النمو ينتعش في البلدان المتقدمة لكن التضخم ما زال منخفضاً

حققت نصف تعافٍ منذ الأزمة المالية

بورصة «وول ستريت» في نيويورك (رويترز)
بورصة «وول ستريت» في نيويورك (رويترز)
TT

النمو ينتعش في البلدان المتقدمة لكن التضخم ما زال منخفضاً

بورصة «وول ستريت» في نيويورك (رويترز)
بورصة «وول ستريت» في نيويورك (رويترز)

تحسنت وتيرة النمو الاقتصادي في البلدان المتقدمة خلال الأشهر الأخيرة، لكن تلك البلدان لم تستطع بعد أن ترفع معدلات التضخم إلى درجة تتماشى مع التعافي الحالي، ليبقى هذا الأخير أحد أبرز تحدياتها للخروج من تداعيات الأزمة المالية التي لحقت بها عام 2008.
ففي الولايات المتحدة، ساعدت وعود الإصلاح الضريبي التي تقدم بها الحزب الجمهوري في تعزيز النمو. وقد كان نمو الناتج المحلي الإجمالي قوياً في الربع الثالث من عام 2017، بمعدل بلغت نسبته 3%، مما قد يرفع النمو إلى نسبة 3% تقريباً خلال عام 2017 بالكامل.
واتسم عدد من المؤشرات الرائدة بقوة الأداء بصفة خاصة، بما في ذلك طلبات السلع الرأسمالية والمؤشر الصناعي لمعهد إدارة الموارد الأميركي. الأمر الذي يدل على تزايد التفاؤل وارتفاع الاستثمار.
كما واصلت سوق العمل تعافيها، وأظهر تقرير التوظيف الأخير توفير 261 ألف وظيفة جديدة في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وتراجعت معدلات البطالة إلى 4,1%، وهو أدنى مستوى لها على مدى 17 عاماً.
لكن مع هذا النمو القوي لم يتمكن التضخم من تسجيل أي زخم إضافي خلال الأشهر الأخيرة. ورغم ذلك، لم تغير البنوك المركزية من توجهها نحو الرفع التدريجي للفائدة والتخارج من إجراءات التيسير الكمي.
وجاء معدل التضخم الأساسي دون التوقعات في شهر سبتمبر (أيلول). وارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة تغير شهرية بلغت 0,1% فقط، بينما كانت الوتيرة السنوية ثابتة عند مستوى 1,7% على أساس سنوي.
كما جاء نمو الأجور في أكتوبر الماضي مخيباً للآمال، حيث تراجع نمو أجور الموظفين إلى 2,3% على أساس سنوي بعد أن شهد معدلات أقوى خلال الشهرين السابقين. وجاء معدل التضخم الأساسي دون التوقعات في شهر سبتمبر. وارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة تغير شهرية بلغت 0,1% فقط، بينما كانت الوتيرة السنوية ثابتة عند مستوى 1,7% على أساس سنوي.
وكان التضخم في مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، وهو من أهم المؤشرات التي يحرص مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي) على متابعتها، ضعيفاً أيضاً في سبتمبر.
وقد ألمح «الاحتياط الفيدرالي» إلى أنه من غير المرجح أن يؤدي ضعف التضخم إلى عرقلة تطبيع السياسات النقدية، بمعنى تخارج السياسات النقدية من تدابير الأزمة المالية.
وفي بداية الأمر، خشي المحللون من أن انخفاض التضخم قد يمنع «الاحتياط الفيدرالي» من رفع أسعار الفائدة في ديسمبر (كانون الأول)، إلا أن الأسواق أصبحت الآن على يقين من ارتفاع أسعار الفائدة في ديسمبر.
ويذهب أغلب التوقعات إلى أن مجلس الاحتياط الفيدرالي سيرفع الفائدة مرتين أول ثلاث مرات خلال الاثني عشر شهراً المقبلة، مما يعني رفع الفائدة بواقع مرة أو مرتين فقط في عام 2018.
ويعد هذا الأمر أقل تفاؤلاً من متوسط توقعات «الاحتياط الفيدرالي» برفع الفائدة 3 مرات بواقع 25 نقطة مئوية في عام 2018.
وفي الوقت نفسه، فإن اختيار البيت الأبيض، جيروم باول، لقيادة مجلس الاحتياط الفيدرالي ابتداء من فبراير (شباط) 2018، يعد تأكيداً للمحللين أنه من المرجح عدم إجراء أي تغييرات في نهج السياسة النقدية بعد انتهاء فترة ولاية رئيسة مجلس الاحتياط الفيدرالي الحالية جانيت يلين.

نمو مزدهر في أوروبا واليابان والأسواق الناشئة
من جانب آخر، واصل النشاط الاقتصادي في منطقة اليورو أداءه الجيد، حيث كان ارتفاع الأرقام الاقتصادية مفاجئاً بصفة عامة.
وقام صندوق النقد الدولي، للمرة الثانية، برفع توقعات الناتج المحلي الإجمالي لمنطقة اليورو في تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر في سبتمبر الماضي. إلا أنه على الرغم من ذلك، وكما هي الحال في الولايات المتحدة، ظل التضخم ضعيفاً نسبياً، حيث بلغ معدل التضخم الأساسي 0,9% في شهر أكتوبر على أساس سنوي، أي أدنى بكثير من نسبة الـ2% المستهدفة.
وعلى الرغم من انخفاض معدلات التضخم، فإن قوة الاقتصاد قد دفعت البنك المركزي الأوروبي نحو اتخاذ خطوات لتخفيض برنامج التيسير الكمي، حيث أعلن عزمه خفض حجم برنامج شراء الأصول ابتداءً من يناير (كانون الثاني) 2018 حتى سبتمبر 2018 على الأقل، إذ ينتوي شراء سندات بنحو 30 مليار يورو شهرياً، مقابل 60 مليار يورو الآن. ويشير هذا التحرك، الذي كان متوقعاً على نطاق واسع، إلى ثقة «المركزي» بالانتعاش الاقتصادي، ولكنه يشير أيضا إلى أن إنهاء برنامج التيسير الكمي سوف يتم تدريجياً، خصوصاً في ضوء ضعف التضخم.
وتمكن الاقتصاد الياباني من المحافظة على وتيرة نمو قوية، حيث دفع الأداء القوي لشينزو آبي في الانتخابات الأخيرة إلى تعزيز الآفاق المستقبلية لليابان. ومع اكتساحه الانتخابات بأغلبية ساحقة، تمكن بذلك رئيس الوزراء من فرض أجندته وجهوده الرامية للإصلاح الاقتصادي والحفاظ على دعم أمد الانتعاش.
وقد قام صندوق النقد الدولي بتعديل توقعاته لنمو الاقتصادي الياباني في أحدث تقاريره إلى 1,5% في عام 2017، على الرغم من أنه من غير المتوقع، حسب بعض المحللين، الحفاظ على هذه الوتيرة في عام 2018، فمن المرجح أن يتراجع معدل النمو إلى النصف في عام 2018 ليصل إلى 0,7%. ومع استمرار ضعف التضخم، ليس هناك ما يشير إلى اتجاه اليابان نحو إلغاء برنامج التيسير الكمي في الوقت القريب.
إلى ذلك، لا تزال الأسواق الناشئة تسير على مسار التعافي مع تحسن وتيرة نمو بعض الاقتصادات الرئيسية. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يتحسن نمو الاقتصادات الناشئة والنامية بنسبة 4,6 - 4,9% في عامي 2017 و2018. وقد كان تصاعد النمو الصيني مفاجئاً إلى حد ما، مع توقعات صندوق النقد الدولي أن يبلغ 6,8% في عام 2017، وذلك على الرغم من استمرار استقرار الاتجاهات في الصين مستقبلياً. وفي ذات الوقت، اتسم النمو في بعض الأسواق، بما في ذلك البرازيل وروسيا وأوروبا النامية، بمرونة أعلى مما كان متوقعاً في السابق.
ويجمع محللون على أن الاقتصاد العالمي لم يشهد حالاً أفضل مما هو عليه اليوم منذ أمد بعيد، وقد عمل ذلك على دعم أسعار النفط. حيث ارتفع سعر مزيج خام برنت إلى 60 دولاراً للبرميل في أكتوبر، وهو سعر أعلى بنسبة 50% مقارنة بأدنى مستوياته المسجلة في يونيو (حزيران) 2017، كما تعززت أسعار النفط أيضاً بسبب المباحثات الأخيرة حول تمديد اتفاقية خفض الإنتاج من جانب منظمة «أوبك» وبعض الدول غير الأعضاء في المنظمة، ويأتي ذلك تزامناً مع بعض التطورات الأخيرة في منطقة الخليج.


مقالات ذات صلة

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في ظل بيانات محبطة قد تشير إلى تباطؤ بالنمو الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يشتري الناس الهدايا في منطقة تايمز سكوير في نيويورك (رويترز)

تضخم الجملة يقاوم الانخفاض في الولايات المتحدة

ارتفعت تكاليف الجملة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال الشهر الماضي، ما يشير إلى أن ضغوط الأسعار لا تزال قائمة في الاقتصاد حتى مع تراجع التضخم من أعلى مستوياته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة مكتوب عليها «نوظف الآن» في مغسل سيارات بأحد شوارع ميامي بفلوريدا (رويترز)

زيادة غير متوقعة في طلبات إعانات البطالة الأميركية

ارتفع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)

واشنطن تُصعِّد تجارياً... رسوم جديدة على واردات الطاقة الصينية

تخطط إدارة بايدن لزيادة الرسوم الجمركية على رقائق الطاقة الشمسية، البولي سيليكون وبعض منتجات التنغستن القادمة من الصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)
منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)
TT

مصر توقع اتفاقين بقيمة 600 مليون دولار لمشروع طاقة مع «إيميا باور» الإماراتية

منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)
منظر للعاصمة المصرية (الشرق الأوسط)

قال مجلس الوزراء المصري، في بيان، السبت، إن مصر وشركة «إيميا باور» الإماراتية وقعتا اتفاقين باستثمارات إجمالية 600 مليون دولار، لتنفيذ مشروع محطة رياح، بقدرة 500 ميغاواط في خليج السويس.

يأتي توقيع هذين الاتفاقين اللذين حصلا بحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، في إطار الجهود المستمرة لتعزيز قدرات مصر في مجال الطاقة المتجددة؛ حيث يهدف المشروع إلى دعم استراتيجية مصر الوطنية للطاقة المتجددة، التي تستهدف تحقيق 42 في المائة من مزيج الطاقة من مصادر متجددة بحلول عام 2030، وفق البيان.

ويُعد هذا المشروع إضافة نوعية لقطاع الطاقة في مصر؛ حيث من المقرر أن يُسهم في تعزيز إنتاج الكهرباء النظيفة، وتقليل الانبعاثات الكربونية، وتوفير فرص عمل جديدة.

وعقب التوقيع، أوضح رئيس مجلس الوزراء أن الاستراتيجية الوطنية المصرية في قطاع الطاقة ترتكز على ضرورة العمل على زيادة حجم اعتماد مصادر الطاقة المتجددة، وزيادة إسهاماتها في مزيج الطاقة الكهربائية؛ حيث تنظر مصر إلى تطوير قطاع الطاقة المتجددة بها على أنه أولوية في أجندة العمل، خصوصاً مع ما يتوفر في مصر من إمكانات واعدة، وثروات طبيعية في هذا المجال.

وأشار وزير الكهرباء والطاقة المتجددة، الدكتور محمود عصمت، إلى أن هذا المشروع يأتي ضمن خطة موسعة لدعم مشروعات الطاقة المتجددة، بما يعكس التزام الدولة المصرية في توفير بيئة استثمارية مشجعة، وجذب الشركات العالمية للاستثمار في قطاعاتها الحيوية، بما يُعزز مكانتها بصفتها مركزاً إقليمياً للطاقة.

وأشاد ممثلو وزارة الكهرباء والشركة الإماراتية بالمشروع، بوصفه خطوة مهمة نحو تعزيز التعاون الاستراتيجي بين مصر والإمارات في مجالات التنمية المستدامة والطاقة النظيفة.