وكالتان ائتمانيتان تخفضان تصنيف جنوب أفريقيا

اقتصادها يترنح على خلفية التوتر السياسي

باحثون عن عمل أمام موقع إنشاءات في العاصمة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا (رويترز)
باحثون عن عمل أمام موقع إنشاءات في العاصمة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا (رويترز)
TT

وكالتان ائتمانيتان تخفضان تصنيف جنوب أفريقيا

باحثون عن عمل أمام موقع إنشاءات في العاصمة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا (رويترز)
باحثون عن عمل أمام موقع إنشاءات في العاصمة جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا (رويترز)

خفضت وكالتان للتصنيف الائتماني مجدداً تصنيف جنوب أفريقيا، التي تعاني من تراجع في أدائها الاقتصادي وسط مناخ سياسي مضطرب إثر الاتهامات بالفساد التي يواجهها الرئيس جاكوب زوما.
وأفادت وكالة «ستاندرد أند بورز» في بيان، بأنها خفضت اثنين من التصنيفات الائتمانية للبلاد، بسبب «ضعف إجمالي الناتج الداخلي» و«تراجع الأموال العامة».
من جهتها، وضعت وكالة «موديز» جنوب أفريقيا في تصنيف سلبي عند «بي إيه إيه 3-»، ورأت «موديز» أن «التوقعات بالنمو انخفضت» متوقعة «زيادة أسرع وأكبر في الدين العام للبلاد».
ويوم الخميس الماضي، أكدت وكالة «فيتش» تصنيف «بي بي+» لجنوب أفريقيا، وهي فئة استثمارات «المضاربة».
ويعاني أكبر اقتصاد صناعي في أفريقيا من تباطؤ في النمو وتزايد الدين والعجز العام وسط ارتفاع نسبة البطالة التي بلغت 27.7 في المائة.
وفي أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خفض وزير مالية جنوب أفريقيا مالورسي جيغابا توقعات نمو إجمالي الناتج الداخلي للبلاد لعام 2017 من 1.3 في المائة إلى 0.7 في المائة.
وأسهمت الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد جراء سلسلة من القضايا المرتبطة بالفساد التي تورط فيها الرئيس زوما وحكومة المؤتمر الوطني الأفريقي في تردي الوضع الاقتصادي.
وردت وزارة الخزانة على وكالات التصنيف بالإشارة إلى عدم وجود «شك حيال التزام الحكومة القوي بالتعاطي مع المعوقات البنيوية لتنمية الاقتصاد وتحسين وضع الأموال العامة».
وأما ريموند بارسنز من نورثويست يونيفرستي، فاعتبر أن «القرارات الأخيرة الصادرة عن (ستاندرد أند بورز) و(موديز) هي بمثابة رسالة قوية جديدة لجنوب أفريقيا لترتيب وضعها الداخلي في أقرب وقت ممكن».
ويزيد من توتر الأوضاع التنافس على خلافة زوما في قيادة حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي يتعين عليه أن يختار رئيسه الجديد في ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
من جهته، قال وزير مالية جنوب أفريقيا، الشهر الماضي، إن بلاده لا تزال عاجزة عن الخروج من الأزمة.
وعرض مالوسي جيغابا آنذاك على البرلمان الميزانية التي كشفت عن نمو ضعيف وتراجع في عائدات الدولة وزيادة الدين العام وارتفاع البطالة إلى مستوى قياسي.
وعلى خلفية التوتر السياسي داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم، أدت الأرقام الاقتصادية السيئة المتكررة إلى تدني ثقة أوساط الأعمال إلى أدنى مستوى منذ نهاية نظام الفصل العنصري في سنة 1994.
ولم تكن يوماً الآمال التي أحيتها جنوب أفريقيا الديمقراطية الجديدة بعيدة المنال مثلما هي اليوم، علماً أن نصف سكان البلاد يعانون من الفقر.
وخفض جيغابا تقديرات توقعات نمو إجمالي الناتج الداخلي لسنة 2017 إلى 0.7 في المائة مقابل 1.3 في المائة في الأساس، وأعلن أن خدمات الديون ستبتلع 15 في المائة من عائدات الخزينة العامة.
وتعزى النتائج السيئة لاقتصاد جنوب أفريقيا التي خرجت لتوها هذه السنة من الانكماش بصورة كبيرة إلى الرئيس جاكوب زوما، المتهم بإثراء نخبة فاسدة بدلاً من الانحياز لصالح الغالبية السوداء التي تعاني من صعوبات.
وقال دارياس جونكر من مكتب «يوراسيا» للتحليل ومقره في لندن، إنه «من غير المحتمل أن يباشر زوما إصلاحات حقيقية من شأنها أن تعكس الشعور السلبي السائد لدى المستثمرين والمستهلكين».
وأضاف جونكر أن «جيغابا أكثر صدقاً بشأن حجم المشكلة، لأنه يريد أن ينأى بنفسه عن زوما الذي تدنت شعبيته إلى حد كبير»، ولكن وزير المالية «لم يقدم حلاً ملموساً للخروج من فخ النمو الضعيف».
وقال إنه «في هذه الظروف، من غير المستبعد أن يخسر المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم منذ 1994، الانتخابات العامة» في 2019.
ووعد وزير المالية، النواب، بأنه لن يعمل على «تجميل صورة» الوضع الاقتصادي، وحذر من أن «الفترة المقبلة لن تكون سهلة».
وعلقت صحيفة «بيزنس داي» الاقتصادية أن الوزير «وصف الوضع في تفاصيله الأكثر ضراوة بأن المركب المالي بدأ يتمايل».
وفي أعقاب خطاب الوزير، انخفضت قيمة «الراند» إلى مستوى جديد هو الأدنى أمام الدولار بداية نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي. وشهدت البلاد أكبر عملية بيع سندات الخزينة منذ سبتمبر (أيلول) 2011.
وفي مارس (آذار) الماضي، أدت إقالة وزير المالية برفين غوردان الذي يحظى باحترام الأسواق إلى زعزعة ثقتها.
وقد ينعكس أي تخفيض على سحب الاستثمارات الأجنبية وارتفاع كلفة الإقراض وارتفاع التضخم. وتوقعت وكالة «بلومبيرغ» للأنباء خروج نحو 200 مليار راند (14 مليار دولار) من البلاد.
وستتابع وكالات التصنيف عن كثب النفقات العامة التي يتوقع أن تتجاوز التوقعات الأساسية بنحو 4 مليارات راند، لا سيما بسبب الخسائر الهائلة لشركة طيران جنوب أفريقيا.
وتبدي الأوساط الاقتصادية كذلك قلقاً من المناخ السياسي غير الصحي في جنوب أفريقيا، مع تنامي التوتر داخل حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الذي يتعين عليه أن يختار خلفاً لرئيسه جاكوب زوما.
وزادت هذه المنافسة من حدة الانقسامات داخل الحزب، إذ يدعم زوما زوجته السابقة نكوسازانا دلاميني - زوما في مواجهة نائبه سيريل رامافوزا.
والرهان كبير لأن زعيم حزب المؤتمر الوطني الأفريقي سيصبح رئيس جنوب أفريقيا خلفاً لجاكوب زوما في 2019 في حال فوز الحزب في الانتخابات العامة.
وحذر شون مولر الاقتصادي في جامعة جوهانسبرغ من أن «البلد يمكن أن يشهد تدهوراً جديداً على المستوى المالي إذا لم يتمكن مؤتمر ديسمبر المقبل من إصلاح الحكم».
وأضاف أن «تدهور الوضع الاقتصادي قد يقوض ولسنوات عدة مُثل وأهداف فترة ما بعد الفصل العنصري».



«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
TT

«فاغنر» تعتقل 6 موريتانيين وسط مخاوف من «انتهاكات»

عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)
عناصر «فاغنر» في مالي (أ.ب)

اعتقلت وحدة من مقاتلي «فاغنر» الروسية الخاصة 6 مدنيين موريتانيين على الأقل في إحدى القرى الواقعة داخل الشريط الحدودي بين موريتانيا ومالي، وفق ما أكدت مصادر محلية وإعلامية موريتانية، الثلاثاء.

وقالت المصادر إن مجموعة من مقاتلي «فاغنر» دخلوا قرية لقظف، الواقعة على بُعد 40 كيلومتراً إلى الجنوب من مدينة باسكنو، أقصى جنوب شرقي موريتانيا، غير بعيد عن الحدود مع دولة مالي. مؤكدةً أن جميع سكان قرية لقظف يحملون الجنسية الموريتانية، رغم أن القرية تقع داخل شريط حدودي «غير مرسَّم»، وبالتالي تتداخل فيه صلاحيات البلدين: مالي وموريتانيا.

موريتانيان معتقلان من طرف مجموعة «فاغنر» (إعلام محلي)

وبسبب غياب ترسيم الحدود، نفَّذ الجيش المالي المدعوم من قوات «فاغنر»، خلال العامين الأخيرين، عمليات عسكرية كثيرة داخل الشريط الحدودي، ضمن ما تطلق عليه مالي «مطاردة العناصر الإرهابية»، لكنَّ هذه العمليات راح ضحيتها عشرات المدنيين الموريتانيين.

اقتحام واختطاف

وصفت المصادر المحلية ما حدث أمس في القرية بأنه «عملية اختطاف» تعرَّض لها ستة مواطنين موريتانيين، فيما تداول ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي صور وأسماء «المختطفين»، وكان بعضهم يحمل بطاقة تعريفه الموريتانية.

وحسب المصادر نفسها، فإن قوات «فاغنر» اقتحمت القرية خلال تنظيم سوق محلية أسبوعية، وأطلقوا وابلاً من الرصاص في الهواء، قبل أن يجمعوا رجال القرية، ويقرروا توقيف 7 أشخاص، أفرجوا عن واحد منهم لاحقاً، كما صادروا خمس سيارات رباعية الدفع وعابرة للصحراء، تعود ملكيتها إلى رجال من القرية.

في غضون ذلك، نشرت الصحافة المحلية أن قوات «فاغنر» نقلت الموقوفين الستة إلى مدينة نامبالا، داخل أراضي مالي، وسلَّمتهم للجيش المالي، وسيجري نقلهم إلى العاصمة باماكو، «تمهيداً لإطلاق سراحهم»، على حد تعبير صحيفة محلية.

رعب «فاغنر»

خلال العامين الأخيرين قُتل عشرات الموريتانيين على يد الجيش المالي وقوات «فاغنر» الروسية، داخل الشريط الحدودي بين البلدين، وحتى داخل أراضي مالي، وهو ما أسفر عن برود في العلاقة بين البلدين، كاد يتطور إلى قطيعة نهائية.

وقُتل أغلب هؤلاء الموريتانيين بطرق بشعة، من بينها الحرق والدفن في قبور جماعية، مما أشعل موجة غضب عارمة في الشارع الموريتاني، لكنَّ الماليين برَّروا ذلك بالحرب التي يخوضونها ضد الإرهاب، والتي دعت الموريتانيين إلى اصطحاب هوياتهم، والابتعاد عن مناطق الاشتباك.

قوات موريتانية على الحدود مع مالي (أ.ف.ب)

ومنذ أكثر من عامين، تجري معارك عنيفة بين الجيش المالي المدعوم من «فاغنر» من جهة، و«جبهة تحرير ماسينا» التابعة لتنظيم «القاعدة» في منطقة على الحدود مع موريتانيا، وتحدث مطاردات تنتهي في الغالب داخل الشريط الحدودي.

شريط حدودي رمادي

يمتد الشريط الحدودي بين البلدين على أكثر من ألفي كيلومتر، وبعمق يزيد على 10 كيلومترات، حيث تقع فيه عشرات القرى التي يقطنها سكان من البلدين، دون تحديد إن كانت موريتانية أم مالية.

وحاول البلدان ترسيم الحدود عدة مرات منذ الاستقلال عن فرنسا قبل ستين عاماً، لكنَّ هذه المحاولات لم تُفضِ إلى نتيجة، ليشكل البلدان بعد ذلك لجنة مشتركة لتسيير الحدود.

وسبق أن هددت السلطات الموريتانية، التي احتجت على ما يتعرض له مواطنوها، بالرد والتصعيد أكثر من مرة، وطالبت في الوقت ذاته مواطنيها بالانسحاب من هذه المنطقة، حتى تنتهي المعارك. لكنَّ سكان المنطقة الحدودية من البدو، المشتغلين بتربية الأبقار والإبل والأغنام، ويعيشون منذ قرون على التحرك في المنطقة، بحثاً عن الماء والمرعى، لا يمتلك أغلبهم أي أوراق مدنية، وبعضهم الآخر يحوز الجنسيتين؛ الموريتانية والمالية.

ومع تصاعد استهداف الموريتانيين، زار قائد الجيش المالي نواكشوط، مطلع مايو (أيار) الماضي، وعقد لقاءات مطولة مع قائد الجيش الموريتاني ووزير الدفاع، أسفرت عن تشكيل لجنة مشتركة، والاتفاق على تنسيق العمليات على الأرض.

الرئيس الموريتاني أجرى مشاورات مع المسؤولين في مالي لمنع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي بلاده (أ.ف.ب)

وكان الهدف من هذا التنسيق، حسبما أعلن الطرفان، هو منع تسلل أي إرهابيين محتملين إلى أراضي موريتانيا، لكن أيضاً تفادي أي استهداف للموريتانيين بالخطأ داخل الشريط الحدودي. ومنذ ذلك الوقت لم يُقتَل أي مواطن موريتاني داخل الشريط الحدودي، فيما تراجعت بنسبة كبيرة تحركات قوات «فاغنر» في الشريط الحدودي، وتعد عملية توقيف الموريتانيين (الثلاثاء) الأولى من نوعها منذ ستة أشهر.