بابا الفاتيكان يبدأ زيارة ميانمار ويلتقي قائد جيشها

مجلس حقوق الإنسان يعقد جلسة خاصة بشأن جرائم ارتكبت بحق الروهينغا

بابا الفاتيكان فرنسيس لدى وصوله إلى  مطار يانغون في ميانمار أمس في زيارة اتسمت بالحساسية بسبب أزمة الروهينغا (رويترز)
بابا الفاتيكان فرنسيس لدى وصوله إلى مطار يانغون في ميانمار أمس في زيارة اتسمت بالحساسية بسبب أزمة الروهينغا (رويترز)
TT

بابا الفاتيكان يبدأ زيارة ميانمار ويلتقي قائد جيشها

بابا الفاتيكان فرنسيس لدى وصوله إلى  مطار يانغون في ميانمار أمس في زيارة اتسمت بالحساسية بسبب أزمة الروهينغا (رويترز)
بابا الفاتيكان فرنسيس لدى وصوله إلى مطار يانغون في ميانمار أمس في زيارة اتسمت بالحساسية بسبب أزمة الروهينغا (رويترز)

في اليوم الأول من زيارة البابا فرنسيس لـ«ميانمار»، التقى الحبر الأعظم، أمس الاثنين، قائد جيش «ميانمار»، الجنرال مين أونغ هلينغ، الذي يلقى باللوم عليه دولياً في المساهمة في «التطهير العرقي» الجاري للأقلية المسلمة الروهينغا، كما وصفته العديد من المنظمات الإنسانية والأممية. وناقش بابا الفاتيكان والجنرال هلينغ خلال لقاء استمر 15 دقيقة مسؤوليات السلطات في ميانمار، وفقاً للمتحدث باسم البابا. وقال غريغ بيرك المتحدث باسم الفاتيكان، كما جاء في تقرير «رويترز»: «ناقشا المسؤولية الكبرى التي تقع على عاتق السلطات في البلاد في هذه الفترة الانتقالية». وأفاد بيان على صفحة قائد الجيش على «فيسبوك» بأنه قال للبابا: «لا يوجد تمييز على أساس الدين في ميانمار وهناك حرية في العقيدة».
ويعيش في ميانمار نحو 700 ألف فقط من الكاثوليك من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 51 مليونا أكثريتهم من البوذيين. وقال ماريانو سو نيان، المتحدث باسم الكنيسة الكاثوليكية في ميانمار، إن أكثر من 150 ألفا سجلوا أسماءهم لحضور قداس يرأسه البابا فرنسيس في يانغون غدا الأربعاء. وقاد هكون ماو، وهو من عرقية الكاشين من سكان شمال شرقي ميانمار، أكثر من 800 كاثوليكي من الكاشين في رحلة استغرقت منهم يومين إلى يانغون على أمل الحصول على نظرة خاطفة لبابا الفاتيكان. وقال الشاب هكون ماو لوكالة الأنباء الألمانية: «آمل في أن يتمكن (البابا) من جلب السلام إلى بلادنا».
وتتسم الزيارة بالحساسية حتى إن بعض مستشاري البابا حذروه من ذكر كلمة «الروهينغا» كي لا يثير خلافا دبلوماسيا قد يقلب الجيش والحكومة على الأقلية المسيحية.
ويستخدم الكثيرون في ميانمار، ومن بينهم الحكومة، وصف «البنغاليين» للإشارة إلى الروهينغا، وذلك لإظهار أنهم وافدون من بنغلاديش. ورفضت الحكومة اتهامات الأمم المتحدة التي تقول إن الأقلية المسلمة مضطهدة من جانب الجيش في ميانمار. ومن المتوقع أن يلتقي البابا فرنسيس بمجموعة من الروهينغا في داكا عاصمة بنغلاديش ثاني محطات جولته. ويجتمع البابا فرنسيس اليوم مع مستشارة الحكومة أون سان سو تشي الحاصلة على جائزة نوبل للسلام، ومع رهبان بوذيين بارزين. وسوف يبقى البابا فرنسيس في ميانمار إلى 30 نوفمبر (تشرين الثاني)، كما يزور بنغلاديش في الفترة من 30 نوفمبر إلى 2 ديسمبر (كانون الأول)، في رحلة كانت مقررة قبل اشتعال أزمة الروهينغا. وفر أكثر من 600 ألف من مسلمي الروهينغا من ميانمار إلى بنغلاديش منذ أغسطس (آب) الماضي نتيجة لما وصفته الأمم المتحدة والولايات المتحدة بأنه «مثال نموذجي للتطهير العرقي». وقبل أيام من زيارة البابا، وقعت ميانمار وبنغلاديش اتفاقاً حول إعادة توطين اللاجئين الروهينغا، ولكن وفقا للأمم المتحدة لا تزال عودتهم إلى ميانمار غير آمنة. ويبدأ برنامج الأغذية العالمي استئناف مساعداته في ولاية راخين شمال ميانمار، والذي يهدف لمساعدة 36 ألف شخص بشكل مبدئي، وفقاً لما أعلنت الوكالة التابعة للأمم المتحدة أمس الاثنين. وقالت مصادر بالأمم المتحدة أمس الاثنين إنه من المتوقع أن يعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للمنظمة جلسة خاصة بشأن أعمال قتل واغتصاب وجرائم أخرى ارتكبت بحق الروهينغا المسلمين. وقال مصدر كبير بالأمم المتحدة لـ«رويترز»: «ستعقد جلسة خاصة في الخامس من ديسمبر (كانون الأول)». ولم يتسن للمتحدث باسم المجلس رولاندو جوميز تأكيد الموعد لكنه قال: «هناك تحركات لعقد جلسة خاصة لمناقشة وضع حقوق الإنسان في هذا البلد».
ويجب أن يطلب 16 على الأقل من 47 دولة عقد جلسة خاصة للمجلس وهو أمر نادر. ومن المتوقع أن تساند بنغلاديش ودول ذات أغلبية مسلمة الدعوة. وفي مارس (آذار)، شكل المجلس فريقا لتقصي الحقائق. وقال المحققون بعد أول مهمة لهم في بنغلاديش الشهر الماضي إن اللاجئين الروهينغا الذين فروا من ميانمار حكوا عن «أعمال قتل وتعذيب واغتصاب وحرق تجري بشكل منهجي».
ومن جانب آخر، فمن المتوقع أن يسحب مجلس مدينة أكسفورد في بريطانيا جائزة «حرية المدينة» من سو تشي بسبب رد فعلها حيال أزمة لاجئي الروهينغا. كما أنه من المتوقع أن يقر اجتماع خاص للمجلس بكامل هيئته اقتراحا اتخذ الشهر الماضي لسحب الجائزة من سو تشي: «في ظل غياب الاستجابة المفيدة من جانبها» بشأن الأزمة. وقال متحدث باسم المجلس إنه في حال إقرار الاقتراح فستكون المرة الأولى التي يسحب فيها المجلس الجائزة. مُنحت سو تشي التكريم في عام 1997 بسبب «كفاحها الطويل من أجل الديمقراطية وصلاتها الشخصية بأكسفورد». وكانت سو تشي قد أجرت دراستها الجامعية في كلية سانت هيو التابعة لجامعة أكسفورد.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟