باريس تحرّك دبلوماسيتها بالتزامن مع مفاوضات جنيف

مصادر فرنسية تحذر من «تسوية غير متوازنة»

TT

باريس تحرّك دبلوماسيتها بالتزامن مع مفاوضات جنيف

بينما تنطلق محادثات جنيف 8 حقيقية اليوم مع وصول الوفد الحكومي، عمدت باريس إلى «تشغيل» ماكينتها الدبلوماسية من خلال تحريك مبادرتها المعروفة القائمة على إطلاق «مجموعة الاتصال» المكونة من ممثلي الدول الخمس دائمي العضوية في مجلس الأمن والتشاور مع الدول الإقليمية المؤثرة في الملف السوري، بمن فيها إيران. وفي هذا السياق، اجتمع هؤلاء صباح أمس بمبادرة من المبعوث الفرنسي وبحضور المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا، كما سبق لهم أن التقوا مساء أول من أمس حول عشاء عمل في المدينة السويسرية.
تقول مصادر رسمية فرنسية رفيعة المستوى تحدثت إليها «الشرق الأوسط»، أمس، إن الهدف الذي تسعى إليه فرنسا هو السعي لتقريب المواقف بين الدول الخمس حول الأهداف والوسائل والآليات المفضية لذلك، من جهة، ومن جهة أخرى الدفع باتجاه «التوصل إلى تسوية مقبولة» في سوريا. وفي خلفية هذه الأهداف يكمن، وفق ما تؤكده هذه المصادر «تخوف من أن تذهب واشنطن بعيدا باتجاه الموقف الروسي ومطالب وطموحات موسكو» في سوريا. . وفي هذا السياق، يندرج الاتصال الهاتفي الذي جرى مساء أول من أمس بين الرئيس إيمانويل ماكرون ونظيره الأميركي دونالد ترمب الذي لخص مضمونه بيان صادر عن البيت الأبيض، جاء فيه أن محادثات جنيف هي «المحفل الوحيد القادر على توفير الشرعية لحل سياسي في سوريا». وأمس، قالت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية أنييس روماتيه - إسباني في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني، إن مسار جنيف هو «الإطار الوحيد الذي أقرته الأسرة الدولية للبحث عن حل سياسي في سوريا ولذا، فإن جميع الجهود الدولية يجب أن تنصب في هذا الإطار».
حقيقة الأمر أن باريس تعمل من أجل ألا تبقى خيوط الربط والحل موجودة فقط في الأيدي الروسية، ولذا، فإن أولى أولوياتها هي «استنهاض» واشنطن في الملف السوري وملف المفاوضات، باللجوء إلى ثلاث حجج رئيسية فصلتها المصادر الفرنسية لـ«الشرق الأوسط»، كالتالي: الأولى، التشديد على أن واشنطن لا تستطيع «الخروج» من الملف السوري إذا كان احتواء إيران أهم أولياتها في المنطقة، لأن الساحة السورية تشكل أبرز مظاهر التمدد الإيراني. والثانية، التأكيد على أن الوصول إلى تسوية «سيئة» وخصوصا «غير متوازنة» يعني أنها لن تكون مقبولة من جميع الأطراف الداخلية أو الإقليمية، وبالتالي لن تعني نهاية الحرب. والثالثة، حث الطرف الأميركي على عدم الإسراع في سحب قواته وعدم تكرار الأخطاء التي ارتكبت في العراق. وبالمقابل، فإن باريس تروج لصورة حل «شامل» يحفظ وحدة سوريا من جهة ويضمن استمرار بنى الدولة من جهة ثانية، بالإضافة إلى الوصول إلى نظام «متوازن» يحفظ مصالح جميع الأطراف السورية. وتضيف المصادر الفرنسية أنه يمكن التوصل إلى «إجماع» حول هذه المبادئ العامة. وبما أن «ترجمتها» إلى خطوات عملية لن تكون أمرا سهلا، لذا فإنها تقترح «تجزيئها» بمعنى أنه يمكن التركيز في المرحلة الأولى على الجوانب الإنسانية بوجوهها كافة، ثم حول كتابة دستور وترك ملف مصير الأسد لمرحلة لاحقة من غير التسليم ببقائه إلى ما لا نهاية على رأس السلطة في سوريا.
لا تبدو المصادر الفرنسية «بالغة التشاؤم» بخصوص ما آلت إليه الرؤية الروسية. ذلك أن باريس «متيقنة» من أن لموسكو «مصلحة» في التوصل لحل سياسي في سوريا ولدور للأمم المتحدة «يبارك» الحلول التي تروج لها. وعمليا، يبدو، بحسب الرؤية الفرنسية الناتجة عن اتصالات دورية مع موسكو، أن الجانب الروسي يسعى للترويج لنظام سوري «شبيه بالنظام الحالي» مع التزام الحذر في عملية الانتقال السياسي التي يريدها الروس «تحت السيطرة»، أي المحافظة على مكونات وبنى الدولة والمحافظة بالطبع على «المصالح الروسية في سوريا». وما يهم موسكو أنها تسعى لـ«مباركة أميركية» لهذا التصور الذي يبدو أنه يشكل محور الاتصالات بين موسكو وواشنطن. لكن المشكلة، بحسب النظرة الفرنسية، أن الإدارة الأميركية «لم تحسم بعد موقفها ولم تحدد استراتيجيتها» في سوريا حتى الآن.
يبقى أن ثمة مشكلة «قانونية» سوف تثار في الأسابيع المقبلة بعد دحر «داعش» نهائيا في سوريا، وتتمثل في الأساس القانوني الذي سيبرر بقاء القوات الأميركية أو الدور الأميركي العسكري في سوريا. وبعكس العراق، حجج التدخل الأميركي ومعه التحالف الدولي جاء بناء على طلب من الحكومة العراقية، فإن التدخل في سوريا جاء تحت بند محاربة الإرهاب. ولكن إذا انتفت هذه الحجة، فإن السؤال سيطرح حول المسوغ القانوني للحضور الأميركي العسكري ومعه أطراف التحالف في سوريا. وكان وزير الدفاع جيمس ماتيس قد أعلن قبل نحو الأسبوعين، أن القوات الأميركية لن تنسحب بمجرد هزيمة «داعش» بل ستبقى بانتظار تبلور الحل السياسي.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.