تعديلات إردوغان على المناهج تثير جدلاً حاداً في تركيا

آخرها تقليص تاريخ أتاتورك والتوسع بالمدارس الدينية

مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»
مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»
TT

تعديلات إردوغان على المناهج تثير جدلاً حاداً في تركيا

مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»
مدارس «الفاتح» التابعة لغولن تحولت إلى مدارس «إمام خطيب»

شهد البرلمان التركي جدلاً حاداً بين حزبَي «الشعب الجمهوري»، أكبر أحزاب المعارضة، و«العدالة والتنمية» الحاكم، بسبب فيديو أعدته وزارة التربية والتعليم في مناسبة الاحتفال بيوم المعلم، الذي تحتفل به تركيا في 24 نوفمبر (تشرين الثاني) من كل عام، بسبب عدم ظهور أي صورة لمؤسس الجمهورية التركية الحديثة مصطفى كمال أتاتورك أو أي إشارة إليه.
الفيديو الذي أُعدّ لعرضه على شاشات التلفزيون للفت الأنظار إلى قيمة المعلم في المجتمع، قام على فكرة ظهور معلم أمضى في الخدمة 40 عاماً وحان موعد درسه الأخير قبل أن يتقاعد، وفوجئ لدى دخوله الفصل بتلاميذه ممن درّس لهم على مدى مسيرته المهنية وقد جاءوا لتكريمه.
المشاجرة التي شهدها البرلمان، والتي دافع فيها حزب العدالة والتنمية عن الفيلم مؤكداً أنه قام على فكرة تكريم المعلم ولم يتطرق إلى قضايا أخرى، هي في الواقع انعكاس لقلق أكبر لدى العلمانيين في تركيا الذين يمثلهم حزب الشعب الجمهوري، الذي أسسه أتاتورك، من «الانقلاب» على إرثه عبر تغيير المناهج وبخاصة منهج التاريخ لتقليص الجزء الذي يتناول سيرة حياته وكفاحه لتأسيس الجمهورية التركية بعد انتهاء حكم الدولة العثمانية وكذلك التغييرات التي أدخلت في مادة «التربية والدين والأخلاق» التي ركزت على فكرة الجهاد، والدعوات التي أطلقها الرئيس رجب طيب إردوغان لإدخال اللغة العثمانية في المناهج الدراسية بدلاً عن التوسع في اللغات الأجنبية.
مجمل هذه التغييرات أدت إلى مخاوف كبيرة لدى العلمانيين في تركيا من التحول عن إرث أتاتورك على الرغم من تأكيد إردوغان والحكومة أنه لا تراجع عن مبادئه التي قامت الجمهورية على أساسها، كان آخر تأكيد واضح لذلك قد جاء على لسان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الخميس الماضي لدى تخريج دفعة جديدة من جامعة الدفاع الوطني وقبلها في ذكرى وفاة أتاتورك في العاشر من نوفمبر الجاري.

تغييرات واسعة
في مطلع العام الجاري أعلن وزير التعليم التركي عصمت يلماز عن عملية واسعة لتغيير مناهج التعليم الابتدائي قال إنها تهدف إلى تحسين نوعية التعليم عن طريق حذف كثير مما سماه «موضوعات الحشو غير اللازمة في الحياة العملية للطالب» من المناهج الجديدة، التي أشار إلى أنها ستركز على نوعية التعليم لا على كمية المعلومات المعطاة للطلاب.
المنهج الجديد قلص من الجزء الخاص بسيرة أتاتورك، التي كانت تدرّس في المراحل الأولى من التعليم، وهي خطوة ربما كانت غير متصورة أو واردة قبل سنوات، لكن مؤيديها من أنصار حزب العدالة والتنمية الحاكم رأوها ضرورية من أجل إنهاء «قدسية أتاتورك».
في المقابل فإن الأتاتوركيين، أعلنوا رفضهم هذه الخطوة التي رأوها جزءاً من حملة إردوغان وحزبه على النظام العلماني في تركيا، تزامناً مع الضغوط التي بدأت تمارَس على المدافعين عن بقاء النظام العلماني والحفاظ على مبادئ أتاتورك.
ومع بدء العام الدراسي بدأ تنفيذ التغييرات بصورة تدريجية وسط انقسام بين المعلمين والطلاب إلى فريقين، مؤيد ومعارض، وتمثل أول التغييرات في تقليص الجزء الخاص بتاريخ أتاتورك في المراحل الأولية للتعليم، وحذف نظرية «النشوء والارتقاء» التي وضعها البريطاني تشارلز داروين من منهج المرحلة الثانوية، بعد جدل ونقاش طويل في شأنها بين معسكري الإسلاميين والعلمانيين.
وقال وزير التعليم التركي، رداً على معارضي حذف النظرية، إن وزارته ملزمة بكل ما هو علمي وحقيقي، قاصداً أن نظرية داروين هي نظرية غير علمية، وأضاف: «نظرية داروين نتيجتها كانت نشوء نظرية التطور، مثل الفيزياء التي بدورها أنشأت نظرية الانفجار العظيم، لذلك هذه الموضوعات لا بد من نقاشها خارج إطار المنهج الدراسي بشكل منفصل».
وأدخلت وزارة التعليم أيضاً تغييرات على منهج مادة «التربية والدين والأخلاق»، وقالت صحيفة «جمهوريت» المعارضة، إنه لوحظ حذف موضوعات كثيرة تتحدث عن الأخلاق والفضائل العامة، لمصلحة التركيز أكثر على موضوعات الشريعة الإسلامية، مع دخول مفهوم «الجهاد في سبيل الله» والاستشهاد في منهج الصف السابع.
وتمت إضافة دروس تتحدث عن انتصارات الدولة العثمانية لا سيما في معركة «كوت العمارة» التي جرت بين الجيشين العثماني والإنجليزي في العراق في الحرب العالمية الأولى، وانتصر فيها العثمانيون بعد حصار طويل استسلم في نهايته الجيش البريطاني، وتقرر العودة للاحتفال بهذه المناسبة في المدارس بعد أن كان قد تم إلغاؤها منذ عشرات السنوات بضغط من بريطانيا.
كما دخل المناهج الجديدة أيضاً شرح محاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في تركيا في 15 يوليو (تموز) 2016 باعتبارها دفاعاً عن الديمقراطية.

الإشارة الأولى
جاءت الإشارة الأولى لحملة تغيير المناهج من جانب الرئيس رجب طيب إردوغان الذي قال خلال افتتاح جامعة ابن خلدون، في إسطنبول، إنه لا يزال يذكر تلك الأيام التي كان يُحرم فيها الطلبة من حقوقهم ومظهرهم الخارجي الإسلامي كارتداء الحجاب أو إطلاق اللحية، لافتاً إلى تقديره لدور الجامعات التي تسعى إلى التجديد والمعاصرة انطلاقاً من جذور الحضارة والتاريخ العثماني.
وقال إردوغان إن «الأمة التي لا تنتمي إلى ماضيها لا يمكن أن يكون لها مستقبل، ونعرف أن هذه الحضارة هي مصدر إزعاج للبعض، ولطالما حاول الكثيرون طمس أفكارها وتاريخها». وعبّر عدم رضائه عن مواد التاريخ التي تدرّس في المدارس، قائلاً: «من المؤسف أننا أعددنا تاريخنا الرسمي لسنوات بالشكل الذي أراده البريطانيون... مناهج كتب التاريخ في تركيا ناقصة».
ودعا إردوغان الجامعات والمؤسسات التعليمية إلى اعتماد ثقافة الحضارة الإسلامية في مناهجها والابتعاد عن الاعتماد على الثقافة الأوروبية واستيراد الأفكار الغربية التي قال إنها غريبة عن تاريخ وتراث البلاد، معلناً اعتزامه إدخال تعديلات على المناهج الدراسية في البلاد من أجل «تعزيز الكتب والمناهج بتاريخها العريق والمشرف».
وظهرت استجابة وزارة التعليم التركية لهذا النداء بتغيير خطتها لإدخال اللغة الإنجليزية في مناهج الدراسة اعتباراً من الصف الأول الابتدائي ليبدأ تعليم اللغات الأجنبية في المدارس الحكومية من الصف الخامس الابتدائي اختيارياً، حيث يشمل الإنجليزية أو العربية أو لغات أوروبية أخرى كالإسبانية والألمانية وأيضا الروسية.

انقسام واسع
دافع رئيس مجلس التعليم العالي التركي ألب أرسلان دورموش، عن التغييرات في المناهج، قائلاً: «عملنا من خلال التعديلات الجديدة في المناهج على التخلص من الموضوعات التي تتحدث عن التاريخ من وجهة النظر الأوروبية، وعملنا على التركيز على مساهمات العلماء المسلمين والأتراك، أمثال ابن سينا وابن خلدون، بهدف تأكيد القيم الوطنية وتسليط الضوء على الإنجازات التي قدمتها الحضارة الإسلامية».
واعتبرت جمعيات ونقابات تعليمية تحديث وتغيير المناهج خطوة على الطريق الصحيح، من أجل تطوير المنظومة التعليمية، لكن المعارضة العلمانية رأت أن حزب العدالة والتنمية الذي حكم تركيا على مدى 15 عاماً، تولى فيها 5 وزراء المسؤولية عن التعليم، جاء كلٌّ بمشروعه الخاص ليهدم مشروع سلفه وهو ما تسبب في غياب أي استراتيجية للتعليم.
وانتقد رئيس اتحاد نقابات العاملين في التعليم قاسم بركات المنهج الجديد قائلاً إنه يتحدى نظام التعليم العلماني كوسيلة للحياة، وإن تبسيط النصوص في الكتب المدرسية هو هجوم منظّم على العلوم الطبيعية والتاريخ والفلسفة، ويشكل مبادرة خطيرة من وزارة التربية والتعليم تفصل المناهج عن المعرفة العلمية والواقع، وتجعلها مماثلة للمناهج الموجودة في المدارس الدينية. وأضاف أنه «لم تتم استشارة خبراء التعليم ومنظمات المجتمع المدني، وهذا غير ديمقراطي ويثير قلقنا كثيراً».

قضية الحريات
وتصاعد الأمر إلى ما هو أكبر من الجدل والنقاش، حيث نظمت الشرطة حملة دهم طالت منزلَي شابَّين كتبا على جدار مدرسة في منطقة سكنهما «تركيا علمانية وستبقى علمانية»، وذلك بعد 10 أيام على توقيف شاب تجول بين المقاهي الشعبية محدّثاً روادها عن أهمية العلمانية، ونتيجة لذلك قدم حزب الشعب الجمهوري استجواباً لوزير العدل متسائلاً: «منذ متى بات الدفاع السلمي عن العلمانية في تركيا جريمة يُعاقب عليها القانون؟».
واتسعت اعتراضات حزب الشعب الجمهوري على المساس بسيرة أتاتورك والسعي لما سماه «أسلمة التعليم» إلى فتح ملف الحريات في تركيا، حيث أعلن نائب الحزب بالبرلمان باريش ياركداش، أن أجهزة الأمن أعدت مذكرات اتهام لنحو 17 ألف مستخدِم لمواقع التواصل الاجتماعي، بسبب تعليقاتهم، وأنها تبحث عن عناوين 45 ألفاً آخرين، من أجل استدعائهم للتحقيق معهم، قائلاً إن امتلاء السجون ومراكز الشرطة بالموقوفين والسجناء جعل أجهزة الأمن لا تستعجل استدعاء هؤلاء، حيث لا مكان لاحتجازهم الآن، لكن الدور سيأتي عليهم في كل الأحوال.

محاولات مستمرة
يرفض إردوغان وحزبه (العدالة والتنمية) الاتهامات بالسعي إلى ما يسمى «أسلمة المجتمع»، ويقول إن 99 في المائة من الشعب التركي مسلمون، ولا يصح إطلاق هذا الوصف على مجتمع غالبيته المطلقة من المسلمين بالأساس.
لكن منذ صعود حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في تركيا عام 2002، بقيادة إردوغان، سعى إلى القيام بعمليات تغيير واسعة في مناهج التعليم الأساسي، لكنه واجه صعوبات كبيرة بسبب سطوة القوى العلمانية وتغلغلها، فلم يتمكن الحزب إلا من إجراء تغيير طفيف عام 2007، لكنه واصل مساعيه التي تكثفت في السنوات الأخيرة وصولاً إلى تطبيق أول تغيير جوهري كبير في المناهج في بداية العام الدراسي الجاري.
دفع إردوغان خلال السنوات الأخيرة باتجاه تعزيز ودعم وتوسيع «مدارس إمام خطيب» الدينية التي درس فيها حتى المرحلة الثانوية وتمكن من زيادة عدد طلابها إلى أكثر من مليون طالب، بعد أن كان قد تقلص إلى عشرات الآلاف نتيجة التضييق عليها في السابق، وقامت السلطات بتحويل جميع مدارس «حركة الخدمة» المعروفة بمدارس «الفاتح» التي تمت مصادرتها عقب محاولة الانقلاب الفاشلة، وعددها أكثر من 1400 مدرسة، كانت تعتبر من أعلى المدارس في تركيا من حيث جودة التعليم وتدريس اللغات، فضلاً عن تصميم مبانيها وارتفاع مستوى خدماتها، إذ كان يدرس بها أبناء الصفوة، إلى مدارس «إمام خطيب». كما أصبح بإمكان طلاب هذه المدارس الالتحاق بمختلف الجامعات والدراسة في جميع التخصصات.
ويرى إردوغان أنه لا يزال هناك نقص في طرق إعداد الأجيال للمستقبل قائلاً: إن هذا «مطلب شعبي وحاجة وطنية... بدأنا منذ وقت قصير بتغيير المناهج الدراسية التي وُضعت من قبل للتنفير من لغتنا وتاريخنا وأجدادنا».
ويكرر إردوغان لفت الانتباه إلى الدور الكبير الذي يشكله الشباب في رسم مستقبل البلاد، ويثني دائماً على دورهم في التصدي للمحاولة الانقلابية الفاشلة في 15 يوليو 2016.
وأقدمت وزارة التعليم التركية منذ عام 2014 على إدخال العديد من التغييرات على طرق ومناهج التعليم ومن بينها التوسع في الدروس الدينية ومدارس تحفيظ القرآن، وهو ما ينظر إليه المعارضون من الأقليات الدينية، وأبرزهم العلويون، على أنه ضرب للتعددية في المجتمع التركي من خلال إصرار إردوغان وحزبه على تطبيق شعار «وطن واحد... أمة واحدة... دين واحد... عَلم واحد».
ويقول منتقدو ومعارضو إردوغان إنه وحزبه يتخذان من إصلاح التعليم وسيلة لتغيير ثقافة المجتمع التركي عبر القضاء على العلمانية، لأن الكثير من المناهج الجديدة تغير لدى الطلاب منذ سنواتهم الأولى في المدرسة العديدَ من المفاهيم التي تأسست عليها الجمهورية التركية العلمانية، ومن أهمها النظرة إلى المرأة وإلى مفهوم الأسرة وكذلك مفاهيم العمل والاختلاط، وهو ما من شأنه تنشئة أجيال منغلقة تتمحور ثقافتها حول المبادئ الإسلامية لحزب العدالة والتنمية.


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
TT

«شمعة»... قاعدة بيانات مجانية للبحوث التربوية في 17 دولة عربية

لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»
لائحة قاعدة البيانات ببوابة «شمعة»

يقضي الباحثون في العالم العربي أوقاتاً من البحث المضني عن المراجع الإلكترونية التي تساعدهم في تحقيق أغراضهم البحثية. ويدرك هذه المشقة الباحثون الساعون للحصول على درجة الماجستير أو الدكتوراه، فإذا لم يكن لديه إمكانية الدخول إلى قواعد البيانات العلمية العالمية عبر إحدى المكتبات الكبرى، التي عادة لا تتاح كاملة أيضاً، فإن عملية البحث سوف تكلفه آلاف الدولارات لمتابعة والوصول لأحدث الأوراق العلمية المتصلة بمجال بحثه، أو أن مسح التراث العلمي سيتوقف لديه على المراجع الورقية.
بينما يحظى الباحثون في مجال البحوث التربوية بوجود «شمعة»، وهي شبكة المعلومات العربية التربوية (www.shamaa.org) التي توفر لهم أحدث البحوث والدوريات المحكمة من مختلف الجامعات العربية، وبثلاث لغات، هي: العربية، والفرنسية، والإنجليزية مجاناً.
تأسست «شمعة» عام 2007 في بيروت كقاعدة معلومات إلكترونية، لا تبغي الربح، توثق الدراسات التربوية الصادرة في البلدان العربية في مجمل ميادين التربية، من كتب ومقالات وتقارير ورسائل جامعية (الماجستير والدكتوراه) وتتيحها مجاناً للباحثين والمهتمين بالدراسات التربوية. تتميز «شمعة» بواجهة إلكترونية غاية في التنظيم والدقة، حيث يمكنك البحث عن مقال أو أطروحة أو كتاب أو فصل أو عدد أو تقرير. فضلاً عن تبويب وفهرسة رائعة، إذ تشتمل اليوم على أكثر من 36000 ألف دراسة، موزعة بنسبة 87 في المائة دراسات عربية، و11 في المائة دراسات بالإنجليزية و2 في المائة بالفرنسية، وهي دراسات عن العالم العربي من 135 جامعة حول العالم، فيما يخص الشأن التربوي والتعليم، إضافة لأقسام خاصة بتنفيذ مشاريع في التربية كورش تدريبية ومؤتمرات.
لا تتبع «شمعة» أي جهة حكومية، بل تخضع لإشراف مجلس أمناء عربي مؤلف من شخصيات عربية مرموقة من ميادين مختلفة، وبخاصة من الحقل التربوي. وهم: د. حسن علي الإبراهيم (رئيساً)، وسلوى السنيورة بعاصيري كرئيسة للجنة التنفيذية، وبسمة شباني (أمينة السر)، والدكتور عدنان الأمين (أمين الصندوق) مستشار التعليم العالي في مكتب اليونيسكو، وهو أول من أطلق فكرة إنشاء «شمعة» ورئيسها لمدة 9 سنوات.
تستمر «شمعة» بخدمة البحث التربوي بفضل كل من يدعمها من أفراد ومؤسّسات ومتطوعين، حيث تحتفل بالذكرى العاشرة لانطلاقتها (2007 - 2017)، وهي تعمل حاليا على إصدار كتيب يروي مسيرة العشر سنوات الأولى. وقد وصل عدد زائريها إلى نحو 35 ألف زائر شهرياً، بعد أن كانوا نحو ألفي زائر فقط في عام 2008.
تواصلت «الشرق الأوسط» مع المديرة التنفيذية لبوابة «شمعة» ببيروت د. ريتا معلوف، للوقوف على حجم مشاركات الباحثين العرب، وهل يقومون بمدّ البوابة بعدد جيّد من الأبحاث والدراسات، أم لا تزال المعدلات أقل من التوقعات؟ فأجابت: «تغطّي (شمعة) الدراسات التربوية الصّادرة في 17 دولة عربيّة بنسب متفاوتة. ولا شك أن حجم مشاركات الباحثين العرب بمد (شمعة) بالدراسات قد ارتفع مع الوقت، خصوصاً مع توّفر وسائل تكنولوجيا المعلومات والاتصالات التي سهّلت لهم عملية المشاركة».
وحول طرق تزويد «شمعة» بالأبحاث والدراسات، أوضحت معلوف أن ذلك يتم من خلال عدّة طرق، وهي: «توقيع اتفاقات شراكة مع كليات التربية في الجامعات العربية والمجلات التربوية المحكمة ومراكز الأبحاث التي تعنى بالتربية والتعليم، كما تتيح اتفاقية تعاون مع مركز المعلومات للموارد التربوية (إريك) (ERIC) تزويد (شمعة) بالدراسات الصادرة باللغة الإنجليزية من الدول العربية أو من باحثين عرب. ونعتبر أن الشراكة مع (إريك) هي خطوة كبيرة ومن أهم الإنجازات كمؤسسة عربية، وأيضاً من خلال اشتراكات بالمجلات الورقية التربوية المحكمة العربية، أو عبر الدراسات المتاحة إلكترونياً على شبكة الإنترنت بالمجان أي عبر مصادر الوصول الحر للمعلومات (Open Access)».
وتضيف: «الجدير بالذكر أيضاً أن (شمعة) وقعت اتفاقية من مستوى عالمي مع شركة (EBSCO Discovery Service EDS) التي تعتبر من أهم موزعي قواعد المعلومات في العالم العربي والغربي».
وتوضح معلوف أنه «يمكن تزويد (شمعة) بالدراسات مباشرة من الباحث عبر استمارة متوافرة على موقع (شمعة)، حيث يقوم الفريق التقني من التأكد من توافقها مع معايير القبول في (شمعة) قبل إدراجها في قاعدة المعلومات».
وحول ما إذا كان الباحثون العرب لديهم ثقافة التعاون الأكاديمي، أم أن الخوف من السرقات العلمية يشكل حاجزاً أمام نمو المجتمع البحثي العلمي العربي، قالت د. ريتا معلوف: «رغم أن مشاركة نتائج الأبحاث مع الآخرين ما زالت تخيف بعض الباحثين العرب، إلا أنه نلمس تقدماً ملحوظاً في هذا الموضوع، خصوصاً أن عدد الدراسات المتوافرة إلكترونياً على شبكة الإنترنت في السنين الأخيرة ارتفع كثيراً مقارنة مع بدايات (شمعة) في 2007، إذ تبلغ حالياً نسبة الدراسات المتوافرة مع نصوصها الكاملة 61 في المائة في (شمعة). فكلما تدنّى مستوى الخوف لدى الباحثين، كلما ارتفعت نسبة الدراسات والأبحاث الإلكترونيّة. وكلما ارتفعت نسبة الدراسات الإلكترونية على شبكة الإنترنت، كلما انخفضت نسبة السرقة الأدبية. تحرص (شمعة) على نشر هذا الوعي من خلال البرامج التدريبية التي تطورّها وورش العمل التي تنظمها لطلاب الماستر والدكتوراه في كليات التربية، والتي تبيّن فيها أهمية مشاركة الأبحاث والدراسات العلمية مع الآخرين».
وحول أهداف «شمعة» في العشر سنوات المقبلة، تؤكد د. ريتا معلوف: «(شمعة) هي القاعدة المعلومات العربية التربوية الأولى المجانية التي توّثق الإنتاج الفكري التربوي في أو عن البلدان العربية. ومؤخراً بدأت (شمعة) تلعب دوراً مهماً في تحسين نوعية الأبحاث التربوية في العالم العربي من خلال النشاطات والمشاريع البحثية التي تنفذها. وبالتالي، لم تعدّ تكتفي بأن تكون فقط مرجعيّة يعتمدها الباحثون التربويون وكلّ من يهتمّ في المجال التربوي عبر تجميع الدراسات وإتاحتها لهم إلكترونيّاً؛ بل تتطلّع لتطوير الأبحاث التربوية العلمية، وذلك لبناء مجتمع تربوي عربي لا يقلّ أهمية عن المجتمعات الأجنبية».