سجن رقيب أميركي لتورطه في قتل مجند مسلم

TT

سجن رقيب أميركي لتورطه في قتل مجند مسلم

بعد أكثر من عام في محاكم عسكرية أميركية، وبعد إثارة ضجة في الإعلام الأميركي عن قسوة تدريب المجندين الجدد في القوات الأميركية، وبخاصة في قوات المارينز، خصوصاً المجندين المسلمين، وبعد تعرض مسلمين لتعذيب بإدخالهم في منشقة ملابس كهربائية، حوكم الرقيب جوزيف فيليكس بالسجن 10 أعوام لدوره في التعذيب، وفي قتل رحيل صديقى، أميركى باكستاني، وفي تعذيب 9 مجندين مسلمين آخرين.
وقالت وكالة الصحافة الفرنسية إن لجنة محلّفين من 8 عسكريين، في محكمة عسكرية في قاعدة باريس آيلاند (ولاية ساوث كارولاينا)، أعلنت أن فيليكس، المحارب السابق في العراق، هو الأكثر مسؤولية من بين 6 مدربين أمروا وشاركوا في عمليات تدريب قاسية ومهينة لهؤلاء المجندين، إضافة إلى وصفهم بالإرهابيين. وكان بعض المجندين قد أجبر على الدخول في منشفة ملابس كهربائية عملاقة، بهدف إعلانهم أنهم تركوا الإسلام. وفي إحدى الحالات، شُغلت المنشفة عندما رفض مجندون ترك الإسلام.
وفي مارس (آذار) عام 2016، توفي المجند الأميركي الباكستاني رحيل صديقي، بسبب سقوطه من شرفة مرتفعة بعد تعرضه لتدريب قاسٍ استمر أياماً.
في البداية، قالت قيادة المارينز إن مقتل صديقي كان انتحاراً. لكن، تقدمت عائلته بدعوى قضائية ضد المارينز. وطالبت بتعويض 100 مليون دولار، وقالت إن مدرباً اقتاد صديقي إلى الشرفة التي سقط منها إلى الأرض. وفي الصيف الماضي، خلال المحاكمات، نقل تلفزيون «سى إن إن» مقابلات مع مسعود صديقى، والده، وغزالة صديقى، والدته، قالا إنهما هاجرا إلى الولايات المتحدة من باكستان قبل 20 عاماً تقريباً. ورحيل، هو الابن الوحيد مع 4 بنات، وُلد في ديترويت (ولاية ميشيغان). وعندما كبر، اعترضا على رغبته في الانضمام إلى قوات المارينز الأميركية، خصوصاً أنه ترك دراسة هندسة الروبوتات بمنحة مجانية من جامعة ميشيغان.
وقالت الوالدة: «يوم ودَّعَنا للانضمام إلى المارينز، لم نصدق. لكنه طمأننا، وقال إنه سيقدر على العمل العسكري، وبخاصة تدريبات الجنود الجدد، ونحن كلنا نعرف أنها قاسية». وأضافت الوالدة: «قال لنا إنه سيحرص على الالتزام بدينه، ولن يأكل غير اللحم الحلال».
في ذلك الوقت، قالت صحيفة «نيويورك تايمز»، التي أجرت، أيضاً، مقابلات مع والدَي رحيل، إن شهرة التدريبات القاسية للجنود الجدد في القوات الأميركية المسلحة سببها حرص القوات المسلحة على اختيار الذين يقدرون على مشقة العمل العسكري. وأن قوات المارينز، خاصة، تتشدد في تدريباتها. هذه أصغر أسلحة القوات الأميركية المسلحة (200 ألف جندي تقريباً).
ونقلت الصحيفة قول غاري لى، ضابط مارينز متقاعد: «الرأي الشائع في تدريبات جنود المارينز الجدد هو: «اجعلوا منهم قتلة شجعان». وتشهد تدريبات تستمر 3 أشهر «نوماً قليلاً، وخوفاً من المدربين، وقلقاً، وتعباً».
حسب تلفزيون «سى إن إن»، رُفع بعض القضايا ضد قوات المارينز بسبب قسوة التدريبات، بعضها من جنود انسحبوا لهذا السبب، وبعضها من آباء وأمهات جنود انسحبوا، أو لم ينسحبوا.
في عام 2005، انتشر فيديو فيه مدربون يضربون الجنود الجدد. وفيديو غرق جندي. وفي عام 2011، حقق البنتاغون في سوء معاملة الجنود الجدد، ومنها فيديوهات جنسية لبعض المدربين. وكان البنتاغون قد حقق، أيضاً، في سوء معاملة زميل صديقي، أمير بورميش، مسلم من نيويورك. قال بورميش إنه تعرض لإساءات بسبب دينه. منها وصف المدرب له بأنه «إرهابي»، وأسئلة مسيئة مثل: «هل اشتركت في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001؟»، و«أين أسلحة الدمار الشامل (كانت واشنطن قالت إنها في العراق، قبل غزو العراق عام 2003)؟» بالإضافة إلى تعذيبه تعذيباً متعمداً، ومسيئاً، منها مرة أُمر بدخول منشفة ملابس عملاقة في القاعدة العسكرية، وإخراجه من وقت لآخر، بعد أسئلة عما إذا كان لا يزال مسلماً.
وحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فقط 5 إلى 1% من قوات المارينز من المسلمين. وفي كل القوات المسلحة (مليوني جندي تقريباً)، يوجد 6,000 جندي مسلم تقريباً، مما يشكل نسبة ربع واحد في المائة.
بالنسبة إلى صديقي، أوضح تقرير البنتاغون أنه اشتكى من قسوة التدريبات للجنود الجدد. وقال لزميل له «إنه يفضل الموت على هذا العذاب». لكنه، في نفس الوقت، أحس بالخجل من العودة إلى والديه مع إحساس بأنه فشل في تحقيق رغبته.
وأضاف التقرير أن صديقي تحدث مع زملائه عن رغبته في الانتحار، حتى لا يعود فاشلاً إلى والديه، وحتى لا يستمر يعاني من تعذيب المدربين. ويوم وفاته، «اشتكى من ضربات مدربه، والتي بسببها نُقل إلى مستشفى».



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟