الإعلان عن تعيين يوب هاينكس مدرباً لفريق بايرن ميونيخ، رغم تقاعده منذ 4 أعوام ماضية، وهو الذي احتفل بعيد ميلاده الـ73 قبل أيام، ومن قبله استعانة كريستال بالاس بروي هودجسون، الذي بات أول مدرب في السبعين من عمره يتولى قيادة فريق داخل الدوري الإنجليزي الممتاز، ما هو إلا تنامٍ لظاهرة وجود المدربين المخضرمين في الكرة الأوروبية.
وقال هاينكس، الذي حقق طفرة إيجابية خلال الأسابيع القليلة التي تولى فيها قيادة بايرن ميونيخ، خلفاً للإيطالي كارل أنشيلوتي المقال بعد بداية مهتزة: «أشار نقاد إلى أنني كنت بعيداً عن كرة القدم منذ 4 أعوام، لكن ردي أن كرة القدم لم يتم اختراعها من جديد خلال هذه الفترة. أما السن، فلا يعدو كونه مجرد رقم، ليس أكثر. والبعض يشعرون بالشيخوخة في عمر الـ45، لكنني لم أتغير؛ لا أزال أعشق الموسيقى والرياضة، وأشعر بأنني لا أزال شاباً».
من ناحية أخرى، وفي خضم سعيها للبحث عن مدرب جديد لقيادة المنتخب، استقرت تركيا على ميرتشا لوتشيسكو، البالغ 72 عاماً، الذي كان أول عمل يضطلع به بمجال التدريب الدولي عام 1981، أي في منتصف عمره. وقبل شهر ونصف الشهر، أوكل «كريستال بالاس» إلى روي هودجسون مهمة إنقاذ الفريق من الوضع المتردي الذي يعانيه حالياً، ليصبح بذلك أول مدرب يتجاوز السبعين من عمره يتولى تدريب نادٍ داخل الدوري الإنجليزي الممتاز. وعن كرة القدم، قال هودجسون: «إن الأمر أشبه بعقار يتسرب إلى داخل شرايينك ويبقى هناك. في هذه اللحظة، أشعر أنني في أفضل حالاتي على الإطلاق. ورغم أن المرء ليس بمقدوره تمزيق شهادة ميلاده، فإن هذا هو ما أشعر به حقاً».
اللافت أن هاينكس وهودجسون ولوتشيسكو يمارسون التدريب منذ فترة تتجاوز عمر أي من اللاعبين الذين يتولون تدريبهم. بالنسبة لهودجسون، فإنه اقتحم مجال التدريب للمرة الأولى في حياته عام 1976، أي قبل 3 سنوات عن هاينكس ولوتشيسكو. ومع هذا، فإن شخص مثل أليكس سميث قد ينظر إليهم جميعاً باعتبارهم صغاراً في السن، بالنظر إلى أن الاسكوتلندي أصبح المدرب الأكبر سناً على مستوى جميع بطولات الدوري الاحترافية على مستوى أوروبا، عندما تولى مسؤولية تدريب «فولكيرك» منذ شهر وهو في سن الـ77.
وقال سميث الذي تراجع إلى منصب المدير التقني منذ تعيين بول هارتلي مدرباً للفريق قبل أسبوعين، لكنه لا يزال يشارك في التدريب يومياً: «لا تفقد أبداً عشقك لكرة القدم. لا أعلم متى سأتوقف عن العمل بمجال التدريب، أعتقد أنني سأشارك دوماً بمجال كرة القدم بصورة ما. أنا مستمر في هذا العمل لأنني أعشقه، وأعشق أن أنهض كل صباح وأتوجه إلى العمل، وأعشق الاستعداد للمباريات: ليلة الجمعة وصباح السبت. ولا أزال أمر بحالة في بعض ليالي السبت تجعلني عاجزاً عن الحديث إلى أي شخص لشعوري بضيق بالغ. في الواقع، كانت كرة القدم دائماً عشقي الأول. لقد نشأت داخل قرية يعمل أغلب أهلها بمجال التعدين، وبدا لي هذا العمل كئيباً، فقد كان الناس يعملون بين 6 و7 ساعات يومياً، سعياً لكسب قوتهم، وكان عملهم يحتاج إلى شجاعة وجسارة كبيرة. أما كرة القدم، فعمل ممتع».
وبوجه عام، يعكس الاعتماد المتزايد على مدربين متقدمين في العمر حقيقة الوضع على مستوى الهرم السكاني ببريطانيا ككل، الذي أصبح يميل نحو الأكبر سناً، إلى جانب حدوث تحول في التوجهات العامة. جدير بالذكر أنه في عام 1991، تعرض دون هاو للطرد من منصبه كمدرب لـ«كوينز بارك رينجرز» في سن الـ55، باعتباره عجوزاً للغاية على نحو لا يجعله قادراً على قيادة الفريق خلال فترة كان البعض يصفها بالثورية في تاريخ كرة القدم الإنجليزية. وعلق هاوٍ على ذلك القرار بقوله: «لا أفهم ما الذي يمكن لزميل أصغر سناً عمله، وأعجز أنا عنه». وبعد ذلك، انتقل إلى التدريب لمدة 12 عاماً أخرى بمكان آخر.
عندما انطلق الدوري الممتاز في صورته الحالية عام 1992، كان 82 في المائة من المدربين العاملين تحت مظلته أقل عن 50 عاماً، وبلغ متوسط أعمارهم 45 عاماً. أما أكبرهم سناً، فكان برايان كلوف، وكان يبلغ 57 عاماً. اليوم، تتجاوز أعمار ربع المدربين المشاركين في الدوري الإنجليزي الممتاز عمر كلوف آنذاك، ونصفهم يعيش في نصف القرن الثاني من عمره، ويبلغ متوسط أعمارهم 51 عاماً. وعلى مستوى بطولات الدوري الممتاز الخمس الكبرى في أوروبا، يعتبر الدوري الألماني الوحيد الذي يقل متوسط أعمار المدربين به عن 50 عاماً.
إلا أنه مع تقدم المدربين في العمر، تظهر في الأفق بعض التحديات أمامهم. وفي هذا الصدد، قال بيتر تايلور، الذي أصبح رابع أكبر مدرب في بطولات الدوري الإنجليزي الأدنى في سن الـ64، عندما تولى مسؤولية تدريب «غيلينغهام» في أعقاب رحيل آدي بينوك، الشهر الماضي، لكنه رحل عن النادي سريعاً الشهر الماضي: «الأمر الذي يثير قلق المرء أنه قد يبدو أحياناً منفصلاً عن التوجه السائد. لقد كان ذلك الأمر الوحيد الذي أثار قلقي، لم أكن أود أبداً أن تأتي لحظة ينظر إليّ أي من اللاعبين، ويتساءل في نفسه: ما الذي يفعله هذا الرجل داخل غرفة تغيير الملابس؟ إنه عجوز للغاية. قد ينظر إليّ اللاعبون ويرون شعراً رمادياً وبعض التجاعيد بوجهي، لكنني أود أن يروا أنني في العصر ذاته الذي يعيشونه. وبأمانة، أرى أنني أحقق هذا بالفعل».
ويذكر أن سميث اضطر إلى تعديل أسلوبه في التدريب منذ أن قطع أولى خطواته في هذا المجال منذ قرابة 50 عاماً ماضية، وتمثل التغيير الأساسي في ترك الآخرين يقومون بعملية العدو حول المكان. وعن هذا، قال: «في سني هذا، لا تملك اللياقة البدنية الممتازة. وعندما أتولى مهمة التدريب، أحرص على الوقوف في وسط الملعب، والحديث بصوت مرتفع، وأصبح أشبه بقائد فرقة في السيرك. هناك أوقات تتطلب منك الحركة داخل الملعب بسرعة، لكنني أميل حالياً لترك الرجال الأصغر سناً يضطلعون بالجري، بينما أكتفي بالإشراف».
وأضاف: «بمرور الوقت، تتعلم نقل مسؤوليات لآخرين، ولا يصبح لزاماً عليك أن توضح أمام الصبية كيف ينبغي لهم تمرير الكرة مثلما اعتدت أن تمررها من قبل، إلا أنه يبقى لزاماً عليك التمتع بالطاقة اللازمة للاضطلاع بعملك والتفاني فيه. من ناحيتها، تعتقد زوجتي أنه من السخف أن أعمل طيلة هذه الساعات في مثل هذا السن، لكني أعتقد أن هذا ما يساعدني على البقاء نشيطاً قوياً. لا أريد التوقف عن التدريب، والشيء الوحيد الذي أشعر حياله بالندم أنه ليس بإمكاني بدء المشوار من جديد».
جدير بالذكر أن تايلور فاز في واحد من المباريات الأربع التي اضطلع خلالها بتدريب غيلينغهام، وبعد رحيله عن منصبه، قال: «أشعر أنه كان بمقدوري الإسهام على نحو أكبر». وخلال الفترة التي كان لا يزال خلالها مسؤولاً عن التدريب، قال: «أعشق الحضور داخل ملعب التدريب. في 9 مرات من 10، لا يعبأ اللاعبون بأي المدربين موجود، وإنما يرغبون فقط في أن يجري تنظيمهم، وتلقي تعليمات واضحة بما ينبغي لهم فعله. أما أنا، فبالتأكيد أصبحت مدرباً أفضل اليوم عما كنت عليه في بداية مسيرتي بمجال التدريب. إذا كنت تتمتع بلياقة بدنية كافية لأن تتمكن من التجول في أرجاء الملعب، ولديك القدرة على بناء علاقات طيبة مع اللاعبين، أعتقد أنه ليس هناك حاجة لتحديد سقف لعمر المدرب. وإذا كانت لديك الرغبة في الاستمرار في عملك خلال سنوات عمرك المتقدمة، فأعتقد أن هذا رائع، فهو يعني أنك لا تزال تعشق كرة القدم؛ وهذا أمر ممتع».
لقد حارب المدربون دوماً في مواجهة الزمن، وحاولوا بأقصى جهدهم إرجاء لحظة التقاعد. وفي كثير من الجوانب، لم يتغير الكثير اليوم، فيما عدا مستوى النجاح الذي يحققونه على هذا الصعيد. وعن هذا، قال أليك ستوك عام 1975، عندما كان في سن الـ58، العام الذي قاد خلاله فولهام إلى نهائي بطولة كأس الاتحاد الإنجليزي: «لقد حظيت بمسيرة مهنية جيدة، وفزت بالكثير، ولم يحدث أن تعرض فريق أتولى تدريبه للهبوط. ومع هذا، ليس هناك تقدير لعنصر الخبرة، ولذلك تجدون مدرباً مثلي بلا عمل. الواضح أنه لا أحد يرغب في سماع رأينا، وليس هناك في كرة القدم ما يكافئ (مجلس اللوردات)؛ يا لها من خسارة!».
هل دخلت مهنة التدريب مرحلة الشيخوخة؟
عودة هاينكس إلى بايرن ميونيخ وهودجسون إلى كريستال بالاس تعزز فرقة أصحاب الشعر الرمادي
هل دخلت مهنة التدريب مرحلة الشيخوخة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة