العمامة والأوشحة... إيحاءات تاريخية بلغة عصرية

بدأت تتسلل إلى الواجهة منذ 2006... ووصلت إلى ذروتها هذا الموسم

جيجي حديد في عرض «مارك جايكوبس»
جيجي حديد في عرض «مارك جايكوبس»
TT

العمامة والأوشحة... إيحاءات تاريخية بلغة عصرية

جيجي حديد في عرض «مارك جايكوبس»
جيجي حديد في عرض «مارك جايكوبس»

تطل علينا كل عام صور كثيرة من عروض الأزياء العالم، لكن واحدة تبقى مترسخة وعالقة بالذهن لفترة من الزمن. طول هذه الفترة يرتبط بمدى تقبل الناس لها في الحياة العادية بعد وصولها إلى المحلات. حتى المصممون وبيوت الأزياء الكبيرة يتفاجأون أحياناً بأن ما استعملوه كبهارٍ لتعزيز جمال الصورة في هذه العروض قد يتحول، بضربة حظ، إلى قطعة تتهافت عليها الأنيقات إما لأنها تناسب حياتهن وثقافتهن، أو لأنها تبدو درامية عند التقاط «سيلفي» أو صورة يريدون نشرها على «إنستغرام».
هذا العام، لاحظنا أن كثيراً من الإكسسوارات أثارت الانتباه، من الأحذية الرياضية إلى إكسسوارات الرأس. الفرق بينهما أن الأولى تلعب على العملية والموضة وبالتالي جزء لا يتجزأ من الموضة الحالية، سواء تعلق الأمر بالرجل أو المرأة، بينما تلعب الثانية على الخيال والدراما وتتوخى الزينة أولاً وأخيراً. والمقصود هنا هي العمامات التي ارتبطت في فترة من الفترات بالشرق والمستشرقين، والإيشاربات التي كان الغرب وحتى عهد قريب يتهرب منها على أساس أنها مرتبطة بالمرأة المسلمة. في العام الماضي عندما طرحتها دار «غوتشي» للموسم الحالي، كانت ضمن مجموعة متنوعة من القبعات بتصاميم متعددة. اقتصرت الدار على عقد الإيشاربات الحريرية على الرأس بأساليب عصرية تتجنب الربط بينها وبين الشرق بشكل واضح ومباشر، وبالتالي كانت النتيجة هجينة بين العمامة وإيشارب من الحرير ملفوف على شكل طوق يغطي نصف الرأس. مرت الأشهر وانتقلت الموضة من ميلانو وفصلي الخريف والشتاء إلى نيويورك وفصلي الربيع والصيف، حيث قدم مارك جايكوبس عرضها كانت صور العمامات فيه أكثر جُرأة ووضوحاً؛ فبعضها استحضر حقبتَيْ الستينات والسبعينات وبعضها الآخر لوحات لرسامين مستشرقين من عصر النهضة. في كل الحالات جاءت النتيجة درامية ومؤثرة أثارت كثيراً من الإعجاب والانتباه على حد سواء؛ فما كان يرتبط بثقافة بعيدة يتخوفون منها أصبح جزءاً من الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.
ستيفن جونز كان مصمم هذه الإكسسوارات، ولم يبخل عليها بالألوان المعدنية والزخرفات المتنوعة، مثل البروشات التي أضافها لمزيد من الترف. غني عن القول إن ظهور عارضات بعمر الزهور، مثل جيجي حديد وكيندل جينر، بها في العرض، أخرجها من خانة أنها إكسسوار خاص بامرأة خمسينية وما فوق.
ما يُحسب لها أيضاً أنها لم تكن لعباً على هوية معينة بقدر ما سلطت الضوء على جمالياتها وتميزها رغم تحليلات البعض وتأويلاتهم، التي لم تكن لتجد لها مكاناً لولا توقيتها. فتزامنها مع الحملة التي شُنت على المسلمين في الآونة الأخيرة ربطها بهذه الحملة العشوائية، ما دعا البعض للقول إنها جاءت كردة فعل ضد هذه الحملة. هؤلاء نسوا أو تناسوا أن نجمات هوليوود من مثيلات إليزابيث تايلور وغلوريا وسوانسون وجوان كروفورد ومارلين ديتريش ظهرن بها في فترات مختلفة، فضلاً عن أن تغطية الرأس بالكامل بإيشارب من الحرير كان موضة في الستينات من القرن الماضي، وهو ما تسجله حملات ترويجية تعود إلى هذه الحقبة وتظهر فيها عارضات أو نجمات في أزياء من إميليو بوتشي بقفاطين منسدلة وإيشاربات تغطي رؤوسهن لتحميها من أشعة الشمس. من هذا المنظور يمكن القول إن العمامة في عرض مارك جايكوبس لم تكن جديدة، لا سيما أننا لو تتبعنا ظهورها في السنوات الأخيرة لوجدنا أنها بدأت في عروض الأزياء في عام 2006 حين قدمتها ميوتشيا برادا بأقمشة من الساتان اللماع وبألوان صارخة مزجت فيها أجواء البيئة الأفريقية بأناقة هوليوود في العشرينات والثلاثينات من القرن الماضي.
كان المظهر لافتاً وأنيقاً لكنه ظل مجرد بهار لتجميل الصورة خلال العرض؛ فالمرأة العادية لم تُقبل عليه بدرجة تشير إلى أنه حقق النجاح التجاري المطلوب. بعد مرور ثلاث سنوات فقط، ظهرت به بعض النجمات في مناسبات متفرقة، كما تبناه مصممون آخرون، نذكر منهم جايسون وو، وشارلوت رونسون، وجيورجيو أرماني. البعض أرجع الأمر إلى تزايد أهمية سوق الشرق الأوسط وتودد هؤلاء لها بأي شكل. مارك جايكوبس نفسه داعبه أول مرة في عام 2009 عندما حضر حفل الميتروبوليتان بصحبة العارضة كايت موس. لبست حينها فستاناً ذهبياً من تصميمه نسقته مع عمامة من اللون نفسه أضفت عليها سحراً هوليوودياً لا تخطئه العين.
وهكذا ظلت العمامة منذ عام 2006 تتسلل بالتدريج إلى خزاناتنا، لتصل إلى ذروتها أخيراً بفضل مصممين ربما عشقوا الشرق أو فقط أرادوا اللعب على إيحاءاته السياسية والثقافية. الفضل يعود أيضاً إلى رؤساء تحرير مجلات براقة مثل «فوغ»، التي تتبنى سياسية التنوع العرقي، في سابقة غير معهودة من قبل. أول عدد تحت إشراف رئيس تحرير مجلة «فوغ» النسخة البريطانية، الجديد، إدوارد إيننفول، مثلاً، تصدرته العارضة السمراء أدوا أبوا، وهي عارضة بريطانيا تنحدر من أصول أفريقية، وشعرها مغطى بإيشارب من الحرير. الصورة قد تروق لامرأة شرقية ويمكنها أن تتبناها بسهولة، لكن الفكرة منها كانت العودة بقارئة المجلة، أيا كانت جنسيتها، إلى الستينات والسبعينات من القرن الماضي، لا أكثر ولا أقل.

العمامة عبر التاريخ

> تُعتَبر «العمامة» - أو «العِمّة» - من أشهر أغطية الرأس منذ اكتشف الإنسان القماش واستخدمه لملبسه.
- سبب ارتباطها بالشرق أن اسمها في اللغة الإنجليزية «توربان» Turban، مقتبس من كلمة «دلبنت» (Dulband) الفارسية التي حُرّفت منها كلمة «تولبنت» Tulbent التركية. وتقول هذه المراجع إنها انتقلت من تركيا إلى أوروبا والغرب فحرّفت مجدداً إلى «توربان».
مثل الإيشارب الذي استعملته النجمات والطبقات المخملية في الستينات، فإن العمامة أيضاً لها جذور أوروبية، كما توضح لوحات الرسامين الكلاسيكيين في القرون الوسطى وعصر النهضة.
- في القرنين الـ18 و19، أصبحت موضة على يد المصمم بول بواريه في بداية القرن العشرين؛ كونه اشتهر بحبه للشرق وغرفه كثيراً من ألوانه وتطريزاته وأقمشته، كان مسؤولاً إلى حد ما عن ارتباط العمامة في مخيلة عشاق الموضة بالشرق؛ فعندما قدمها المخضرم جيورجيو أرماني منذ بضع سنوات في عروضه الرجالية والنسائية على حد سواء، استغل هذه الأصول؛ فقد قدمها لنا بخامات مُترفة أضفت على أزيائه الرومانسية والماكياج القوي الذي غلبت عليه العيون الكحيلة سحراً.
- ومع ذلك لا بأس من الإشارة إلى الجميل في هذا الإكسسوار، وربما أحد أسباب إسهاب المصممين فيه، أنه ارتبط أيضاً بامرأة مغامرة ومنفتحة على العالم، وليس على امرأة تُكبلها التقاليد الاجتماعية، وهو ما تجسد في حريتهم وجرأتهم في التعامل معها.


مقالات ذات صلة

2024...عام الإقالات والتعيينات

لمسات الموضة ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

2024...عام الإقالات والتعيينات

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة في معمل كوجيما تعكف عاملة على كي قماش الدنيم (أ.ف.ب)

الجينز الياباني... طرق تصنيعه تقليدية وأنواله هشة لكن تكلفته غالية

على الرغم من تعقيد الآلات المستعملة لصنعه، فإن نسيجه يستحق العناء، ويتحول إلى قماش ناعم جداً بمجرّد تحويله إلى سروال جينز.

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)

2024...عام الإقالات والتعيينات

ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
TT

2024...عام الإقالات والتعيينات

ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)
ماثيو بلايزي مصمم «بوتيغا فينيتا» سابقاً (غيتي)

تغييرات كثيرة شهدتها ساحة الموضة هذا العام، كانت من بينها إقالات واستقالات، وبالنتيجة تعيينات جديدة نذكر منها:

تعيين ماثيو بلايزي مصمماً لدار «شانيل»

ماثيو بلايزي يدخل دار «شانيل» (غيتي)

ربما يكون هذا التعيين هو الأهم لما تتمتع به الدار الفرنسية من أهمية. بلايزي الذي كان إلى عهد قريب مصمم دار «بوتيغا فينيتا» لن يخلف في الواقع فيرجيني فيارد، التي كانت اليد اليمنى للراحل كارل لاغرفيلد لعقود، فهي لم تكن سوى محطة توقفت عندها الدار الفرنسية لجس النبض والحفاظ على الاستمرارية. بلايزي كما يعرف الجميع سيخلف الراحل كارل لاغرفيلد نفسه، بكل ما يحمله هذا الاسم من قوة. لكن خبراء الموضة متفائلون، كون بلايزي أثبت نفسه في دار «بوتيغا فينيتا»، وخلال 3 سنوات فقط، حقّق لها نقلة مهمة. تعويذته كانت الحرفية في التنفيذ والتفاصيل، والابتكار في التصميم والألوان، الأمر الذي نتجت عنه منتجات حققت المعادلة بين الفني والتجاري التي راوغت العديد من أبناء جيله حتى الآن.

هادي سليمان يغادر «سيلين»

صورة أرشيفية لهادي سليمان تعود إلى عام 2019 (أ.ف.ب)

قبل تعيين ماثيو بلايزي مصمماً لدار «شانيل»، راجت شائعات بأن المنصب سيكون من نصيب هادي سليمان، لا محالة. لكن حتى الآن لم يُعلن المصمم عن محطته التالية، فيما عيّنت «سيلين» مايكل رايدر خليفة له في اليوم نفسه، وهو ما يجزم بأن المفاوضات كانت طويلة وشائكة بين الطرفين كما أشيع حينها. فالتخلي عن سليمان بعد 6 سنوات، لم يكن سهلاً، لا سيما وأنه ضاعف إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها هذا العام.

حيدر أكرمان في دار «توم فورد»

حيدر أكرمان مصمم «توم فورد» الجديد (غيتي)

تعيين حيدر أكرمان مديراً فنياً لدار «توم فورد» أثلج صدور الكثيرين من العاملين في قطاع الموضة، لما يتمتع به من احترام لأسلوبه الخاص في التفصيل والابتكار. كان من بين الأسماء التي طُرحت لتسلم مقاليد دار «شانيل» من فيرجيني فيارد، خصوصاً أن الراحل كارل لاغرفيلد وصفه في أحد تصريحاته بأنه «خليفته المثالي في (شانيل)». لكن يبدو أن كفة ماثيو بلايزي غلبت.

جوليان كلاوسنر مديراً فنياً لدار «دريس فان نوتن»

جوليان كلاوسنر المدير الفني الجديد لدار «دريس فان نوتن» (دريس فان نوتن)

أُعلن مؤخراً تولي البلجيكي جوليان كلاوسنر منصب المدير الإبداعي للدار بعد أشهر من التكهنات إثر استقالة مؤسسها دريس فان نوتن من منصبه في شهر مارس (آذار) الماضي. المؤسس برّر قرار التقاعد في سن الـ65، بأنه نابع أولاً من رغبة في أن يُفسح المجال لدماء جديدة وشابة، وثانياً في أن يتفرّغ إلى نشاطات وهوايات أجّلها طويلاً.

«فالنتينو» تودّع بكيولي وتستقبل ميكيلي

أليساندرو ميكيلي المدير الإبداعي الجديد لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

ربما يمكن استغناء دار «فالنتينو» عن بييرباولو بكيولي واستبداله بأليساندرو ميكيلي مصمم «غوتشي» السابق مفاجأة العام. فبييرباولو بكيولي محبوب من قبل خبراء الموضة ومتابعيها. عروضه كانت دائماً تثير العواطف والمشاعر، وليس أدل على هذا من دموع النجمة سيلين ديون وهي تتابع أحد عروضه في باريس. لكن المشاعر شيء والربح شيء آخر على ما يبدو بالنسبة للمجموعات الضخمة.

في أقل من أسبوع من خروجه، دخل أليساندرو ميكيلي، المعروف بأسلوب «الماكسيماليزم» الذي يدمج فيه الـ«فينتاج» بطريقة جريئة رآها البعض أنها لا تتناسب مع روح «فالنتينو» الرومانسية. لكن في عرضه الأول، قدّم تشكيلة أجمع الكل على أنها كانت إيجابية، على عكس التوقعات بأنه سيفرض أسلوبه الخاص ويمحي كل ما قبله، مثلما فعل في دار «غوتشي» سابقاً.

أوساط الموضة تُودّع ديفيد رين

المصمم الراحل ديفيد رين (موسكينو)

لم يمر سوى شهر فقط على تعيينه مديراً فنياً لدار «موسكينو»، حتى وافت المنية مصمم الأزياء الإيطالي ديفيد رين بعد تعرضه لمشكلة في القلب.

تعيينه خلفاً لجيريمي سكوت الذي غادرها في شهر مارس الماضي، كان خطوة مهمة في مسيرة الدار الإيطالية التي صرّحت بأن آمالاً كبيرة كانت معقودة عليه؛ نظراً لخبرته التي تمتد على مدى عقدين من الزمن عمل فيها في دار «غوتشي». كان لا بد من اتخاذ قرار سريع انتهى بتعيين أدريان أبيولازا مديراً إبداعياً جديداً لها.