أنقرة تقبل اعتذار {الناتو}... وتعتبره {غير كافٍ}

اعتبرته «غير كافٍ»... والسلطات القضائية تأمر باعتقال 107 مدرسين

إردوغان يلوح لمؤيديه خلال فعالية لحزبه شمال شرقي تركيا (أ.ب)
إردوغان يلوح لمؤيديه خلال فعالية لحزبه شمال شرقي تركيا (أ.ب)
TT

أنقرة تقبل اعتذار {الناتو}... وتعتبره {غير كافٍ}

إردوغان يلوح لمؤيديه خلال فعالية لحزبه شمال شرقي تركيا (أ.ب)
إردوغان يلوح لمؤيديه خلال فعالية لحزبه شمال شرقي تركيا (أ.ب)

واصلت تركيا انتقاداتها لحلف شمال الأطلسي (ناتو) بسبب حادثة الإساءة إلى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك والرئيس رجب طيب إردوغان، كما اتهمت الولايات المتحدة بالسعي إلى تخريب علاقاتها الاقتصادية مع إيران ودول أخرى، عبر اتهام رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب بالتحايل مع مسؤولين أتراك لانتهاك العقوبات على إيران، عبر تهريب الذهب إلى تركيا واستبداله بالأموال خلال الفترة من 2010 إلى 2015.
واستمراراً للهجوم على الناتو، وصف نائب رئيس الوزراء المتحدث باسم الحكومة التركية، بكير بوزداغ، الإساءة إلى مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك والرئيس رجب طيب إردوغان، خلال مناورات الحلف التي أقيمت في النرويج في الفترة ما بين 8 و17 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، بأنها «أكبر فضيحة في تاريخ الحلف».
وقال بوزداغ في تصريحات عقب اجتماع مجلس الوزراء التركي في أنقرة أمس (الاثنين) إن «فضيحة مناورات الناتو» أمر لا يمكن قبوله وإنه لا يكفي معاقبة الشخصين المتورطين فقط، ولابد من التحقيق في الأمر من كل جوانبه، ومحاسبة كل من له يد في هذه الفضيحة.
وكانت تركيا سحبت، الجمعة الماضي، قواتها من مناورات لحلف شمال الأطلسي في النرويج، عقب فضيحة وقعت في حادثتين منفصلتين بوضع تمثال لأتاتورك في تدريبات المحاكاة في خانة الدول العدو، كما أنشأ أحد الموظفين المؤقتين بريدا إلكترونيا باسم «رجب طيب إردوغان» يستخدم في دائرة مغلقة خاصة بالمناورات ويمثل جانب الأعداء، وأعلن الناتو في بيان وعلى لسان أمينه العام، ينس ستولتينبرغ اعتذاره عنهما لتركيا وللرئيس التركي رجب طيب إردوغان.
كما قدم كل من وزير الدفاع النرويجي فرانك باك ينسن، وقائد المركز العسكري المشترك في النرويج، أندرزج ريودويتز، رسائل اعتذار لتركيا، على خلفية الواقعة، ووعود بمحاسبة المتورطين.
واعتبر بوزداغ الاعتذار الذي تقدم به الأمين العام للناتو حول الواقعة أمراً إيجابياً، لكنه غير كاف، مشيرا إلى أن بلاده تنتظر تحقيقا مع مسؤولين رفيعي المستوى حول هذه الواقعة لأنه من غير الصحيح ربط الحادث بالأشخاص فقط.
وأضاف: «ننتظر بدء التحقيق مع مسؤولين رفيعي المستوى، ويجب عدم التستر على الحادث»، مؤكداً في الوقت نفسه أن تركيا ستواصل مساهماتها في الحلف بصفتها عضوا فيه.
من جهة أخرى، اتهم بوزداغ الولايات المتحدة بالسعي للإضرار بعلاقاتها الاقتصادية مع إيران ودول أخرى، من خلال قضية رجل الأعمال التركي من أصل إيراني رضا ضراب المحتجز في الولايات المتحدة، واصفا القضية بأنها «سياسية»، و«ليس لها أي سند قانوني».
وقال بوزداغ إن الولايات المتحدة تريد الإضرار بعلاقات تركيا الاقتصادية مع إيران وروسيا ودول أخرى، من خلال استغلال قضية ضراب، وإن القضاء الأميركي يحاول تكرار العملية الانقلابية القضائية من خلال محاكمته والتهم الموجهة إليه، والتي قال إنها «قائمة على أدلة واهية»، واصفا القضية بأنها «مكيدة واضحة ضد تركيا».
وتابع بوزداغ أن القضية مسيسة وتفتقد للسند القانوني، وأن المتهمين يتعرضون لضغوط واضحة للغاية من قبل من يحاكمونهم، مشدداً على عدم وجود أي إجراء مخالف للقوانين المحلية والدولية في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران.
وأوقفت السلطات الأميركية، المليونير التركي من أصل إيراني رضا ضراب في مطار ميامي شرق أميركا، في مارس (آذار) العام الماضي، على خلفية توجيه اتهامات له ولإيرانيين آخرين إلى جانب المدير التنفيذي لبنك خلق الحكومي التركي بـ«التحايل لخرق العقوبات الاقتصادية الأميركية على إيران في الفترة بين عامي 2010 و2015، وهي الاتهامات التي ينفيها محاموهم».
كما طالت التحقيقات وزير الاقتصاد التركي الأسبق ظافر تشاغليان، الذي استقال من حكومة رجب طيب إردوغان عقب تحقيقات موسعة في فضيحة فساد ورشوة كبرى في 17 و25 ديسمبر (كانون الأول) 2013 كان ضراب هو المتهم الرئيسي فيها.
ومن المقرر أن يمثل ضراب أمام المحكمة في نيويورك يوم 27 نوفمبر الجاري.
والأربعاء الماضي تقدمت الخارجية التركية بمذكرتي احتجاج إلى السلطات الأميركية بسبب عدم إفصاحها عن وضع ضراب، وقال وزير الخارجية التركي أول من أمس، إن وزارتي الخارجية والعدل الأميركيتين أكدتا أن الوضع الصحي لضراب جيد، وإنه موجود في مكان آمن.
في سياق مواز، وفي إطار الحملة الموسعة من جانب السلطات التركية ضد من يشتبه في ارتباطهم بحركة غولن أصدرت السلطات القضائية التركية أمس (الاثنين) أوامر باعتقال بحق 107 مدرسين للاشتباه في صلاتهم بحركة غولن؛ اعتقلت الشرطة 51 منهم في أنقرة، ولا تزال العمليات مستمرة لاعتقال الباقين. وجرى في وقت سابق وقف المدرسين عن العمل، في إطار حملة مستمرة في ظل حالة الطوارئ المعلنة منذ محاولة الانقلاب الفاشلة.
وسجنت السلطات التركية أكثر من 60 ألف شخص انتظارا لمحاكمتهم في إطار الحملة، وعزلت أو أوقفت عن العمل نحو 160 ألفا آخرين منهم عسكريون ومدرسون وموظفون حكوميون وسياسيون معارضون، وصحافيون ونشطاء حقوقيون بينهم أجانب.
وترفض الحكومة اعتراضات جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان بشأن الحملة المستمرة حتى الآن، قائلة إن «عملية التطهير» هذه مطلوبة لتحييد التهديد الذي تمثله حركة غولن التي تزعم تسللها إلى القضاء والجيش والمدارس وغيرها من المؤسسات.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».