نهاية أسطورة زعيم «الجنجويد» قد تقدح حرباً جديدة في دارفور

موسى هلال والبشير
موسى هلال والبشير
TT

نهاية أسطورة زعيم «الجنجويد» قد تقدح حرباً جديدة في دارفور

موسى هلال والبشير
موسى هلال والبشير

بات إقليم دارفور (غرب السودان) في واجهة الأحداث مجددا، بعد قيام السلطات السودانية باعتقال الزعيم القبلي والمستشار السابق في الحكومة، موسى هلال، قائد ميليشيا «الجنجويد»، التي أثارت الذعر في دارفور، إبان الحرب الأهلية في بدايات هذا القرن، التي راح ضحيتها عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين. وتأتي الخطوة لتصب الزيت في نار الحرب مجددا، ووقودها هذه المرة القبائل العربية.
ويأتي اعتقال هلال الذي كان حليفا استراتيجيا للنظام أيام الحرب، في أعقاب إعلان الخرطوم بدء حملة جمع السلاح من المدنيين والميليشيات شبه العسكرية منذ ثلاثة أشهر من مناطق النزاع في غرب البلاد، وقد وضعت هذه الإجراءات إقليم دارفور الذي ينحدر منه هلال في واجهة الأحداث مرة أخرى.
وأجمع مراقبون ومحللون وسياسيون سودانيون على خطورة الخطوة التي اتخذتها الحكومة السودانية بالقبض على حليفها السابق، وأنجاله ومعاونيه، وإيداعهم الحبس في الخرطوم. وتراوحت مواقفهم بين اعتبار الخطوة بداية لاستقرار في الإقليم، وبين كونها حربا جديدة تلوح في الأفق. لكن الكثيرين دهشوا للسهولة التي اعتقل بها الزعيم القبلي الشهير بواسطة «قوات الدعم السريع»، بعد معركة قصيرة ومحدودة، على الرغم من هالة القوة الكبيرة التي كان يحيط بها نفسه. فقد استقبلت الخرطوم الرجل مصفدا بأغلاله، وأودعته أحد سجونها ونجليه وبعض معاونيه، وذلك بعد أيام قليلة من اعتقال أحد كبار قادة تنظيمه «مجلس الصحوة الثوري»، في مشهد ما كان أحد يتوقعه.
القوات التي اعتقلت هلال، ذكرت أنها اعتقلته لأنه يعارض حملة حكومية لجمع السلاح، يجري تنفيذها في ولايات دارفور وكردفان، إضافة إلى قتل «متفلتين» تابعين له، بواسطة أحد قادة قوات الدعم السريع في كمين نصبوه له بالقرب من مستقره في بادية «مستريحة» بولاية شمال دارفور.
وأثار اعتقال الرجل العديد من الأسئلة من قبيل ما إن كان اعتقاله نتيجة لمنافسة بينه وبين ابن عمومته قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان حميدتي، على القرب من الحكومة في الخرطوم التي اختارت غريمه وفضلته عليه.
لكن مساندة هلال للقوات الحكومية في حرب دارفور منذ عام 2003 بقواته المثيرة للجدل عرفت بـ«الجنجويد» التي اتهمت بارتكاب فظائع أثناء الحرب، ثم ألحقت بالجيش السوداني تحت اسم «قوات حرس الحدود»، لم تشفع له.
وباعتقاله، فإن دارفور، حسب المحللين، تقف أمام احتمالين، أحدهما أن تكون العملية مقدمة لاستقرار في الإقليم، بعد أن دانت السيطرة فيه لقوات الدعم السريع، والثاني أن تشتعل حرب عرقية جديدة بين فخذي قبيلة الرزيقات «المحاميد التي يتحدر منها هلال»، و«الماهرية التي يتحدر منها حميدتي»، ينحاز لها حلفاء الطرفين من القبائل العربية.
المراقبون يرون أن «التنافس بين الرجلين» هو السبب الأساسي الذي وصل بالأوضاع للذروة التي بلغتها الاثنين الماضي، باعتبار أن كلتا القوتين (الدعم السريع، وحرس الحدود) تتبع نظاميا الجيش السوداني.
وقال المحلل السياسي عبد الماجد عبد الحميد، في مقابلة بثتها فضائية «S24» السودانية، إن ما أطلق عليه «أسطورة موسى هلال» جاءت لأنه كان في مرحلة من المراحل أحد الأعمدة التي ارتكزت عليها حكومة الإنقاذ.
وأوضح أن هلال جاء في ظروف غير طبيعية وقام بأدوار «غير طبيعية»، أحدثت صدى داخل وخارج السودان، بيد أنه حذر من أن تأتي عملية اعتقال هلال بنتائج سالبة. ودعا لإعلاء ما سماه «صوت الحكمة»، وقال: «لكن الحديث بلغة المرارات القديمة سيخلق مشكلة».
وأضاف: «موسى هلال انتهى، لأنه أخطأ في مقاومة الحكومة، ولم ينظر إلى الأمور بعين سياسية، فأضاع كل الفرص المتاحة له»، وتابع: «دارفور بحاجة إلى مزيد من التصافي الداخلي». بينما أكد رئيس اتحاد الصحافيين الصادق الرزيقي، في المقابلة ذاتها، أن أجزاء كبيرة من إقليم دارفور باتت مستقرة، وقال إن «جيوبا صغيرة فقط من الإقليم تعاني اضطرابات»، وإن عملية جمع السلاح أدت إلى نتائج جيدة.
وقطع الرزيقي بأن الأوضاع في دارفور تتجه نحو الاستقرار، جازما بهدوء الأحوال وتراجع الحروب القبلية.
الحكومة تقطع بأن خلافها مع الرجل ينحصر في مجرد رفضه حملة جمع السلاح، لكن محللين آخرين، يرون أن ما حدث لهلال يقع ضمن الخلافات الداخلية على السلطة والثروة في دارفور. أضاف لها حميدتي اتهاما للرجل بالتورط في أجندة أجنبية، بقوله: «تورط موسى هلال في مؤامرة ذات أبعاد خارجية ضد السودان»، مستندا إلى ضبط أجنبي بحوزته أجهزة اتصال متطورة مع هلال. ويرجع مراقبون آخرون ما حدث إلى صراع بين قوات هلال التي تسيطر على منجم غني بالذهب في دارفور، يقع في منطقة تعرف بـ«جبل عامر»، وتحول دون دخول أي قوة أخرى لها.
من جانبه، انتقد حزب المؤتمر الشعبي، الذي أسسه زعيم الإسلاميين السودانيين حسن الترابي في بيان، ما سماه، مواجهة العنف بـ«وكلاء قبليين»، وقال إن ما حدث هو نتيجة لترك الدولة دورها في حفظ الأمن لقوى تحارب بالوكالة عنها. وتوقع الحزب المشارك في الحكومة بأن تؤدي خطوة اعتقال هلال إلى إشعال حرب جديدة في دارفور، وقال إنها «لن تستثني أحداً»، وطلب من المعارضة مواجهة احتمالات نشوب تلك الحرب.
بينما تضج مواقع التواصل الاجتماعي السودانية بالتحذير من تحول اعتقال هلال إلى صب للزيت على نار خمدت قليلا في دارفور، ومن حرب بين مجموعة القبائل العربية التي كانت تقاتل متحدة إلى جانب الحكومة.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.