ماكرون مستمر في وساطته بشأن لبنان

الحريري «صائم» عن الكلام السياسي في باريس

وسائل إعلام أمام بيت الحريري في باريس التي وصل إليها السبت الماضي (رويترز)
وسائل إعلام أمام بيت الحريري في باريس التي وصل إليها السبت الماضي (رويترز)
TT

ماكرون مستمر في وساطته بشأن لبنان

وسائل إعلام أمام بيت الحريري في باريس التي وصل إليها السبت الماضي (رويترز)
وسائل إعلام أمام بيت الحريري في باريس التي وصل إليها السبت الماضي (رويترز)

خلال الأيام الثلاثة التي قضاها حتى الآن في فرنسا منذ وصوله إليها من الرياض صباح السبت الماضي، لم يكشف رئيس الوزراء اللبناني المستقيل عن نواياه السياسية وعن المسار الذي سيسلكه حال عودته إلى بيروت اليوم أو غدا، باستثناء تغريدات عامة لم تأت بجديد أهمها كانت إعلانه أنه سيزور القاهرة للاجتماع بالرئيس المصري عبد الفتاح السيسي قبل توجهه إلى بيروت. لكن غياب التصريحات العلنية لم يعن أن الحريري لم يجر سلسلة من الاتصالات والمشاورات مع المقربين منه الذين وصولوا من بيروت أو مع مسؤولين لبنانيين وعرب للتحضير للقائه الرئيس ميشال عون في بعبدا لتسليمه كتاب الاستقالة وللتشاور معه في تبعاتها والشروط التي يفرضها للعودة عنها وخصوصا معرفة ما إذا كانت هناك فرصة لتلبية بعض شروطه للعودة عنها.
بموازاة ذلك، تواصل الدبلوماسية الفرنسية ممثلة بالرئيس إيمانويل ماكرون ووزير الخارجية جان إيف لو دريان، القيام بمروحة واسعة من المشاورات العربية والإقليمية والدولية. وبعد أن حققت باريس نجاحا دبلوماسيا واضحا من خلال توفير الشروط لمجيء سعد الحريري إلى فرنسا بناء على دعوة من ماكرون، فإن الأخير، وفق مصادر رسمية، «مستمر بالقيام بالاتصالات الضرورية من أجل خفض التوتر في المنطقة والبحث عن مخارج للأزمة السياسية الحادة في لبنان». وفي هذا السياق، فإن ماكرون تشاور مع نظيره الأميركي دونالد ترمب ومع الرئيس السيسي وأمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ومجددا مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. وبحسب مصادر أخرى وتقارير صحافية، فإنه اتصل أيضا بولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد ومع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. وأفادت مصادر الإليزيه، بعبارات عامة، أن ماكرون تناول مع المسؤولين المشار إليهم «الوضع العام في الشرق الأوسط والوسائل الكفيلة بتوفير الاستقرار وبناء السلام»، مؤكدة أنه «سيستمر في التواصل مع قادة آخرين من العالم في الأيام القليلة القادمة».
تقول المصادر الفرنسية إن باريس «تسعى لبلورة أفكار تحقق هدفين اثنين: توفير الاستقرار السياسي والأمني في لبنان في الداخل ومع محيطه، والثاني إيجاد السبل لاستمرار عمل المؤسسات»، أي بكلام آخر العمل على إيجاد مخارج للأزمة التي فتحت مع استقالة الحريري وتوفير العناصر التي يمكن أن يقوم عليها «توافق سياسي جديد» يجنب لبنان الهزات والفراغ على السواء. وترفض المصادر الفرنسية أن تكشف عن هذه العناصر بحجة أن «الاتصالات ما زالت مستمرة»، وأنه «يتعين إيجاد نقطة توازن بين ما يطلبه الحريري من جهة لسحب استقالته أو لقبول تكليف جديد برئاسة الحكومة وبين ما يقبل الطرف الآخر (أي حزب الله وحلفاؤه) تقديمه من جهة أخرى». بيد أن هذه المصادر تعترف بأن الأمور «تبدو بالغة الصعوبة» بسبب التوتر المتصاعد في المنطقة حول دور إيران في تأجيج بؤر الصراع، وبيان المجلس الوزاري للجامعة العربية الذي يوجه سهام الانتقاد لحزب الله مباشرة. وترى أوساط سياسية في باريس، على اطلاع على ما يدور من مشاورات، أن الحريري رغم الدفعة القوية التي وفرتها له استقالته، إلا أنه «سيجد نفسه في وضع سياسي صعب حيث سيستحيل عليه أن يكون في حكومة واحدة مع حزب الله» الذي وصفه بيان الجامعة العربية بـ«الإرهابي» مع إفراد بند خاص له «التاسع» في البيان الرسمي يحمله «مسؤولية دعم الإرهاب والجماعات الإرهابية في الدول العربية....»، واعتراض ممثل لبنان في الجامعة على البنود 4 و6 و9 الخاصة بإيران وحزب الله.
بيد أن المساعي الفرنسية وجدت على طريقها عقبة كأداء تتمثل في التوتر الجديد بينها وبين إيران بسبب التصريحات شديدة اللهجة بشأن برنامج طهران الباليستي وسياستها العدائية في المنطقة وطروحات باريس الخاصة بها. وما زاد في التوتير الاتصال الهاتفي الذي حصل أول من أمس بين الرئيس دونالد ترمب وماكرون. ووفق البيت الأبيض، فإن الرئيسين «توافقا على الحاجة للعمل مع الحلفاء من أجل مجابهة نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة». وتأتي هذه الإحاطة الأميركية لتزيد التوتر مع طهران التي ستتهم غدا السلطات الفرنسية بالعمل مع واشنطن ضدها بعد أن كانت قد اتهمتها بـ«التحيز» وبـ«صب الزيت على النار» عقب ما قاله لو دريان في الرياض عن السياسة الإيرانية التي تعكس «نزعة توسعية». وفي اليوم التالي زاد ماكرون على ذلك بالطلب من إيران أن تلتزم بسياسة «أقل عدوانية» في المنطقة والعمل ببرنامج باليستي «من غير ضوابط». وكدليل على تصاعد التوتر بين باريس وطهران، فإن أوساط قصر الإليزيه أخذت تغفل الحديث عن زيارة للرئيس ماكرون إلى طهران «بداية العام القادم»، كما أن الزيارة التي كانت مقررة للوزير لو دريان إلى العاصمة الإيرانية قبل نهاية الشهر الجاري تأجلت إلى ديسمبر (كانون الأول). وحتى اليوم ليس هناك تاريخ للقيام بها أو حتى تأكيد لحصولها. ومع ذلك، ما زالت باريس تبحث عن «التهدئة» وتؤكد أنها راغبة في الحوار مع «الجميع».
وهكذا، فإن فرنسا تجد نفسها وسط لعبة سياسية ودبلوماسية بالغة التعقيد على كافة المستويات. وتحديات «المرحلة الجديدة» التي ستبدأ مع تقديم الحريري استقالته لرئيس الجمهورية ستشكل اختبارا لمدى قدرة الرئيس ماكرون على «جمع الأضداد»، وهو المبدأ الذي يشكل شعاره السياسي والدبلوماسي لا بل سياسته العامة في الداخل والخارج. وتفيد تقارير فرنسية أن ماكرون الساعي إلى «تحصين» لبنان ومنع تحوله إلى ساحة لتصفية الحسابات، ولذا، بادر ماكرون إلى «اختبار» مجموعة من الأفكار، أولها معرفة مدى إمكانية تقيد العهد بسياسة «النأي» بلبنان عن النزاعات الإقليمية وإعادة حزب الله إلى الداخل اللبناني ووضع حد لانفلاته الخارجي. وهذه النقطة بالذات التي تشكل السبب الرئيسي لاستقالة الحريري طرحها ماكرون على الرئيس ميشال عون في آخر اتصال هاتفي معه. وثمة أوراق بيد الرئيس الفرنسي أولها إمكانية الدعوة لاجتماع لمجموعة الدعم الدولية للبنان على المستوى الوزاري التي أشارت إليها مصادر قصر الإليزيه يوم السبت. وحتى اليوم، لم تحسم باريس أمرها بل تنتظر ما سيحصل في اليومين القادمين من تطورات في لبنان. كذلك فإن باريس ربطت استعدادها بالدعوة لمؤتمر لدعم الاقتصاد اللبناني والذي كانت تفاهمت بشأنه مع الحريري ومع عون خلال زيارتين منفصلتين إلى فرنسا في سبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين بشرطين: الأول «عودة الاستقرار إلى لبنان» والثاني «عمل المؤسسات». لكن من الواضح أنهما لن يكونا كافيين لوحدهما من أجل التأثير على اللعبة السياسية الداخلية وعلى الاشتباك الإقليمي بشأن لبنان.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.