»، وذلك في خطوة من شأنها فيما يبدو زيادة عزلة إثيوبيا في المنطقة.

وذكر بيان وزارة الخارجية المصرية، اليوم (الأحد)، أن الاتصال بين الوزيرين تطرَّق أيضاً إلى متابعة نتائج القمة الثلاثية التي عُقدت في أسمرة في العاشر من أكتوبر.

وأضاف: «اتفق الوزيران على مواصلة التنسيق المشترك، والتحضير لعقد الاجتماع الوزاري الثلاثي بين وزراء خارجية مصر والصومال وإريتريا؛ تنفيذاً لتوجيهات القيادات السياسية في الدول الثلاث؛ لدعم التنسيق والتشاور بشأن القضايا الإقليمية ذات الاهتمام المشترك».

وفي سبتمبر (أيلول)، قال مسؤولون عسكريون واثنان من عمال المواني في الصومال إن سفينةً حربيةً مصريةً سلَّمت شحنةً كبيرةً ثانيةً من الأسلحة إلى مقديشو، تضمَّنت مدافع مضادة للطائرات، وأسلحة مدفعية، في خطوة من المرجح أن تفاقم التوتر بين البلدين من جانب، وإثيوبيا من جانب آخر.

وأرسلت القاهرة طائرات عدة محملة بالأسلحة إلى مقديشو بعد أن وقَّع البلدان اتفاقيةً أمنيةً مشتركةً في أغسطس (آب).

وقد يمثل الاتفاق الأمني مصدر إزعاج لأديس أبابا التي لديها آلاف الجنود في الصومال، يشاركون في مواجهة متشددين على صلة بتنظيم «القاعدة».