عبد الواحد الحميد يستعيد «سنوات الجوف»

مقدّمة لسيرة أشمل

د.عبد الواحد الحميد
د.عبد الواحد الحميد
TT

عبد الواحد الحميد يستعيد «سنوات الجوف»

د.عبد الواحد الحميد
د.عبد الواحد الحميد

على مدى ربع قرن، بقيت منطقة الجوف حضناً يستقبل صاحب هذا المقال، ما أن يغادرها حتى يتطلّع للعودة إليها، ففيها من عناصر الجذب الثقافي والمجتمعي ما يفتن الزائر ويغريه بتكرار زيارتها، فإذا ما عاد إليها يشعر وكأنها مسقط رأسه، وُلد فيها ونشأ مع مجتمعها، وتقارب مع مثقّفيها، وعرف تاريخها وإنسانها وفنونها.
وظل عبد الواحد الحميد - وعارف المسعر وعبد الرحمن الدرعان وإبراهيم خليف السطام وأحمد عبد الله آل الشيخ وميجان الرويلي وخليل إبراهيم المعيقل وخولة الكريِع وثامر المحيسن وفهدة الكريّع وخالد الرديعان وعبد الله وسليمان الجريّد، والنادي الأدبي وأعضاؤه من رجال ونساء، ومركز عبد الرحمن السديري الثقافي وندواته المنبريّة، ونُزُل الجوف التراثي الأنيق - هي بالنسبة إليه بعض معالمها ورموزها ووجوهها الثقافيّة المضيئة.
هكذا يكون شعور الزائر والضيف، فكيف بمشاعر المستوطن والمقيم فيها؟ فلا غرابة إذن أن يكتب أحد أبنائها حكايات فتًى عدّها مجرّد بداية لتدوين سيرة حياة تكون أوسع وأشمل تحكي عن دومة الجندل وبئر سيسرا وقلعة زعبل ورجاجيل قارة ومسجد عمر وقلعة مارد الأثريّة.
والجوف منطقة إداريّة تشكّل بعض الركن الشمالي الغربي للمملكة العربية السعودية المحيط بالأردن، تتكامل مع جاراتها المحاذية (تبوك والعلا وتيماء وغيرها) في الآثار والجغرافيا والزراعة والقبائل وغيرها، ففيها حقول تكتظّ بأشجار الفواكه والزيتون والنخيل، وسهول خصبة منبسطة غنيّة بالمياه الجوفيّة تقوم عليها مشروعات زراعيّة عملاقة، ويبلغ تعداد سكّان الجوف بمحافظاتها الأربع (سكاكا والقريّات وَدُومَة الجندل وطبرجل) نحو خمسمائة ألف نسمة ومساحتها مائة ألف كيلومتر مربّع، تعدّ من أقدم مناطق الاستيطان في الجزيرة العربيّة.
الدكتور عبد الواحد أنجز من سيرته الذاتيّة جزءاً يغطّي المرحلة المبكّرة من شبابه الذي قضاه في مسقط رأسه (مدينة سكاكا قاعدة المنطقة) وهو كاتب ومثقّف ما انفك يحرّض غيره من المثقّفين على كتابة سيرَهم الذاتيّة، وهم يتوقَعون منه العمل بالمثل، لكنه تأخّر في إنجاز ما كان يعِدهم.
هو جوفي النشأة، وطني الانتماء، عروبي المشاعر، مجتمعي الهواجس، مسكون بحسّ التوطين، والثقافة تجري في عروقه من خلال متابعاته وقراءاته ونقده وتذوّقه وكتاباته الصحافية، ولولا أن أقرانه يعلمون تخصّصه الأساسي (دكتوراه في الاقتصاد من جامعة ويسكانسون الأميركيّة) لظنّوا أنه متخرّج في جامعة نخبويّة متخصّصة بالآداب.
ورغم ميوله المعلن وانحيازه الظاهر والباطن لمسقط رأسه، تؤكّده سيرته المكتوبة وأحاديثه الإخوانيّة المتبادلة، إِلَا أنه انصهر في لهجته وعاداته ونمط حياته مع الأقاليم التي عاش فيها، المنطقتين الشرقيّة والوسطى بخاصّة، فلا يكاد من يجتمع به أو يتحدّث معه، يلحظ منشأه الذي عاش فيه طفولته وشبابه المبكّر حتى قارب العشرين، ولعل هذا الحكم يصدق أيضاً على الكثيرين من أبناء منطقة الجوف المشار إليهم سلفاً ومن المناطق الأخرى.
صار د.الحميد، أقرب في اهتماماته وميوله إلى الأدب من الاقتصاد والإدارة، يُغبط على متابعة الحركة الثقافيّة في بلاده والعالم العربي، شغوفاً بالروايات على وجه الخصوص، ناقداً لها، حجّة فيها، وقد وُفِق مركز عبد الرحمن السديري الثقافي في الجوف والغاط عندما وقع اختياره عليه خلال عقدين للإشراف على هيئة النشر ودعم الأبحاث فيه، فأفرزت الهيئة على مدى عشرين عاماً أعمالاً مميّزة في موضوعاتها ودراساتها الفكريّة والتوثيقيّة المتنوّعة.
كتابه الذي صدر هذا الشهر بعنوان «سنوات الجوف: ذكريات جيل» في 313 صفحة وسبعة عشر مدخلاً، الناشر مركز عبد الرحمن السديري الثقافي بالجوف والغاط، كتب بأسلوب أدبي روائي سلس، وظّف فيه كاتبه قدرة تعبيريّة ثريّة، وصوّر فيه مرابع طفولته في حي من أحياء سكاكا والبيئة التي نشأ فيها، تصويراً ينبئ عمّا يتمتّع به من مقدرة على استخدام عدسة كاميرا بانوراميّة، لتسجيل ذكريات جيله، كما اختزنها وهو طفل ولد في بيئة الجوف في مطلع خمسينات القرن الماضي، وعاش فيها طفولته، معاصراً للتحوّلات الاجتماعيّة، ومنوّهاً بأن ذلك الركن من الجزيرة العربيّة لم يكن يعيش على هامش الأحداث، بل كان يعجّ كغيره من أرجاء وطنه بتحوّلات تغيّر بها وجه التاريخ، فسجّل بذكرياته لوحة مليئة بالتفاصيل والأسماء والحكايات وهي تصلح لأن تكون مسلسلاً تلفزيونيّاً، يحكي تاريخ المنطقة وتراثها وثقافتها، يقوم هو على كتابة السيناريو ويحدِد المشاهد واللوحات.
والكتاب يُفسّر التصاق مؤلّفه بأدب الرواية واهتمامه وتأثّره وشغفه المتواصل به، ولكنه لا يدّعي تسمية إصداره بـ«رواية» مع أن أركان العمل الروائي وأدواته مكتملة فيه، وهو مؤهّل لخوضه بجدارة، وقد تحوز الرواية على نصيب من إصداراته القادمة إذا ما اتّجه إليها.
وأخيراً، لا تفي هذه المساحة بعرض الكتاب، لكن من المريح لكاتب هذا المقال أن يقول «اقرأوا لعبد الواحد» مستعيراً بهذا عنواناً للأديب السعودي الراحل عبد الله بن خميس عندما كتب ذات يوم مقالاً وسمه «اقرأوا لخلف بن عفنان» بقصد لفت النظر لمقالاته، والفارق أن العفنان كان آنذاك أديباً مغموراً يعيش في إحدى بلدات منطقة حائل (ت عام 2012).
* كاتب سعودي



تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
TT

تعزيزاً للتواصل مع المقيمين... العاصمة السعودية تحتضن «أيام بنغلاديش»

فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)
فعاليات متنوعة شهدت إقبالاً كبيراً (الشرق الأوسط)

تقام «أيام بنغلاديش» في حديقة السويدي بالعاصمة السعودية الرياض، والتي انطلقت لياليها، الثلاثاء، ضمن مبادرة تعزيز التواصل مع المقيمين التي أطلقتها وزارة الإعلام السعودية، بالشراكة مع الهيئة العامة للترفيه، تحت شعار «انسجام عالمي»، وتستمر حتى السبت، بهدف تعزيز التواصل الثقافي بين المجتمع السعودي والمقيمين، وإبراز التنوع الثقافي الغني الذي تحتضنه السعودية.

وتشهد الفعاليات عروضاً فنية متنوعة تقدمها الفرقة الشعبية، حيث تألق المشاركون بتقديم عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي، إلى جانب أغنيات مستوحاة من أعمال أبرز شعراء بنغلاديش.

عروض موسيقية واستعراضية تمثل مختلف ألوان الفلكلور البنغالي (الشرق الأوسط)

كما يضم الحدث منطقة مخصصة لعرض التراث البنغالي، حيث تُتيح للزوار فرصة استكشاف الجوانب الغنية للثقافة البنغالية عن قرب؛ إذ تشمل المنطقة معروضات للأزياء التقليدية المزينة بالزخارف اليدوية التي تعكس المهارة الحرفية والفنية المتميزة، حيث يتم عرض الساري البنغالي المصنوع من أقمشة الحرير والقطن الفاخرة، إضافة إلى الملابس التقليدية للرجال مثل البنجابي والدوتي، كما تعرض الإكسسوارات اليدوية التي تشتهر بها بنغلاديش، بما في ذلك المجوهرات التقليدية المصنوعة من المعادن والأحجار الكريمة، والحقائب والمطرزات التي تعكس ذوقاً فنياً عريقاً.

الفعاليات شملت استكشاف التراث البنغالي (الشرق الأوسط)

واشتملت الفعاليات على قسم مخصص للأطعمة من بنغلاديش؛ إذ يٌقدم للزوار فرصة تذوق أشهى الأطباق التقليدية التي تمثل المطبخ البنغالي المعروف بنكهاته الغنية وتوابله المميزة، وتشمل الأطباق المقدمة أكلات شهيرة مثل البرياني البنغالي، والداكا كاكوري كباب، وسمك الهيلشا المطهو بطرق تراثية، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من الحلويات التقليدية مثل الروشا غولا والميزان لادّو.

وتضيف هذه المنطقة بعداً مميزاً للفعالية، حيث لا تقتصر التجربة على الفنون والعروض، بل تمتد لتشمل استكشاف التراث البنغالي بشكل متكامل يعكس الحياة اليومية والعادات والتقاليد، مما يجعلها تجربة غنية تُثري التفاعل الثقافي بين الزوار.

معروضات للأزياء التقليدية (الشرق الأوسط)

وحظيت الفعاليات منذ انطلاقها بإقبال واسع من الزوار الذين عبروا عن إعجابهم بجمال الفلكلور البنغالي وتنوع العروض الفنية المقدمة، كما أبدى العديد من الحاضرين تقديرهم لهذه المبادرات التي تسهم في تعزيز التفاهم والتفاعل بين الثقافات.

وأكّد المسؤولون أن هذه المبادرة تأتي جزءاً من سلسلة برامج ثقافية تهدف إلى تعزيز المشهد الثقافي في المملكة، بما يتماشى مع «رؤية السعودية 2030» التي تدعم التنوع والانفتاح الثقافي.