«زواج القاصرات» يقسم العراقيين وبرلمانهم

TT

«زواج القاصرات» يقسم العراقيين وبرلمانهم

يثير مشروع قانون يتيح زواج القاصرات موجة غضب في البرلمان العراقي؛ إذ يدور جدل بين مقترحيه الذين يعدونه «شرعياً»، ومعارضيه الذين يصفونه بأنه «اغتصاب للطفولة».
وكان نواب شيعة اقترحوا نهاية الشهر الماضي تعديل قانون الأحوال الشخصية الصادر في عام 1959 والذي يحظر الزواج قبل سن 18 عاماً ويمنع، خصوصاً، رجال الدين من مصادرة حق الأهل في التوجه إلى محاكم الدولة.
وتنص الفقرة الخامسة من المادة الثانية لمشروع القانون الجديد، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، على أنه «يجوز إبرام عقد الزواج لأتباع المذهبين (الشيعي والسنّي)، كل وفقاً لمذهبه، من قِبَل من يجيز فقهاء ذلك المذهب إبرامه للعقد».
وأبدى عضو اللجنة القانونية في البرلمان النائب عن التيار المدني فائق الشيخ تخوفه من إقرار زواج الصغيرات استناداً إلى آراء لفقهاء «تُلزِم القضاة». وأضاف: «نحن كقوة مدنية مع نواب آخرين، نحمل واقعية وإنسانية، نرفض هذا المقترح ورفضنا تشريعه».
وتناقلت مواقع التواصل الاجتماعي سيلاً من الانتقادات الحادة بدأ أغلبها برسوم كاريكاتورية تتأرجح بين السخط والسخرية، والغضب المنتشر في الشارع أيضاً. ويقول هادي عباس، وهو عسكري متقاعد من مدينة الكوت جنوب بغداد، إن المقترح «قانون (داعشي) يسمح باغتصاب الأطفال بصورة شرعية».
ويعد الأستاذ الجامعي في البصرة جنوب العراق، علي لفتة (40 عاماً) أن «زواج القاصرات جريمة بحق الطفولة واغتيال للبراءة»، لافتاً إلى أن مشروع القانون «يأتي ضمن مسلسل الفوضى والعبث بالقوانين... بدوافع قبلية وطائفية».
ورغم ذلك، فإن النائب عمار طعمة، رئيس كتلة حزب «الفضيلة»، أحد أبرز الأحزاب الشيعية في البرلمان ومقدم الطرح، يدافع عن مشروع القانون، قائلاً إنه «لا يتضمن أي فقرة تحدد عمراً معيناً للزواج». وأشار إلى أن «مشروع القانون يشمل شروطاً عدة؛ بينها البلوغ والرشد وموافقة ولي الأمر، إضافة إلى مصادقة القاضي التي تتوقف على توفر الشروط السابقة».
لكن مشروعه أثار احتجاجات على مستويات مختلفة في العراق، من بينها بعثة الأمم المتحدة لدى البلاد. ونقل بيان رسمي عن الممثل الخاص للأمين العام في العراق يان كوبيش، دعوته مجلس النواب إلى «انتهاز فرصة عملية تعديل قانون الأحوال الشخصية الذي انتقدته مراراً الهيئات المنشأة بموجب معاهدات الأمم المتحدة، من أجل إجراء مشاورات واسعة النطاق... وتأكيد الالتزام بحقوق النساء والفتيات في العراق».
ووفقاً للدستور العراقي، فإنه على المواطنين إعلان معتقدهم الديني عند عقد الزواج، لأن هناك شروطاً تطبق عند عقد القران؛ فمثلا تختلف مسائل حقوق الزوجة والإرث في المذهب الشيعي عن تلك التي لدى السنّة. ويرى طعمة أن البعض «يريدون وضع حالة شخصية تتوافق مع معتقداتهم».
لكن ذلك لم يقنع صفية محسن، المعلمة والأم لثلاث فتيات في محافظة واسط جنوب بغداد، عادّة أنها لم تعد تفهم أولويات البرلمانيين. وقالت إن «بلادنا تعاني حروباً وأزمات وبطالة، والبرلمان منشغل بإصدار قوانين تنتهك حقوق الأطفال». وأضافت أن البعض «يريدون أن يعيدوا العراق إلى عصور الجاهلية».
وتؤكد مسؤولة «منظمة الأمل» الإنسانية هناء أدور، أن تمرير مشروع القانون سيكون «كارثة». وتتساءل النائب ماجدة التميمي: «ماذا تفهم هذه الطفلة لتتسلم مسؤولية عائلة؟ يجب أن تدرس وتتعلم وتوفر لها مدارس تليق بمستوى الطفل العراقي... علينا التفكير بتعليمها وليس تزويجها. سأرفض هذا القانون وأصوت ضده. غالبية أعضاء مجلس النواب يرفضون هذا القانون».
ورغم حساسية مشروع القانون، فإن أم محمد (65 عاماً)، التي تزوجت بعمر 14 عاماً، لا تبالي بتمريره من عدمه. وتقول السيدة، التي تسكن في إحدى نواحي محافظة ذي قار جنوب العراق، إن «الزواج أمر مرهون بيد العائلتين عند معرفتهم ببلوغ ابنتهم التي يجب أن تتزوج بأي عمر، حتى ولو كان 9 سنوات».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم