اهتمام متزايد بدراسات الطب التقليدي في الهند

أدخله العرب وشهد ذروته خلال حقبة الحكم الإسلامي

كلية الطب النظامية في حيدر آباد التي تأسست قبل 200 عام («الشرق الأوسط»)
كلية الطب النظامية في حيدر آباد التي تأسست قبل 200 عام («الشرق الأوسط»)
TT

اهتمام متزايد بدراسات الطب التقليدي في الهند

كلية الطب النظامية في حيدر آباد التي تأسست قبل 200 عام («الشرق الأوسط»)
كلية الطب النظامية في حيدر آباد التي تأسست قبل 200 عام («الشرق الأوسط»)

في الوقت الذي تزداد فيه أهمية أنظمة الطب البديل في شتى أنحاء العالم، يستقطب نظام الطب اليوناني التقليدي «Unani System of Medicine»، وهو النظام المعروف بنشأته في الدول العربية خلال الفترة بين عام 460 و377 قبل الميلاد، الكثير من الطلاب ليس من الهند فحسب، بل من العالم العربي أيضا، للدراسة في المعاهد الهندية. عرفت الهند الطب اليوناني عن طريق الفرس والعرب في القرن الـ12، وبلغ أوجه حتى القرن الـ17 خلال الحكم الإسلامي في الهند التي شهدت اهتماما بممارسي مهنة الطب اليوناني والاستعانة بهم كأطباء للبلاط الملكي. ويضم معهد جاميا همدار، أحد المعاهد البارزة في مجال تدريس الطب اليوناني في العاصمة الهندية دلهي، طلابا من الإمارات العربية المتحدة والكويت والعراق وإيران واليمن والسودان والمكسيك وموريشيوس وأوغندا وبنغلاديش وبوتان. ومن الجدير ذكره في هذا الصدد أن كلية الطب النظامية الحكومية بحيدر آباد في جنوب الهند عمرها 200 عام، وهي مستشفى وكلية لتدريس الطب اليوناني. كما يرجع تاريخ كلية الطب النظامية إلى عام 1810، عندما بدأت نشاطها بعالم أفغاني يسمى ساجدا بيغوم ماجد. وبعد ذلك، رممها وطورها مير عثمان علي خان، سابع نظام، التي تعني بالأردية «ملكا»، لولاية حيدر آباد، وجعل منها مبنى رائعا وفخما في عام 1938، ثم جرى تحويلها إلى كلية طب ومستشفى. وبعد ذلك بفترة قصيرة أصبحت الكلية مؤسسة طبية عالمية، أسهمت في تخريج عدد من أطباء وباحثي الطب اليوناني، وتشتمل مكتبة الكلية على كتب قيمة مكتوبة باللغة الفارسية والعربية في مجال الطب اليوناني. وعلى الرغم من إمكانية تتبع نشأة العلاج اليوناني حتى النهاية للرجوع إلى الطب الإيراني القديم، جرى تطوير المعرفة الأساسية بالطب اليوناني كنظام علاجي على يد العالم المسلم الحكيم ابن سينا بموسوعته الطبية «القانون في الطب». وفي المقابل، شهدت الحقبة البريطانية فرض قيود أكثر صرامة على أي نظام علاجي غير ما يعرف بنظام الطب الأخلاقي (النظام الطبي المعتمد في الغرب). ولكن على الرغم من كل ذلك، وبالإضافة إلى تعليق كل المساعدات المقدمة لمؤسسات الطب اليوناني، بقي هذا النظام بفضل التزام وتعهد أطباء مثل أجمل خان وعبد المجيد خان. وكان أجمل خان طبيبا في مجال الطب اليوناني وعالما ذا مكانة فذة لا يضاهيه أحد. ويعرف خان بوجه عام بأنه أهم المساهمين في الطب اليوناني في الهند خلال القرن الـ20، وهو سليل أسرة من الأطباء الذين قدموا خدمات لفترة طويلة في البلاط الملكي للمغول. وأسس أجمل خان مؤسسة داواخانا الهندستانية(Hindustani Dawakhana) في دلهي في عام 1905 لصناعة الطب اليوناني والطب الأيورفيدي (نوع من أنواع الطب التقليدي الذي ترعرع في الهند)، حيث عمل هناك نحو 800 شخص. وبعد ذلك بثلاث سنوات، بدأ أجمل خان تأسيس كلية الطب للفتيات. وقد سميت باسمه كلية الطب اليوناني المشهورة عالميا في عليكرة، حيث أنشئت أول جامعة للمسلمين في شبه القارة الهندية في القرن الـ19، تيمنا باسم العالم أجمل خان بعد وفاته في عام 1927 في خطوة تهدف إلى الاعتراف بفضله. وهناك طبيب آخر معروف عالميا في القرن الـ19 بوصفه أحد ممارسي مهنة الطب اليوناني، ألا وهو الحكيم عبد المجيد خان الذي يرجع إليه الفضل في تأسيس كلية ومستشفى الطب اليوناني في دلهي، والتي تعد بمثابة معهد تاريخي في الهند، حيث بدأت الكلية مثل «مدرسة طبية» في عام 1889 من خلال الحكيم عبد المجيد خان. وبعد وفاة عبد المجيد خان في عام 1901، تولى الحكيم أجمل خان مهمة تطوير وتحسين هذه المؤسسة. وضع اللورد هاردينغ، الذي تولى نائب ملك الهند فيما بعد، حجر الأساس لمعهد تدريب الطب اليوناني في 29 مارس (آذار) عام 1916. وافتتح المهاتما غاندي المعهد في 13 فبراير (شباط) عام 1921. وتتبع الكلية جامعة دلهي منذ عام 1973. وتقدم الكلية دورة دراسية منتظمة مدتها خمس سنوات ونصف السنة، ويتبع تلك الدورة تدريب فترة التخصص لمدة عام واحد للحصول على درجة البكالوريوس في الطب اليوناني والجراحة، بالإضافة إلى تقديم دورة دراسات عليا (للحصول على درجة دكتور في الطب) في موضوع العلاج بالطب اليوناني. ويوجد مستشفى، يضم 150 سريرا، ملحق بالكلية حيث يتلقى الطلاب التدريب العملي في هذه المستشفى. ويخطط محمد صالح، وهو طالب من اليمن يدرس بالسنة الأخيرة في كلية الطب اليوناني في دلهي، لفتح عيادة للمعالجة بالطب اليوناني في بلده بعد إتمام دراساته العليا. ويوضح صالح قائلا: «تعتبر الدورة التدريسية أسهل بكثير بالنسبة لي، حيث إنني أتحدث اللغة العربية بطلاقة ويمكنني قراءة الكثير من الكتب الأصلية المتوفرة باللغة العربية في المكتبة. ويبحث الأفراد في كل أنحاء العالم عن نظام بديل للطب نظرا للآثار الجانبية التي يتسبب فيها الطب الحديث». ويضيف صالح، الذي يدرس حاليا فترة تخصصه في مستشفى الطب اليوناني: «ليس هناك مكان أفضل من الهند لتعلم الطب اليوناني، حيث تتوفر الكثير من الأبحاث، بالإضافة إلى التمكن من إجراء العمل الصيدلي هنا». وفي نظام التعليم في مجال الطب اليوناني، يجب على مزاولي مهنة الطب اليوناني إتمام الدورة الأساسية الخاصة بدرجة البكالوريوس في الطب اليوناني، التي سميت فيما بعد في الجامعات المعتمدة باسم بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة. ويشتمل البرنامج، الذي تصل مدته إلى خمس سنوات ونصف السنة، على برنامج تمرين إلزامي تناوبي لمدة عام واحد، حيث يطبق الطلاب ما تعلموه داخل الفصول تطبيقا عمليا. وبعد إتمام دورة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة، يكون للخريجين الحق في اختيار مواصلة دورة الدراسات العليا من عدمه. تقول فردوس واني، مسؤول شؤون الطلاب بجامعة جاميا همدار بدلهي، في تصريحات صحافية: «تشمل مستويات الدراسة، علم التشريح وعلم وظائف الأعضاء، وهما من العناصر الأساسية للطب اليوناني، وعلم الأدوية اليوناني والطب السريري وعلم التشخيص باستخدام أساليب الطب اليوناني والطرق الحديثة. وعلاوة على ذلك، يجرى إمداد الطلاب بالمعرفة التفصيلية والفهم لموضوعات مثل الطب الداخلي والاعتلال الذي يصيب العين والأنف والأذن والحنجرة والجراحة وطب النساء والتوليد وطب الأطفال، وغيرها من الأمور الأخرى». أما عن معاهد دورات الطب اليوناني في الهند، فيوجد في الهند في الوقت الراهن 40 كلية لطلاب المرحلة الجامعية والدراسات العليا، والكليات التي تقوم بتدريس الطب اليوناني في الهند عبارة عن مؤسسات حكومية أو منظمات تطوعية. وتتبع كافة هذه المؤسسات التعليمية الجامعات المختلفة، وتمنح درجة (بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة). وعلى الرغم من ذلك، يقل عدد كليات الطب اليوناني بالمقارنة مع الكليات الحديثة (التي تمنح درجة بكالوريوس الطب والجراحة)، حيث تشتمل كل ولاية هندية على كلية واحدة (مانحة لدرجة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة)، على الأقل، (في حين يزيد هذا العدد في بعض الولايات) وتكون الكليات خاضعة لبعض من أفضل الجامعات في الهند. وبالنظر إلى الشروط الأساسية للالتحاق بالكلية وفرص العمل التي توفرها، فيعتمد الالتحاق بدورات درجة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة على المزايا المتوفرة في المرشحين لاجتياز امتحان القبول الذي ينعقد إما على مستوى الهند أو على مستوى الولاية. ويتمثل الشرط الأساسي لاستحقاق الالتحاق بدورة بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة في وجوب إكمال المرشحين لدراسة السنة الأخيرة بالمدارس الثانوية أو المتوسطة، مع دراسة الفيزياء والكيمياء والأحياء كمواد تعليمية خاضعة لنظام تعليمي منتظم صادر عن مجلس معتمد أو جامعة معترف بها في الدولة المعنية. وبالإضافة إلى ذلك، يجب أن يكمل المرشحون 17 عاما بحلول يوم 31 ديسمبر (كانون الأول) من عام التحاقهم بدورات بكالوريوس الطب اليوناني والجراحة. وتكون الأفضلية للمرشحين الذي يجيدون اللغة العربية أو الفارسية. ويجرى متابعة التسهيلات التعليمية والتدريبية في نظام الطب اليوناني في الوقت الحالي من خلال المجلس المركزي الهندي للطب، الذي يحدد أيضا مناهج الطب اليوناني للمعاهد التعليمية. وبمجرد حصول المرشح على درجة في الطب اليوناني، يحصل على فرصة ذهبية لممارسة مهنة الطب. ويمكن أن يجد هؤلاء المتخصصون مراكز الأبحاث وصيدليات الطب اليوناني ودور المسنين الخاصة والأقسام الصحية ومستشفيات الطب اليوناني والمستوصفات المركزية الحكومية. وينتشر عبر 18 ولاية من ولايات الهند ما يزيد على 150 مستشفى و1.500 مستوصف تستخدم الطب اليوناني. وعلاوة على ذلك، يوجد نحو 50.000 خريج من خريجي الطب اليوناني في الهند، يعملون معظمهم كأطباء. وتعترف منظمة الصحة العالمية بالطب اليوناني بوصفه أحد أنظمة الطب البديل. وتقدم الحكومة الهندية أيضا 27 مقعدا للدول غير الأعضاء في مبادرة خليج البنغال للتعاون التقني متعدد القطاعات «Non - BIMSTEC countries» ومن بين هذه المقاعد يخصص 12 مقعدا بالنيابة عن إدارة قسم اليورفيدا واليوغا والمداواة الطبيعية والطب اليوناني ونظام سيدها الطبي «AYUSH»، التابع لوزارة الصحة، بموجب نظام التعاون الدولي، في حين يخصص 15 مقعدا عن وزارة الشؤون الخارجية الهندية. وتمنح تلك الأماكن للطلاب المهتمين بمواصلة دورات الدارسة الجامعية والدراسات العليا في الطب اليوناني والطب الأيورفيدي. وبالإضافة إلى ذلك، تكون هذه المنح الدراسية متاحة لدول مثل البحرين وإيران والعراق وإسرائيل والأردن والكويت ولبنان وعمان وقطر والسعودية وسوريا والإمارات العربية المتحدة واليمن وفلسطين والجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا والسودان. يقول أسعد محيي الدين، من كينيا، الذي يدرس في جاميا همدار دلهي، حيث حصل على منحة دراسية: «أردت مواصلة دراسة الدورة للحصول على درجة دكتور في الطب، بجانب العمل في الجانب البحثي المتعلق بالطب اليوناني». وتتعاون جامعة جاميا همدار بنيودلهي، منذ عام 2003، مع معهد ابن سينا للطب في جنوب أفريقيا في مجال الطب اليوناني حيث تعد البلاد موطنا لما يزيد على 200.000 معالج تقليدي يعتنون بأكثر من 27 مليون شخص. ويتعاون الكثير من الباحثين والأطباء الهنود مع معهد الطب بجنوب أفريقيا في مجال الطب اليوناني. ومن بين أطباء الطب اليوناني المعاصرين الحكيم ذو الرحمن، الذي عمل في الكلية الطبية للحكيم أجمل خان، في عليكرة، لفترة تزيد على 40 عاما قبل أن يتقاعد كعميد لكلية المعالجة (الطب). ويشتهر ذو الرحمن في العالم بسبب إسهاماته الكبيرة في مجال الطب اليوناني. وعلى العكس من الأدوية الحديثة، التي يكون لها آثار جانبية ضارة، يساعد الطب اليوناني أيضا على تحسين الصحة العامة للشخص. ويوضح جميل أنه بعد الاتجاه العالمي للاهتمام المتزايد بالأنظمة البديلة والطبيعية، يجري ممارسة المداواة بالطب اليوناني، بالإضافة إلى تدريسه والبحث فيه بأسمائه المحلية في أكثر من 20 دولة. وتضم القائمة الخاصة بهذه الدول كلا من أفغانستان والصين وكندا الدنمارك وألمانيا وفنلندا وهولندا والنرويج وبولندا وكوريا واليابان والسعودية والسويد وسويسرا وتركيا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية. ويكون أغلبية الأطباء الممارسين للطب اليوناني في الهند من المسلمين. ويوضح الحكيم خالد صدقي أن الطب اليوناني هو علم طبي مطور جيدا ولا علاقة له بالإسلام أو ثقافة المسلمين. ويعزو صدقي هذا الأمر إلى توافر كتب الطب اليوناني إما باللغة العربية أو الفارسية أو الأردية مع عدم وجود ترجمات موافية لها إلى اللغة الإنجليزية أو الهندية. وتضم قائمة أشهر الكليات المعروفة والبارزة في الهند التي توفر دورات في مجال الطب اليوناني كلا من: كلية الطب اليوناني والطب الأيورفيدي (دلهي) وجامعة جاميا همدار (دلهي) وكلية طب أجمل خان (عليكرة) والمعهد القومي للطب اليوناني (بنغالور) والكلية الطبية النظامية الحكومية (حيدر آباد) وكلية ومستشفى دكتور عبد الحق للطب اليوناني (أندرا براديش) والكلية الطبية الحكومية (باتنا) وكلية ومستشفى صفية حميديا للطب اليوناني (ماديا براديش) وكلية ومستشفى ذا كلكتا للطب اليوناني.



{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).