واشنطن تتطلع إلى بناء «تسونامي القوة الجوية» في أفغانستان... والنتيجة بعد عام

أسطول جديد يضم 159 مروحية طراز «بلاك هوك» يقودها طيارون أفغان في مواجهة {طالبان} و«داعش»

من المتوقع أن يحل الأسطول الجديد مكان أسطول سلاح الجو الأفغاني الذي يضم طائرات «إم آي 17» منذ الحقبة السوفياتية (واشنطن بوست)
من المتوقع أن يحل الأسطول الجديد مكان أسطول سلاح الجو الأفغاني الذي يضم طائرات «إم آي 17» منذ الحقبة السوفياتية (واشنطن بوست)
TT

واشنطن تتطلع إلى بناء «تسونامي القوة الجوية» في أفغانستان... والنتيجة بعد عام

من المتوقع أن يحل الأسطول الجديد مكان أسطول سلاح الجو الأفغاني الذي يضم طائرات «إم آي 17» منذ الحقبة السوفياتية (واشنطن بوست)
من المتوقع أن يحل الأسطول الجديد مكان أسطول سلاح الجو الأفغاني الذي يضم طائرات «إم آي 17» منذ الحقبة السوفياتية (واشنطن بوست)

أعلن القائد الأعلى للقوات الأميركية في أفغانستان منذ أكثر من شهر في احتفال أقيم هنا في قندهار تشكيل أسطول جديد يضم 159 مروحية طراز «بلاك هوك» يقودها طيارون أفغان ستكون بمثابة «تسونامي القوة الجوية»، مهمته تطويق مناطق الصراع الملتهبة مع متمردي طالبان. لكن طائرات «يو إتش 60» لن يكون لها تأثير لعدة سنوات على الأقل في حرب طويلة بلغت كلفتها حتى الآن نحو 700 مليار دولار على الأقل منذ عام 2001 ولا تبدو لها نهاية وشيكة في الأفق.
ومن المتوقع أن يحل الأسطول الذي تكلفت عمليات تجديد وتسليم كل طائرة منه نحو 7 ملايين دولار مكان أسطول سلاح الجو الأفغاني الذي يضم طائرات «إم آي 17» الذي استمر في الخدمة منذ الحقبة السوفياتية، ليتولى الأسطول الجديد مهام حمل الأمتعة والمعدات العسكرية ونقل الجنود وعمليات الإخلاء ونقل الجرحى. لكن تلك الطائرات وصلت للمشاركة متأخراً، حيث تزامن ذلك مع التأخير في تسليم طائرات «إتش يو 60» وكذلك اشتراط 6 طيارين أفغان فقط للتدريب في كل دورة مدتها 3 شهور، بالإضافة إلى الحاجة إلى الاحتفاظ بطائرات «إم آي 17» في الخدمة، وكلها شكلت عوامل إعاقة لعمل القوات الجوية هناك.
وقد وضع الرئيس ترمب هدف تعزيز القوات الجوية في أفغانستان على قمة أولوياته، وأفاد المسؤولون الأميركيون بأن برنامج مروحيات «بلاك هوك» قد جرى تسريعه في ظل ضغط الحرب والأجندة الكبيرة التي تهدف إلى بناء قوة جوية محترفة. غير أن مسؤولي بعثة التدريب والاستشارة والمساعدة بسلاح الجو الأميركي هنا أفادوا بأنهم يتوقعون أن تكون لديهم 4 أطقم طيران أفغانية فقط جاهزة للقيام بالمهام العسكرية بحلول موسم القتال في الربيع المقبل، وأن يرتفع الرقم إلى 32 فريقاً مقاتلاً ومروحيات «بلاك هوك» جاهزة بحلول عام 2019. ولن يدخل الأسطول الذي يتكون من 159 مروحية في الخدمة بأطقم طياريه الأفغان قبل حلول عام 2022، منها 58 مروحية فقط مزودة بمعدات هجومية.
وعلى الجانب الآخر، تواصل طالبان حملة القصف والاعتداءات الأرضية الشعواء، فيما أعلن تنظيم داعش الإرهابي مسؤوليته عن عدد كبير من الاعتداءات. ولا يزال معدل الخسائر البشرية يفوق أي أرقام سابقة، فخلال الشهر الماضي فقط، قتل أكثر من 250 شخصاً في موجة عنف جديدة اجتاحت البلاد استهدفت المساجد ومرافق الجيش، ووسائل المواصلات وحي السفارات، ومحطة تلفزيونية في العاصمة كابل.
وكشف قادة ميدانيون أفغان أن هناك حاجة ملحة وعاجلة إلى تشكيل قوات جوية وقوات إنقاذ وإمداد لدعم القوات الأرضية ودفع المتمردين للتقهقر. فمنذ عام 2012، قامت الولايات المتحدة بإمداد سلاح دفاع الجو الأفغاني بـ24 مروحية واستكشاف وهجوم طراز «إم دي 350» صغيرة الحجم، و12 مقاتلة طراز «إيه 29 توكانو»، و24 طائرة «24 سي 2 - 8» قصيرة المدى. كذلك جرى إرسال الطيارين الأفغان إلى الولايات المتحدة وإلى غيرها من الدول للتدريب على استخدامها ثم استكمال تدريبهم هنا. بيد أنه في بعض الحالات، لم يكن الطيارون الأفغان مستعدين لتولي قيادة تلك الطائرات فوق مناطق القتال حتى العام الماضي.
وفي السياق ذاته، قال الكولونيل داري أنسلي، نائب مدير برنامج التدريب الاستشاري الأميركي، إن «الحصول على الطائرة ليس سوى رأس الأفعى، وهذا هو الجانب السهل، لكن الجانب الصعب هو ذيل الأفعى الذي يشمل تدريب الطيارين وأطقم الطائرات المقاتلة وإجراء عمليات الصيانة والحصول على قطع الغيار»، مضيفاً أنه «بعد الحصول على مروحيات بلاك هوك الجديدة، فإننا نقوم الآن بتأهيل الطيارين للقيام بالمهام القتالية التي تعد الأكثر شراسة».
فعلى مدى يومي تدريب تضمنا محاضرات نظرية وتدريبات في الجو لـ6 طيارين جدد يجري تدريبهم على مروحيات «بلاك هوك» بقاعدة قندهار الجوية الأسبوع الماضي، ظهر تفاني الطلاب الذين تراوحت أعمارهم بين 30 و40 عاماً، وبدت عليهم الثقة الكبيرة في تنفيذ المهارات التي اكتسبوها.
وفي إحدى قاعات المحاضرات، قام محاضر أميركي بعمل مراجعة سريعة لإجراءات الطوارئ باللغة الإنجليزية، تضمنت غالبيتها مصطلحات فنية وتطلبت اتخاذ قرارات سريعة في كابينة الطائرة. وجلس الطلاب الستة يصغون في اهتمام للمعلم وكان هناك طالبان على يمين وعلى يسار المترجم الأفغاني الذي تولى ترجمة المصطلحات الفنية المعقدة في همس.
وصرح كابتن جواد صاقب (32 عاماً) خلال فترة الراحة، قائلاً: «أصبحنا ملمين بالنظام كاملاً الآن، لكننا ما زلنا في طور الممارسة. فعندما تكون في مهمة، لن تطير من مطار إلى مطار، فقد تطير وسط السحاب والضباب، أو على ارتفاع منخفض أو في منطقة محظورة. وهنا يزداد التحدي، وعلينا أن نحفظ عن ظهر قلب كثيراً من المصطلحات بجميع المواقف التي قد نتعرض لها. عليك أن تعرف كل جزء في الطائرة كأنه جزء من جسمك».
وقام 4 متدربين بالتناوب على كابينة قيادة مروحيات «يو إتش 60» هذا الصباح وقاموا بالتحليق مع مدربهم الأميركي فوق القاعدة الجوية. كان اليوم مثالياً للطيران، حيث حلقت الطائرة في جو خفيف النسمات، سماؤه زرقاء صافية بلا سحب. وواحدة تلو الأخرى، هبطت المروحيات لتلامس أرض القاعدة ليهبط من فيها ويصعد زملاؤهم في جولة جديدة.
بعد 3 شهور من الآن، سيكون الطلاب الأفغان مستعدين للطيران من دون مدرب والتوجه إلى أرض المعركة لنقل الجنود وإنزال الإمدادات إلى أرض المعركة وإجلاء ونقل الجرحى والقتلى، وفي بعض الأحيان فتح نيران مدافعهم الآلية لتوفير الحماية الجوية.
• «واشنطن بوست»



الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
TT

الملا عثمان جوهري يستذكر العمليات ضد الأميركيين

الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)
الملا عثمان جوهري في جولة بين التلال بولاية نورستان قال: «لم تكن هنا طالبان هنا عندما بدأت الحرب» (نيويورك تايمز)

قاد الملا عثمان جوهري واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية في أفغانستان، وهي معركة «ونت» التي باتت رمزاً للحرب ذاتها.

كان جوهري، قيادي «طالبان» السابق يرتدي نظارات شمسية ومعطفاً من الصوف الثقيل، كما لو أنه قد يترك المكان في أي لحظة. على طاولة مغطاة بالبلاستيك تفصل بيننا تحت ضوء الفلورسنت، كان هناك تل من اللحم والأرز الذي لم يُمس. كانت هذه هي المرة الأولى التي نلتقي فيها، تحديداً في شتاء عام 2022، وقد اختار للقاء مكاناً يقع في نُزل وسط شارع مزدحم.

كانت أصوات التجار وهدير حركة المرور تتسلل عبر نافذة مفتوحة فيما كنت أشرح له لماذا تعقبتُ أثره. منذ أكثر من عقد من الزمان، حاصر 150 مقاتلاً من «طالبان» قاعدة أميركية في سفوح جبال «هندوكوش»، وقُتل تسعة جنود وأُصيب أكثر من عشرين فيما باتت تُعرف بمعركة «ونت»، التي تعد واحدة من أعنف الهجمات على القوات الأميركية خلال الحرب بأكملها.

وايغال هي قرية كبيرة في عمق وادٍ باسمها لم تتمكن القوات الأمريكية من الوصول إليها مطلقاً خلال حملتها بنورستان (نيويورك تايمز)

هذا الرجل، الملا عثمان جوهري، كان قائد ذلك الهجوم، وهي معجزة أنه لا يزال على قيد الحياة. فخلال الحرب، كان القادة المتوسطون في «طالبان» يلقون حتفهم بانتظام. لكن ها هو حيٌّ يُرزَق. على مدار أكثر من عشرين عاماً، كانت الصحافة الأميركية تغطي نصف الحرب فقط. وأنا، بصفتي صحافياً سابقاً في أفغانستان ورئيس مكتب كابل، كنت جزءاً من ذلك أيضاً. كانت أجزاء كبيرة من البلاد محظورة، وكان تصوُّر «طالبان» غالباً ما يقتصر على دعاية الحركة، وكانت القصة الحقيقية غير معروفة. قرأتُ بصفتي صحافياً كل التقارير المتعلقة بمعركة «ونت»، وكل درس مستفاد. لكن الآن وقد انتهت المعارك، أصبحت أتساءل عما فاتنا. قد أتمكن من الحصول على بعض الرؤى حول كيفية انتهاء الحرب بشكل سيئ بالنسبة إلى الولايات المتحدة (وكذلك بالنسبة إلى كثير من الأفغان، لا سيما النساء).

أردت رؤية الحرب من الجانب الآخر لتقديم منظور قد لا يراه القارئ مطلقاً، ودروس مستفادة من الجماعة الوحيدة التي لم يُطلب منها ذلك، جماعة «طالبان». فبعد حرب فيتنام، التي تتشابه إلى حد كبير مع الحرب في أفغانستان لدرجة أنها أصبحت أشبه بالإكليشيه، مرّت عقود قبل أن تتعامل الولايات المتحدة مع عدوها السابق.

وبحلول ذلك الوقت، كان كثير من قادتها العسكريين قد ماتوا، وضاعت فصول من التاريخ ربما إلى الأبد، حسب المؤرخين.

الملا عثمان جوهري بمنزله في وايغال بولاية نورستان بأفغانستان (نيويورك تايمز)

قدمتُ هذا العرض للملا عثمان جوهري مرتين من قبل: الأولى كانت عبر حارسه الشخصي، الذي كان يرتدي زياً يشبه زي قوات العمليات الخاصة؛ والأخرى كانت عبر مساعده، الذي كان بمثابة قنبلة موقوتة في الانتظار، ولم يعد مطلوباً. أخيراً، جلستُ أمام الملا عثمان نفسه، وعندما انتهيت من حديثي، لم يقل شيئاً، ولم يحرّك حتى رأسه. نظرنا إلى الطعام الذي بدأ يبرد أمامنا حتى أشار إلى حارسه ليتهيأ، فقد كنا متجهين إلى موقع «ونت» بسفوح جبال «هندوكوش».

اليوم في «ونت»، ما زالت بقايا القاعدة الأميركية السابقة قائمة، مهدمة وممزقة كذكرى باهتة، أطرافها التي كانت قائمة في السابق ذابت في الأرض مثل لوحة لسلفادور دالي. أراني الملا عثمان خطوط إمداد «طالبان» ومواقع إطلاق النار، وأعاد تمثيل الحصار. لكن بينما كنا نتحدث على مدار الأيام التالية، ثم الأشهر والسنة التالية، أقنعني الملا عثمان بأن معركة «ونت» بدأت فعلاً قبل سنوات -لكنّ الأميركيين لم يكونوا يدركون ذلك. قال لنا إنه لكم يكن عضواً في «طالبان» عندما بدأت الحرب. وبعد انضمامه، أصبح موضع سخرية في قريته. كان السكان المحليون في الوادي يؤمنون بمستقبل وَعَدَتْهم به الولايات المتحدة. لكن بعد ذلك، بدأت الغارات الجوية الأميركية، التي استهدفت مسلحين مشتبه بهم، في قتل الأبرياء. هذه القصة مألوفة بشكل محبط، ولكن كان ما هو أغرب، فالأمريكيون قتلوا وجرحوا أولئك الذين دعموا وجودهم أكثر من غيرهم.

بدأت عمليات تجنيد «طالبان» في الازدياد، حسب الملا عثمان، مع تحول الأميركيين من حلفاء إلى أعداء.

يقول : «لم يكن هناك أي عنصر لـ(طالبان) هنا عندما بدأت الحرب»، عبارة قالها لي الملا عثمان جوهري في تلك الرحلة الأولى إلى قريته الأصلية في ويغال، التي تقع في عمق الوادي تحت الجبال الشاهقة المغطاة بالثلوج. «لكن بعد أن دخل الأميركيون وبنوا قواعدهم وقتلوا الأبرياء، نهض الناس وقرروا القتال».

دروس مستفادة

نورستان، منطقة جبلية في شمال أفغانستان، لم تكن تهدف مطلقاً لتكون نقطة محورية في الحرب على الإرهاب. لم تكن معقلاً طبيعياً لـ«القاعدة» أو «طالبان». في الواقع، خلال فترة حكمهم الأولى في التسعينات، كانت «طالبان» قد دخلت المنطقة بالكاد. ومع ذلك، اعتقد الأميركيون أنها طريق لتهريب الأسلحة والمقاتلين وملاذ آمن لتنظيم «القاعدة»، لذا بنوا قواعد وبدأوا في تنفيذ دوريات عدوانية في أماكن كانت معتادة على الاستقلال.

في رحلاتي عبر الوادي، قابلت حلفاء للولايات المتحدة تعرضوا للتشويه جراء الغارات الجوية، والذين فقدوا عائلاتهم أيضاً. هؤلاء الأشخاص كانوا بمثابة تذكير بقلة إدراك الولايات المتحدة للحرب التي كانت تخوضها. اتضح أن الأميركيين كانوا مخطئين بشأن كون نورستان معقلاً للإرهابيين. لكن قواعدهم أصبحت بمثابة مغناطيس يجذب المسلحين، مثل «حقل الأحلام» للمتمردين: الأميركيون بنوها، ثم جاءت «طالبان». وبحلول الوقت الذي قاد فيه الملا عثمان فريقه عبر الجبال لشن الهجوم على القاعدة الأميركية في «ونت»، كان الوادي قد تحوَّل ضد الأميركيين، وكانت النتيجة مأساوية.

*خدمة «نيويورك تايمز»