ورق الغار... رمز العظمة والانتصار

استخدم للإنارة والطبخ وعلاج أمراض شتى

ورق الغار... رمز العظمة والانتصار
TT

ورق الغار... رمز العظمة والانتصار

ورق الغار... رمز العظمة والانتصار

لطالما ارتبط اسم ورق الغار بالخير ومحاربة الشر، ولا يزال يرمز إلى العظمة والنصر منذ قديم الزمان. ويعتبر البحر الأبيض المتوسط وآسيا الصغرى أو تركيا الموطن الرئيسي لشجرة الغار الدائمة الخضرة. وتنتمي هذه الشجرة المحببة إلى نفس العائلة من أشجار الساسافراس والكاسيا والقرفة والأفوكادو.
يطلق على ورق الغار (Bay leafs) اسم «باي لورالز» (Bay Laurel›s)، أما اسم شجرة الغار اللاتيني «لوريس نوبيليس» (Lauris Nobilis) فإنه يعني «وارفة ونبيلة»، والبعض يقول إنه يعني «شجرة الغار المعروفة». ويطلق اليونانيون على ورق الغار اسم «دافني» (dhafni) نسبة إلى الفتاة دافني التي أغرم بها الإله أبولّو ابن زيوس. أما بالعربية فيطلق عليه البعض اسم «النرد» أو «ورق سيدنا موسى».
يعتبر ورق الغار مهماً جداً في المطبخ الفرنسي، إذ أنه يدخل في تركيبة الكثير من أطباق المطبخ الفرنسي الكلاسيكية، وتركيبة أحد أهم باقات الأعشاب الخاصة بتحضير الصلصات، وهو جزء لا يتجزأ من باقة الأعشاب والنباتات الفرنسية المعروفة بـ«بوكيه غارني»، وعادة ما تستخدم هذه الباقة في عمليات تحضير الصلصات والمرق والحساء واليخنات. وتضم الباقة بشكل عام، إلى جانب ورق الغار، الزعتر والبقدونس. ولكن يمكن أن تشمل أحياناً الحبق والفلفل والطرخون والمرقئة والسرفيل البستاني وإكليل الجبل والندغ. وتستخدم وصفة باقة الغارني أحياناً مع بعض الخضراوات لتحضير الصلصات والمرق، وخصوصاً الجزر والكرفس العادي والطرفس اللفتي والكراث والبصل.
كما يستخدم ورق الغار في طبق «Bouillabaisse» الشهير للمأكولات البحرية. وهو طبق بحري من مدينة مارسيليا يجمع الكثير من الخيرات البحرية مثل المحار وقنفذ البحر والأخطبوط وعدد من الأسماك التي عادة لا يتمكن الصيادون من بيعها للزبائن. أي أنه خليط من المأكولات البحرية التي تبقى عند الصياد.
كما هو الحال في المطابخ الأوروبية والأميركية، يعتبر ورق الغار من العناصر الرئيسية في عدد من المطابخ المشرقية ومطابخ حوض البحر الأبيض المتوسط والمطابخ الآسيوية، وخصوصاً المطابخ الهندية والباكستانية والبنغالية على الرغم من اختلاف أنواع الورق وطعمه من بلد إلى آخر. وفضلاً عن كثرة استخدامه في العشرات من أطباق أرز البرياني، فإنه يدخل في تركيبة خلطات بهارات الماسالا الهامة جداً، التي تضم عادة في نسختها الهندية الكزبرة والكمون والهال وقشر جوز الطيب والقرفة والقرنفل والفلفلين الأبيض والأسود. ويطلق على ورق الغار في اللغة الهندية اسم «تيجباتا» (tejpatta).
كما يشكل ورق الغار الجاف واحداً من أهم عناصر طبق «الأدوبو» (Adobo) الفلبيني المعروف، وهو اسم مأخوذ من الإسبانية، ويعني التخليل أو التبليل أو النقع. ويضم هذا الطبق الشهير في تلك البلاد، الذي يعتبر أحياناً الطبق الوطني، اللحمَ والمأكولات البحرية والخضار المنقوعة بالخل وصلصة الصويا والثوم والزيت.
كما أخذت بعض المناطق في تايلاندا، وخصوصاً المناطق الساحلية الجنوبية عن الماليزيين والعرب، استخدامات ورق الغار في العديد من الأطباق المعروفة. ويبدو استخدامه واضحاً في واحد من أشهر أنواع الكاري التايلاندية وهو «كاري ماسمان» (كاري المسلم) منذ القرن السابع عشر. ويضم الكاري إضافة إلى ورق الغار، الكمون والقرفة والهال والقرنفل والليسوم أو اليانسون النجمي وجوز الطيب. ويطلق على ورق الغار في تايلاندا اسم «باي كرا وان» (bai kra wan).
العادات الخاصة بتقليد الفائز بالألعاب الأولمبية، والرياضية عامة، منذ بداياتها عام 776 قبل الميلاد، تعود إلى أثينا القديمة والألعاب الأولمبية القديمة، حيث كانت أكاليل الغار تستخدم لتتويج والاحتفال بالفائزين، وكان الأمر نفسه يستخدم للفائزين من الشعراء في المباريات الشعرية منذ القدم.
في روما القديمة، أكاليلُ مصنوعةٌ من أوراق الخليج استخدمت للقادة للاحتفال بانتصاراتهم في ساحة المعركة (وهذا هو السبب في أنها تعرف في بعض الأحيان باسم الغار الروماني). ويمكن العثور على نماذج أوراق الغار وصوره في جميع أنواع العمارة اليونانية والرومانية القديمة.
وبكلام آخر، فإن ورق الغار كان دائماً يرمز إلى الانتصار والعظمة، وكان يستخدم لتيجان الأباطرة والشعراء والكتاب، ولا عجب أن كانت أشجاره تملأ حدائق الفراعنة.
وقصة تمثيل ورق الغار للعظمة تأتي من زيوس وابنه الإله الإغريقي أبولّو، إذ يقال إن «أبولو المعروف أيضاً باسم إله الشمس (وإله الحقيقة والنبوة من بين أمور أخرى) قديماً أحب شجرة الغار. واعتبرها نباتاً مقدساً، ولذا عادة ما يصور مرتدياً إكليلاً من الغار».
وتقول القصة أو تقول الأساطير الإغريقية القديمة في أصل شجرة الغار، وحول مصدر حب أبولو وعشقه لورق الغار، إنه كانت هناك حورية جميلة تدعى نيمف دافني. وكان أبولو مهووساً بها ولا يتركها بمفردها. ولهذا حولها أبوها إله الأنهار بينيوس إلى شجرة غار حتى تتمكن من تجنب محاولات أبولو التحرش بها أو التغزل بها. وبعد ذلك قام أبولو بوضع أغصان الغار على رأسه تعبيراً عن حبه الدائم لنيمف دافني، ولهذا السبب أيضاً لا يزال اليونانيون يشيرون إلى هذه النبة باسم «شجرة دافني».
ويقال أيضاً إن قراء البخت، أو ما كان يعرف بـ«أوراكال دلفي»، وهم البوابات التي كانت تتكلم الآلهة من خلالها مع الناس، كانوا يأكلون ورق الغار قبل اتخاذ أي قرار رئيسي مثل الدخول في الحرب أم لا، والتحدث إلى أبولو في القضية.
أو بكلام آخر كان الوسطاء الروحيون أو «مصدر التكهنات أو الحكمة التنبؤية» يستخدمون الغار لاستقراء المستقبل وتكهن أحواله.
ويشتق مصطلح «البكالوريا» (baccalaureate) و«البكالوريوس» من «توت الغار» (laurel berries)، بسبب الممارسة اليونانية والرومانية القديمة في تكريم العلماء والشعراء بأكاليل الغار. وقد كان الجنرالات الرومان يتوجون أنفسهم بأوراق الغار عندما كانوا يعودون إلى بلادهم منتصرين في المعارك. وكان يستخدمه الجنود في أحواضهم عند التحمم لتهدئة التعب، ومعالجة الإصابات، كما يؤكد موقع «تاريخ الطعام».
وكان الناس قديماً، وخصوصا أيام الرومان، يعتقدون أن أكاليل الغار، والغار بشكل عام، يحمي من غضب السماء، ولهذا كان الإمبراطور الروماني الثاني تيبيريوس يرتدي هذه الأكاليل خلال العواصف الرعدية، حتى يحمي نفسه من فعل الصواعق.
يمكن القول: إن شجر الغار كان يرتبط بالرجولة قديماً، وكان مقدساً عند أبولو. كما أن عطره الحار وارتباطه بالشمس كان يجعله مناسباً لأي احتفال بالشمس. كما كان اسمه يرتبط بإله الطب والشفاء الإغريقي أسقليبيوس، وزيوس الذي يلقبه الإغريق بـ«رب الآلهة والبشر» وهيرمس ابن زيوس ورسول الآلهة الإغريقية وإله البحارة وإلهة الزراعة والمحاصيل والخصوبة والأمومة الرومانية سيريس وإلهة الثقة الرومانية فيديس، والشخصية الأسطورية في التراث الويلزي كاريدوان.
- الاستخدامات والفوائد الطبية
لأنها تحتوي على حمض اللوريك، توضع أوراق الغار الطازجة والمطحونة عادة تحت طبقة من الورق في مراطبين مفتوحة كمصيدة للحشرات، وتنشر أيضاً في مخازن الأكل لطرد الذباب والصراصير والفئران وغيره. وقد كان يستخدم منذ مئات السنين ضد لدغ الحشرات والكدمات ولدغات الأفاعي وغيره.
وكان زيت الغار من أوائل الزيوت التي استخدمها الناس منذ القدم بعد زيت الزيتون، واستعمل في الماضي في الإنارة وفي الغذاء وفي العلاج، وللزيت قيمة غذائية لا يستهان بقيمتها.
ويأتي في تكوين ورق الغار الطبيعية والكيميائية، المواد المضادة للأكسدة وفيتامينات «أ» و«سي» والنحاس والبوتاسيوم الذي يتحكم بضغط الدم ومعدل ضربات القلب والكالسيوم والمنغنيز والحديد والسلينيوم والزنك والمغنيزيوم وحمض الفوليك الذي يستعمل من قبل الجسم لإنتاج خلايا الدم الحمراء.
وكما يبدو تستخدم ورقة الغار لعلاج مرض السكري من النوع 2، وهي من المواد القادرة على تخفيض مستوى السكر في الدم والكوليسترول ومستويات الدهون الثلاثية. فالمواد المضادة للأكسدة في الورق تساعد الجسم على إنتاج الأنسولين. كما يساعد ورق الغار على الهضم وعلاج اضطرابات الجهاز الهضمي مثل حرقة المعدة وانتفاخ البطن، كما تؤكد المعلومات الواردة على الموقع. أضف إلى ذلك أن الورق يوفر حماية ضد أمراض القلب والأوعية الدموية مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية، ويحتوي على مركبات قيمة مثل روتين، والساليسيلات، وحامض الكافيك والمغذيات النباتية التي تعزز صحة القلب وتحسن وظيفة القلب.


مقالات ذات صلة

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

مذاقات موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

يحتفي ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ الذي احتضنه مدينة الرياض، بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ موروثاً ﺛﻘﺎﻓﻴاً ﻣﺘﻨﻮﻋاً ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ السعودية اﻟـ13، وبتجارب رواد ورائدات شباب.

فاطمة القحطاني (الرياض)
مذاقات الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

عبر الشيف الكندي جو ثوتونغال من أصول هندية، والذي حصد «جائزة جورماند» عن كتاب My Thali يوم الجمعة الماضي في «مهرجان الطعام السعودي» الذي أقيم مؤخراً في الرياض.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
مذاقات في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)

مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

«غايد. إل بي» هو عنوان الصفحة الإلكترونية التي تطل منها مدونة الطعام أناستازيا باكوموفسكايا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر فيها انطباعاتها حول بلاد الأرز.

فيفيان حداد (بيروت)
مذاقات ديكور مطعم فلوريج الجميل (الشرق الاوسط)

كيف وأين تتناول طعاماً رائعاً وبأسعار مناسبة حول العالم؟

ليس بالضرورة أن تنفق ثروة في تجربة مطعم رائد عالميّاً: إحدى طرق لتحقيق ذلك هي اختيار قائمة الغداء، التي غالباً ما تكون نسخة أقصر وأقل تكلفة من قائمة تذوق الطعام

«الشرق الأوسط» (لندن)
مذاقات بطاطس محشوة بالجبن ومقلية (الشرق الأوسط)

البطاطس حاضرة دائماً في كل مطبخ

تظهر البطاطس دائماً كبطلة متعددة الأدوار على المائدة، وتفرض حضورها بقوة في كل مطبخ، لتتألق في الوجبات كافة، سواء كطبق جانبي أو رئيسي.

محمد عجم (القاهرة)

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
TT

«اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ» في الرياض... الاحتفاء بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ

موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)
موروث ﺛﻘﺎفي ﻣﺘﻨوع ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎطق السعودية الـ13 (هيئة فنون الطهي)

يحتفي ﻣﻬﺮﺟﺎن اﻟﻮﻟﻴﻤﺔ، الذي احتضنه مدينة الرياض، بهوية اﻟﻤﺎﺋﺪة اﻟﺴﻌﻮدﻳﺔ، ﺑﻮﺻﻔﻬﺎ موروثاً ﺛﻘﺎﻓﻴاً ﻣﺘﻨﻮﻋاً ﻳﻤﺜﻞ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﻨﺎﻃﻖ السعودية اﻟـ13، وبتجارب رواد ورائدات أعمال سعوديين، حوّلوا قصصهم الخاصة إلى مشاريع ناجحة وفريدة في حكاياتها ومنتجاتها.

احتضنت جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي، الذي هو من تنظيم هيئة فنون الطهي التابعة لوزارة الثقافة، ويهدف إلى إبراز تنوع المائدة السعودية، حيث ضمّت فعاليات المهرجان 13 قسماً رئيسياً للأطباق المحلية، بمشاركة أكثر من 200 جهة دولية، وجاءت دولة تايلاند ضيفاً رئيسياً، ضمن جناح مخصص يعكس هوية وثقافة المطبخ التايلاندي التقليدي.

تحتضن جامعة الملك سعود النسخة الخامسة من مهرجان الوليمة للطعام السعودي (هيئة فنون الطهي)

من مزرعة عائلية إلى مصنع يصدّر العطور

وضمن المهرجان، استعرض مشروع «بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية، امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل، ينتج أحد أغلى الزيوت العطرية في العالم، حيث يصل سعر لتر دهن الورد الطائفي إلى 120 ألف ريال.

بدأت الحكاية عند سفوح مدينة الطائف، حيث نشأ نايف الخالدي وأسرته في مزرعة عريقة اشتهرت بزراعة الورد الطائفي، وتحدث الخالدي لصحيفة «الشرق الأوسط» عن ملامح رحلة نجاح «بيت الورد الطائفي»، وقال: «كنا نملك مزرعة تقليدية في الطائف، نهتم بزراعة الورد الطائفي، ومنذ ولادتي وأنا أرى والدي يزرع الورد ويعتني به»، ويمثل ذلك للخالدي هويته وإرثه العائلي؛ إذ تربت الأسرة على هذه الأرض منذ الصغر، واصفاً المشروع بأنه «مسؤولية تجاه إرث عائلي، وليس مجرد تجارة»، مستحضراً جانباً من بداياته: «وُلدت في المزرعة وفي ظروف بسيطة، حيث كانت الأسرة تقضي معظم وقتها في العمل بالأرض».

«بيت الورد الطائفي» حكاية سعودية امتدت من أرض زراعية محدودة إلى مشروع صناعي متكامل (الشرق الأوسط)

وأضاف الخالدي: «مع مرور الوقت طوّرنا آليات العمل في المزرعة، وتوسع نشاطنا لنؤسس مصنع التقطير لاستخراج الزيوت العطرية والمياه المركزة المخصصة لمستحضرات التجميل، وذلك عام 2018. ثم انتقلنا إلى استخراج زيت بذور التين الشوكي، إلى أن أصبح لدينا مصنع لمستحضرات التجميل ومصنع للعطور داخل المزرعة نفسها».

وأكد الخالدي أن الجهات الحكومية قدّمت دعماً كبيراً، أسهم في انتقال المشروع من مزرعة إلى مصنع متكامل، موضحاً: «وزارة الصناعة وقفت معنا وقدمت تسهيلات مهمة، إلى جانب الدعم المقدم من هيئة الدواء والغذاء بمعايير صارمة، ويمثل وجود مختبرات معتمدة داخل المزرعة مصدر ثقة وفخر لنا».

ويمتد عمر المزرعة لأكثر من 50 عاماً، بينما تمتد خبرة العائلة في زراعة الورد الطائفي لأكثر من 100 عام، ويعدّ تأسيس المصنع عام 2018 استثماراً للتسهيلات الحكومية وبداية مرحلة جديدة من التصنيع الاحترافي.

وأشار الخالدي إلى أن نقطة التحول بدأت مع «رؤية السعودية 2030»، حيث كانت المصانع تتركز في المدن، لكن المزرعة حصلت على تصريح خاص لتصبح أول مصنع في الطائف يحصل على اعتماد إنتاج مستحضرات التجميل، تحت إشراف وزارة الصناعة وهيئة الدواء والغذاء، داخل الأرض نفسها.

وأضاف: «وصلنا اليوم إلى مرحلة التصدير لدول الخليج، وسنبدأ التوجه نحو أوروبا الشرقية وآسيا والولايات المتحدة، فهناك اهتمام لافت بالعطر السعودي، وتركيزنا الأول حالياً على الأسواق الخليجية، إلى جانب سعينا نحو المشاركة في (إكسبو 2030)».

مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي (هيئة فنون الطهي)

من طلب مريض السكري إلى مصنع شوكولاتة

قصة أخرى تبرز وسط أجنحة «مهرجان الوليمة» للطعام السعودي؛ إذ لفتت فاطمة السالم، صانعة الشوكولاتة وخريجة حاضنة «كون» لفنون الطهي والأكاديمية العالمية لفنون الطهي، الأنظار بعلامتها «سمراء شوكولاتة» ومشروعها الذي بدأ من مطبخ المنزل، قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل، مخصص لإنتاج شوكولاتة صحية مصنوعة من الصفر، وجاءت البداية حين طلب أحد أفراد عائلتها، الذي يعاني من السكري، شوكولاتة مناسبة لحالته الصحية، في وقت تمتلئ فيه السوق بمنتجات عالية بالسكر المكرر والمواد الحافظة.

ووجّهت فاطمة السالم تساؤلاتها في التعلم والتجربة، مشيرةً إلى أن تحول المادة السائلة إلى شوكولاتة صلبة أثار فضولها، وفي ذلك الوقت صنعت أول وصفة مخصصة لمرضى السكري، واصفةً بأنها «فرحة لا تقدر... وزادت ثقتي بنفسي وبقدراتي»، وبدأت صناعة الشوكولاتة من بداية حبوب ثمرة الكاكاو باستخدام بدائل صحية مثل سكر التمر، وموضحةً صعوبة البدايات ومراحل التعلم حتى طوّرت عملها من آلة إذابة بسيطة إلى معدات طحن وتعديل حرارة الشوكولاتة متخصصة داخل طابق كامل في منزلها، لتؤسس مصنعاً صغيراً يلبي الطلب المتزايد.

«سمراء شوكولاتة» مشروع بدأ من مطبخ المنزل قبل أن يتحول إلى مصنع متكامل لإنتاج شوكولاتة صحية (الشرق الأوسط)

وكشفت السالم، خلال حديثها لصحيفة «الشرق الأوسط»، عن أن «الإقبال نحو الشوكولاتة الصحية جعلني أدرك تجاوز مرحلة التجربة ليكون نشاطاً تجارياً حقيقياً، حيث شريحة واسعة من مرضى السكري والمهتمين بالخيارات الصحية ظلوا يشكلون جزءاً كبيراً من عملائي».

ونتيجةً للوعي المتنامي، صارت المنتجات الصحية عاملاً مهماً في توسع المشروع، وخاصةً بعد مشاركتها في نسخة سابقة من مهرجان الوليمة.

وأضافت: «أهدف إلى رفع الوعي والذائقة بالشوكولاتة الحرفية، من المهم أن يتعرف المستهلك على الشوكولاتة الحقيقية المصنوعة من الصفر، حيث سعيتُ لإنتاجها بنكهات سعودية لاقت إعجاب الزوار، مثل الورد الطائفي مع جناش الفانيليا، ونكهة الكليجة المميزة».

ويعدّ مهرجان الوليمة للطعام السعودي منصة تجمع بين التراث والابتكار في المطبخ المحلي، يمنح رواده تجربة متنوعة تشمل الأطعمة التقليدية، والأسواق التراثية، والحرف اليدوية، والعروض الموسيقية والفلكلورية، ومتحف العسل، ويسهم في تمكين الهوية الوطنية وإبراز الموروث الغذائي السعودي، كما يعزز التبادل الثقافي مع ضيوف الدول المختلفة، ويُعرّف بالمطبخ السعودي على الخريطة الدولية، من خلال إقامة ورش تعليمية وتفاعلية لجميع الفئات العمرية.


شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
TT

شيف كندي يحصد «جائزة جورماند» العالمية في «مهرجان الطعام السعودي»

الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض
الشيف الكندي جو ثوتونغال مستعرضا إحدى وجباته (السفارة الكندية) بالرياض

عبر الشيف الكندي جو ثوتونغال من أصول هندية، والذي حصد «جائزة جورماند» عن كتاب My Thali يوم الجمعة الماضي في «مهرجان الطعام السعودي» الذي أقيم مؤخراً في الرياض، عن ذهوله بثراء التراث الطهوي الغني للسعودية.

وأفصح السفير الكندي لدى السعودية جان فيليب لينتو، لـ«الشرق الأوسط»: عن فخره برؤية مواهب الطهي الكندية معترفاً بها في السعودية، مضيفاً أن التنوع الكندي يغذي الابتكار في الطهي، كما أن جودة المنتجات الكندية تخلق نكهات تجمع الثقافات معاً.

وقال الشيف ثوتونغال، لـ«الشرق الأوسط»: «أقوم بزيارة هيئة فنون الطهي السعودية في الرياض كجزء من رحلتي لحضور مهرجان الطعام السعودي 2025 وحفل توزيع جوائز جورماند (الأفضل على مدار 30 عاماً)».

وأضاف ثوتونغال: «هذه هي المرة الثانية التي أحضر فيها مهرجان الطعام السعودي، وباعتباري طاهياً، فهي فرصة ثمينة لاستكشاف التراث الطهوي الغني للسعودية. أنا مهتم بشكل خاص بمعرفة المطبخ الأصيل لمختلف المناطق، بالإضافة إلى إنتاج زيت الزيتون والعسل في المملكة».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

ولفت إلى أن حفل توزيع جوائز جورماند الدولية يجمع مؤلفي كتب الطبخ الملهمين من جميع أنحاء العالم، مبيناً أنها منصة رائعة للتواصل مع المتخصصين ذوي التفكير المماثل، وتبادل الأفكار، واكتشاف المأكولات والثقافات المتنوعة، حيث يمثل هذا الحدث دائماً مصدراً رائعاً للتحفيز والإلهام الإبداعي بالنسبة لي.

وتابع الشيف الكندي: «إذا كنت سأوصي بأطباق ليجربها الضيوف السعوديون، فسأبدأ بشرائح لحم الضأن من كيرالا من كتاب الطبخ كوكونت لاجون. السعوديون لديهم حب عميق للحم المشوي، وهذا الطبق يربط بين عوالم الطهي لدينا بشكل جميل. يضيف التتبيلة على طريقة ولاية كيرالا - المعطرة بالبهارات وجوز الهند ولمسة من الحرارة - طبقات من التعقيد دون التغلب على الثراء الطبيعي للحوم».

الشيف الكندي جو ثوتونغال يحضر لاحدى الوجبات الشهية (السفارة الكندية) بالرياض

وأضاف: «أود أن أقدم لهم سلطة الحمص الأسود، حيث يُستخدم الحمص على نطاق واسع في المطبخ السعودي، لكن الحمص الأسود (كالا شانا) يقدم تجربة مختلفة أصغر حجماً وأكثر صلابة وأكثر نكهة بشكل مكثف من الحمص الأبيض. تُظهِر هذه السلطة الممزوجة بالبهارات وعصير الليمون وبعض الخضار المقطعة كيف يمكن تحويل المكونات المألوفة من خلال عدسة النكهات الساحلية في ولاية كيرالا».وقال ثوتونغال أيضاً: «لأن الأسماك الطازجة هي جوهر تقاليد الطعام السعودية، فإنني أوصي بطبق البلطي المقلي من ماي ثالي. مع تتبيلة التوابل النابضة بالحياة واللمسة النهائية المقرمشة، يعد هذا الطبق بمثابة تذكير بأن المأكولات البحرية لا ينبغي أبداً أن تكون لطيفة. فهو يجمع بين الروائح العطرية الجريئة والحرارة اللطيفة والمذاق النظيف للأسماك الطازجة، وهي نكهات أعتقد أن الأذواق السعودية ستقدرها حقاً». وتابع: «تحتفل هذه الأطباق معاً بالحب المشترك بين ثقافتينا للتوابل الجريئة والمكونات الطازجة والأطعمة التي تحكي قصة».


مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
TT

مدونة الطعام أناستازيا اكتشفت بلاد الأرز فوقعت في حبّها

في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)
في مدينة بعلبك خلال جولاتها في مناطق لبنان (إنستغرام)

«غايد. إل بي» هو عنوان الصفحة الإلكترونية التي تطل منها مدونة الطعام أناستازيا باكوموفسكايا على وسائل التواصل الاجتماعي، وتنشر فيها انطباعاتها حول بلاد الأرز. فقد استكشفت لبنان منذ سنوات قليلة ووقعت في حبّه.

وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «لقد زرت أكثر من 50 بلداً حول العالم. ولكن قلبي وقع في حب لبنان، فشعرت وكأنه بمثابة بيتي وعائلتي».

منذ تلك اللحظة قررت آنا كما تحب أن يناديها المقربون منها، أن تدوّن كل ما يتعلّق بميزة أطباق لبنان ومطبخه ومطاعمه. لذلك نراها تتجول بين مختلف المناطق وتنقل منها كل ما يلفتها في عالم الطعام. بالنسبة لها، فإن لبنان يتمتع بطبيعة ساحرة. وتضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «أغرمت بأهله وبطقسه المعتدل، وكذلك بأطباق طعامه اللذيذة والشهية. فليس هناك من مطبخ آخر ينافسه برأي، لأنه متنوع وصحي في آن».

أناستازيا في صورة تحكي فيها عن الخبز "المرقوق" (انستغرام)

وعن أطيب الأكلات التي تحب تناولها في لبنان، تقول: «أحب كثيراً تناول طبق الملوخية، وكذلك طبق الـ(شيش برك) باللبن والنعناع اليابس. أما في مجال الحلويات فلا شيء يضاهي طعم ونكهة الكنافة بالجبن».

بدأت قصة أناستازيا مع لبنان منذ نحو 6 سنوات. زارته نظراً لنصيحة أحد الأصدقاء لكونه من البلدان الجميلة جداً. «لم أتوقّع أن يكون بهذا الجمال من عدة نواحٍ. لذلك قررت الإقامة فيه، وصرت اليوم باحثة نهمة عن كل تفصيل يتعلّق بمطبخه».

أناستازيا الروسية الجنسية تجد نقاط تشابه قليلة بين أطباق بلادها وتلك الخاصة بلبنان. وتقول: «هناك أطباق مثل الملفوف المحشو باللحم. وكذلك قطع العجين باللحم المعروفة بالـ(سمبوسك). فهي تشبه أصناف طعام موجودة في بلادنا. ولكن عندنا تحضّر من خلال وضعها في مياه مغلية فقط. فنتناولها إثر نضجها بهذه الطريقة وليس بتقنية الطهي اللبنانية نفسها».

تحب التجوّل في شوارع بيروت (إنستغرام)

لا تتحمس كثيراً لافتتاح مطعم روسي في لبنان. «أعلم تماماً بأنه ليس في لبنان مطعم روسي مع الأسف. أحياناً، أفكر في افتتاح واحدٍ لتعريف اللبنانيين على أطباقنا. ولكن لا أتوقع له النجاح لأن مطبخنا يرتكز على الأطعمة الدسمة والساخنة جداً، فتغيب عنه السلطات والأكلات الخفيفة. فبلدي يقع في منطقة قطبية باردة جداً، فيما لبنان الواقع على البحر المتوسط يفضّل أهله الطعام الـ(لايت) والطازج».

وتستطرد: «ربما أفتتح مطعماً يقدم الأكلات الروسية واللبنانية. وبذلك أجلب روسيا إلى بيروت لمن لم يزرها بعد».

جالت أناستازيا في البترون كما في بيروت وزغرتا والجنوب. «لفتني جداً مطعم (جورجينا) وتديره النساء في بلدة زغرتا. يحضرن الطعام في حديقة غنّاء في الهواء الطلق. صحيح أن موقع المطعم يبعد عن العاصمة، ولكن أطباقه تستأهل قطع هذه المسافة الطويلة».

تعترف أناستازيا بمواجهتها تحديات كثيرة في إقامتها الأولية في بيروت. «لم أكن أعرف تفاصيل كثيرة عن يوميات هذا البلد، وما زلت أتعلم من أخطائي وأتأقلم أكثر».

تهوى آنا مقاهي لبنانية عديدة وتصفها بالرائعة. مضيفة: «هناك عدد كبير منها في مناطق الجميزة ومار مخايل والصيفي، وجميعها تراعي أذواق الناس على اختلافها. أنا مثلاً أحب مقهى (سيب) و(لوفانت) في الجميزة. فهما يتيحان لروادهما الاستمتاع بفنجان قهوة صباحي يضاهي بطعمه أهم المقاهي في العالم. خصوصاً إذا ما تناولناه مع قطعة حلوى لبنانية».

تصف لبنان بالبلد الساحر الذي وقعت في حبّه (إنستغرام)

وماذا عن المطعم الذي يقدم أطيب الأطباق اللبنانية بنظرها؟ تردّ بحماس: «أعدّ مطعم (ام شريف) هو الأهم، ويتميز بكونه يقدم الأطباق اللبنانية الأصيلة بنكهاتها التراثية».

تجري أناستازيا مقارنة سريعة بين بيروت وعواصم عربية أخرى. «زرت دولة الإمارات العربية، دبي مثلاً، ولكنني فضّلت لبنان عليها من نواح مختلفة. فلبنان بلد دافئ، مرت عليه حضارات كثيرة. وهو ما ألّف عنده هذا المزيج من الثقافات. ولكنني من ناحية ثانية أتوق لزيارة المملكة العربية السعودية. ففي السنوات الأخيرة شهدت تبدلاً وانفتاحاً كبيرين. وأتمنى أن أزور مناطق الرياض والعلا وغيرها لأكتشف تاريخ هذه البلاد وجمال حضارتها العربية الأصيلة».

ترفق المدونة الروسية منشوراتها مرات بأغانٍ لفيروز. وفي أحيان أخرى تدأب على نقل أجواء السهر في العاصمة. ولا تتوانى عن نشر مقاطع مصورة من يومياتها خلال تجولها في بيروت. وتقول: «أحب منطقة المنارة والروشة. ومن خلال حواراتي مع اللبنانيين صرت اليوم أجيد التحدث بالعربية. فشعب لبنان محب وقريب إلى القلب».

تزوّد أناستازيا متابعها بعناوين مطاعم ومقاهٍ وأماكن سياحية تحلو زيارتها من وقت لآخر. ومرات تضيف إليها معلومة مفيدة تحكي فيها عن ميزات لبنان. وتعلق: «تخيلي مثلاً أنني عرفت مؤخراً، بأن هناك منازل قديمة يعود تاريخها إلى 400 سنة خلت تقع على شاطئ البحر. وبينها (بيت البحر) للضيافة في منطقة طبرجا».

وتختم لـ«الشرق الأوسط»: «الطبخ في لبنان فن، وأتمنى يوماً ما أن أجيد تقنية الطبخ اللبناني. فأصبح ضليعة في معرفة الأطباق اللبنانية من ألفها إلى يائها».