بعد نحو 5 سنوات من تعرض نحو مائتي تونسي لإصابات بالرش في مدينة سليانة، أدت إلى فقدان البعض أبصارهم، قدم علي العريض وزير الداخلية التونسية الأسبق، خلال جلسة اعترافات نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة (هيئة دستورية تعنى بالعدالة الانتقالية)، اعتذاره إلى سكان منطقة سليانة، بقوله: «نحن نأسف لكل من تعرض لإصابة، سواء كان على مستوى العين أو حتى إصابة أقل منها».
وأشار العريض، الذي تولى وزارة الداخلية بين 2011 و2013، في شهادته أمام هيئة الحقيقة والكرامة، إلى أنه علم بالحادثة عندما تم نقل المصابين إلى المستشفى، وأكد على أن المحتجين أرادوا اقتحام مقر الولاية (المحافظة)، بعد تجمعهم أمام الاتحاد الجهوي للشغل (نقابة العمال) بسليانة.
وشدد على أن الأمنيين وجدوا أنفسهم في وضعية صعبة: إما «استعمال الرصاص، أو السقوط في ما هو أخطر»، على حد تعبيره، مضيفاً: «يبدو أن فيهم من استعمل في ذلك الوقت سلاح الشيفروتين (الرش)» من أجل تفريق المحتجين.
وتعد هذه المرة الأولى التي يقدم فيها مسؤول في الحكومة من عهد الترويكا والحكومات التي تلتها اعتذاراً إلى التونسيين نتيجة اتهامات بالإفراط في استعمال القوة ضد الاحتجاجات الاجتماعية. وتحظى جلسات الاستماع العلنية التي تنظمها هيئة الحقيقة والكرامة باهتمام مختلف شرائح المجتمع التونسي، وجرى النقاش في جلسات سابقة حول اتهامات بالتعذيب.
وتحدّث عدد من الضحايا وكبار المسؤولين الذين كانوا في السلطة آنذاك، بشكل مباشر أو من خلال مقاطع مسجّلة، خلال جلسة استماع علنية مخصصة لأحداث الرش (رصاص انشطاري) في سليانة، التي تبعد 120 كلم في جنوب غربي تونس.
وقال الطيب كرامت (52 عاماً) إنه كان أمام منزله، ولم يكن مشاركاً في تلك المظاهرات، عندما أصيب بمئات من حبات الرش في ركبتيه، مضيفاً أن «الألم متواصل حتى اليوم».
أما سعاد طعم الله، فرَوَت أنها كانت ذاهبة في ذلك الوقت بصحبة ابنتها لشراء خبز، عندما استهدفهما شرطي «بدا أنه كان مختبئاً وراء شجرة»، وقالت إنها أصيبت «برقبتها وفي أعلى صدرها وبأطرافها السفلى»، بينما أصيبت ابنتها «برقبتها ويدها اليسرى ورجليها».
يذكر أنه في نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، بعد مرور عامين تقريباً على الثورة التي أنهت حكم زين العابدين بن علي، نُظمت مظاهرات في سليانة للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين منذ عام 2011، وبخطة للتنمية الاقتصادية لهذه المنطقة الفقيرة جداً، وبرحيل المحافظ.
وتحولت الاحتجاجات إلى اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين، وأصيب مئات الأشخاص من المتظاهرين أو المارة بجروح، وقدر عدد المصابين في تلك الأحداث بنحو 200 تونسي، أصيبوا برصاص الرش (المستعمل عادة في الصيد)، إثر استخدامه من قبل أعوان الأمن لتفريق المتظاهرين، وأدت المواجهات إلى فقدان البعض أبصارهم، كما أن كثيراً منهم ما زال يحمل الشظايا في أجسادهم.
وفي سياق جلسة الاستماع، قال حمادي الجبالي الذي كان يرأس الحكومة إبان تلك المواجهات، أمس، إن المحتجين حاولوا استهداف رموز الدولة بهدف الإطاحة بالحكومة، وألحقوا أضراراً فادحة بالمنشآت العمومية، حيث أحرقوا مقر المعتمدية (السلطة المحلية) والمقرات الأمنية، ونهبوا القباضة المالية.
، واستعملوا المقذوفات الحادة وقنابل المولوتوف، وحاولوا اقتحام مقر ولاية سليانة، وهو ما يعني خروج الاحتجاجات عن طابعها السلمي.
من ناحيته، اعتبر نجيب السبتي، رئيس الاتحاد الجهوي للشغل (نقابة العمال) بسليانة، أن جلسة الاستماع العلنية التي نظمتها هيئة الحقيقة والكرامة «مسرحية هدفها تبرئة عدد من قيادات حركة النهضة الذين تولوا مناصب خلال فترة حكم الترويكا». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «إن الاتحاد العام التونسي للشغل رفض الحضور في الجلسة بسبب عدم موافقته على تفرد هيئة الحقيقة والكرامة بملفات ضحايا الرش، رغم إحالة القضية إلى المحكمة العسكرية بالكاف (شمال غربي تونس) من أجل متابعة الجناة الحقيقيين»، وأضاف: «إن الاعتذار لا يمكن أن يعيد إلى المصابين أبصارهم»، على حد تعبيره.
وكشف السبتي عن تنظيم نقابة العمال، يوم أمس، مسيرة في مدينة سليانة لإحياء الذكرى الخامسة لأحداث الرش، بمشاركة عائلات الضحايا.
وعلى المستوى القضائي، كانت أحداث الرش موضوع خلاف بين هيئة الحقيقة والكرامة ووكالة الدولة العامة لإدارة القضاء العسكري الذي اعتبر أن «بث جلسات علنية بخصوص أحداث الرش بسليانة» يعد خرقاً لمبدأ سرية التحقيق، ومساساً بحقوق الأطراف، وهو ما من شأنه أن يؤثر سلباً على حسن سير الأبحاث في القضية التي لا تزال معروضة على المحاكم التونسية.
في المقابل، قالت سهام بن سدرين، رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، إنها تأمل في أن تؤدي جلسة الاستماع العلنية حول أحداث الرش بسليانة إلى مصالحة بين أهالي الجهة والسلطة المركزية.
وعلى صعيد آخر، أجل القضاء التونسي استنطاق خالد قدور، الوزير التونسي للطاقة والمناجم، في قضية تتعلق بشبهات فساد إداري ومالي، إلى الرابع من شهر ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وتعود القضية، وهي شبهة الفساد المالي، إلى سنة 2013، عندما اتهم سليم شيبوب، صهر الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، كلاً من صلاح الدين قائد السبسي (نجل الرئيس التونسي الحالي) وخالد قدور المدير العام السابق للطاقة، بمنح وزارة الصناعة رخصة تنقيب عن النفط لإحدى الشركات النفطية دون وجه حق قانوني.
وزير الداخلية التونسية الأسبق يعتذر من مصابي مواجهات قوات الأمن
وزير الداخلية التونسية الأسبق يعتذر من مصابي مواجهات قوات الأمن
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة