الاستحقاقات تنبئ باختفاء «الإسلاميين» من الخريطة السياسية في الجزائر

TT

الاستحقاقات تنبئ باختفاء «الإسلاميين» من الخريطة السياسية في الجزائر

كرّست الانتخابات البلدية التي جرت بالجزائر في 23 من الشهر الحالي، واقعاً أفرزته انتخابات البرلمان الأخيرة (4 مايو/أيار الماضي)، يتعلق بتراجع التيار الإسلامي داخل الخريطة السياسية بشكل ينبئ باختفائه.
وبحسب إحصاءات وزارة الداخلية، فإن الأحزاب الإسلامية لا تمثل أكثر من 5 في المائة من مجموع مقاعد البرلمان والمجالس البلدية والولائية. وباستثناء «حركة مجتمع السلم»، التي حافظت على «ماء الوجه»، لا يوجد أي أثر للإسلاميين في الانتخابات الأخيرة، وبخاصة الأحزاب الإسلامية القديمة كـ«حركة النهضة»، و«حركة الإصلاح الوطني»، وبدرجة أقل «جبهة العدالة والتنمية» التي يرأسها الشيخ عبد الله جاب الله، أحد أبرز وجود التيار الإسلامي المعارض.
وقال جاب الله للصحافة المحلية، مفسراً ضعف نتائج «الإسلاميين» في الاستحقاق: «إن المناضلين الإسلاميين قاطعوا الانتخاب ولم يصوّتوا، والمترشحون الإسلاميون للانتخاب لم يبذلوا جهداً كبيراً لاستمالة الناخبين إليهم».
وأشار جاب الله إلى «ضعف الإمكانات المالية، فهناك من المترشحين من لا يملك أي شيء لينفق على الحملة الانتخابية. وللمال في هذه الانتخابات دور كبير. فإذا غاب، غاب أهم عامل من عوامل النجاح. وهناك سبب آخر يفسر تراجع الإسلاميين، وهو التزوير المتمثل أساساً في تضخيم نسبة التصويت في الانتخاب؛ ولهذا السبب أيضاً تأثيره السلبي على الانتخابات».
ويرفض قطاع من «الإسلاميين» الحديث أصلاً عن نتائجهم الضعيفة في الاستحقاقات التي نظمت في السنوات الماضية. ومن ضمن هؤلاء القيادي بـ«مجتمع السلم» ناصر حمدادوش، الذي كتب بصفحته بـ«فيسبوك» قائلاً: «لماذا لا يتحدّثُ بعض المحلّلين وبعض وسائل الإعلام عن تراجع حزب الرئيس حزب جبهة التحرير الوطني؟ ففي الانتخابات المحلية لسنة 2012 حصل هذا الحزب على الأغلبية في أكثر من 1000 بلدية، لكن خانته التحالفات التي جرت بين أحزاب عدة فأفقدته ما يقارب نصف البلديات، التي حصل فيها على الأغلبية، وهو ما دفع بالسلطات إلى تغيير قانون الانتخابات، وذلك بمنح رئاسة البلدية إلى متصدر لائحة المترشحين التي تأتي في مقدمة النتائج، وكل هذا من أجل سواد عيون حزب الإدارة وجهاز النظام وأداة السلطة... ورغم انحياز الإدارة إلى جبهة التحرير في الترشيحات، وفي تضخيم النتائج لصالحها، ومع تأثير المال السياسي الفاسد، واستغلال بعض وسائل الدولة لخدمته، فقد تراجع حزب الرئيس اليوم إلى حدود 600 بلدية، بعدما كان يملك الريادة في 900 بلدية».
وما يرفض أن يسلم به الإسلاميون هو أن سبب ضعف وزنهم في ميزان الانتخابات، يتمثل في نجاح السلطة في ربط صورتهم بالتطرف الديني، وبالتالي تنفير المواطنين منهم. فخلال تسعينات القرن الماضي عاشت البلاد إرهاباً مدمراً يتحمله بشكل غير مباشر إسلاميو «الجبهة الإسلامية للإنقاذ»، الذين اكتسحوا انتخابات البرلمان نهاية 1991، والذين حرمهم الجيش من تذوق حلاوتها عندما ألغى نتائجها بذريعة أن الجزائر «ستتحول إلى أفغانستان»، ومن يومها لم يكسب أي حزب إسلامي نتيجة لافتة في كل الاستحقاقات التي جرت في الـ20 سنة الماضية.
وعبّر سياسيون من التيار العلماني عن ارتياحهم لضعف تمثيل «الإسلاميين» في المشهد السياسي بعد الموعدين الانتخابيين الأخيرين؛ إذ قال عمارة بن يونس، رئيس «الحركة الشعبية الجزائرية» الموالي للرئيس بوتفليقة: إن «الديمقراطية أظهرت الحجم الحقيقي للإسلامويين، فهم يبيعون الوهم للشعب الجزائري الذي اكتشفهم على حقيقتهم».
ويحاول القيادي الإسلامي المعروف عبد الرزاق مقري تفسير حالة الضعف في أوساط الإسلاميين، بقوله «لقد أدى إغلاق الأفق السياسي بسبب التزوير الانتخابي المزمن إلى تقليص فرص الطموحات الشخصية المشروعة، وإمكانية تحقيقها من خلال النضال والتضحية بواسطة الحزب السياسي. لقد أصبح المتاح قليلاً، لا يتعدى بضعة نواب، وعدداً محدوداً من رؤساء البلديات، ولا يمكن الوصول إلى مناصب الوزارات وما يلحقها من مواقع إدارية مركزية ومحلية، إلا بموالاة الحاكم المتغلب والدخول تحت عباءته».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم