استحضار بودلير في «ليلة شعر» بالخرطوم

من أجل الحوار والمتعة ومواجهة الكراهية

TT

استحضار بودلير في «ليلة شعر» بالخرطوم

بدا قول الشاعر الكبير أدونيس: «شخصياً لم أعد أعرف ما هو الشعر»، مجرد مخاتلة نقدية، بالنسبة للجمهور الذي حضر «ليلة شعر» التي نظمها المركز الثقافي الفرنسي في العاصمة السودانية الخرطوم.
المقولة بدت مخاتلة لأن جمهوراً عضوياً أصغى بحواس شابة، وتذوق بمتعة لافتة، شعراً مترجماً عن الفرنسية مرّت على كتابته أكثر من مائة عام، ثم تذوق أشعاراً سودانية وعراقية حديثة، وغرق في ذاته المتذوقة، متأملاً كأنه «نرسيس» معاصر يغرق في ذات الشعر حد الموت.
الجمهور الذي حضر «ليلة شعر»، هكذا من دون ألف ولام التعريف، كأنه يلقيها بوجه أدونيس: «أنت الشاعر الكبير لم تعد تعرف ما هو الشعر، أما نحن فنتذوقه، أيها المخاتل الكبير».
جمهور شاب أغلبه من النساء، حضر فعالية الدورة الثانية لـ«ليلة شعر»، أمسية السبت- الأحد، التي تقام بالتزامن في عدد من الحواضر العربية «الخرطوم وبيروت وتونس والجزائر وجدة والدوحة والرياض».
وقال ممثل المركز الثقافي الفرنسي في الخرطوم: «إن الليلة تقام بالتعاون مع معهد العالم العربي، وتهدف إلى إدارة حوار ثقافي ومعرفي، فضلاً عن تبادل متعة التذوق». وأضاف: «هي رسالة بأن الثقافة والعلم، تعدّان أهم الوسائل لمواجهة الكراهية»، وتابع: «المناسبة تحمل في شقها الآخر، استحضاراً لأرواح ضحايا الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها باريس».
ومن الفراتين، جاء الشاعر والرحالة العراقي باسم فرات، بأشعاره إلى المكان، وقرأ على الناس «بيان شعري»، ثم قرأ عليهم «جبل البركل»، مستلهماً أحوال الجبل المقدس للإله «آمون» الواقع بمنطقة كريمة شمال السودان.
ثم صعدت منصة القراءة السودانية رانيا عمر بنصها «يا ملهمي»، وانتصب في المكان الشاعر أسامة تاج السر، وقرأ على جمهور الذواقة «ألحان الغريب»، ثم توهجت الشاعرة ابتهال محمد بنصها «الشوق».
ومثلما قالها الشاعر السوداني الراحل صديق مدثر «إن يكن حسنك مجهول المدى.. فخيال الشعر يرتاد الثريا»، فقد استحضر خيال تلك الأمسية شاعر فرنسا العظيم شارل بودلير، وقرأت عنه الشاعرة الفرنسية «بويزر» نصه «آرموني الليل».
وأعادت الأمسية الشاعر السوداني الكبير محمد طه القدال، إلى ليالي الشعر، فقرأ على الناس بلغته العامية الفصيحة «طنين الشك واليقين»، راسماً للناس طريقاً جديدة إلى الشعر والحياة.
أصغى جمهور الأمسية بكل آذانه، مجسّداً قول الشاعر نزار قباني في آخر زياراته للسودان: «ثمة بلاد تعيش على هامش الشعر وتتزين به كديكور خارجي، أما السودان فموجود في داخل الشعر كما السيف موجود في غمده وملتصق ومتغلغل فيه، كما السكر متغلغل في شرايين العنقود».
أصغوا كأنهم في حلبة مكايدة لمقولة أدونيس: «الشعر شيء جميل ومثله مثل الحب، لكن لم يعد من معنى للشعر، ونظرياً لم يعد له علاقة مباشرة بالواقع». بأن قالوا له: «الشعر ما زال مرتبطاً بواقع الناس هنا في السودان، متعلقاً بأحاسيسهم وأحلامهم وهمومهم الصغير والكبيرة».



تقنية جديدة لتقليل مدة التئام العظام

يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
TT

تقنية جديدة لتقليل مدة التئام العظام

يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)
يستخدم فريق البحث تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية (جامعة هونغ كونغ)

طوّر فريق بحثي من جامعة هونغ كونغ في كوريا الجنوبية، طلاءً مبتكراً يستجيب للضوء لتسريع اندماج العظام مع الزّرعات الجديدة بعد إجراء جراحات العظام. وقد ثَبُت أن الطلاء المطور يقلّل من وقت الالتئام إلى أسبوعين فقط، ممّا يسرّع معدل التعافي بعد الجراحة إلى الضعف، فضلاً عن تقليل خطر رفض الجسم للغرسات.

ويستكشف حالياً، الفريق صاحب الابتكار، بقيادة البروفيسور كيلفن يونغ واي كوك، من قسم جراحة العظام والصّدمات، كلية الطب السريري في جامعة هونغ كونغ (HKUMed)، تطبيق هذه التكنولوجيا في جراحات استبدال المفاصل الاصطناعية، بما في ذلك جِراحات استبدال الركبة التي تُجرى بشكلٍ شائع في هونغ كونغ.

وفي بيان صحافي صدر الجمعة، قال يونغ واي كوك: «أثبتت التّجارب على الحيوانات أن هذه الطريقة تعمل على تسريع عملية دمج العظام مع الغرسة بشكلٍ كبيرٍ، مما يؤدي إلى زيادة مضاعفة في معدل الاندماج».

ووفق النتائج المنشورة في دورية «أدفانسد فانكشينال ماتيرالز»، فإن عملية دمج العظام مع الغرسة تسارعت من 28 يوماً إلى 14 يوماً فقط، مما أدى إلى مضاعفة السرعة بشكل فعّال.

وتُمثّل هذه الدراسة أول دراسة تَستخدم تياراً ضوئياً لتنظيم الخلايا المناعية بشكل غير جراحي. ومن المتوقع أن يؤدي هذا الاكتشاف إلى تقدّمٍ كبيرٍ في تطوير مواد حيوية جديدة قادرة على التّحكم عن بُعد في البيئة المناعية للعظام.

ويمكن أن يؤدي الاضطراب في البيئة المناعية العظمية أثناء مرحلة ما بعد الزّرع إلى ارتخاءِ الزرعة الجديدة، وإطالة وقت التعافي وزيادة المضاعفات بعد الجراحة، مما يؤدي في النهاية إلى فشل الزرعة. ولمعالجة هذه التحديات، طور فريق جامعة هونغ كونغ الطبية طلاءً مبتكراً يستجيب للضوء القريب من الأشعة تحت الحمراء (NIR)، يؤثر بشكل إيجابي على استجابة الخلايا المناعية، ممّا يُقلل بشكلٍ فعّالٍ من الالتهاب الحاد خلال المرحلة الحاسمة بعد الزرع.

وتتضمن هذه العملية توليد تيار ضوئي يُحفِّز تدفُّق الكالسيوم المتزايد في نوعٍ من الخلايا المناعية يُعرف بالخلايا البلعمية، مما يخلق بيئة مناعية عظمية أكثر ملاءمة. وهذا يُعزّز بدوره تكوين العظام، وبالتالي تسريع عملية دمج العظام بالزرع.

وتلعب الخلايا البلعمية دوراً محورياً في عملية تجديد العظام، وهي من بين الخلايا المناعية الأولى التي تستجيب، فتبدأ تفاعلاً متسلسلاً ضرورياً لتكامل العظام مع الغرسة.

وعند إدخال الغرسات، تُصبح هذه الخلايا المناعية نشِطة وتحفّز استجابة التهابية حادة، وتُطلِق السيتوكينات المؤيّدة للالتهابات، لتسهيل تجنيد الخلايا الجذعية المتوسطة (MSCs) وبدءِ عملية تجديد العظام. لذلك، من الأهمية في مكان استعادة بيئة متوازنة بين العظام والغرسة، خصوصاً بعد مرحلة الالتهاب الأولية، لمنع الالتهاب طويل الأمد وضمانِ نجاح تكامل الغرسة.

وعادةً ما يجري طلاء الغرسات العظمية بثاني أكسيد التيتانيوم (TiO2)، وهو غير سامٍ لخلايا العظام والبكتيريا، ولكن لديه حدود في استجابته للأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء.

في هذه الدراسة، استخدم فريق البحث هيدروكسيباتيت (HA)، المكوِّن الأساسي للعظام والأسنان، لتطوير سطحٍ قابلٍ للإثارة يستجيب للتيار الضوئي.

ويُولِّد الطلاء الجديد إشارات ضوئية كهربائية عند تعرّضه للأشعة القريبة من الأشعة تحت الحمراء، ممّا يقلّل بسرعة من الالتهاب الحاد ويخلق بيئة مناعية مفيدة مصمّمة لحالة المريض، ويؤدي في النهاية إلى تسريع تكامل العظام مع الغرسة ويجعل الغرسات أكثر أماناً.

وأضاف البروفيسور يونغ واي كوك قائلاً: «نجح فريقنا في تطوير آلية جديدة تعمل على تعديل تمايز الخلايا المناعية بشكل غير جراحي وفقاً لدورة المناعة لدى المريض واحتياجاته»، وتابع: «هذا الاكتشاف له تأثيرٌ عميق على معدل نجاح جراحة العظام ويوفر اتجاهاً جديداً لمعالجة التّحديات السريرية، مثل رفض الزرع».