نصف سكان القدس العربية يعملون لدى يهود

بأجر منخفض وساعات عمل طويلة

جانب من سوق شعبية في المدينة القديمة بالقدس (غيتي)
جانب من سوق شعبية في المدينة القديمة بالقدس (غيتي)
TT

نصف سكان القدس العربية يعملون لدى يهود

جانب من سوق شعبية في المدينة القديمة بالقدس (غيتي)
جانب من سوق شعبية في المدينة القديمة بالقدس (غيتي)

نشرت في مدينة القدس، أمس (الجمعة)، دراسة جديدة تبين أن نصف القوى العاملة في القدس العربية المحتلة يعملون لدى أصحاب مصالح يهودية، وأن اليهود يفضلونهم على العمال والموظفين اليهود لأنهم «يعملون بأجر منخفض ولساعات أطول من نظرائهم الإسرائيليين».
وأعدت الدراسة في «معهد القدس للبحوث السياسية»، تحت عنوان «من وراء السقف الزجاجي»، ويتم فيها توثيق علاقات العمل المشتركة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. وأعدها باحثان؛ يهودي وعربي، هما: مريك شتيرن، ابن النائب البرلماني الراحل يوري شتيرن، الذي يُعنى بالجغرافيا السياسية للمدن المختلطة، وأحمد الأسمر من وادي الجوز في شرق القدس المحتل، وهو صحافي سابق وترأس خلية الطلاب المقدسيين الفلسطينيين في الجامعة العبرية.
ويقولان إنه على الرغم من أن عرب القدس الشرقية، لم يتخلوا عن وطنيتهم الفلسطينية، فإن اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي يزداد. فهنالك المزيد من خريجي الثانوية وفقاً للمنهاج التعليمي الإسرائيلي، والمزيد ممن يختارون الدراسة في جامعات إسرائيل، والمزيد من حالات الزواج لأبناء وبنات شرقي القدس مع العرب في إسرائيل (فلسطينيي 48) وأقل مع عرب الضفة، والمزيد من «التوجه إلى الغرب» والوجود المتعاظم في مجالات الاستهلاك والترفيه في المناطق اليهودية.
وفوق كل شيء، يحتل عمال شرق القدس أجزاء متزايدة من سوق العمل في غرب المدينة. وهنا يكشفان عن تمييز عنصري صارخ ضد العرب.
وهكذا يتضح من البحث أن «دوامة المشاعر المتضاربة التي ترافق مجال العمل المشترك في القدس تتراوح بين إحساس الظلم الذي يرافق العمال العرب (في ضوء شروط العمل المتردية بالمقارنة مع العمال اليهود) ومنظومات العلاقات الشخصية التي يطورها خُمس العاملين اليهود والعرب ممن يعملون الواحد إلى جانب الآخر».
ومع ذلك، هناك أماكن عمل مشتركة كثيرة، كما يتبين، محظور فيها على العمال العرب الحديث بالعربية، والاعتبار هو «تجاري»؛ فمن شأن الأمر أن يؤدي إلى هروب الزبائن اليهود. وفي معظم أماكن العمل المشتركة محظور أيضا، سواء على اليهود أو على العرب «الحديث في السياسة». ويسمي شتيرن والأسمر ذلك بـ«آلية بقاء وحفظ مكان العمل المشترك من مغبة تسلل النزاع السياسي إلى داخله». فالبديل بالنسبة لكثير من العمال هو العلاقة من خلال «فيسبوك» ومجموعات «واتساب»، حيث يتعرفون، رغم الحظر من رب العمل، على مواقف وآراء أبناء القومية الأخرى. ويبين البحث أن التوتر يسود في وقت العمليات والمواجهات الدينية - القومية، وعندها يخاف اليهود والعرب من استخدام المواصلات العامة.
وفي مثل هذه الفترات من الصعب أكثر على العرب مواصلة العمل في الجانب اليهودي، ولكن أرباب العمل ممن لا ينالون في الأيام العادية الثناء من عمالهم، يكتشفون فجأة الجانب «الرقيق» لديهم، يعربون عن قلق على مصيرهم، يهتمون بما يمر عليهم، بل ويتعلمون أكثر عن واقع الحياة المركبة للأقلية العربية في القدس.
ويتضمن البحث إحصاءات مثيرة منها: نحو 49 في المائة من قوة العمل العربية في شرق القدس (نحو 35 ألف نسمة)، يعملون في أعمال تجارية بالوسط اليهودي. ويأتي هؤلاء من عائلات تعيش دون خط الفقر، علماً بأن نحو 82 في المائة منهم فقراء ومعدل التساقط من المدارس الثانوية هو الأعلى في البلاد ويساوي 36 في المائة. شبكة البنى التحتية البلدية الأساسية في أحياء شرق القدس (المجاري، شركة المياه والطرق) توجد في وضع متردٍ جداً. وبالنسبة لسكان هذه الأحياء فإن سوق العمل اليهودية بمثابة النجاة.
ويقول الباحثان إن عمال القدس الفلسطينيين هم بالنسبة لأرباب العمل اليهود قوة عمل حيوية لا بديل له. فهم يدفعون للعرب أجراً أقل لقاء ساعات عمل أكثر، مقارنة بما يتلقاه اليهود (مع أنه يزيد عن الأجر الذي يُدفَع في شرقي المدينة أو في مناطق السلطة الفلسطينية). و71 في المائة من الأجيرين في القدس في مجال البناء هم عرب وهكذا أيضاً 57 في المائة من العمال في مجال المواصلات، و40 في المائة من العمال في مجال الفنادق والمطاعم، 20 في المائة من العمال في جهاز الصحة، و46 في المائة من العمال في خدمات المياه؛ المجاري والنظافة.
وقد استجوب شتيرن والأسمر 428 عاملاً، فقال غالبيتهم إنهم «يشعرون بمشاعر غير لطيفة حتى قاسية في غربي القدس، وإنهم لا يشعرون بأنهم آمنون أو منتمون». وقال 49 في المائة منهم إنهم واجهوا مرة واحدة على الأقل عنفاً لفظياً على خلفية قومية. وبلغ 18 في المائة عن تجربة واحدة أو أكثر من العنف الجسدي.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.