مونديال 2018... روسيا «تتكلم عربي»

إنجاز غير مسبوق بمشاركة السعودية ومصر والمغرب وتونس

نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)
نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)
TT

مونديال 2018... روسيا «تتكلم عربي»

نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)
نواف العابد يحتفل بأنتصار السعودية على اليابان (رويترز)

العرب يزحفون إلى روسيا... هذا هو المنتظَر بعدما باتت الجماهير العربية على موعد مع إنجاز غير مسبوق يتمثل في مشاركة أربعة منتخبات عربية في كأس العالم 2018 للمرة الأولى في التاريخ. وتأهّلَت منتخبات السعودية ومصر والمغرب وتونس إلى مونديال روسيا 2018.
ولم يسبق أن تأهلت أربعة منتخبات عربية إلى كأس العالم على مدار تاريخ البطولة الذي بدأ عام 1930، حيث كان أقصى عدد ثلاثة فرق، وحدث ذلك مرتين في نسختي 1986 و1998. وسجل المنتخب المصري بداية المشاركة العربية في المونديال وذلك في نسخة 1934، ولكن المنتخبات العربية غابت عن المونديال 36 عاماً وتحديداً حتى نسخة 1970 التي تأهل لها المنتخب المغربي. ومثل المنتخب التونسي العرب في نسخة 1978 ثم صعد منتخبا الجزائر والكويت لمونديال 1982 قبل أن تصعد ثلاثة منتخبات لنسخة 1986، وهي العراق والجزائر والمغرب.
تأهل منتخبا مصر والإمارات إلى مونديال 1990 ثم المغرب والسعودية في نسخة 1994، كما صعدت المغرب والسعودية أيضاً لنسخة 1998 جنبا إلى جنب مع منتخب تونس.
ومثّل منتخبا السعودية وتونس العرب في المونديال في نسختي 2002 و2006، بينما كان المنتخب الجزائري هو الممثل الوحيد للعرب في نسختي 2010 و2014.
وعبر هذه السنوات اصطدم العرب ببعضهم مرتين، وكان المنتخب السعودي طرفاً في المرتين؛ الأولى في مونديال 1994 بالولايات المتحدة الأميركية مع نظيره المغربي وخرج فائزاً بهدفين مقابل هدف في مرحلة المجموعات، وفي الثانية واجَه المنتخب التونسي بالدور الأول لمونديال ألمانيا 2006 وانتهت بالتعادل الإيجابي 2/ 2.

السعودية تحصد أول بطاقة عربية
كانت السعودية في الخامس من سبتمبر (أيلول) الماضي، أول المتأهلين العرب إلى النهائيات، وذلك للمرة الخامسة في تاريخها والأولى منذ 2006، بعد فوزها على اليابان 1 - صفر في الجولة الأخيرة من الدور الثالث الحاسم للتصفيات الآسيوية.
وحلت السعودية برصيد 19 نقطة، ثانية خلف اليابان في المجموعة الآسيوية الثانية التي ضمت أيضاً أستراليا والإمارات العربية المتحدة والعراق وتايلاند. وتمكنت المملكة العربية السعودية من تحقيق ستة انتصارات من عشر مباريات، مقابل تعادل وثلاث خسارات.
ويظل الإنجاز السعودي في تجربتها الأولى بالمونديال عام 1994 بالولايات المتحدة، هو الأفضل، حيث نجح المنتخب في العبور إلى دور الـ16 وتسجيل النجم سعيد العويران هدفاً ما زال يُعدّ من أفضل ما سُجِّل في تاريخ النهائيات على الإطلاق. وتتطلع السعودية في مونديال روسيا لتقديم ما هو أفضل من مشاركتها في كأس العالم 1998 (فرنسا)، و2002 (كوريا الجنوبية واليابان) و2006 (ألمانيا)، حين خرجت في المرات الثلاث من الدور الأول.
ويعول المنتخب السعودي على جيل واعد من المواهب الشابة أبرزهم نواف العابد (نادي الهلال) وسلمان الفرج (الهلال) وفهد المولد (الاتحاد) وأسامة هوساوي (الهلال).
ويأمل المنتخب السعودي أن يصل إلى موعد المونديال وهو في كامل الإعداد البدني والفني خصوصاً أنه بدأ يعاني خلال المباريات التجريبية التي أعقبت تأهله تحت قيادة مدربه الجديد الأرجنتيني إدغاردو باوزا.
وكان الاتحاد السعودي قد فك ارتباطه بالمدرب الهولندي بيرت فان مارفيك، الذي قاد المنتخب إلى النهائيات بعد انتهاء آخر مباراة في التصفيات الآسيوية أمام اليابان بساعات.
وتردد أن فان مارفيك رفض الوجود في السعودية بشكل دائم، وفضل أن يكون حضوره متوافقاً مع المعسكرات والمباريات فقط، وهو الأمر الذي رآه الاتحاد السعودي لا يتناسب مع خطط وطموح الفريق المقبلة، لا سيما أن الدولة تنتظر ظهوراً مشرفاً في مونديال روسيا.
لكن بعد شهرين من التعاقد مع باوزا أصبح المدرب الأرجنتيني تحت ضغط كبير وخصوصاً إثر خسارته مرتين الأسبوع الماضي (1/ صفر أمام بلغاريا و3/ صفر أمام البرتغال).
وعلق تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العام للرياضة في السعودية على عروض المنتخب الأخيرة قائلاً: «في حسابه الشخصي على «تويتر»: «لا توجد هوية فنية والنتائج غير مرضية... باوزا تحت المجهر».
لكن مع بقاء 8 أشهر حتى موعد المونديال لا يزال أمام المنتخب السعودي الوقت لتصحيح المسار سواء استمر باوزا أو جرى استقدام جهاز فني جديد.

مصر تعود بعد غياب 27 عاماً
كان المنتخب المصري صاحب البطاقة العربية الثانية إلى مونديال روسيا، بعدما حقق إنجازاً طال انتظاره لنحو ثلاثة عقود.
وضمن المنتخب المصري التأهل إلى نهائيات كأس العالم للمرة الأولى منذ عام 1990 بفوزه على ضيفه الكونغو 2 - 1، بفضل ركلة جزاء في الدقيقة الخامسة من الوقت بدل الضائع للاعب ليفربول الإنجليزي محمد صلاح، ولتكتسي البلاد باللون الأحمر (لون قميص الفريق) احتفالاً ببلوغ المونديال للمرة الثالثة بعد 1934 و1990، علماً بأن المنتخب خرج في المرتين من الدور الأول.
ومنذ عام 1990، تعرض منتخب مصر لعدة إخفاقات درامية، لكنه عاد للظهور في الحدث الأكبر في العالم بطريقة تنبأ بها فيلم سينمائي، وبجيل لم يكن أكثر المتفائلين يتوقع أن يكون هو سبب الفرحة.
لكن لو أراد المصريون توجيه الشكر إلى شخص واحد فبالتأكيد هو محمد صلاح، الذي سجل هدف الانتصار في وقت بدا أن كل شيء سينهار، بعدما تعادلت الكونغو قبل ثلاث دقائق من النهاية.
وجاءت ركلة الجزاء المصرية في الوقت المحتسَب بدل الضائع نفذها صلاح بنجاح ليعود الفراعنة إلى كأس العالم بسيناريو حبس أنفاس أكثر من 100 مليون مصري وعوض إخفاقات 27 عاماً.
وفي يوليو (تموز) 2009 عُرض فيلم حول قصة لاعب مصري شاب ينتقل إلى فالينسيا الإسباني لكنه يتعرض لإصابة كادت تنهي مسيرته لكن يعود ويحرز هدفاً في الوقت المحتسب بدل الضائع في آخر مباراة بالتصفيات ليقود مصر لكأس العالم.
وبعد ثمانية أعوام نفذ صلاح سيناريو مشابهاً فانتقل لاعب المقاولون العرب وعمره 20 عاماً إلى بازل السويسري، ومنه إلى تشيلسي قبل انتقاله إلى إيطاليا للحصول على فرصة لعب أكبر.
وفي الدوري الإيطالي صنع صلاح اسماً كبيراً مع فيورنتينا وروما قبل انتقاله هذا الصيف إلى ليفربول في صفقة ضخمة ويقود مصر لكأس العالم ليصبح من أبرز المرشحين للفوز بجائزة أفضل لاعب أفريقي هذا العام.
وعندما شاركت مصر في كأس العالم للمرة الأخيرة عام 1990، لم يكن محمد صلاح ورمضان صبحي وأحمد حجازي قد وُلِدوا، وبعد نحو ثلاثة عقود، بات هؤلاء ركيزة جيل شاب أعاد «الفراعنة» إلى المونديال.
ويُعدّ صلاح المنتقل هذا الصيف من روما الإيطالي إلى ليفربول في صفقة قدرت بـ38 مليون جنيه إسترليني، أبرز لاعب في التشكيلة المصرية الحالية، ويحقق أداءً لافتاً في الدوري الإنجليزي الممتاز هذا الموسم، جعله من أفضل اللاعبين في مركزه.

المغرب إلى النهائيات لمرة خامسة
نجح مدرب المنتخب المغربي، الفرنسي هيرفيه رينار، في رهانه، وحقق حلماً انتظره المغاربة لعقدين، كونه وضع التأهل لكأس العالم هدفاً في عَقده لدى تعيينه مكان بادو الزاكي. وهي المرة الأولى التي ينجح فيها رينار في قيادة منتخب إلى نهائيات كأس العالم في مسيرته التدريبية المتوجة بلقبين في كأس الأمم الأفريقية مع زامبيا عام 2012 وساحل العاج عام 2015. وحسم المنتخب المغربي تأهله بالفوز 2/ صفر على ساحل العاج في الجولة الأخيرة من التصفيات الأفريقية، ما أتاح لـ«أسود الأطلس» العودة إلى المونديال للمرة الأولى منذ 1998.
واستفاد المنتخب المغربي جيداً من خبرة رينار ومعرفته الجيدة بساحل العاج التي أشرف على تدريبها قبل 3 أعوام، وقادها إلى اللقب القاري الثاني في تاريخها، قبل أن يتركها للإشراف على نادي ليل الفرنسي حيث أقيل من منصبه ليتسلم الإدارة الفنية لـ«أسود الأطلس».
وسبق للمغرب بلوغ المونديال أعوام 1970، 1986، 1994 و1998.
وما زالت الاحتفالات تسيطر على الأجواء في المغرب منذ عودة المنتخب الأسبوع الماضي من أبيدجان ببطاقة التأهل.
وظهر المنتخب المغربي تحت قيادة رينار صلباً ومتماسكاً، حيث لم يتعرض لأي خسارة خلال التصفيات التي أنهاها في صدارة المجموعة برصيد 12 نقطة بفارق 4 نقاط أمام ساحل العاج التي فشلت في التأهل للمونديال الرابع على التوالي.
ووجد رينار الصيغة الملائمة لتوليف مجموعة المحترفين مع المحليين والظهور كفريق متكامل، وهذا أمر واعد بالنسبة إلى كأس العالم، حيث يأمل الفريق في تحقيق نتائج جيدة أقلها عبور الدور الأول كما فعل عام 1986.
وكان العاهل المغربي الملك محمد السادس هو أول المهنئين للاعبيه بالتأهل، معرباً عن أمله في أن تكون هذه الخطوة بمثابة صفحة جديدة في سجل كرة القدم المغربية.
ويعول المنتخب المغربي على مجموعة متميزة محترفة للظهور بشكل مشرف في روسيا، وأبرزها منير المحمدي، ونبيل درار، وغانم سايس، والمهدي بنعطية، وأشرف حكيمي، وكريم الأحمدي، ومبارك بوصوفة، وحكيم زياش، ويونس بلهندة، نور الدين أمرابط، وخالد بوطيب.

تونس وطموح عبور الدور الأول
مع حصد تونس بطاقة التأهل العربية الرابعة، ارتفع سقف الطموح من مجرد الاحتفال بالوصول إلى كأس العالم إلى عبور الدور الأول على أقل تقدير.
ونجح المنتخب التونسي في إعادة البسمة لجمهوره التواق للظهور في النهائيات لأول مرة منذ 2006، خصوصاً بعد موسم مخيِّب للأندية في المسابقات الأفريقية.
وكان تعادل تونس دون أهداف على أرضها أمام ليبيا، الأسبوع الماضي، كافياً للمنتخب لضمان الظهور في مونديال روسيا، العام المقبل، حيث تصدرت مجموعتها برصيد 14 نقطة متقدمةً على جمهور الكونغو الديمقراطية (13 نقطة)، فيما خرجت ليبيا وغينيا من السباق مبكراً.
ويملك المنتخب التونسي مجموعة جيدة من اللاعبين أصحاب الخبرة سواء المحترفين في أوروبا أو المحليين، وحول ذلك علق نجم أنيس بوجلبان لاعب تونس السابق بأن الإنجاز «جاء في وقته وأعاد الكرة التونسية إلى وضعها الصحيح بعد فترة من الإخفاقات».
وأضاف لاعب الصفاقسي والأهلي المصري سابقاً: «حققنا هدفاً منشوداً بالعودة إلى المحفل العالمي، والآن نتمنى تقديم مستوى مشرف في النهائيات في روسيا».
وكان منتخب تونس قد عانى خلال السنوات الأخيرة، ولم يتخطَّ حاجز دور الثمانية لكأس الأمم الأفريقية منذ تتويجه باللقب على أرضه في 2004، إضافة للفشل في الوصول لنهائيات كأس العالم في 2010 و2014.
ونجح المدير الفني الوطني علي معلول في إعادة الروح للفريق منذ أن تولى منصبه قبل 7 أشهر تقريباً، وحافظ على مسيرة خالية من الهزائم منذ تولى القيادة خلفاً للبولندي هنري كاسبرزاك.
وفازت تونس ست مرات وتعادلت مرتين في ثماني مباريات بالتصفيات، وسجلت 15 هدفاً في هذه الفترة.
ويرى المراقبون أن المنتخب التونسي يملك إمكانات جيدة ويضم لاعبين ممتازين قادرين على التألق في كأس العالم، لكن يجب قبل ذلك معالجة بعض النقائص، من بينها تراجع الصلابة الدفاعية المعهودة.
وأعلن القائمون على الاتحاد التونسي أنهم في انتظار ما ستسفر عنه القرعة لمعرفة المنافسين وبعد ذلك سيتم وضع برنامج تحضيري منظم. ولم يسبق لتونس أن اجتازت الدور الأول في أربع مشاركات سابقة في نهائيات 1978 و1998 و2002 و2006.



الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
TT

الإعتبارات العسكرية والأمنية تتصدر المشهد في تونس

الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)
الرئيس التونسي قيس سعيّد (رويترز)

ضاعف الرئيس التونسي قيس سعيّد فور أداء اليمين بمناسبة انتخابه لعهدة ثانية، الاهتمام بالملفات الأمنية والعسكرية الداخلية والخارجية والتحذير من «المخاطر والمؤامرات» و«المتآمرين» على أمن الدولة. كما كثف سعيّد لقاءاته بمسؤولي وزارتي الدفاع والداخلية وأعضاء مجلس الأمن القومي الذي يضم كذلك أكبر قيادات القوات المسلحة العسكرية والمدنية إلى جانب رئيسَي الحكومة والبرلمان ووزراء السيادة وكبار مستشاري القصر الرئاسي. وزاد الاهتمام بزيادة تفعيل دور القوات المسلحة و«تصدرها المشهد السياسي» بمناسبة مناقشة مشروع ميزانية الدولة للعام الجديد أمام البرلمان بعد تصريحات غير مسبوقة لوزير الدفاع الوطني السفير السابق خالد السهيلي عن «مخاطر» تهدد أمن البلاد الداخلي والخارجي.

تصريحات وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي تزامنت مع تصريحات أخرى صدرت عن وزير الداخلية خالد النوري وعن وزير الدولة للأمن القاضي سفيان بالصادق وعن الرئيس قيس سعيّد شخصياً. وهي كلها حذّرت من مخاطر الإرهاب والتهريب والمتفجرات والهجرة غير النظامية، ونبّهت إلى وجود «محاولات للنيل من سيادة تونس على كامل ترابها الوطني ومياهها الإقليمية» وعن «خلافات» لم تُحسم بعد و«غموض» نسبي في العلاقات مع بعض دول المنطقة.

وهنا نشير إلى أن اللافت في هذه التصريحات والمواقف كونها تأتي مع بدء الولاية الرئاسية الثانية للرئيس قيس سعيّد، ومع مصادقة البرلمان على مشروع الحكومة لموازنة عام 2025... وسط تحذيرات من خطر أن تشهد تونس خلال العام أزمات أمنية وسياسية واقتصادية اجتماعية خطيرة.

أكثر من هذا، يتساءل البعض عن مبرّر إثارة القضايا الخلافية مع ليبيا، والمخاطر الأمنية من قِبل كبار المسؤولين عن القوات المسلحة، في مرحلة تعذّر فيها مجدداً عقد «القمة المغاربية المصغرة التونسية - الليبية - الجزائرية»... التي سبق أن تأجلت مرات عدة منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.

كلام السهيلي... وزيارة سعيّد للجزائركلام السهيلي، وزير الدفاع، جاء أمام البرلمان بعد نحو أسبوع من زيارة الرئيس قيس سعيّد إلى الجزائر، وحضوره هناك الاستعراض العسكري الضخم الذي نُظّم بمناسبة الذكرى السبعين لانفجار الثورة الجزائرية المسلحة. وما قاله الوزير التونسي أن «الوضع الأمني في البلاد يستدعي البقاء على درجة من اليقظة والحذر»، وقوله أيضاً إن «المجهودات العسكرية الأمنية متضافرة للتصدّي للتهديدات الإرهابية وتعقّب العناصر المشبوهة في المناطق المعزولة». إلى جانب إشارته إلى أن تونس «لن تتنازل عن أي شبر من أرضها» مذكراً - في هذا الإطار - بملف الخلافات الحدودية مع ليبيا.

من جهة ثانية، مع أن الوزير السهيلي ذكر أن الوضع الأمني بالبلاد خلال هذا العام يتسم بـ«الهدوء الحذر»، فإنه أفاد في المقابل بأنه جرى تنفيذ 990 عملية في «المناطق المشبوهة» - على حد تعبيره - شارك فيها أكثر من 19 ألفاً و500 عسكري. وأنجز هؤلاء خلال العمليات تفكيك 62 لغماً يدوي الصنع، وأوقفوا آلاف المهرّبين والمهاجرين غير النظاميين قرب الحدود مع ليبيا والجزائر، وحجزوا أكبر من 365 ألف قرص من المخدرات.

بالتوازي، كشف وزير الدفاع لأول مرة عن تسخير الدولة ألفي عسكري لتأمين مواقع إنتاج المحروقات بعد سنوات من الاضطرابات وتعطيل الإنتاج والتصدير في المحافظات الصحراوية المتاخمة لليبيا والجزائر.

مهاجرون عبر الصحراء الكبرى باتجاه اوروبا عبر ليبيا وتونس (رويترز)

تفعيل دور «القوات المسلحة»

تصريحات الوزير السهيلي لقيت أصداء كبيرة، محلياً وخارجياً، في حين اعترض على جانب منها سياسيون وإعلاميون ليبيون بارزون.

بيد أن الأمر الأهم، وفق البشير الجويني، الخبير التونسي في العلاقات بين الدول المغاربية والدبلوماسي السابق لدى ليبيا، أنها تزامنت مع «تأجيل» انعقاد القمة المغاربية التونسية - الليبية - الجزائرية التي سبق الإعلان أنه تقرر تنظيمها في النصف الأول من الشهر الأول في ليبيا، وذلك في أعقاب تأخير موعدها غير مرة بسبب انشغال كل من الجزائر وتونس بالانتخابات الرئاسية، واستفحال الأزمات السياسية الأمنية والاقتصادية البنكية في ليبيا من جديد.

والحال، أن الجويني يربط بين هذه العوامل والخطوات الجديدة التي قام بها الرئيس سعيّد وفريقه في اتجاه «مزيد من تفعيل دور القوات المسلحة العسكرية والمدنية» وسلسلة اجتماعاته مع وزيري الداخلية والدفاع ومع وزير الدولة للأمن الوطني، فضلاً عن زياراته المتعاقبة لمقر وزارة الداخلية والإشراف على جلسات عمل مع كبار كوادرها ومع أعضاء «مجلس الأمن القومي» في قصر الرئاسة بقرطاج. وهنا تجدر الإشارة إلى أنه إذ يسند الدستور إلى رئيس الدولة صفة «القائد العام للقوات المسلحة»، فإن الرئيس سعيّد حمّل مراراً المؤسستين العسكرية والأمنية مسؤولية «التصدي للخطر الداهم» ولمحاولات «التآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي».

واعتبر سعيّد خلال زيارات عمل قام بها إلى مؤسسات عمومية موسومة بأنه «انتشر فيها الفساد» - بينها مؤسسات زراعية وخدماتية عملاقة - أن البلاد تواجه «متآمرين من الداخل والخارج» وأنها في مرحلة «كفاح جديد من أجل التحرر الوطني»، ومن ثم، أعلن إسناده إلى القوات المسلّحة مسؤولية تتبع المشتبه فيهم في قضايا «التآمر والفساد» والتحقيق معهم وإحالتهم على القضاء.

المسار نفسه اعتمده، في الواقع، عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين التونسيين بينهم وزير الصحة والوزير المستشار السابق في قصر قرطاج الجنرال مصطفى الفرجاني، الذي أعلن بدوره عن إحالة مسؤولين متهمين بـ«شبهة الفساد» في قطاع الصحة على النيابة العمومية والوحدات الأمنية المركزية المكلّفة «الملفات السياسية والاقتصادية الخطيرة»، وبين هذه الملفات الإرهاب وسوء التصرّف المالي والإداري في أموال الدولة ومؤسساتها.

متغيرات في العلاقات مع ليبيا والجزائر وملفَي الإرهاب والهجرة

القمة المغاربية الأخيرة التي استضافتها الجزائر (لانا)

حملات غير مسبوقة

وفعلاً، كانت من أبرز نتائج «التفعيل الجديد» للدور الوطني للمؤسستين العسكرية والأمنية، وتصدّرهما المشهد السياسي الوطني التونسي، أن نظّمت النيابة العمومية وقوات الأمن والجيش حملات غير مسبوقة شملت «كبار الحيتان» في مجالات تهريب المخدرات والممنوعات، وتهريب عشرات آلاف المهاجرين من بلدان أفريقيا جنوب الصحراء سنوياً نحو تونس، عبر الحدود الليبية والجزائرية تمهيداً لترحيلهم بحراً نحو أوروبا عبر إيطاليا.

وحسب المعلومات التي ساقها كل من وزيري الدفاع والداخلية، وأيضاً رئاسة الحرس الوطني، تمكنت القوات العسكرية والأمنية لأول مرة من أن تحجز مئات الكيلوغرامات من الكوكايين إلى جانب «كميات هائلة من الحشيش» والأقراص المخدرة.

وفي الحصيلة، أدّت تلك العمليات إلى إيقاف عدد من كبار المهرّبين ومن رؤوس تجار المخدرات «بقرار رئاسي»، بعدما أثبتت دراسات وتقارير عدة أن مئات الآلاف من أطفال المدارس، وشباب الجامعات، وأبناء الأحياء الشعبية، تورّطوا في «الإدمان» والجريمة المنظمة. وجاء هذا الإنجاز بعد عقود من «تتبّع صغار المهرّبين والمستهلكين للمخدرات وغضّ الطرف عن كبار المافيات»، على حد تعبير الخبير الأمني والإعلامي علي الزرمديني في تصريح لـ«الشرق الأوسط».

تحرّكات أمنية عسكرية دوليةعلى صعيد آخر، جاء تصدّر القوات المسلحة العسكرية والأمنية التونسية المشهدين السياسي متلازماً زمنياً مع ترفيع التنسيقين الأمني والعسكري مع عواصم وتكتلات عسكرية دولية، بينها حلف شمال الأطلسي (ناتو) وقيادة القوات الأميركية في أفريقيا (أفريكوم). وما يُذكر هنا أنه في ظل عودة التوترات السياسية في ليبيا، وتفاقم الخلافات داخلها بين حلفاء روسيا وتركيا والعواصم الغربية، تزايدت الاهتمامات الأميركية والأوروبية والأطلسية بـ«ترفيع الشراكة الأمنية والعسكرية مع تونس».

أيضاً، ورغم الحملات الإعلامية الواسعة في تونس ضد الإدارة الأميركية وحلفائها منذ عملية «طوفان الأقصى»؛ بسبب انحيازها لإسرائيل ودعمها حكومة بنيامين نتنياهو، كثّفت واشنطن - عبر بعثاتها في المنطقة - دعمها التدريبات العسكرية والأمنية المشتركة مع قوات الجيش والأمن التونسية.

بل، لقد أعلن جوي هود، السفير الأميركي لدى تونس، عن برامج واسعة لترفيع دور «الشراكة» العسكرية والأمنية الأميركية - التونسية، وبخاصة في المحافظات التونسية الحدودية مع كل من ليبيا والجزائر، وأيضاً في ميناء بنزرت العسكري (شمال تونس) ومنطقة النفيضة (100 كلم جنوب شرقي العاصمة تونس).

وإضافة إلى ما سبق، أعلنت مصادر رسمية تونسية وأميركية عن مشاركة قوات تونسية ومغاربية أخيراً في مناورات عسكرية بحرية أميركية دولية نُظمت في سواحل تونس. وجاءت هذه المناورات بعد مشاركة الجيش التونسي، للعام الثالث على التوالي، في مناورات «الأسد الأفريقي» الدولية المتعددة الأطراف... التي نُظم جانب منها في تونس برعاية القوات الأميركية.

وحول هذا الأمر، أكد وزير الداخلية التونسي خالد النوري، قبل أيام في البرلمان، أن من بين أولويات وزارته عام 2025 «بناء أكاديمية الشرطة للعلوم الأمنية» في منطقة النفيضة من محافظة سوسة، وأخرى لحرس السواحل، وهذا فضلاً عن توسيع الكثير من الثكنات ومراكز الأمن والحرس الوطنيين وتهيئة مقر المدرسة الوطنية للحماية المدنية.

أبعاد التنسيقين الأمني والعسكري مع واشنطنوحقاً، أكد تصريح الوزير النوري ما سبق أن أعلن عنه السفير الأميركي هود عن «وجود فرصة لتصبح تونس ومؤسّساتها الأمنية والعسكرية نقطة تصدير للأمن وللتجارب الأمنية في أفريقيا وفي كامل المنطقة».

وفي هذا الكلام إشارة واضحة إلى أن بعض مؤسسات التدريب التي يدعمها «البنتاغون» (وزارة الدفاع الأميركية)، وحلفاء واشنطن في «ناتو»، معنية في وقت واحد بأن تكون تونس طرفاً في «شراكة أمنية عسكرية أكثر تطوراً» مع ليبيا وبلدان الساحل والصحراء الأفريقية والبلدان العربية.

وزير الداخلية خالد النوري نوّه أيضاً بكون جهود تطوير القدرات الأمنية لتونس «تتزامن مع بدء العهدتين الثانيتين للرئيس قيس سعيّد وأخيه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبّون».

وفي السياق ذاته، نوّه عزوز باعلال، سفير الجزائر لدى تونس، بالشراكة الاقتصادية والأمنية والسياسية بين تونس والجزائر، وبنتائج زيارة الرئيس سعيّد الأخيرة للجزائر، وكذلك بجلسات العمل واللقاءات السبعة التي عقدها وزيرا خارجيتي البلدين محمد علي النفطي وأحمد عطّاف خلال الأسابيع القليلة الماضية في الجزائر وفي عواصم أخرى عدة.

حقائق

قضايا الحدود التونسية... شرقاً وغرباً

اقترن بدء الولاية الرئاسية الثانية التونسي للرئيس قيس سعيّد بتحرّكات قام بها مسؤولون كبار في الدولة إلى مؤسسات الأمن والجيش في المحافظات الحدودية، وبالأخص من جهة ليبيا، ضمن جهود مكافحة الإرهاب والتهريب والمخدرات.ومعلوم أنه زاد الاهتمام بالأبعاد الأمنية في علاقات تونس بجارتيها ليبيا والجزائر بعد إثارة وزير الدفاع خالد السهيلي أمام البرلمان ملف «رسم الحدود» الشرقية لتونس من قِبل «لجنة مشتركة» تونسية - ليبية. وكما سبق، كان الوزير السهيلي قد تطرّق إلى استغلال الأراضي الواقعة بين الحاجز الحدودي بين ليبيا وتونس، قائلاً إن «تونس لم ولن تسمح بالتفريط في أي شبر من الوطن». وفي حين رحّبت أطراف ليبية ومغاربية بهذا الإعلان، انتقده عدد من المسؤولين والخبراء الليبيين بقوة واعتبروا أن «ملف الخلافات الحدودية أغلق منذ مدة طويلة».ولكن، حسب تأكيدات مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، فإن السلطات الليبية أعلنت عن تغيير موقع العلامة الحدودية الفاصلة بين ليبيا وتونس «جزئياً» في منطقة سانية الأحيمر، التي تتبع ليبيا. إذ أورد بيان مديرية أمن السهل الغربي في يوليو (تموز) 2022، أنها رصدت ضم سانية الأحيمر إلى الأراضي التونسية، من خلال وضع العلامة الدالة على الحدود بذلك المكان (شرق السانية) بمسافة تقدر بنحو 150 متراً شرقاً ونحو 6 كيلو جنوباً.‏ما يستحق الإشارة هنا أن اللجنة الخاصة بترسيم الحدود الليبية مع تونس، والمكلفة من قِبل وزارة الدفاع في حكومة طرابلس، كشفت عن وجود عملية «تحوير» للعلامة. لكن مصادر دبلوماسية من الجانبين أكدت أن هذه القضية، وغيرها من «الخلافات والمستجدات»، جارٍ بحثها على مستوى اللجنة المشتركة ومن قِبل المسؤولين السياسيين والديبلوماسيين «بهدوء».في أي حال، أعادت إثارة هذه القضية إلى الواجهة تصريحاً سابقاً قال فيه الرئيس سعيّد بشأن الحدود مع ليبيا: «إن تونس لم تحصل إلا على الفتات» بعد خلافها الحدودي البحري مع ليبيا في فترة سبعينات القرن الماضي.والحقيقة، أنه سبق أن شهدت علاقات تونس وليبيا في أوقات سابقة توترات محورها الحدود والمناطق الترابية المشتركة بينهما؛ وذلك بسبب خلافات حدودية برّية وبحرية تعود إلى مرحلة الاحتلالين الفرنسي لتونس والإيطالي لليبيا، ثم إلى «التغييرات» التي أدخلتها السلطات الفرنسية على حدود مستعمراتها في شمال أفريقيا خلال خمسينات القرن الماضي عشية توقيع اتفاقيات الاستقلال. وهكذا، بقيت بعض المناطق الصحراوية الحدودية بين تونس وكل من ليبيا والجزائر «مثار جدل» بسبب قلة وضوح الترسيم وتزايد الأهمية الاستراتيجية للمناطق الحدودية بعد اكتشاف حقول النفط والغاز.وعلى الرغم من توقيع سلطات تونس وليبيا والجزائر اتفاقيات عدة لضبط الحدود والتعاون الأمني، تضاعف الاضطرابات الأمنية والسياسية في المنطقة منذ عام 2011 بسبب اندلاع حروب جديدة «بالوكالة» داخل ليبيا ودول الساحل والصحراء، بعضها بين جيوش و«ميليشيات» تابعة لواشنطن وموسكو وباريس وأنقرة على مواقع جيو - استراتيجية شرقاً غرباً.مع هذا، وفي كل الأحوال، تشهد علاقات تونس وكل من ليبيا والجزائر مستجدات سريعة على المجالين الأمني والعسكري. وربما تتعقد الأوضاع أكثر في المناطق الحدودية بعدما أصبحت التوترات والخلافات تشمل ملفات أمنية دولية تتداخل فيها مصالح أطراف محلية وعالمية ذات «أجندات» مختلفة وحساباتها للسنوات الخمس المقبلة من الولاية الثانية للرئيسين سعيّد وعبد المجيد تبّون.