رئيس «هامات» العقارية: السعودية تحتاج إلى خمسة ملايين متر مربع لبناء مراكز تجارية

خالد السحيباني قال إن الشركة تستحوذ على 40 في المائة من مجمعات التسوق في المملكة

رئيس «هامات» العقارية: السعودية تحتاج إلى خمسة ملايين متر مربع لبناء مراكز تجارية
TT

رئيس «هامات» العقارية: السعودية تحتاج إلى خمسة ملايين متر مربع لبناء مراكز تجارية

رئيس «هامات» العقارية: السعودية تحتاج إلى خمسة ملايين متر مربع لبناء مراكز تجارية

كشف خالد السحيباني مدير عام شركة «هامات العقارية» أن السوق السعودية بحاجة إلى أكثر من خمسة ملايين متر مربع على مختلف المدن الكبيرة في السعودية، لبناء مراكز تجارية تخدم مواقع استراتيجية، مشيرا إلى أن شركته ولدت من خلال تحالف ضم شركة «محمد الحبيب العقارية» وشركة «الأندلس العقارية» وشركة «جرير للاستثمارات».
وقال في حوار مع «الشرق الأوسط» إن الشركة تستحوذ على نحو 40 في المائة من المراكز التجارية؛ حيث تمكنت «هامات» من رفع قدرتها على تطبيق قواعد الإدارة الحديثة، وتوسيع قدرتها التنافسية، بالإضافة إلى تنويع قاعدتها الإنتاجية، فضلا عن قدرتها على الانتشار والتوسع وتغطية أسواق جديدة محليا ودوليا.
وأكد خالد السحيباني أن الشركة تسعى، من خلال إدارتها للمراكز التجارية في مختلف مناطق السعودية، إلى إيجاد مفهوم يؤكد ضرورة الحفاظ على أحد أهم الاستثمارات والمقومات الاقتصادية في البلاد، إضافة إلى جلب المستثمرين من خارج المنطقة لأشهر العلامات التجارية العالمية.
* ما الاستراتيجية التي تعمل بها «هامات» العقارية للمرحلة المقبلة؟
- تتطلع شركة (هامات) العقارية من خلال إدارتها للمراكز التجارية إلى الريادة على مستوى الشرق الأوسط؛ حيث تستحوذ على 40 في المائة من مخرجات المراكز التجارية الكبيرة في السعودية، ونظرا للخبرة الواسعة في المجال العقاري الذي يتجاوز الأربعين عاما، فقد سعت إلى تطوير كل المخرجات التي لديها وصقلها في قالب خاص يدير من خلالها المراكز التجارية في مختلف مناطق السعودية، فهي تدير أكثر من 19 مركزا تجاريا بمختلف مناطق السعودية وهي الأشهر، وتتعامل مع أكثر من ثلاثة آلاف مستأجر، وهي في طور الوصول إلى خمسة آلاف مستأجر في عام 2016، بعد أن أشرفت على وضع أسس إنشاء خمسة مراكز تجارية تديرها شركة «هامات العقارية» في عدد من المناطق، منها: الرياض، جدة، تبوك، الطائف، وصبيا، والباحة، والدمام، وحائل.
* ما أبرز الخدمات التي تقدمها «هامات» من خلال إدارتها للمراكز التجارية؟
- هي إدارة شاملة لكل محتويات المركز، تبدأ من خلال تقديم الخدمات الاستشارية وهي تقديم الدراسات اللازمة لتحقيق الاستثمار الأفضل للأراضي والمنشآت والمراكز التجارية، وإعداد المخططات العامة للمشروعات وتحديد المساحات الاستثمارية، كما نقوم بتوزيع الأنشطة التجارية والخدمية والتسويقية في المشروع، إضافة إلى إعداد دراسات الجدوى التأجيرية، وجميع الدراسات الخاصة بالمراكز التجارية، وتقديم خدمات التقييم والتثمين العقاري.
كما توجد هناك خدمات إدارية تشتمل على إدارة عملية التوظيف والاستقدام نيابة عن المالك بما فيها تعيين مدراء المراكز التجارية، ووضع الهيكل التنظيمي ولائحة الأنظمة الداخلية والصلاحيات للمركز التجاري، ونقوم بوضع سياسات التوظيف وتقييم الأداء والحوافز والتعليمات الإدارية للمراكز التجارية.
ثم تأتي عملية التأجير للمواقع المختلفة في المركز، وإعداد مزيج من المستأجرين حسب حاجة المركز، وإدارة علاقات المستأجرين والعملاء في المراكز التجارية.
ونحرص من خلال إدارة المراكز التجارية على تقديم خدمات الصيانة والأمن والنظافة وكل الخدمات التشغيلية للمراكز التجارية بمهنية عالية، وإبرام وصياغة العقود مع المستأجرين والموردين والمقاولين، وتقديم خدمات مراقبة وضبط الجودة.
إعداد وتقديم دليل المستأجرين، ودليل التشغيل، ودليل عمل المركز التجاري، والإشراف على أعمال تجهيز المحلات ومراجعة واعتماد المخططات.
تنظيم وتنفيذ الحملات الدعائية والترويجية والمهرجانات والفعاليات داخل المراكز التجارية وفقا لآلية عمل يجري وضعها حسب المعطيات العامة للمركز التجاري والشرائح المستهدفة، إضافة إلى تصميم وتنفيذ وتدشين الهوية التجارية للمراكز التجارية بما في ذلك المطبوعات والوسائل الدعائية والترويجية المتنوعة التي تشمل جميع الملصقات الدعائية واللافتات واللوحات والكتيبات التعريفية وحسابات التواصل الاجتماعي وإدارتها ومتابعتها، كما نحرص على تنظيم المعارض والمؤتمرات والمشاركات الداخلية والخارجية بغية التعريف بالمراكز التجارية.
* ما النقاط الاستثمارية التي يبحث عنها المستأجر في المراكز التجارية؟
- عادة يبحث المستثمر عن الشريحة التي يستهدفها، فهو ينظر لموقع المركز التجاري في البداية، ثم على الشكل العام من إبداعات التصاميم الخارجية والداخلية، ومن ثم يتوجه إلى الخدمات التي يقدمها المركز لرواده، على مستوى مواقف السيارات والمرافق الداخلية.
ويحرص عادة المستأجر على الخدمات الإدارية المقدمة من صيانة ونظافة وأمن، إضافة إلى خدمات العملاء، وهي عادة ما تحكم عملية التأجير لما فيها من مقومات الديمومة في البقاء لسنوات مع نفس المركز؛ بحيث ترتبط كثير من أسماء ماركات ومحلات المركز بالمركز نفسه.
* في السعودية كثير من المجمعات التجارية الكبيرة.. ما الذي يميز مركزا تجاريا عن آخر؟
- يتطلع كثير من زوار الأسواق التجارية (المولات المغلقة) بشكل خاص إلى ما يقدمه المركز من خدمات للمتسوق؛ بحيث يتطلع رواد الأسواق من الزبائن إلى ما يلبي رغباتهم، وتقوم «هامات» بدراسة موقع المركز التجاري ومتطلبات المنطقة التي يقبع بها المركز؛ بحيث تكمن مخرجات التسويق التي تبنى على أساسها عملية جذب المتسوقين.
اختلاف مواقع المراكز التجارية على مستوى المنطقة أو حتى في المدينة الواحدة من حي لآخر، يحتاج إلى تغيير في طريقة التسويق سواء للمحلات التجارية التي يحتاج إليها المركز أم حتى على مستوى الخدمات ومراكز الترفيه.
فمن خلال إدارتنا للمراكز التجارية نحرص بأن يكون هناك تغيير في معطيات المركز؛ بحيث نتحكم في عملية اختيار المستأجرين الراغبين في مشاركتنا النجاح داخل هذه المراكز، ودعمهم بدراسات تؤكد احتياج المتسوق لبعض من هذه الخدمات والمنتجات المختلفة حسب الدراسة.
كما نحرص في المراكز التجارية على مجال الترفيه والمطاعم التي عادة ما تجذب المتسوقين من العوائل بشكل كبير، فدائما نحرص على وجود طابق خاص يحتضن ألعاب الأطفال والمطاعم بمختلف أشكالها؛ حيث تقدم «هامات» دراسات خاصة في كيفية وضع المطاعم وتنسيقها، واختيار شركة متخصصة في مجال الترفيه العائلي والبعد عن التكرار.
* كيف تقيمون إدارة المراكز التجارية في السعودية؟ وماذا ينقصها؟
- تعتبر إدارة المراكز التجارية في السعودية في طور النشء؛ حيث ما زالت السوق متعطشة إلى وجود شركات تدير هذه المراكز باحترافية عالية، وما نراه في كثير من المراكز التجارية الناشئة أنها تكون في بدايتها جاذبة للزبائن، ثم ما يلبث أن تجدها بعد السنة الأولى أو أقل من ذلك باتت على وشك الخروج عن المنافسة؛ من حيث عدد روادها، ويعود السبب في المقام الأول إلى المالك، ومن ثم في الشركات غير المتخصصة التي يجري اختيارها لقيادة السوق وإدارتها.
حيث يختلف مفهوم الإدارة من جهة إلى أخرى، فإدارة مبنى سكني أو مكتبي، يختلف تماما عن إدارة المراكز التجارية؛ حيث تعتمد هذه المراكز في المقام الأول على عدد الزوار والخدمات التي يقدمها المركز، سواء على مستوى النظافة والأمن والصيانة، أو حتى على مستوى المحلات الموجودة داخل المركز، إضافة إلى كثير من الاعتبارات التي يتطلع لها المتسوق من سهولة في التسوق وغيرها.
وبات من المقرر على أصحاب المراكز التجارية في الآونة الأخيرة اللجوء إلى عدد من الشركات الموجودة داخل السوق السعودية لإدارة المركز، ووضع خطط تحافظ على ديمومة السوق تصل بعضها إلى 20 عاما.
وينقصنا في السوق السعودية الشركات المتخصصة في إدارة المراكز التجارية، بالإضافة إلى الكوادر المدربة التي تعتمد عليها شركات إدارة المنشآت بشكل عام.
وتعد شركة «هامات العقارية» من أوائل الشركات السعودية المشاركة في «مجلس الشرق الأوسط للمراكز التجارية» من عام 2007؛ حيث يترتب على المشاركة حضور كثير من الدورات التدريبية في مجال إدارة المراكز التجارية، التي حرصنا من خلالها إلى إرسال كثير من موظفي الشركة للمشاركة في هذه الدورات، بالإضافة إلى رعاية كل ما يخدم مجال الإدارة في المنشآت المختلفة. ومن هنا استطعنا أن نطور من أنفسنا وموظفينا ولنكون الأميز.
* ما مدى احتياج السوق العقارية للمراكز التجارية؟
- تعتبر السعودية من أكثر المناطق في الشرق الأوسط أهمية من ناحية القوى الشرائية لمختلف المنتجات الاستهلاكية، لعدة اعتبارات؛ منها الاقتصادية، وأيضا النمو السكاني في السعودية بشكل كبير، إضافة إلى اتساع العمل على البنية التحتية في مختلف مناطقها الحيوية، وعليه فإن غالبية المتسوقين يقومون بالذهاب إلى المراكز التجارية المغلقة التي يفضلها الكثيرون نظرا لنوعية الأجواء المناخية التي يغلب عليها درجات الحرارة المرتفعة طوال السنة.
فالحاجة إلى مثل هذه المراكز التجارية ما زالت قائمة نظرا لهذه المقومات التي أصبحت تشجع كثيرا من المستثمرين على الدخول إلى السوق السعودية، وعرض منتجاتهم، إضافة إلى المناطق السكانية الجديدة التي يزداد حجمها سنويا في المنطقة، ولكن المهم في ذلك هو دراسة احتياجات السوق من هذه المراكز من ناحية اختيار الموقع، والمساحة التي سيقام عليها المركز، وعدد السكان في الأحياء المجاورة، وغيرها من الاعتبارات التي تخدم المالك والمستأجر.
السوق بحاجة إلى أكثر من خمسة ملايين متر مربع على مختلف المدن الكبيرة في السعودية لبناء مراكز تجارية تخدم مواقع استراتيجية، فبعض الأحياء ترى أن المراكز التجارية أخذت حيزا من الاكتفاء في معظم مواقعها إلا أننا نجد من يقوم بعملية إنشاء مركز تجاري دون اللجوء إلى شركات متخصصة في دراسة السوق لمعرفة الاحتياجات والمخاطر التي من الممكن أن تحدث في حال إنشاء مركز تجاري، وبعدها يكون المركز قد وصل إلى مرحلة انتكاسة من جميع النواحي سواء على مستوى تأجير المحلات أم حتى في رواده من المستهلكين.
* يتذمر كثير من المستأجرين من سوء الخدمات التي تقدمها المراكز التجارية بعد التأجير مما ينعكس على مبيعاتهم.. كيف تتداركون مثل هذه الإشكاليات؟
- إن من أحد أهم أسباب فشل بعض المراكز التجارية العودة إلى نقطة الخدمات التي يقدمها المركز، وهذا يعود إلى عدد من الأسباب؛ إما أن يكون المالك هو نفسه الذي يدير المركز، وهذا قد يتسبب في عطل بنظام المصلحة العامة التي تهم المستأجرين؛ من حيث توحد الرأي، والعاطفة الإدارية، وأحيانا تأخر التفاعل الإداري من قبل المالك في حل المشكلة، إما لأسباب مادية أو إدارية.
والسبب الآخر يعود إلى إغفال المالك إعطاء الشركات المتخصصة في مجال إدارة المراكز التجارية تقديم خطة واضحة، لكي تعطي النتائج المتفق عليها مسبقا، وضعف هذا الجانب يعود بالمنشأة إلى العد التنازلي وما ينتج عنه من فقدان المركز للمستأجرين ورواده.
يأتي هنا عامل الخبرة والمقومات لدى شركات إدارة المراكز؛ حيث إنها تختلف تماما عن إدارة أملاك خاصة أو حتى الأملاك التي تعتمد على صيانة ونظافة فقط، فهي تركز على مبدأ التسويق لمنتج كامل يحتوي على كثير من المقومات التي تعتبر المحال التجارية جزءا منه، ومبدأ الحفاظ على العميل من خلال تقديم الخدمات التي تساعده على البقاء، وهذا يترتب على زيادة في الحركة التجارية وزيادة في عدد المتسوقين.
* ما أبرز التحديات التي تواجهها شركات إدارة المراكز التجارية؟
- يفتقر السوق السعودي إلى الدراسات الخاصة بإقامة المراكز التجارية وإدارتها بالطريقة الصحيحة، فمعظم الملاك والمستثمرين من العقد السابق اعتمدوا على مجهوداتهم الشخصية، إضافة إلى استشارات داخلية وربما لغير المختصين، ورغم المجهودات التي تبذلها شركات إدارة الأملاك والمراكز التجارية العقارية إلا أننا لا نزال في المشكلة نفسها.
فقد حرصنا في شركة «هامات»، ومن خلال الخبرة الواسعة للشركاء على مدى 40 عاما في مجال التطوير العقاري وإدارة المنشآت المختلفة، على أن نكون السباقين في بناء دراسات للسوق السعودي واحتياجاته من المراكز التجارية بمختلف أشكالها وأحجامها، وعملت على تعيين واستقطاب المتخصصين في هذا المجال؛ مما ساعد في أن تكون الدراسات التي تقدمها «هامات» لسوق المراكز التجارية من أبرز ما يميزها عن غيرها في اعتماد كبار المستثمرين على ما تقدمه لتحقيق أهداف واضحة لخطة استراتيجية ملموسة عبر إدارتها لكثير من المراكز على مستوى السعودية.
* ما الدور الذي تلعبه «هامات» في تنظيم المهرجانات داخل المراكز التجارية؟
- تستعرض عادة إدارة المركز الخطة السنوية لكل مركز تجاري على حدة، وتتضمن هذه الخطة تنظيم المهرجانات المختلفة لجميع شرائح المجتمع على حسب نشاط المركز التجاري، ونركز في عملنا لهذه المهرجانات على عامل التوقيت الذي يلعب دورا مهما في جذب الزوار للمركز، حيث يجري استغلال الإجازات، مثل الأعياد والإجازات الدراسية القصيرة، إضافة إلى الإجازة الصيفية، وبعض المناسبات الوطنية.
وتقوم إدارة المركز بعمل كل الاستعدادات بدءا من عملية التسويق للمهرجان من خلال وسائل التواصل المتاحة، والتنسيق مع المحلات التي داخل المركز، كما يجري التنسيق مع بعض الجهات التي سوف تقوم بفقرات للمهرجان، والقيام بعملية التنظيم بشكل كامل، إضافة إلى جلب رعاة من خلال إعطائهم مساحات للتعريف بمنشأتهم.
* هل تؤيد تصنيف المراكز التجارية من حيث المنتج؟
- نحن نركز في إدارتنا على أن يكون توجه المركز التجاري للأسرة بأكملها؛ بحيث تجري تلبية جميع الرغبات للأسرة كاملة، إضافة إلى متعة التسوق مع أفراد الأسرة، فوجود الأسرة في مكان واحد يقدم لهم 70 في المائة من متطلباتهم؛ مما يساعدهم على قضاء الوقت دون الشعور بأي تعب أو حتى الملل، كما أننا نحرص على أن تكون جميع المراكز التجارية بداخلها أحد المتاجر الغذائية الكبيرة والمعروفة ليكتمل مفهوم التسوق لديهم.
* تعد المسؤولية الاجتماعية من أبرز الخدمات التي تقدمها المراكز التجارية.. ما مدى ارتباطكم بها؟
- المسؤولية الاجتماعية بالنسبة لنا واجب وطني قبل كل شيء، وهي أحد أهم الأنشطة التي تحرص إدارة المركز على تفعيلها، فقد تفهمت «هامات» للدور الذي يقوم به «المركز التجاري» من إيصال الرسائل المباشرة للأسرة بأكملها، ولكثير من زواره.
فكان لـ«هامات» من خلال إدارتها للمراكز التجارية دور في خلق تعاون مع كثير من الجهات الحكومية والجمعيات الخيرية والعيادات الطبية، ومساعدتهم في تحقيق أهدافهم التي من خلالها ننمي فكر المجتمع وتوعيته.
وتسعى «هامات» إلى تقديم كل هذه الخدمات مجانا، بالإضافة إلى مواقع الفعالية، وتسخير طاقم مختص في الشركة لإدارة مثل هذه الفعاليات التي تبرز أهمية المراكز التجارية لخدمة المجتمع من منطلق تفعيل واجبها نحو المسؤولية الاجتماعية.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»