ارتفاع ضغط الدم... مراجعات طبية للمعدلات الطبيعية والمرضية

يُعتبر إصدار كل من «رابطة القلب الأميركية» American Heart Association و«الكلية الأميركية للقلب» American College of Cardiology للإرشادات الطبية الجديدة حول مرض ارتفاع ضغط الدم، أحد أبرز التطورات في مجال طب القلب والأوعية الدموية لعام 2017.
وقد اعتبرت الإرشادات الطبية الجديدة أن عتبة تشخيص المرحلة الأولى من مرض ارتفاع ضغط الدم Stage 1 High Blood Pressure هي ما فوق 130 على 80 مليمتر زئبق، بخلاف الإرشادات السابقة التي تعتبر تلك العتبة ما فوق 140 على 90 مليمتر زئبق.
أهمية طبية
وهذا الخفض في الضغط الانقباضي والخفض في الضغط الانبساطي يعني ارتفاع أعداد مرضى ارتفاع ضغط الدم بين البالغين في الولايات المتحدة؛ وتحديداً ارتفعت نسبتهم من 32 في المائة إلى 46 في المائة؛ أي أنه اليوم، وبالتعريف الجديد، يُعتبر نحو نصف البالغين، وهو ما يُعادل أكثر من 103 ملايين أميركي، مُصابون بمرض ارتفاع ضغط الدم، وذلك وفق ما ذكره البروفسور بول ويلتون، رئيس لجنة إعداد الإرشادات التطبيقية لارتفاع ضغط الدم أستاذ الصحة العامة العالمية في جامعة تيلان، في نيوأولينز بولاية لويزيانا الأميركية.
وتم إصدار هذه الإرشادات الطبية الخاصة بارتفاع ضغط الدم في الثالث عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، ضمن فعاليات اللقاء السنوي لـ«رابطة القلب الأميركية» المنعقد في كاليفورنيا، وتم أيضاً نشرها بالتزامن ضمن العدد الأخير لكل من مجلة «ارتفاع ضغط الدم» التي تصدرها الرابطة الأميركية AHA Journal Hypertension ، ومجلة الكلية الأميركية لطب القلب JACC.
وكان عنوان الإصدار العلمي «إرشادات رابطة القلب الأميركية والكلية الأميركية للقلب لعام 2017، للوقاية ومتابعة وتقييم ومعالجة ارتفاع ضغط الدم»، وذلك بالتعاون مع كل من الكلية الأميركية للطب الوقائي ACPM، والمجمع الأميركي لطب الشيخوخة AGS، والمجمع الأميركي لضغط الدم ASH، والرابطة القومية للطب الباطني NMA، ورابطة ممرضات الوقاية القلبية PCNA، والأكاديمية الأميركية لمساعدي الأطباء AAPA، ورابطة الصيادلة الأميركية APA.
وضمت لجنة صياغة الإرشادات الطبية الجديدة 21 عضواً، وعملت لمدة 4 سنوات في إعداد الإرشادات الطبية الجديدة، ومراجعة المعلومات الطبية التي تجمعت خلال العقود الماضية عن مرض ارتفاع ضغط الدم، التي شملت مراجعة أكثر من 900 دراسة طبية. وقامت اللجنة العلمية هذه باستشارة 52 خبيراً طبياً حول عناصر الإرشادات الطبية الجديدة، أجابوا عن أكثر من ألف سؤال ورد للجنة من هؤلاء الخبراء حول المحتويات العلمية للإرشادات الطبية الجديدة.
وفي المؤتمر الصحافي لإصدار الإرشادات الطبية الجديدة هذه، قال البروفسور ويلتون: «لقد كان الهدف تقديم إرشادات متكاملة لتشخيص والوقاية من وتقييم ومعالجة مرض ارتفاع ضغط الدم، والأهم وضع استراتيجية لتحسين مستوى السيطرة العلاجية لدى المرضى المُصابين بارتفاع ضغط الدم».
ويكتسب هذا الإصدار الجديد لإرشادات تشخيص ومعالجة ارتفاع ضغط الدم أهميته كحدث طبي مميز من جوانب شتى، ولعل من أهمها أن آخر تحديث لهذه الإرشادات الطبية حول ضغط الدم كان قبل 14 سنة، أي في عام 2003. وعليه، فإن الإصدار الجديد لهذه الإرشادات الطبية يشتمل على تطبيقات إكلينيكية لجميع ما تم التوصل إليه خلال الدراسات الطبية عبر فترة الأربع عشرة سنة الماضية.
ومن جوانب الأهمية كذلك أن هذا الإصدار العلمي يُعطي إرشادات تشخيصية وعلاجية لأحد أكثر الأمراض المزمنة شيوعاً في كل أرجاء العالم، وأحد أكبر مسببات الإصابة بأمراض القلب التي لا تزال السبب الأول في الوفيات على المستوى العالمي.
والجانب الثالث في أهمية هذه الإرشادات الطبية الجديدة هو طرحها إعادة تعريف مستوى الإصابة المرضية بارتفاع ضغط الدم، وذلك عبر خفضها لمقدار قراءات قياس ضغط الدم التي تتطلب معالجة طبية، وهو ما يرفع تلقائياً أعداد الناس الذين يُعتبرون طبياً مرضى بارتفاع ضغط الدم.
هدف علاجي جديد
وطلبت الإرشادات الطبية الجديدة من عموم الأطباء بذل مزيد من الجهد في معالجة ارتفاع ضغط الدم، للوصول به إلى مستوى 130 على 80 ملم زئبق كهدف علاجي جديد. وأوضح الدكتور جواكين سيغاروا، عضو لجنة إعداد هذه الإرشادات الطبية، قائلاً: «الأدلة العلمية الحديثة أثبتت أن الناس الذين لديهم ضغط دم انقباضي بين 130 و139 هم عُرضة بصفة مُضاعفة لاحتمالات الإصابة بنوبة الجلطة القلبية والسكتة الدماغية وعجز القلب وفشل الكلى، مقارنة بالأشخاص الذين لديهم قراءات أقل في قياس مقدار ضغط الدم، وهو ما يستدعي العمل لتحسين حالتهم». وفي الإرشادات السابقة، كان ضغط الدم الانقباضي بين 130 إلى 139 يُصنف كحالة «ما قبل ارتفاع ضغط الدم» Prehypertension، وليس حالة مرض ارتفاع ضغط الدم، كما هو الحال في تصنيف الإرشادات الطبية الجديدة.
وبالمنظور الطبي، فإن التصنيف الجديد هذا يعني أن نسبة مرضى ارتفاع ضغط الدم ستزيد بنسبة 3 أضعاف فيما بين الأشخاص الذين أعمارهم أقل من 45 سنة، وستزيد بنسبة الضعف فيما بين النساء اللواتي أعمارهن أقل من 45 سنة. ولكن مع هذه الزيادة في أعداد الناس الذين سيُعتبرون مرضى ارتفاع ضغط الدم، فإن نسبة متدنية منهم فقط ستحتاج إلى تلقي المعالجة الدوائية، وفق ما ذكره البروفسور ويلتون. والسبب أن هؤلاء الأشخاص الذين يُصنفون وفق الإرشادات الطبية الجديدة كمرضى «المرحلة الأولى من مرض ارتفاع ضغط الدم» سيتم إجراء تقييم لحالة القلب لديهم. ووفق نتيجة هذا التقييم القلبي، فإن أولئك الذين لديهم ارتفاع في مخاطر الإصابة بأمراض القلب خلال العشر سنوات المقبلة 10 - Year ASCVD Risk Calculator، هم فقط من سيتلقون العلاج الدوائي لخفض الارتفاع في ضغط الدم Antihypertensive Medications.
وقال الدكتور ويلتون: «نحن مهتمون بشكل خاص بمنْ يتعين عليه تناول الدواء العلاجي». ومعلوم أن تقييم مدى احتمالات خطورة الإصابة بأمراض القلب خلال السنوات العشر المقبلة لدى أي إنسان يتم حسابها بطريقة تتضمن عوامل عدة، منها العمر والجنس ونسبة الكولسترول الكلي ونسبة الكولسترول الخفيف ونسبة الكولسترول الثقيل ومقدار ضغط الدم والتدخين والإصابة بمرض السكري، وغيرها من العوامل ذات الصلة بمرض شرايين القلب.
سلوكيات صحية
وأوضح الدكتور بوب كاري، مساعد رئيس لجنة وضع الإرشادات الطبية لارتفاع ضغط الدم العميد الفخري لكلية الطب بجامعة فرجينيا، بقوله ما ملخصه: فقط 1.9 من مرضى المرحلة الأولى لارتفاع ضغط الدم يحتاجون إلى تناول الدواء لمعالجة الارتفاع في ضغط الدم، وهو ما يُقارب فقط 4 ملايين مريض إضافي. أما بالنسبة للبقية ممنْ لديهم المرحلة الأولى من مرض ارتفاع ضغط الدم، وليس لديهم ارتفاع في خطورة الإصابة بالأمراض القلبية خلال العشر سنوات المقبلة، فيتعين عليهم الاهتمام بممارسة السلوكيات الصحية في الحياة اليومية، التي تشمل خفض وزن الجسم وتناول الأطعمة الصحية وممارسة الرياضة البدنية وتقليل تناول الملح وزيادة تناول الأطعمة المحتوية على البوتاسيوم.
وأضاف الدكتور كاري: «تعديل سلوكيات الحياة اليومية هو حجر الزاوية في معالجة ارتفاع ضغط الدم، ونحن نتوقع أن هذه الإرشادات الطبية الجديدة ستُسهم في تغير الناس وتغير الأطباء نحو بذل مزيد من الاهتمام بممارسة السلوكيات الصحية المنصوح بها في عيش الحياة اليومية»، وبيّن أن الحد الأدنى المطلوب من ممارسة التمارين الرياضية هو نحو نصف ساعة من الهرولة المتوسطة الشدة في 3 من أيام الأسبوع.
وبالإضافة إلى التعريف الجديد في تشخيص الإصابة بارتفاع ضغط الدم، ركزت الإرشادات الطبية الجديدة على ضرورة توخي الدقة في إجراء قياس ضغط الدم لتشخيص الإصابة بارتفاعه، وذلك بإجراء 3 قياسات لضغط الدم في فترات زمنية متباعدة للتأكد من وجود الارتفاع في ضغط الدم. وذكرت الإرشادات الطبية الجديدة ضرورة الاهتمام بقراءات قياس ضغط الدم التي يتم إجراؤها في المنزل، حيث يكون المرء أكثر راحة واسترخاءً، مقارنة بقياس ضغط الدم في المستشفى واحتمالات الحصول على قراءات أعلى من التي يتم قياسها في المنزل بفعل عوامل عدة، من أهمها حالة «ارتفاع ضغط الدم المرتبط بالبالطو الأبيض» White - Coat Hypertension.

* استشاري باطنية وقلب
مركز الأمير سلطان للقلب في الرياض