«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (2 من 5): قصة «سيدي خريبيش»

آخر مربع سكني يتحصن فيه مسلحو بنغازي

عناصر من الجيش الليبي الوطني يتسلقون ركام بناء مهدم بفعل الاشتباكات مع المسلحين في خريبيش أحد أحياء بنغازي (رويترز)
عناصر من الجيش الليبي الوطني يتسلقون ركام بناء مهدم بفعل الاشتباكات مع المسلحين في خريبيش أحد أحياء بنغازي (رويترز)
TT

«الشرق الأوسط» داخل أوكار المتطرفين في ليبيا (2 من 5): قصة «سيدي خريبيش»

عناصر من الجيش الليبي الوطني يتسلقون ركام بناء مهدم بفعل الاشتباكات مع المسلحين في خريبيش أحد أحياء بنغازي (رويترز)
عناصر من الجيش الليبي الوطني يتسلقون ركام بناء مهدم بفعل الاشتباكات مع المسلحين في خريبيش أحد أحياء بنغازي (رويترز)

أعلن الجيش الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر عن تحرير مدينة بنغازي من المتطرفين والتنظيمات الإرهابية، في الصيف الماضي، لكن ما زال هناك مربع سكني يسمى «سيدي خريبيش»، قبالة البحر، يتحصن فيه مسلحون متشددون يقدّر عددهم بما بين 90 عنصراً، وفق مصادر قريبة من الجيش، و150 عنصراً بحسب مصادر على صلة بالمحاصرين.
الحلقة الثانية من سلسلة التحقيقات التي تقدمها «الشرق الأوسط» عن أوكار المتطرفين في ليبيا، تسلط الضوء على هذا المربع السكني الذي انقلب رأساً على عقب، بمعنى الكلمة. ولكي تصل إلى نقطة المواجهة بين الجيش و«سيدي خريبيش»، فلا بد أن تمر بشوارع حفرتها جنازير الدبابات، وبمئات المباني المهدمة، من بينها مبنى الميناء البحري، ومبنى المحكمة المدمر، الذي كان يتظاهر أمامه الليبيون ضمن موجة ما يعرف بـ«الربيع العربي» في عام 2011.
عند نقطة معينة، من كورنيش بنغازي، وبالتحديد من بعد مبنى «الزاوية الرفاعية» التاريخي، الذي هدمته الحرب بين الجيش والمسلحين، يعلو صوت الرصاص والقذائف الصاروخية. هنا لا بد أن تتوقف. هذه «سيدي خريبيش» من ناحية البحر. أما المنطقة من الناحية الجنوبية، فلا يمكن الاقتراب منها إلا بعد اجتياز شوارع حي الصابري المزروعة بالمتفجرات، والتي تغص بعمارات متداعية وخالية من السكان.
لقد تحولت هذه المنطقة المعروفة باسم بنغازي القديمة إلى أطلال، بعد أن كانت فيما مضى تحمل عبق التاريخ القديم، وتعج بالحياة والمناقشات الثقافية وبالمشاة والمتسوقين.
ويقول مرافق من الجيش كان مع «الشرق الأوسط» في أقرب نقطة من «سيدي خريبيش»: «مركز المسلحين الرئيسي في الداخل يقع في الفندق البلدي. يقع الفندق شمال حي الصابري. نحن نرصدهم؛ لكن دخول المنطقة في الوقت الحالي صعب. نستطيع، بلا شك، أن نصل إلى هناك، ونستعيد الموقع؛ لكن هذا سيؤدي إلى خسائر كبيرة في الجيش. فالمحاصرون في الداخل قاموا بتفخيخ محيط سيدي خريبيش. فخخوا كل شيء فيه».
ويصف الجيش الليبي المحاصرين بأنهم «دواعش»؛ لكن أحد الوسطاء الذين يثق فيهم مسلحو «سيدي خريبيش»، وما زال على تواصل معهم، يقول في المقابل إن الموجودين في هذه المنطقة ينتمون إلى ما يعرف باسم «درع ليبيا 1» الذي صدر قرار بتشكيله قبل ثلاث سنوات من المؤتمر الوطني العام (البرلمان السابق)، للدفاع عن بنغازي. ويضيف أن بعض أمراء الحرب، من جماعة «الإخوان» ومن «الجماعة المقاتلة»، يستفيدون من الضجة الدولية حول هؤلاء المحاصرين و«من مصلحتهم أن يظلوا تحت الحصار، رغم البكاء عليهم أمام شاشات التلفزيون».
وبخلاف التفخيخ، حال دون دخول الجيش إلى سيدي خريبيش، أنها منطقة ذات أزقة ضيقة وشوارعها صغيرة. ويقول مسؤول عسكري: «الدواعش حفروا فيها أنفاقاً تحت الأرض. الأنفاق تُفتح على البيوت من أسفل، وفيها مراصد يتمركز فيها قناصون. ثم إن كل من فيها من القناصة المحترفين. هم محاصرون هنا منذ إعلان تحرير بنغازي في يوليو (تموز) الماضي. ويعتمدون في الأكل والشرب على المنتجات المنتهية صلاحيتها التي كانت مخزنة في مخازن سوق العرب في الصابري. من السهل أن ندكهم بالطيران؛ لكن نريد أن نحصل عليهم أحياء».
ويقول مسؤول في الجيش إنه في حال القبض على المحاصرين أحياء، فيمكن الحصول منهم على اعترافات مهمة بشأن علاقة بعض الأطراف المحلية والدولية بإثارة الفوضى والخراب في بنغازي؛ خاصة بعد أن تمكن الجيش من فك شفرات كثيرة عن هذه العلاقات، من المقار التي كان يدير منها المتطرفون العمليات في باقي ضواحي المدينة المحررة.
بينما يقول الوسيط الذي له علاقة بالمحاصرين، إن «من ورطهم في الاستمرار في الحرب في بنغازي، لا يريد خروجهم أحياء من سيدي خريبيش؛ لأنهم إذا خرجوا أحياء فسوف يفضحون دور من ورطوهم في الاقتتال الذي استمر منذ عام 2014 في عموم ليبيا، وليس في هذه المدينة فقط».
وعما إذا كان يوجد عسكريون بين المحاصرين، قال: «ربما اثنان أو ثلاثة. الباقون كلهم مدنيون من (درع ليبيا 1)»، مشيراً إلى تفاصيل تخص محاولات لوسطاء دوليين ومحليين لإخراج المحاصرين عبر البحر، جرى إفشالها عن «طريق قادة من جماعة (الإخوان) ومن (الجماعة المقاتلة)... رغم أن هاتين الجماعتين تبثان دعاية لا تتوقف ضد الجيش؛ بحجة أنه يحاصر سيدي خريبيش. أعتقد أن هناك من يستفيد من استمرار هذه المعضلة».
وتمكنت القوات البحرية، منذ فبراير (شباط) الماضي، من فتح ميناء بنغازي، والسيطرة على طريق البحر، وبالتالي «توقف المدد الذي كان يصل إلى سيدي خريبيش من طريق البحر، من جهة سرت ومصراتة»، بحسب ما يقول المسؤول العسكري. ويضيف: «المحاصرون في سيدي خريبيش بقايا للدواعش. وحاول قادة للمتطرفين في طرابلس ومصراتة إقناع المجتمع الدولي بأنهم عائلات من المدنيين يجب فك الحصار عنهم، وتأمين خروجهم عبر البحر. في الحقيقة لم يعد يرغب فيهم أحد. ونحن نريدهم أحياء. نريدهم أن يستسلموا لكي يقولوا لنا ما لديهم».
وأياً كان الأمر، فإن منطقة «سيدي خريبيش» تتوسط مواقع تمكن الجيش الليبي من أن يطرد منها المسلحين الذين كانوا يسيطرون عليها في الفترة الأخيرة، ومنها منطقة الصابري، وسوق الحوت التي يقع فيها ميناء بنغازي.
وفي أكثر من موقع توجد شرائط ملونة على طول الأرصفة، وحول مبان خالية جدرانها مجوفة بفعل انفجار القذائف، تحذّر من اجتيازها. وجود الشريط ذي اللونين الأحمر والأبيض يعني أن المناطق التي وراءه خطيرة. ومع ذلك تحاول عائلات عدة العودة، بعيداً عن أعين الجيش، للاطمئنان على ما تبقى من ممتلكاتها.
ومن سوء حظ واحدة من هذه العائلات أن شقتها السكنية كانت ضمن الطابق الثاني في عمارة في شارع الشويخات المجاور لـ«سيدي خريبيش». وحين تعجلت العودة إلى هناك، من وراء ظهر الجيش، فوجئت بأن المتطرفين كانوا قد استولوا على الطابق كله، وحولوه إلى واحد من مراكزهم الرئيسية؛ لكن حين انسحبوا فخخوا الموقع، وهكذا قُتل أفراد هذه العائلة، بينما تحطم ما تبقى من جدران.

«احذر منطقة ألغام»
يقول ماجد، أحد أصحاب الشقق في هذه العمارة المكونة من أربعة طوابق، والتي فيها 18 شقة، إن هذه العائلة لم تلتزم بتحذيرات عدم الدخول، وتجاهلت الأشرطة الملونة التي وضعها الجيش. ويوجد على واجهة العمارة كتابات باللون الأسود تقول: «احذر منطقة ألغام»، مثل مئات العمارات الأخرى.
ويضيف ماجد: «هذه العمارة تقع على الحد الذي كان يفصل بين قوات المتطرفين وقوات الجيش في المدينة. ويوجد في مقابل العمارة مركز (زهرة بنغازي التجاري). وهو مدمر حالياً. ومنه أطلقت قوات (داعش) قذيفة هاون أدت لمقتل شقيقي، واسمه درويش».
وتطوع ماجد مع قوات الجيش، ثم تدرب وانضم كجندي نظامي، وأصبح له رقم عسكري. ويتذكر تلك الأيام قائلاً: «كنت أعيش مع الجيش. التموين من الجيش، والذخيرة من الجيش. كنا متطوعين مع الجيش؛ أي مع جماعة القوات البحرية هنا. احتل الدواعش بيتي بعد أن دخلوه، وحين رجعت وجدته مدمراً بشكل كامل. من الخارج تعتقد أنه لا يوجد فيه أي أضرار تذكر؛ لكن من الداخل دمار تام. كان في العمارة ألغام، وما زال فيها ألغام. واستشهد فيها اثنان من جيراني حين جاءا لمعاينة بيتهما بعد خروج الدواعش منه. رب أسرة وشاب».
وبينما هو يقول ذلك، كانت طلقات الرصاص تصفر في الهواء قادمة من ناحية «سيدي خريبيش». وفي شارع آخر تمكن الجيش من تطهير مبانيه من الألغام والمفخخات، دخل عمال مرفق الكهرباء لتوصيل التيار إلى البيوت، وإصلاح المحطات المعطوبة. ويقول عامل كهرباء بجوار محطة المعرض الصناعي: «بدأنا العمل قبل أن تنتهي الاشتباكات في الجوار. أي نقطة يحررها الجيش، ندخل وراءه من أجل إعادة تشغيل الكهرباء فيها».
ويضيف أن «العمل يستمر أحياناً حتى والخطر ماثل للعيان، من أجل إرسال رسالة إلى المخربين بأنهم مهما دمروا من محطات كهرباء ومحطات مياه، فإن يد الإصلاح وراءهم. وفي يوم 15 يوليو من هذا العام، استشهد زميلنا ورفيقنا في المرفق، خالد حسن، في داخل محطة الكهرباء المجاورة لسيدي خريبيش. انفجر فيه لغم في محطة الشويخات، بعد خروج الدواعش من المنطقة. لقد قاموا بتلغيم أكثر من محطة كهرباء».
وتبدو محطة المعرض الصناعي للكهرباء متضررة من القذائف، وهي أصلاً متهالكة لأنها قديمة؛ لكنها كانت تعمل. ويقول مسؤول بالمرفق: «سيتم تجديدها بالكامل ضمن خطة لتجديد مرافق بنغازي». وفي الجانب الآخر من الشارع كانت مجموعة من عمال الكهرباء في ملابسهم الزرقاء يواصلون العمل، وهم يحفرون في الأرض لإصلاح الكابلات التي جرى تفجيرها على أيدي المتطرفين.
ورغم ضراوة المعارك التي جرت هنا، فإن معظم السكان والعمال يستمدون روح التفاؤل من سيّدة مسنة تدعى «الحاجة خديجة»؛ لأنها لم تترك بيتها رغم ضربات الصواريخ والتفجيرات التي كانت تهز الأرض وتحيل العمارات لأنقاض.
ويقول أحد العمال وقد بدت على وجهه ابتسامة من التحدي والإصرار: «نحن سعداء بمن يعودون إلى بيوتهم في المناطق التي تم تطهيرها من المفخخات. ومن يعود نهرع لتوصيل الكهرباء له. نحن لا ننسى الحاجَّة خديجة التي ظلت تقيم في بيتها هنا رغم الحرب والموت. وبعد أن هدأت حدة الاقتتال في هذه المنطقة، وبعد أن جئنا لترميم كوابل الكهرباء، أصبحت الحاجَّة تتردد علينا لتشجيعنا. تأتي لنا بالفطور والغداء، ولم تكن قد تخلت عن بيتها منذ وصول الدواعش، حتى هروبهم».
ويحيط بهذه المنطقة المدمرة مبان متداعية أيضاً بفعل المواجهات الشرسة بين الجيش والتنظيمات المتطرفة. ومنها مبنى «الإدارة العامة للخطوط الليبية»، و«دار الكتب الوطنية» و«عمارة الضمان»، حيث كانت هذه العمارة ذات الشرفات المثقوبة، مرصداً للإرهابيين والدواعش. وبجوارها عمارات سكنية قد تهاوت أعمدتها الخرسانية والتوت شرفاتها، ولم تعد تصلح إلا للتصوير.
ويقع منزل «الحاجة خديجة» بجوار مبنى «مشروع جوهرة بنغازي»، على أحد خطوط المواجهة بين الجيش و«الدواعش». وكان المبنى يكتسي بالزجاج الأزرق، إلا أن كل هذا تهدم وتبعثر وتحوّل إلى لون بني مختلط بلون الحرائق الأسود. ويبدو أن الحاجَّة قررت اليوم أخذ استراحة بعد أن ساد الهدوء المنطقة إلى حد ما. فحين توجهت «الشرق الأوسط» للمنزل لم تكن موجودة فيه؛ حيث كانت في زيارة لأقارب لها في الضاحية الخلفية، كما يقول أحد جيرانها العائد حديثاً إلى بيته، وهو حميد الفيتوري، ميكانيكي السيارات، الذي كان يتردد على المنطقة أثناء الاقتتال بين حين وآخر، ويعد شاهداً على الصمود الأسطوري للحاجَّة خديجة.
ويقول الفيتوري: «كان الضرب حولنا وفي كل مكان؛ لكن ربنا كريم ورحمته واسعة. قاومنا من أجل البقاء. لم نكن نريد أن نترك مكاننا. وبارك الله في الشباب والقوة المساندة والجيش. وقفوا وقفة لا تقدر بثمن. الكهرباء كانت تقطع كثيراً نظراً للمشكلات. وتعطلت الكابينة، وكان خلفنا محلات للمواد الغذائية ندبر منها احتياجاتنا».
وعن الدمار الكبير المنتشر حول منزله ومنزل جارته، قال: «نحن نرى أن الرجال الذين ضحّوا بحياتهم لن نستطيع أن نعوضهم؛ لكن المباني والعمارات يمكن أن نعيدها بأفضل مما كانت عليه. جماعة الكهرباء ما شاء الله عليهم. الأخ الطيب (موظف في مرفق الكهرباء) لم يتركنا أبداً، ووصَّل لنا تيار النور».
ويعتقد سكان أن «سيدي خريبيش» من الصالحين، وقد وفدَ من المغرب العربي، قبل مئات السنين، واستقر على شاطئ البحر، قرب منارة بنغازي، حيث دفن هناك.
وتأسست المدينة القديمة في هذه المنطقة التي نمت وازدهرت عبر العصور التركية واليونانية والإيطالية. وعزز مقر قصر الملك فيها، في خمسينات القرن الماضي، من مكانتها، كما حاول العقيد معمر القذافي استرضاء الخليط الحضري الذي كان يعيش فيها، من كُتّاب وفنانين وشعراء ورسامين؛ إلى أن انطلقت منها شرارة الانتفاضة ضد حكمه، من أمام مبنى المحكمة القديمة، في عام 2011؛ حيث تعرضت المنطقة برمتها لدمار كبير استمر حتى الآن.
وفي يوم من الأيام، وبينما كانت الحرب مستعرة بين الجيش والدواعش، جاء الفيتوري إلى بيته، ووجد خطوط الكهرباء مقطوعة، فحاول أن يصلحها بنفسه؛ لكنه كاد أن يفقد حياته حين استهدفه قناصة من المتطرفين. يقول: «في أحد الأيام استهدفني القناصة وقفزت من أعلى البيت، حين كنت أحاول أن أشد سلك الكهرباء. وقام الجيش بالتغطية عليَّ إلى أن قفزت. كان الدواعش يعتقدون أنني عسكري. الحاجَّة خديجة، زوجها الحاج عبد الله، قعد فترة في مصر، ولديه ابنته تحضِّر الدكتوراه، وهو مرافق لها هناك، أما هي فقد رفضت الخروج، ومكثت هنا هي وأولادها، منذ بداية الأحداث إلى آخرها».
وكان المركز الرئيسي لـ«داعش»، في العمارة ذات الـ18 شقة، على بعد عدة أمتار من بيت الحاجة خديجة. ويقول أحد المحققين إن المركز يحتوي على أدلة تثبت تورط قادة للميليشيات وزعماء سياسيين من طرابلس ومصراتة، ومن دول خارجية، في إمداد المتطرفين في بنغازي بكميات ضخمة من الأسلحة والأموال، طوال العامين الماضيين، وذلك بعد أن أصبح يطلق على تحالف المحاربين في المدينة اسم «مجلس شورى ثوار بنغازي».
ومن بين هذه الأدلة نص محضر «اجتماع تكميلي» عقد في قاعة فندق «ريكسوس» في طرابلس، وشارك فيه قادة معروفون بأسمائهم. ويقول المحقق: «عثرنا على هذا المحضر وأدلة أخرى في حاسوب أحد الدواعش في بنغازي».
واطلعت «الشرق الأوسط» على نص المحضر. وجاء فيه قرار من قيادات في العاصمة بتعضيد قوات المتطرفين في بنغازي، وتخفيف الضغط عنهم بفتح جبهة ضد الجيش الذي يقوده حفتر، في منطقة الموانئ النفطية، وتأسيس محفظة استثمارية في إحدى الدول الداعمة لـ«مجلس شورى ثوار بنغازي» للإنفاق منها على عمليات الجماعات المتطرفة في بنغازي.
وفي تلك الأثناء كان تنظيم «شورى بنغازي» يعمل على تأمين آخر حصونه في محيط «سيدي خريبيش» انتظاراً للمدد من غرب البلاد. وكان هذا الحصن في شارع الشويخات في مواجهة محور الجيش، حيث يسعى التنظيم لعرقلة تقدم الجنود، بينما كان منزل الحاجة خديجة يقع في المنتصف. وقام التنظيم المتطرف بتعطيل مضخة المجاري، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه في الشوارع الواقعة ناحية تمركز الجيش، إلى مستوى لا يمكن معه فتح باب السيارة «إذا فتحته دخلت عليك مياه المجاري»، كما يقول الفيتوري.
وفي واحدة من العمليات «البطولية» التي أصبح يتفاخر بها أبناء المنطقة، أنه، وبعد أن أصبحت أيدي الشبان مشغولة بحمل السلاح، تقدمت مجموعة من المتطوعين من كبار السن، ودخلوا إلى مضخة الصرف الصحي التي أعطبها الدواعش، وأمضوا نهاراً بأكمله وسط الروائح الكريهة للمياه التي كانت تصل إلى صدورهم، وهم يحاولون إصلاح المضخة، بينما القذائف تنفجر حول رؤوسهم.
ويقول الفيتوري، وهو يقف أمام بيته المثقوب في عدة مواقع بفعل الضربات الصاروخية: «تمكنت مجموعة من كبار السن، كمتطوعين، من إعادة تشغيل المضخة بالفعل. وصفقنا لهم دون أن نهاب الموت. منهم الحاج نجيب عبد الجواد، وفرج الفرجاني، وخالد الشلماني، وآخرون».
وفر غالبية المقاتلين أمام تقدم الجيش إلى خارج بنغازي، عبر طرق برية تقع في غرب المدينة، ومنها توجهوا إلى غرب البلاد، وانضموا إلى ما أصبح يعرف بـ«سرايا الدفاع عن بنغازي»، بقيادة العميد مصطفى الشركسي، الذي ما زال يعد نفسه آمراً لمنطقة بنغازي العسكرية، وفقاً لقرار من المؤتمر الوطني أو البرلمان السابق، بحسب ما قاله الشركسي نفسه. بينما تقهقرت عناصر أخرى إلى الخلف، إلى أن علقت في داخل «سيدي خريبيش».
وحين تحاول الوصول إلى «سيدي خريبيش» فلا بد أن تسلك طريق الكورنيش من ناحية الغرب. ومن هناك تمر على المباني العتيقة التي ترتبط بأحداث سياسية كبرى في تاريخ ليبيا، إلا أن كل هذه المباني أصبحت أكواماً من التراب والحجارة. ومنها مقر متحف بنغازي، ومقر «قصر المنار» الذي ألقى الملك إدريس السنوسي، من شرفته، خطاب الاستقلال في مطلع خمسينات القرن الماضي. وإذاعة بنغازي القديمة التي أعلن منها القذافي «بيان ثورة 1969». وطالت الأضرار أيضاً مبنى الاتحاد الاشتراكي الذي كان كنيسة فيما مضى، ومبنى شركة الموانئ، ومقر الجوازات، وإدارة الجمارك، وغيرها.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
TT

الحقيقة بين حَربَيْن: يوليو 2006 - أكتوبر 2023

رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)
رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة (غيتي)

المحنة الخطيرة التي تعرّض لها لبنان في عام 2006، بالمقارنة مع المحنة التي لا يزال يتعرّض لها منذ الثامن من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي وحتى الآن، تبينان أن هناك أوجه شبه متعددة في جذورهما، كما أن هناك فروقات شاسعة بينهما، لا سيما بسبب تغير الظروف والأحوال.

منذ اللحظة التي قام بها العدو الإسرائيلي بعدوانه على لبنان في شهر يوليو (تموز) 2006، بحجة العملية العسكرية لـ«حزب الله» واختطافه عنصرين من الجيش الإسرائيلي، دعوتُ مجلس الوزراء للانعقاد والبحث في مخاطر هذا العدوان وتداعياته، واتخاذ التدابير، لحماية الأمن الوطني وحماية أمن اللبنانيين وسلامتهم، في المناطق التي أصبح يستهدفها، وللحؤول دون إفراغ الجنوب اللبناني من أهله.

لقد طرحتُ الأمر على مجلس الوزراء، وقلتُ بوضوح، إننا كحكومة فوجئنا ولم نكن على علم مسبّق بهذه العملية، وإننا لا نتبناها، ونستنكر عدوان إسرائيل على لبنان، وعلى سيادته وعلى الشعب اللبناني، وعلينا تقديم شكوى عاجلة إلى مجلس الأمن، والمطالبة بوقف إطلاق النار.

المسافة بين الدولة و«الحزب»

بذلك نجحت الحكومة آنذاك في إيجاد مسافة واضحة بين الدولة اللبنانية و«حزب الله»، وهو ما أفسح المجال أمامها في مخاطبة المجتمعين العربي والدولي، والتواصل معهما من أجل مساعدة لبنان وتعزيز صموده. وهذا أيضاً ما أهّلها ومكّنها بعد ذلك، وفي ظل عنف الجرائم التي باتت ترتكبها إسرائيل إلى أن تكتسب دور الضحية الذي حاولت إسرائيل أن تلبس رداءه منذ صباح الثاني عشر من يوليو (تموز).

حرصت منذ ذلك الوقت على أن تكون الدولة اللبنانية بكل مكوناتها وإمكاناتها هي المسؤولة عن كل ما يجري، وعن معالجة نتائج ما حصل وما سيحصل، وأنها ستتحمل مسؤولياتها باتخاذ كل القرارات والإجراءات التي تحمي لبنان واللبنانيين، وتوفير مقومات صمودهم والاهتمام بالنازحين اللبنانيين.

منذ ذلك اليوم، تحوّل السراي الحكومي إلى ورشة عمل وطنية لا تهدأ، كما تحول أعضاء الحكومة إلى فريق عمل واحد للدفاع عن لبنان، والعمل على استنهاض الجهود في كل إدارات الدولة ومرافقها وإمكاناتها من أجل توفير مقومات الحياة للبنانيين، كما استنهاض المجتمع المدني للقيام بدورهم بواجب الدفاع عن لبنان.

على المستوى الخارجي، تكثّفت الاتصالات اليومية وبالتعاون مع وزير الخارجية اللبناني بكبار المسؤولين في العالم، من الأمين العام للأمم المتحدة، ومروراً برؤساء الدول العربية الشقيقة، وكذلك الدول الصديقة ممن يملكون القرار، ولهم القوة والنفوذ والتأثير الدولي، وكان مطلبنا الأساسي والأول من مجلس الأمن الدولي وقف إطلاق النار.

في ذلك الوقت، استمرّ العدو الإسرائيلي في شن الحرب على لبنان، وفي استهداف المنشآت والمرافق، وتدمير الجسور والطرقات والمدارس والأبنية في القرى والبلدات، بينما جهدت الحكومة من أجل استنهاض العالم والمنظمات الدولية لإدانة ووقف ما يعانيه لبنان، وما يتعرّض له من مخاطر.

مهجرون في حرب تموز 2006 يعودون إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار (غيتي)

خطة النقاط السبع

في ذلك الوقت، بادرت مع مجلس الوزراء، وبحضور رئيس الجمهورية ومشاركته الفعالة إلى بلورة صيغ الحلول للبنان، ووضعها بمتناول رؤساء دول العالم ومجلس الأمن من أجل وقف الحرب على لبنان ولإنهاء العدوان الإسرائيلي، حيث أقرت الحكومة خطة النقاط السبع التي عرضْتُها في مؤتمر روما، والتي اعتمدها مجلس الأمن من ضمن بناءاته في إصدار القرار الدولي بوقف إطلاق النار.

صدر القرار رقم 1701 عن مجلس الأمن، وتوقفت الحرب، وعاد النازحون إلى ديارهم وقراهم ابتداء من يوم 14 أغسطس (آب) 2006، وأنجزت ورشة البناء والإعمار للبنى التحتية وللأبنية المدمرة والمتضررة على أعلى درجات الكفاءة والصدقية والفاعلية والسرعة، وبفضل المساعدات الكريمة التي قدمتها الدول العربية، لا سيما دول الخليج، والدول الصديقة، والتي استند لبنان في الحصول عليها على الثقة التي رسختها الحكومة اللبنانية في علاقاتها مع جميع الأشقاء والأصدقاء. وبناء على ذلك، فقد عاد لبنان من جديد إلى نهوضه وازدهاره، ولممارسة دوره الطبيعي عربياً وعالمياً، وحيث استطاع لبنان خلال السنوات من 2007 إلى 2010 أن يحقق أعلى نسبة نمو في تاريخه الحديث لـ4 سنوات متوالية، وأن يحقق فائضاً سنوياً كبيراً في ميزان المدفوعات، وكذلك فائضاً إيجابياً كبيراً في مجموع الاحتياط من العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي، وخفضاً نسبياً كبيراً في نسبة الدين العام اللبناني إلى ناتجه المحلي.

لقاء رئيس الحكومة الاسبق فؤاد السنيورة بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للاتفاق على مشاركة ألمانيا في قوات "يونيفيل" في 2006 (غيتي)

وحدة ساحات بلا مقوّمات

بالمقارنة، فإنَّ ما حصل في 8 أكتوبر عام 2023، نتيجة مبادرة «حزب الله» مستنداً إلى نظريته بوحدة الساحات، وهو قد قام بذلك منفرداً وعلى مسؤوليته، ومن دون اطلاع أو معرفة السلطات الشرعية في لبنان إلى إشعال الجبهة على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة، وأيضاً دون الأخذ بالحسبان الظروف شديدة الصعوبة التي بات يعاني منها لبنان آنذاك، ولا يزال.

صباح اليوم التالي، في 8 أكتوبر 2023، أصدرتُ بياناً شدّدت فيه على أن لبنان لا يستطيع، ولا يمكن أن يُزجَّ به في هذه المعركة العسكرية، وعددت 5 أسباب أساسية فحواها الأزمة الوطنية والسياسية لعدم انتخاب رئيس للجمهورية، وعدم تأليف حكومة مسؤولة، والضائقة الاقتصادية الخانقة، وأزمة النازحين السوريين، وانحسار الصلات الوثيقة مع دول الاحتضان العربي، وعدم توفر شبكة الأمان العربية والدولية التي حمته في عام 2006، وكذلك عدم وجود عطف أو تأييد لدى غالبية اللبنانيين لدعم مثل هذا التدخل العسكري.

الآن، ولأنّ القرار 1701 لم يطبق كما يجب، ولأنَّ الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي لم يلعبا دورهما في السهر على تطبيق جميع القرارات الدولية ذات الصلة بلبنان وبالقضية الفلسطينية كما يجب، وحيث أثبتت إسرائيل أنها لا تسعى لتحقيق السلام العادل والدائم في المنطقة، ولا تعترف بالقانون الدولي، ولا بالشرعية الدولية، ولا بالحقوق الإنسانية، وتمعن في جرائم الإبادة والقتل والتدمير في غزة والضفة الغربية، وترتد اليوم على لبنان لتعود وتقتل المدنيين وتهجر الآمنين وتدمر المنازل والمنشآت، وتَستعْمِل وسائل التكنولوجيا الحديثة واصطياد الناس الآمنين.

دور وطني يبحث عن أبطال

الآن، وقد أصبحنا على ما نحن عليه، من إرغامات ومن عوائق، وكذلك من نوافد يمكن الولوج منها نحو إخراج لبنان من نير هذا العدوان الإسرائيلي، فإنّه باعتقادي أن في لبنان الآن دوراً وطنياً كبيراً، يبحث عن أبطاله وفي غياب رئيس للجمهورية، وهما بنظري الرئيس نبيه بري بكونه رئيس السلطة التشريعية، والرئيس نجيب ميقاتي بكونه رئيس حكومة تصريف الأعمال، وعليهما أن يكتسبا بجهودهما وتفانيهما، شرف وأجر هذا الدور وهذه البطولة، وعلى جميع المسؤولين والحريصين على إنقاذ لبنان، أن يبادروا إلى مساعدتهما عبر تبني النقاط الست الآتية:

أولاً: إنَّ الواجب الوطني يقتضي من جميع اللبنانيين التضامن والتماسك والتصرف على قاعدة الوحدة والأخوة الوطنية الواحدة، وأن الشعب اللبناني بِرُمَّته يشجب ويدين هذا العدوان الإسرائيلي الغاشم الذي يستهدف لبنان كله والصيغة اللبنانية، بتآلف عناصرها وتفاعلها، والتي لا تحتمل غالباً أو مغلوباً.

بري متوسطاً ميقاتي وجنبلاط في لقاء عين التينة الأربعاء (إ.ب.أ)

ثانياً: إنَّ الحلول للبنان لن تكون ويجب ألا تكون إلا عبر الحلول الوطنية الجامعة، التي تركّز على التمسك بحسن واستكمال تطبيق اتفاق الطائف والدستور اللبناني، وبالدولة اللبنانية وسلطتها الواحدة والحصرية، وبقرارها الحر ودورها المسؤول في حماية الوطن والسيادة الوطنية، ومسؤوليتها الكاملة تُجاه شعبها وأمنه واستقراره.

ثالثاً: بما أنّ العدوان يطال كل لبنان ويصيب كل اللبنانيين، وليس من أحد منهم يتوسَّل العدوان الإسرائيلي، لكي يستفيد أو يدعم موقفه السياسي، فإنّ التفكير والبحث يجب أن ينصبَّ على ضرورة أن تعود الدولة اللبنانية لتأخذ على عاتقها زمام الأمور والمسؤولية، وما يقتضيه ذلك من موقف وطني جامع، بحيث يحتضن اللبنانيون بعضهم بعضاً ويكون همهم الوحيد إنقاذ لبنان وإخراجه من أتون هذه الأزْمة المستفحلة والخطيرة، التي تهدّد كيان الوطن ووحدة اللبنانيين وتماسكهم ومصيرهم.

رابعاً: مطالبة مجلس الأمن الدولي بإصدار قرارٍ بوقفٍ فوري لإطلاق النار في لبنان، وتَحَمُّلِ مسؤولياته في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، عبر التزام جميع الأطراف بالتطبيق الكامل والفوري للقرار الدولي 1701 بمندرجاته كافة، واحترام جميع القرارات الدولية ذات الصلة.

خامساً: مبادرة رئيس المجلس النيابي بدعوة المجلس إلى الانعقاد لمناقشة المخاطر التي تتربص بالدولة اللبنانية وبالشعب اللبناني بما يحفظ الكيان اللبناني، ويحترم الدستور اللبناني، ويحافظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه. كما الدعوة لانتخاب رئيس جديد للجمهورية دون أي إبطاء. رئيس يستطيع أن يجمع اللبنانيين، وبالتالي لتشكيل حكومة مسؤولة تتولى التنفيذ الكامل للقرار 1701، وتعمل لاستعادة العافية والسيادة اللبنانية وتعزيز دور الدولة اللبنانية الكامل في الحفاظ على استقلال وسيادة، وحرية لبنان، واستعادة نهوضه، واستقراره.

سادساً: السعي مع جميع الأشقاء العرب وجامعة الدول العربية بكونهم أشقاء الدم والهوية، وكذلك مع جميع الدول الصديقة والمؤسسات الدولية الإنسانية لتقديم كلّ المساعدات اللازمة والعاجلة لصيانة كرامة النازحين المنتزعين من بلداتهم وقراهم والحفاظ على كرامة اللبنانيين، وكذلك لتأمين العودة العاجلة والفورية لعودة النازحين إلى بلداتهم وقراهم ووضع الآليات ورصد المبالغ اللازمة لإعادة إعمار ما تهدم وما تضرر.

لقد أثبتت هذه المحنة الجديدة أن لبنان لم يستفِد من تجربة ودروس عام 2006، وأنه بات مكشوفاً بتفاصيله أمام العدو الإسرائيلي الذي استثمر تفوقه الناري والجوي والتكنولوجي والاستخباراتي والدعم الدولي اللامحدود له بالترخيص بالقتل والتدمير، وهو الذي لا يزال يُراهن على التسبب بالانقسام، والفتنة بين اللبنانيين، التي لا ولن تحصل بإذن الله، وهو لذلك لم يتورع عن ارتكاب المجازر والاغتيالات، التي كان آخرها اغتيال الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله.

اليوم لبنان والعالم كله أمام الامتحان، فهل تقف الأمم المتحدة ومجلس الأمن لمناصرة الحق، وهل يبادر اللبنانيون بكل قواهم، للدفاع عن حق لبنان واللبنانيين في الوجود الكريم والآمن، وتلقين إسرائيل درساً في معنى الحق والإنسانية واحترام حقوق الإنسان؟!