«داعش» و«القاعدة»... جنوب آسيا حاضنة إرهابية

كثافة سكانية عالية وآلاف من الجزر الصغيرة التي يمكن اعتبارها حصوناً ومخابئ

طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
TT

«داعش» و«القاعدة»... جنوب آسيا حاضنة إرهابية

طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)
طلائع الجيش الفلبيني تدخل مدينة مراوي بعد طرد عناصر «داعش» منها (أ.ب)

هل بات وصول قطار الأصولية والإرهاب من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا قدراً مقدوراً في زمن منظور؟
يبدو الجواب «نعم» بالفعل، بعد سلسلة الاندحارات التي لقيها التنظيم في العراق وسوريا، وعليه تفيد كثير من المشاهد من حولنا بأن أعضاء؛ بل وقيادات التنظيم، قد أخذت بالفعل في نقل ما تبقى من أموال وعناصر الجماعة إلى كثير من دول جنوب شرقي آسيا.

على أن السؤال الأولي: هل التوجه إلى جنوب شرقي آسيا فقط هو خيار «داعش» وغيرها من الجماعات الأصولية فقط، أم أن هناك مواقع ومواضع أخرى حول العالم، مرشحة بدورها لأن تكون أرضية لانطلاقه جديدة لأعمال الإرهاب حول العالم؟
المؤكد أن القارة السمراء «أفريقيا» تبقى خياراً ثانياً مرجحاً لأن تنقل إليها معسكرات تدريب واستقطاب عناصر جديدة من «داعش» و«القاعدة»، غير أن الأرضية هناك قد لا تكون ممهدة في الحال لأسباب كثيرة، وفي حاجة لسنوات عمل طويلة، فيما منطقة جنوب شرقي آسيا تكاد عوامل جغرافية وديموغرافية أن تجعل منها الخيار النموذجي الذي يعوض التنظيمين فقدهما لقواعدهما في الشرق الأوسط. والسؤال: لماذا وكيف؟

منطقة جاذبة للإرهاب
يبدو بالتحليل المدقق أن هناك عوامل كثيرة تجعل المناخات ملائمة لأن تكون منطقة جنوب شرقي آسيا منطقة حاضنة للإرهاب المستقبلي، وفي المقدمة منها الكثافة السكانية العالية لأغلبية دولها؛ لا سيما إندونيسيا التي يبلغ تعداد سكانها نحو 260 مليون نسمة، وهناك يمكن لـ«داعش» الحصول بسهولة ويسر على الآلاف من المتطوعين الجدد.
ناهيك عن الأعداد، فإن الجغرافيا، التي هي ظل الله على الأرض، تزدحم في تلك المنطقة بعشرات الآلاف من الجزر الصغيرة التي يمكن اعتبارها حصوناً ومخابئ للعناصر الإرهابية الهاربة، عطفاً على وجود حالة من غياب التنسيق الأمني بين حكومات تلك الدول، وعلى العكس من ذلك نشهد تنسيقاً بين الجماعات الأصولية هناك، كما الحال بين الجماعات المنتشرة في إندونيسيا وماليزيا والفلبين. إضافة إلى ما تقدم، فإن أجواء الفقر المادي المسيطرة على تلك الدول تجعل اختراق العقول عبر الإغراءات المالية شيئاً يسيراً، وبخاصة في ظل حالات التمايز العرقي والطائفي التي يعانيها الشباب المسلم هناك، مما يجعلهم فريسة سهلة للتجنيد ولعملية غسيل المخ.

الفلبين ومقتل هابيلون
ما الذي أعاد الحديث عن الإرهاب والأصولية في جنوب شرق القارة الآسيوية من جديد؟
بالتأكيد هو ما جرى في الفلبين منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حيث أعلن وزير الدفاع الفلبيني عن مقتل زعيم تنظيم داعش في جنوب شرقي آسيا، إيسنيلون هابيلون، المدرج على لائحة الولايات المتحدة لأكثر الإرهابيين المطلوبين، في المعركة لاستعادة مدينة مراوي الخاضعة لسيطرة التنظيم في جنوب البلاد.
مقتل إيسنيلون هابيلون جاء خلال عملية عسكرية لإنهاء أربعة أشهر من سيطرة مقاتلي التنظيم على أحياء بأكملها في مراوي، بعد أن زادت المخاوف خلال الآونة الأخيرة من سعي التنظيم لإقامة مقر قيادة إقليمي له جنوب الأرخبيل، بحسب «وكالة الصحافة الفرنسية».
كيف اخترقت «داعش» الفلبين، هذا البلد الذي غالبيته تدين بالكاثوليكية، على عكس الدول ذات الصبغة الإسلامية، سواء شرق أوسطياً أو آسيوياً، حيث توجد وتنتشر «داعش»؟
في تقرير لمركز ستراتفور الاستخباراتي الأميركي، الذي يطلق عليه البعض مركز استخبارات الظل للمخابرات المركزية الأميركية، نقرأ كيف أن «داعش» كفكرة كانت وراء إلهام رئيس جماعة «أبو سياف» إيسنيلون هابيلون، بالقيام بتوحيد صفوف الجماعات المتطرفة في تلك المنطقة، تحت راية تنظيم الدولة المتطرف عام 2014. أما عن الجماعات المقاتلة هناك، فيصفها ستراتفور بأنها كانت في الأصل خليطاً من عصابات محلية تقوم بأنشطة إجرامية تحت راية «الجهاد»، وفي الأثناء اكتسب هابيلون وغيره من القادة المتشددين في الفلبين شرعية من خلال اعتماد لقب تنظيم الدولة ومحاكاة بعض تكتيكاته.
ولعل الأمر المثير في منطقة جزيرة مينداناو الجنوبية «هو أنها تقع في موضع استراتيجي فاعل، إذ توجد على طول الحدود البحرية بين الفلبين وإندونيسيا وماليزيا مما جعلها الوجهة المفضلة للمتطرفين الإندونيسيين والماليزيين الهاربين من قوات الأمن، التي تضيق عليهم الخناق في بلدانهم.
على أن الأمر لا يتصل فقط بالفلبين؛ بل بالمنطقة الجغرافية برمتها، سيما بعد أن أعلن رئيس لجنة مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن، في روسيا، أوائل الشهر للماضي، خيرت عماروف، أن مقاتلي تنظيم داعش الإرهابي يحاولون مغادرة سوريا والعراق، ويحولون أموالهم إلى مناطق أخرى، على وجه الخصوص في جنوب شرقي آسيا.
المسألة جد خطيرة، فقد أشار عماروف إلى ازدياد مستوى التهديد في جنوب شرقي آسيا، سيما وأن «داعش» يولي اهتماماً متزايداً لهذه المنطقة، ويكثف من أنشطته الدعائية هناك، وثمة مخاوف بشأن الوجود المفرط وتعزيز محتمل مرتبط بـ«داعش» في أفغانستان؛ الأمر الذي يشكل تهديداً خطيراً لأمن كابول وبلدان المنطقة، بما في ذلك آسيا الوسطى.

إشكالية الروهينغا وإرهاب آسيا
أحد أهم الأسئلة التي تصاعدت في الفترة الأخيرة: هل من علاقة بين استقطاب جنوب شرقي آسيا للأصوليين والدواعش، وبين ما يلاقيه سكان ميانمار المسلمون من اضطهاد وعنت، من جانب الحكومة البوذية هناك؟.
المؤكد أننا رأينا سعياً حثيثاً من «داعش» و«القاعدة» وكافة المنظمات الإرهابية العالمية، لاعتبار ما يجري في ميانمار نوعاً من الحرب على الإسلام والمسلمين، وعليه يبقى «الجهاد» هناك فرض عين وليس نافلة، وجميعها اتفقت على أن ميانمار هي ساحة المعركة الكبرى، كما يخبر جاي سولومون، من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.
ولعل المتابع لإشكالية مسلمي الروهينغا، يدرك أبعاد البيان الذي أصدرته القيادة العليا لتنظيم القاعدة في سبتمبر (أيلول) الماضي، وجاء فيه: «ندعو كافة المجاهدين الإخوان، في بنغلاديش، والهند، وباكستان، والفلبين، إلى التوجه إلى بورما (ميانمار) لمساعدة إخواننا المسلمين، والقيام بالاستعدادات الضرورية من تدريب وما شابه ذلك، لمقاومة القمع والاضطهاد».
وفي بيان آخر منفصل، ذكر مجلس شورى تنظيم القاعدة، أن البوذيين احتلوا راخين التي انتشر منها الإسلام إلى «بورما» قبل أكثر من مائتي عام، وغيروا اسمها إلى ميانمار، ثم أساؤوا إلى شعبها المسلم وعذبوه.
هل يعني ذلك أن «القاعدة» في ميانمار كانت الأقرب حضوراً والأكبر وجوداً من «داعش»؟
لقراءة المشهد الأصولي جيداً في جنوب شرقي آسيا، علينا الربط بين ما هو سياسي وما هو أمني استخباراتي، وبينهما الإرهاب وتصاعد الأصولية.
والثابت أنه مع ارتفاع أزمة مسلمي الروهينغا، وجدنا عمليات عنف توجه لبوذيين وسفاراتهم في دول مختلفة شرق أوسطية أو آسيوية، ففي سبتمبر نفسه ألقيت زجاجات مولوتوف على سفارة ميانمار في جاكارتا بإندونيسيا، ما دعا قوات الشرطة في باكستان لأن تعزز التدابير الأمنية بشكل كبير حول البعثات الدبلوماسية الميانمارية في إسلام آباد، بعد احتجاجات هدد فيها المتظاهرون بمهاجمة مجمعات سكنية.
ورغم أن المسؤولين في بنغلاديش، وبحسب تعبيرهم، لم يروا بعد حشود المقاتلين الأجانب لدعم الروهينغا، فإنهم يقطعون بوجود التهديد بشكل كبير وعالي المستوى.
ماذا يعني ما تقدم؟ إنه يعني أن تلك الجماعات «الجهادية» قد تعلمت كيف تستفيد أعلى استفادة ممكنة من حالات الحروب الأهلية والاضطرابات المجتمعية التي تصيب الدول، وفي هذه الأوقات تمد جذورها وتزيد من عدد عناصرها. هذا ما جرت به المقادير من قبل في أفغانستان والبلقان وسوريا، الأمر الذي حدا بأحد كبار المسؤولين البنغلاديشيين للقول إن «الجماعات المتطرفة دائماً ما تستغل عدم الاستقرار لتعزيز مخططاتها»، واصفاً ما يجري في ميانمار بأنه «كارثة من صنع الإنسان».

«القاعدة» تعود من الشباك
من بين التحليلات المزعجة حقاً، هو أن ما يجري في جنوب شرقي آسيا بات يتجاوز «داعش» الذي ولد في الأصل من رحم «القاعدة»، ليعلن وجوده من جديد هناك.
يخبرنا عدد من رجالات الأمن والاستخبارات والعمل ضد الإرهاب في تلك المنطقة، أن فروع تنظيم القاعدة في الجزر المحيطة بميانمار قد قاموا في السنوات الأخيرة بتدريب مقاتلين من الروهينغا على «الجهاد» في الصراعات في أفغانستان وسوريا.
والشاهد أن إشكالية «القاعدة» هناك أكبر وأعرض بكثير من مجرد أزمة الروهينغا؛ إذ هي في صراعها الآيديولوجي مع «داعش» تود العودة إلى المرتبة الأولى بين الحركات المتطرفة، تلك التي احتلها «داعش» في الأعوام الأخيرة؛ لكن لماذا جنوب شرقي آسيا تحديداً منطقة ذات أهمية استراتيجية عالية القيمة لـ«القاعدة»؟
الجواب في حاجة إلى قراءة مفصلة قائمة بذاتها؛ لكن باختصار غير مخل، نشير إلى أن تلك المنطقة لم تخل يوماً من جيوب موالية لـ«القاعدة»، ولاء روحياً غير مشكوك فيه، وبمعنى آخر لا تزال «القاعدة» فيها تحتفظ بخلايا نائمة، يمكن أن تلعب دوراً شديد الخطورة والوعورة حال صدرت إليها الأوامر.
عطفاً على ذلك، فإن «القاعدة» تعلم علم اليقين أن جنوب شرقي آسيا هي منطقة وجود أميركي تاريخي، حيث السفن العسكرية والتجارية تجوب مياه ومحيطات دولها، دون أن تهدأ، ليلاً ونهاراً، ولهذا، فإن استهداف تلك القطع البحرية يحقق لـ«القاعدة» أهدافاً استراتيجية.
هناك كذلك أهمية لا يغفلها أي مراقب محقق ومدقق للمشهد، وتتصل بالموقع الجغرافي الذي يعد ممراً رئيسياً للنفط في العالم وهنا يمكن لـ«القاعدة» أن تتلاعب بإمدادات النفط حول العالم.
هل لهذا تساءلت مجلة «فورين أفيرز» الأميركية مؤخراً عن تنظيم القاعدة، وهل سيعود؟ وإذا عاد هل سيعود في ثوبه القديم أم الجديد؟
المسطح المتاح للكتابة يضيق عن سرد التقرير بأبعاده المختلفة، غير أن جوهره يذهب في طريق القول إن واشنطن ركزت جهودها على إيقاع الهزيمة بتنظيم داعش، وانشغلت كثيراً وراء هذا الهدف، وفيما هي تفعل كان تنظيم القاعدة يحاول أن يلم شمله ويوحد جهوده، محاولاً العودة إلى سماوات عالم الإرهاب كقيادة متقدمة.
التقرير يختلف فيه الخبراء، بمعنى: هل ستنجح القاعدة في بلوغ هدفها هذا أم ستقصر عنه؟ والجواب كالعادة ذهب في مسارين، في حين يشدد البعض مثل دانيال بيمان، من جامعة «جورج تاون» على أن التنظيم في تراجع بسبب الدعم الشعبي المحدود، والجهود الفعالة لمكافحة الإرهاب من جانب الولايات المتحدة ودول أخرى، وقتل «القاعدة» للمدنيين المسلمين، ما يعني أن هناك سبباً وجيهاً للتفاؤل بتراجع حقيقي لتنظيم القاعدة، وأنه ربما يكون تراجعاً مستمراً.

الإرهاب القادم... الموجة الأسوأ
وتتشكل الآن ملامح ومعالم موجة جديدة من موجات الإرهاب العالمي، ومنطقة جنوب شرقي آسيا - ولا شك - مرشحة لأن تكون أرضية مهيأة لها، غير أن شكل وملامح ومعالم تلك الموجة، وأسماء القائمين عليها ليست واضحة بما يكفي.
تكتب مؤخراً خبيرة شؤون الجماعات المسلحة في جامعة «هارفارد» فيرا ميرونوفا، تحت عنوان «النسخة القادمة من تنظيم الدولة ستكون أكثر فتكاً»، الأمر الذي يدفعنا لرفع أعيننا جهة جنوب شرقي آسيا، ومحاولة استشراف المشهد هناك، وهل الأسوأ لم يأت بعد بالفعل أم ماذا؟
ما تكتبه الخبيرة الأميركية مخيف، وعندها أن النسخة القادمة من الإرهاب والإرهاببين ستكون أكثر هولاً، وعمادها مقاتلون متعطشون للدماء وللانتقام، وبالتالي ستكون أكثر فتكاً، وربما ستكتسح على نطاق واسع مناطق كثيرة حول العالم.

ما الذي يتبقى قبل الانصراف؟
مؤكد القول إن منطقة جنوب شرقي آسيا مرشحة لصعود ما هو أخطر من «القاعدة» و«داعش»، إنها أرضية يمكن أن تصدر للعالم نسقاً جديداً مغايراً، فـ«القاعدة» وبحسب «فورين أفيرز» اليوم، هي تنظيم مختلف عما كانت عليه قبل عقد من الزمان، فالحركة أقل مركزية وأقل تركيزاً على العمليات في الغرب، ولذلك قد يكون الشرق الآسيوي موقع وموضع ظهورها في ثوب جديد، خليط منها ومن يتامى «داعش» وأرامله المتشوقين للانتقام، من جراء مذلة الشرق الأوسط.
غير أن هذا الانبعاث القادم له شروط وظروف، جميعها ترتبط بأحوال الاستقرار أو الاضطراب السياسي، وفي كل الأحوال لن ينمحي الفكر الراديكالي المتطرف طالما بقيت الصراعات والحروب في آسيا وأفريقيا والشرق الأوسط قائمة، والعدالة الاجتماعية مفقودة.


مقالات ذات صلة

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

العالم العربي جندي عراقي يقود دبابة (أرشيفية - رويترز)

العراق: إحباط مخطط لـ«داعش» ضد شخصيات أمنية ومواقع حكومية في كركوك

أفادت «وكالة الأنباء العراقية»، اليوم (السبت)، بأن جهاز الأمن الوطني أعلن إحباط مخطط «إرهابي خطير» في محافظة كركوك كان يستهدف شخصيات أمنية ومواقع حكومية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي نازحون في مخيم حسن شام على بعد نحو 40 كيلومتراً غرب أربيل (أ.ف.ب)

في شمال العراق... تحديات كثيرة تواجه النازحين العائدين إلى ديارهم

تعلن السلطات العراقية بانتظام عن عمليات مغادرة جماعية لمئات النازحين من المخيمات بعدما خصصت مبالغ مالية لكلّ عائلة عائدة إلى قريتها.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
العالم العربي تنظيم «داعش» يتبنّى عملية استهداف حاجز لـ«قسد» في ريف دير الزور الشرقي (مواقع تواصل)

حملات التمشيط العسكري لم تمنع انتعاش «داعش» في سوريا

على رغم أن القوات الحكومية السورية تشن حملات تمشيط متكررة في البادية السورية لملاحقة خلايا تنظيم «داعش» فإن ذلك لم يمنع انتعاش التنظيم.

المشرق العربي قوة مشتركة من الجيش العراقي و«الحشد الشعبي» بحثاً عن عناصر من تنظيم «داعش» في محافظة نينوى (أ.ف.ب)

«داعش» يعلن مسؤوليته عن هجوم أدى لمقتل 3 جنود في العراق

قالت مصادر أمنية وطبية في العراق إن قنبلة زرعت على جانب طريق استهدفت مركبة للجيش العراقي أسفرت عن مقتل 3 جنود في شمال العراق.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي «قوات سوريا الديمقراطية» خلال عرض عسكري في ريف دير الزور (الشرق الأوسط)

أكراد سوريا يتحسبون لتمدد الحرب نحو «إدارتهم الذاتية»

ألقت نتائج الانتخابات الأميركية بظلالها على أكراد سوريا ومصير «إدارتهم الذاتية» بعدما جدد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التهديد بشن عملية عسكرية.

كمال شيخو (القامشلي)

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».