جون لوك وأساسيات الثقافة الليبرالية

جون لوك
جون لوك
TT

جون لوك وأساسيات الثقافة الليبرالية

جون لوك
جون لوك

لا خلاف على أن التراث الليبرالي اليوم يمكن إرجاع جذوره إلى العصر الإغريقي، خصوصاً كتابات «أرسطو» وغيره من الفلاسفة، ولكن المرجعية الفكرية الليبرالية في العصر الحديث دائماً ما تبدأ بالمفكر الإنجليزي العظيم «جون لوك» الذي يمثل الانطلاقة الفلسفية والعملية للفكر الليبرالي، فقد شيّد الأساس الذي بُنيت عليه المنظومة الليبرالية على المستوى الدولي إلى يومنا هذا منذ أن نشر كتابيه المعروفين بـ«الأطروحتين حول الحكومة المدنية»، واللذين تم نشرهما عام 1690، وفي هذين الكتابين وضع هذا المفكر العبقري القواعد الأساسية لما ينبغي أن تكون عليه فلسفة وأساليب الحكم الليبرالي والتي أصبحت الركيزة الأساسية التي بُني عليها الدستور الأميركي بعد أقل من قرن من الزمان، ثم انتشرت لتشمل أغلبية الدول الغربية مع مرور الوقت، فالأطروحة الأولى تركزت على نقد بل ونقض النظرية السلطوية للحكم لتكون التمهيد للأطروحة الثانية التي وضعت أسس الحكم الليبرالي لأي دولة، وعلى الرغم من أن الرجل لم ينشر الأطروحتين باسمه، لأسباب سياسية مرتبطة بالظروف المضطربة في إنجلترا، آنذاك، والتي مرت بحرب أهلية ضروس انتهت بإعدام الملك «جيمس الثاني»، وتولِّي الديكتاتور «كرومويل» الحكم، ثم بعد موته يؤول الحكم إلى الملكية، وتبدأ سلسلة من الاضطرابات والتصفيات السياسية مرة أخرى، فيهرب «لوك» من قبضة الملك لشكوك في مشاركته في مؤامرة ضده، ثم تأتي «الثورة العظيمة» في 1688 فتضع أساس الملكية الدستورية أو البرلمانية، وقد خشي «لوك» من مغبة الانتقامات السياسية فنشر كتبه تحت اسم مستعار في البداية.
لقد بدأ «لوك» فلسفته الأساسية من خلال القناعة الكاملة بأن الإنسان ليس، كما وصفه آخرون وعلى رأسهم المفكر الإنجليزي «توماس هوبز»، أنانيَّ التوجه غير قادر على إدارة أموره، كما تعرضنا في المقال السابق، ولكنه كائن عاقل يمكن أن يبني مع نظرائه «الكومونولث» أو المجتمع بشكل منطقي عبر المصلحة المشتركة من خلال مفهوم عقد اجتماعي نظري يتفق فيه المجتمعون على إنشاء المجتمع السياسي، فهو عقد اعتباري وليس فعلياً يفوّض من خلاله كل شخص حقه في إدارة الدولة أو المجتمع إلى سلطة سياسية لإدارته بالنيابة على أسس وشروط متَّفق عليها، وعلى رأسها:
أولاً، ضمان حقوق أساسية ثلاثة هي (الحق في الحياة، والحرية، والملكية الفردية)، فرأى أن هذه الحقوق الثلاثة الأساسية ما هي إلا حقوق ثابتة نملكها بحكم إنسانينا وليست هبةً من أحد، فهي حقوق مرتبطة بكينونتنا الوجودية، من ثم فإن الحكومة أو الدولة يجب أن تحافظ عليها بكل صدق وأن تصونها القوانين، وهذه الحقوق بطبيعة الحال ليست مطلقة فلها استثناءاتها التي تُنظَّم وفقاً للقوانين.
ثانياً، وانطلاقاً من هذه الحقوق المحورية تأتي رؤية «لوك» لكيفية تنظيم السلطة السياسية، فيرى أنها يجب أن تكون مرهونة بالشرعية من خلال حكومة ممثلة للشعب وبتفويض منه، بها قدر من التوازن بين السلطة التشريعية والتنفيذية، ولكنه يضع في النهاية العبء الأكبر على السلطة التشريعية باعتبارها مسؤولة عن سن القوانين التي تضع إطار الدولة وسبل تحركها، وقد ألزم الرجل هذه السلطة بمراعاة الحقوق الأساسية وحماية المجتمع داخلياً وخارجياً.
ثالثاً، أكد «لوك» أن أساس السلطتين مقرون بما وصفه بموافقة (Consent) المواطن، أي أنها تأخذ شرعيتها من إقرار الأفراد بها أو أغلبيتهم، وهنا فإنه يُخرج مفهوم الشرعية عن المفاهيم التقليدية السائدة في أوروبا في ذلك الوقت والمبنية على نظرية الحق الإلهي المطلق للملوك، والذي كان الأساس الفكري والعقائدي السائد، وقد كانت رؤية هذا الرجل حاسمة في تقويض هذا المفهوم من الأساس، فلم تعد له مرجعية فكرية تُذكر بعده.
رابعاً، اهتم «لوُك» بتأكيد أهمية الدين في المجتمع، ولكنه كان ضد أي محاولة لإقحام الكنيسة الأنجليكية في المعادلة السياسية، واعتبر أن دورها رعوي، أي أنه مركّز على الرعية، وبالتالي لا دور لها في الحكم، فاصلاً بذلك الدولة عن الدين، حتى وإن كان الملك هو رأس الكنيسة وفقاً لهذا المذهب، ولكنه أيضاً وضع اللبنة الأساسية لمفهوم التسامح، حيث أكد أحقية اعتناق أي فرد لأي مذهب مسيحي، فهو حقه الطبيعي، ورفض تماماً محاولة استخدام الوسائل القسرية أو غيرها لإجبار الناس على أي مذهب، مؤكداً أن ذلك لن يؤدي إلا إلى مزيد من القهر والعنف داخل المجتمع، ومع ذلك فيلاحظ أنه كان مقصوراً على المسيحية دون غيرها من الديانات الأخرى.
وهكذا استطاع هذا الفيلسوف العظيم أن يضع الأسس الفكرية لليبرالية، ولكن كما كان متوقعاً فإن فكره السياسي أخذ وقته لينتشر حتى جاءت الثورة الأميركية لتضعه حيز التنفيذ من خلال مفاهيم الحقوق الأساسية والتي وردت في إعلان الاستقلال، ثم بعد ذلك في عملية صياغة الدستور ونظام الحكم الأميركي، ومن بعد ذلك عاد فكره مرة أخرى للقارة الأوروبية ليلعب دوره المحوري في نشأة النظم الليبرالية بها... لقد علق أحد المفكرين بقوله «إن الدستور الأميركي كتبه مجموعة مفكرين وشبح... هذا الشبح لكرومويل الديكتاتور»، ولكنني أعتقد أن هذه الجملة ناقصة، فلقد كانت هناك روح إضافية محمودة الوجود، وهي روح «لوُك» من خلال كتاباته.



تامر حسني يرحب بتقديم «السيرة الذاتية» للفنان حسن يوسف

الفنان تامر حسني (حسابه بموقع فيسبوك)
الفنان تامر حسني (حسابه بموقع فيسبوك)
TT

تامر حسني يرحب بتقديم «السيرة الذاتية» للفنان حسن يوسف

الفنان تامر حسني (حسابه بموقع فيسبوك)
الفنان تامر حسني (حسابه بموقع فيسبوك)

بعد أيام قليلة من رحيل الفنان المصري حسن يوسف، الملقب بـ«الولد الشقي»، خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أبدى الفنان المصري تامر حسني ترحيبه بتقديم السيرة الذاتية للفنان الراحل.

ونشر حسني، على حسابه الرسمي بموقع «إنستغرام»، فيديو للقاء سابق للفنان الراحل في برنامج «كلام الناس»، الذي تقدمه المذيعة ياسمين عز، تحدث فيه عن رغبته في تجسيد تامر حسني لسيرته الذاتية في عمل فني نظراً لتمتعه بخفة الظل، وقدرته على إبراز هذا الملمح من شخصيته في إطار العمل.

وكتب حسني، تعليقاً على تصريحات الفنان الراحل: «كل الشرف إني أعمل سيرتك الذاتية»، كما اعتبر حسني ذلك «إشادة في تاريخي من فنان أسطوري».

من جانبها، رحّبت الفنانة المصرية عفاف شعيب بتقديم تامر حسني مسلسل سيرة ذاتية عن رحلة حسن يوسف، الذي شاركته بطولة مسلسل «إمام الدعاة» عن سيرة الشيخ الشعراوي، وأكدت عفاف أن «تامر حسني فنان ذكي واختياراته متقنة»، ولفتت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أنها تعاملت مع تامر ولمست حضوره المميز وروحه المرحة وخفة ظله وفهمه الجيد للشخصية التي يقدمها.

الفنان حسن يوسف (حساب نجله عمر بموقع فيسبوك)

وتطمح الفنانة المصرية إلى «كتابة العمل بإتقان شديد والتعمق في مشواره وسرده بحرفية، وذلك في حال البدء بالتحضيرات الفعلية»، واستشهدت بمسلسل «إمام الدعاة» الذي لاقى نجاحاً كبيراً عند عرضه، وفق قولها.

وذكرت عفاف شعيب أن «حسن يوسف فنان كبير وتاريخه معروف وهناك من عاصروه وما زالوا على قيد الحياة، ويعرفون جيداً تفاصيل حياته، وأي خطأ في السرد سيحزنهم كثيراً».

وعن أهم مراحل حياته التي يجب تسليط الضوء عليها خلال الأحداث، قالت: «لا بد من الحديث عن حسن الفنان والأب، وكيف كان يوازن بين عمله وبيته فهو شخص يعشق أسرته وأبناءه وزوجته الفنانة المعتزلة شمس البارودي».

وعن رأيها بأعمال «السير الذاتية» في الدراما عموماً، أكدت الفنانة المصرية أن «هذه الأعمال لها جمهور يتابعها، ولكن كتابتها بإحكام هي التي تحكم جودتها من عدمها».

الفنان حسن يوسف مع زوجته الفنانة المعتزلة شمس البارودي (حساب نجله عمر بموقع فيسبوك)

وقبل حسن يوسف، قدّم صناع الدراما في مصر أعمالاً فنية عدة عن مسيرة عدد من المشاهير؛ من بينها «الأيام» الذي تناول حياة الأديب طه حسين، و«أبو ضحكة جنان»، عن مشوار إسماعيل ياسين، و«العندليب» الذي تناول سيرة عبد الحليم حافظ، و«السندريلا» الذي قدّم مشوار سعاد حسني، و«أنا قلبي دليلي» عن حياة ليلى مراد، كما قدم مسلسل «الشحرورة» سيرة صباح، وتناول مسلسل «الضاحك الباكي» سيرة نجيب الريحاني، وكذلك «أم كلثوم»، و«أسمهان»، و«كاريوكا»، وغيرهم.

ويرى الناقد الفني المصري رامي المتولي أن «أعمال السير الذاتية تقدم الشخصية عادة في إطار ملائكي، حتى لو اضطروا إلى تهميش كل الشخصيات بالعمل لصالحها، وقد شاهدنا ذلك في مسلسل (أم كلثوم)، على سبيل المثال الذي تأثر فيه الكاتب محفوظ عبد الرحمن بحبه لـ(كوكب الشرق)»، وفق قوله.

ويضيف المتولي لـ«الشرق الأوسط»: «لا بد من اعتماد سيناريوهات السير الذاتية من مصدر ثابت ودراسات موثقة، أو من الشخص نفسه، وماذا قال عن مشواره قبل رحيله».

ولفت المتولي إلى أن «هناك أعمالاً نجحت في هذا الجانب من بينها مسلسل (الأيام) الذي روى السيرة الذاتية للأديب طه حسين؛ حيث تمت صياغته بطريقة متوازنة استناداً إلى الأصل الأدبي، وكذلك فيلم (ناصر 56) الذي تناول فترة بعينها أظهرت الشخصية بأبعادها النفسية والإنسانية بشكل كامل».