أزمة الاستقالة تقرّب المسافة بين عون وبري

TT

أزمة الاستقالة تقرّب المسافة بين عون وبري

الأزمة التي خلّفتها استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري من الرياض، قبل أن يتريث في تقديمها خطياً لرئيس الجمهورية ميشال عون، أعادت خلط الأوراق في الداخل اللبناني، بحيث قرّبت المسافة بين المتباعدين، وباعدت بين المتقاربين، بدليل الفتور الذي ينتاب علاقة الحليفين الأساسيين في قوى «14 آذار» تيار «المستقبل» وحزب «القوات اللبنانية»، فيما بدا أن هذه الأزمة نقلت علاقة بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس مجلس النواب نبيه بري، من مرحلة الفتور إلى مرحلة التعاون ووضع الخلافات السابقة جانباً، باعتبار أن التطورات الأخيرة جعلت أولويتهما تركّز على لملمة الوضع الداخلي.
الأسباب الموجبة لفتح قنوات الاتصال والتواصل بين قصر بعبدا وعين التينة، تمثّلت في مساعي الطرفين إلى معالجة الأسباب التي حملت الحريري على تقديم استقالته، وأهمها دور «حزب الله» المنخرط في حروب المنطقة، والعودة إلى ثابتة النأي بلبنان عن الحرائق المشتعلة في محيطه، والكفّ عن التدخل في شؤون الدول العربية، وهو ما سرّع مشاورات عون وبري مع «حزب الله» وقيادات أخرى، لنزع فتيل الأزمة، قبل أن تسقط المهلة التي أعطاها الحريري للمضي باستقالته.
وتعترف الأطراف اللبنانية، أن ما حصل أحدث صدمة كبيرة، تنذر بما هو أسوأ، وقد أوضحت مصادر مقربة من رئيس مجلس النواب لـ«الشرق الأوسط»، أن التقارب بين عين التينة وبعبدا، سبق استقالة الحريري من الرياض. لكنها لفتت إلى أن «استقالة الحريري، عرّضت لبنان إلى هزّة قوية تقارب الزلزال، وتضع لبنان على شفير الهاوية، ما جعل كل القوى السياسية تتكاتف لتدارك هذه الاستقالة».
ولم تخف مصادر عين التينة، أن «الكل تحسس خطورة التطورات الأخيرة، لأن استقالة رئيس الحكومة ليست إلا مؤشرا إلى ما هو أخطر، ودق جرس الإنذار بأن البلد مهدد بالسقوط». وسألت: «ماذا يعني أن يستقيل سعد الحريري وتصبح أمام استحالة تشكيل حكومة جيدة؟ وهل هناك شخصية سنية تقبل بتسميتها بديلاً عن الحريري؟ وماذا يعني إقصاء طائفة كبيرة (الطائفة السنيّة) إذا كانت قيادتها مغيبة عن القرار؟»، معتبرة أن «استقالة الحريري تعني أن العهد دخل في فراغ قد يدوم لسنوات».
وشددت المصادر المقربة من بري، على أن «المساعي المكثفة التي يبذلها رئيس الجمهورية ورئيس المجلس مع الأطراف الأخرى، نجحت في نزع فتيل التفجير». وقالت إن علاقة عون وبري «آخذة في التطور الإيجابي، لأن مصلحة البلد أهم من كل الاعتبارات الأخرى».
من جهته، أكد عضو تكتل «التغيير والإصلاح» وزير العدل الأسبق شكيب قرطباوي، أن «استقالة سعد الحريري وتداعياتها الداخلية والخارجية، نقلت العلاقة بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان من مرحلة إلى أخرى». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «كل الناس تفاعلت مع استقالة الحريري، ووحدت البلد، وبالتالي قرّبت بين عون وبري، خصوصا أن البلد بات مهدداً».
وأشار الوزير قرطباوي إلى أنه «مهما اختلف اللبنانيون في السياسة، يتوحدون أمام القضايا التي تتهدد بلدهم»، لافتاً إلى أن «لقاء عون وبري والحريري في القصر الجمهوري، كان جزءاً منه عاطفياً». وتوقع أن «يتفاعل الجميع مع تداعيات استقالة الحريري، والمثال على ذلك الكلام الهادئ للسيد نصر الله (أمين عام حزب الله)، والمواقف المسؤولة لكتلة «المستقبل» وكتلة «الوفاء للمقاومة». وبالتالي الكل «يتحسس الخطر»، لافتاً إلى أن «المساعي المشتركة التي يبذلها الرئيسان عون وبري، ستؤدي إلى معالجة أسباب استقالة الحريري، وتثبيت مبدأ النأي بالنفس، وتحييد لبنان عن أزمات المنطقة».



«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».