ليبيا حائرة بين مصرفين مركزيين... ومواطنون يدفعون «فاتورة الانقسام»

99 % من الاعتمادات والأنشطة في يد {طرابلس}... و«البيضاء» ينازعه بـ4 مليارات دينار

مصرف طرابلس المركزي («الشرق الأوسط»)
مصرف طرابلس المركزي («الشرق الأوسط»)
TT

ليبيا حائرة بين مصرفين مركزيين... ومواطنون يدفعون «فاتورة الانقسام»

مصرف طرابلس المركزي («الشرق الأوسط»)
مصرف طرابلس المركزي («الشرق الأوسط»)

عمّقت الأزمة السياسية في ليبيا من وضعية «المصرف المركزي» المُنقسم بين المقر الرئيسي، المُعترف به دوليا، في العاصمة طرابلس (غرب البلاد)، الذي تذهب إليه إيرادات النفط، ويترأسه الصدّيق الكبير، وبين آخر مواز ويديره نائبه علي الحبري، في مدينة البيضاء (شرق البلاد)، وذلك في وقت تضرب فيه البلاد أزمة نقص سيولة حادة، أدت إلى اصطفاف المواطنين في طوابير طويلة أمام المصارف، فضلا عن وصول الدين الخارجي إلى 71 مليار دينار ليبي (نحو 7.9 مليار دولار).
وأعلن الحبري، من تونس أمس، خلال افتتاحه معرض المنتجات المصرفية الذي يقام على هامش المنتدى السنوي الأول لتطوير القطاع المصرفي في ليبيا، أن «مستقبل المصرف المركزي يتوقف على تعيين محافظ جديد»، متحدثا عن «أشخاص معينة (لم يسمها) تعرقل هذا الاتجاه لمصالح شخصية».
وأمام انقسام «المركزي»، وجّه رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني فائز السراج، دعوة لكل من الكبير والحبري للاجتماع في طرابلس، «لاتخاذ تدابير وقرارات توحيد المصرف، ووضع سياسات نقدية لمعالجة سعر الصرف، وأزمة السيولة، ودعم الدينار الليبي». وبعد نحو أسبوع، دخل رئيس مجلس النواب عقيلة صالح على خط الأزمة، وكرر الدعوة نفسها للطرفين أول من أمس، لعقد لقاء في مدينة البيضاء، لبحث الأمر نفسه.
وجاء رد الحبري سريعاً، مرحباً بدعوة السراج، وقال في بيان رسمي: «إننا تحت تصرفكم، وفي خدمة الوطن، ولن يتردد أعضاء مجلس الإدارة في عقد جلسة استثنائية في الوقت الذي ترونه مناسبا لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لتصحيح المسار الاقتصادي، واحترام إرادة المواطن الذي يعاني على كل المسارات».
في موازاة ذلك، استقبل الكبير دعوة السراج بـ«الاستغراب»، ففيما رحب بالدعوة إلى إلغاء «المؤسسات الموازية»، رأى أن يتم ذلك على «أسس قانونية بتكليف جهة متخصصة بمراجعة جميع أعمال المصرفين في طرابلس والبيضاء، ليتحمل كل طرف المسؤولية القانونية الناجمة عن أعماله»، الأمر الذي وصفه مؤسس سوق المال في ليبيا الدكتور سليمان الشحومي لـ«الشرق الأوسط» بأن الكبير كـ«من يضع العصا في العجلة، فهو يطالب بمكتب دولي لمراجعة حسابات المصرفَين».
لكن الكبير عزز موقفه الرافض لدعوة السراج، بتعاظم فاتورة الانقسام السياسي، والانفلات الأمني، وغياب مؤسسات الدولة والحروب التي دارت رحاها في مدن ليبية منذ عام 2014، وقال إن «وجود حكومات موازية، بالإضافة إلى الإقفال القسري للموانئ والحقول النفطية، نتج عنه تدنٍ حاد في الإيرادات النفطية، كونها المصدر الوحيد لتمويل الميزانية العامة، حيث هبط من 53.2 مليار دولار إلى 4.8 مليار دولار فقط في عام 2016... وارتفعت قليلا إلى 10.4 مليار دولار حتى نهاية أكتوبر (تشرين الأول) عام 2017».
وتابع الكبير: «هذه الإجراءات كبدت الدولة خسائر مباشرة وغير مباشرة تقدر بأكثر من 160 مليار دولار، الأمر الذي تسبب في أزمة اقتصادية ومالية وعجز في الموازنة العامة بلغ معه الدين العام حدا خطيرا زاد على 71 مليار دينار مع نهاية أكتوبر 2017، هذا عدا 20 مليار دينار أنفقها المصرف المركزي بالبيضاء، بالإضافة للعجز المستمر في ميزان المدفوعات منذ عام 2013 إلى اليوم».
وانتهى الكبير قائلا إن «مصرف ليبيا المركزي أعلن الفترة الماضية عن برنامج الإصلاح الاقتصادي والمالي، تمت فيه الاستفادة من جهود الخبراء والمختصين المتعلقة بمعالجة الأزمات. وهذه الجهود لا يمكن أن تؤتي نتائجها المستهدفة بشكل أحادي، وإنما في إطار حزمة متكاملة من الإصلاحات تتعاون في تنفيذها السلطات والمؤسسات ذات العلاقة».
ويرى الشحومي، في حديثه مع «الشرق الأوسط»، أن حزمة الإصلاحات الاقتصادية التي يطالب بها الكبير قبيل الاجتماع مع الحبري، ويوافق عليها مجلس النواب و«الأعلى للدولة»، هي معادلة «مستحيلة»، متسائلا: «كيف يضع الكبير البرلمان في المعادلة، وقد سبق وأقاله من منصبه قبل ثلاثة أعوام؟».
ويرجع انقسام «المركزي» في ليبيا إلى عام 2014، عندما رفض الكبير الدخول تحت سلطة البرلمان المنتخب في طبرق، متمسكا برئاسته للمقر الرئيسي في طرابلس والبقاء تحت شرعية حكومة الوفاق، مما اضطر مجلس النواب إلى عزله من منصبه، وإسناد رئاسة المصرف المركزي إلى نائبه علي الحبري، وزاد من تفجّر الأزمة بين المؤسستين الماليتين، منع حكومة الوفاق توريد إصدار نقدي جديد طلبه مصرف البيضاء، رأت أن له «تبعاته سلبية على الاقتصاد والعملية السياسية في البلاد».
وتحدث الشحومي، عن آلية عمل «المصرفين المركزيين»، وقال إنه «لا يوجد بينهما أي تواصل في التعاملات البنكية، فكل منهما يعمل بشكل مستقل»، مشيرا إلى أن «مركزي البيضاء، الذي يستمد شرعيته من مجلس النواب، موارده محدودة ويكاد يوفر الأموال من الاقتراض وإصدار سندات الدين، لتوفير مرتبات الموظفين وجوانب من ميزانية الحكومة المؤقتة»، متابعاً: «هذا مصرف مستحدث».
وأضاف الشحومي أن المصرف المركزي في طرابلس هو من يملك الـ«سويفت كود» (الرمز البنكي الحسابي) الرسمي، و«البنوك الخارجية تتعامل مع من يمتلك هذا الحق»، فضلا عن أنه «يمتلك الاحتياطات النقدية في الخارج»، لافتا إلى أنها رغم أن هذه الاحتياطيات «تتناقص؛ فإنها لا تزال كبيرة إلى حد ما».
وذهب الشحومي إلى أن «الأزمة الحقيقية بين المصرفين في طرابلس والبيضاء زادت بعد أن لجأ الأخير العام الماضي إلى طبع العملة في روسيا، للإنفاق وتمويل القروض، فضلا عن انتهاء المدة القانونية للصديق الكبير، والتجاذبات السياسية في البلاد».
وسبق وأن تعاقد مصرف البيضاء على طبع 4 مليارات دينار في روسيا، تلقى جانبا كبيرا منها وجرى توزيعها على المصارف الخاضعة له، في حين يطبع مصرف طرابلس نقوده في بريطانيا.
ودخل الطرفان في سجال حول «الصكوك»، والحديث عن أن النقود المطبوعة في روسيا «مزورة»، بجانب رفض مصرف ليبيا المركزي بطرابلس التعامل بالدينار المعدني المصكوك من قبل مركزي البيضاء قبل شهر مضى.
وقال الكبير في مؤتمر صحافي، إن «المصرف المركزي بالبيضاء اتخذ جملة من الإجراءات، منها تطوير نظام المدفوعات ليجري تمرير الصكوك في وقت وجيز، والدفع بالقطاع الخاص لينافس على نظام البطاقات، وإدخال برنامج Mobile Banking ليتم عبره تحويل الأموال من أي مكان في ليبيا».
ورد الحبري عبر قناة فضائية قائلا إنه «بإمكان (الكبير) تسلم الصكوك ومراجعتها (غداً)، فعملنا قانوني وفق الأُطر القانونية»، مضيفا: «الكبير لديه 50 مليون دينار من العملة المطبوعة في روسيا»، مطالبا بتحليلها وإرسال التقرير إلى مركزي البيضاء إن كان صادقا في قوله إنها مزورة»، ومضى يقول إن «الاحتياطات النقدية الموجودة في طرابلس هي ملك لليبيين، ولمصرف ليبيا المركزي»، في إشارة إلى فرع البيضاء.
في مقابل ذلك، رأى مؤسس سوق المال في ليبيا الدكتور سيلمان الشحومي، أن «الطرفين لن يصلا إلى حل إلا بعد الانتهاء من الاتفاق السياسي، ووجود حكومة موحدة، يعقبها تشكيل مجلس إدارة للمصرف بمحافظ ونائب»، لافتا إلى أن الخيارات أمام مصرف البيضاء ضعيفة، وربما يصطدم بحائط، إن لم يتجه إلى التوحد مع مصرف طرابلس، فهذه الخطوة هي أخف الضررين له.
ويعاني الاقتصاد الليبي من تراجعات حادة لمؤشراته الكلية، وخسائر متلاحقة لقطاعاته، فمنذ عام 2013 دخل في حالة ركود قوية، وحقق معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي معدلات سالبة حادة بلغت 24 و8.9 و2.9 في المائة في الأعوام 2014 و2015 و2016 على التوالي.
وفشلت الحكومات المتعاقبة في تدبير إيرادات عامة تغطي نفقاتها، ليرتفع في المحصلة عجز الموازنة العامة للدولة إلى معدلات غير مسبوقة، وغاية في الخطورة... حيث وصل إلى 43.3 في المائة عام 2014، ثم إلى 76.9 في المائة خلال عام 2015، ثم إلى 52.7 في المائة عام 2016.
وذهب الخبير الليبي في البنك الأوروبي، عمرو فركاش، إلى أن «المركزية» التي وضعها النظام السابق، تقف عائقا أمام المصرف المركزي في البيضاء، مشيرا إلى أن المنظومة الإلكترونية لفتح الاعتمادات مربوطة بمصرف طرابلس، وبالتالي إذا أرادت أي شركة فتح اعتماد في شرق البلاد، لا بد أن يمر هذا عبر المصرف المركزي الذي يترأسه الصديق الكبير.
وأضاف فركاش لـ«الشرق الأوسط»، أن «جميع البنوك في ليبيا تتعامل مع المصرفين المركزيين، لكن بعضها قد يرفض تنفيذ أوامر بنكية صادرة من مصرف البيضاء»، مستكملاً: «في الوقت ذاته، إذا رفضت التعامل مع مصرف طرابلس (وهذا لم يحدث من قبل)، فقد تتعرض لعقوبات، نظرا لأن 99 في المائة من الاعتمادات والأنشطة المالية خارج التراب الوطني تقع تحت سلطته».
وقدّر فركاش حجم السيولة التي يتعامل فيها مصرف البيضاء بـ4 مليارات دينار ليبي فقط، ورأى أن «نشاطه يقتصر على المراقبة، وتوزيع السيولة على المصارف، وطباعة النقود».
وانتهى الخبير في البنك الدولي إلى أن توحيد المؤسسة المالية في البلاد، ووجود سياسة نقدية واحدة، وعدم تضارب في القرارات، قد يؤدي إلى انخفاض قيمة العملات الأجنبية أمام الدينار الليبي، «لكن للأسف كل يغني على ليلاه»، ليظل المواطن هو الضحية لتلك السياسات المتضاربة.
وتراجعت معاملات القطاع الخارجي في ليبيا لتحقق عجزا قدر بـ46.1 و67.1 و50.8 في المائة أعوام 2014 و2015، و2016 على التوالي، فيما بلغ التضخم 26 في المائة عام 2016. وتجاوز الدين العام نسبة 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفقا لبيانات «المرصد الاقتصادي» للشرق الأوسط وشمال أفريقيا التابع لمجموعة البنك الدولي.



الذهب يسجل مكاسب ملحوظة مع تزايد المخاوف حول سياسات ترمب

سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)
TT

الذهب يسجل مكاسب ملحوظة مع تزايد المخاوف حول سياسات ترمب

سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)
سبائك ذهبية في غرفة صناديق الودائع الآمنة في دار «برو أوروم» للذهب في ميونيخ (رويترز)

ارتفعت أسعار الذهب يوم الجمعة مع تزايد حالة عدم اليقين بشأن سياسات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، ما زاد من الطلب على السبائك. بينما يترقب المستثمرون تقريراً هاماً عن الوظائف لتقييم الاتجاه المتوقع في سياسة خفض أسعار الفائدة من جانب مجلس «الاحتياطي الفيدرالي».

وارتفع الذهب في المعاملات الفورية 0.2 في المائة إلى 2675.49 دولار للأوقية (الأونصة) بحلول الساعة 07:25 (بتوقيت غرينتش). حقق الذهب مكاسب تزيد على 1% في المائة حتى الآن هذا الأسبوع، متجهاً نحو تحقيق أكبر قفزة أسبوعية منذ منتصف نوفمبر (تشرين الثاني)، وفق «رويترز».

وارتفعت العقود الآجلة للذهب في الولايات المتحدة 0.3 في المائة إلى 2698.30 دولار للأوقية. ومن المقرر صدور تقرير الوظائف غير الزراعية في الولايات المتحدة في وقت لاحق من اليوم.

وبحسب استطلاع أجرته «رويترز»، من المتوقع أن ترتفع أعداد الوظائف بمقدار 160 ألف وظيفة في ديسمبر (كانون الأول)، بعد قفزة قدرها 227 ألف وظيفة في نوفمبر (تشرين الثاني).

وقال غيغار تريفيدي، المحلل الكبير في «ريلاينس» للأوراق المالية: «نتوقع أن يتراجع الذهب قليلاً إذا جاء تقرير الوظائف غير الزراعية أفضل من المتوقع».

وأشار تريفيدي إلى أن الذهب حصل على دعم بعد تقرير التوظيف الخاص الأضعف من المتوقع لشهر ديسمبر، ما عزز الفكرة بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي قد يحتاج إلى تبني نهج أقل تشدداً في سياسة خفض أسعار الفائدة.

وقد أشار رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في «كانساس سيتي»، جيف شميد، يوم الخميس، إلى تردد البنك في خفض أسعار الفائدة مرة أخرى، في ظل اقتصاد مرن وتضخم يظل أعلى من هدفه البالغ 2 في المائة.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن التعريفات الجمركية وسياسات الهجرة التي اقترحها ترمب قد تؤدي إلى إطالة أمد النضال ضد التضخم. ويتطلع المتداولون الآن إلى أول خفض لأسعار الفائدة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، والذي من المتوقع أن يكون في مايو (أيار) أو يونيو (حزيران)، وفقاً لأداة «فيد ووتش».

وارتفعت الفضة 0.3 في المائة إلى 30.2 دولار للأوقية، في حين تم تداول عقد «كومكس» عند 31.17 دولار، وكلاهما قريب من أعلى مستوياته في شهر. وقال «دويتشه بنك» في مذكرة: «نتوقع أن تصمم الإدارة الأميركية القادمة سياسة اقتصادية وتجارية لتعزيز الرخاء الوطني، وأن يتعافى الفضة إلى جانب الذهب في النصف الثاني من عام 2025 إلى 35 دولارا للأوقية».

من ناحية أخرى، انخفض البلاتين 0.4 في المائة إلى 955.97 دولار، في حين ارتفع البلاديوم 0.9 في المائة إلى 934.16 دولار. ومن الجدير بالذكر أن المعادن الثلاثة في طريقها لتحقيق مكاسب أسبوعية.