إبراهيم الحسين: الفضاء الإلكتروني يوفر للشاعر القارئ الذي يريد

كتب في الـ«فيسبوك» خلال سنة واحدة ما يعادل كتابته في ربع قرن

إبراهيم الحسين
إبراهيم الحسين
TT

إبراهيم الحسين: الفضاء الإلكتروني يوفر للشاعر القارئ الذي يريد

إبراهيم الحسين
إبراهيم الحسين

يقول الناقد والشاعر عبد الله السفر عن إبراهيم الحسين إنه «كائن مثالي للعزلة والانقطاع». وهو كذلك فعلا. وأكثر من ذلك، إنه يعشق حياة المتصوفين ويكتب بلغتهم. عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة الـ«فيسبوك»، يمارس كتابة نصوصه الشعرية التي تعبر الحدود، وتخلق له بيئة من محبين تتجاوز ما تجمعه أمامه أي أمسية شعرية يحييها. وخلال سنة، كتب أكثر من 400 نص شعري، وهو ما يعادل ما نشره في خمس مجموعات شعرية على مدى ربع قرن.. صدر كتابه الأخير متضمنا منها 142 نصا، وهي مجموعة: «على حافة لوحة في المنعطف الموسيقي».
قبل هذه المجموعة، أصدر إبراهيم الحسين أربع مجموعات شعرية، يعود تاريخ كتابة النصوص الأولى بها إلى عام 1989. وقد جمعها في إصداره الأول: «خرجت من الأرض الضيقة» (1992)، يليه «خشب يتمسح بالمارة»، ثم «انزلاق كعوبهم»، وأعقبه بـ«رغوة تباغت ريش الأوراق» (2011).
عن هذه التجربة، جاء هذا الحوار الذي أجري معه في الدمام حيث يقيم:
* أصبحت تكتب القصيدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، هل تشعر بأن المدونات تمنحك فضاء أكثر حرية فعلا؟
- لنتفق في البدء مع الشاعر الكبير صلاح فائق على أن «في مثل هذه اللقاءات مجالا كبيرا للادعاءات»، التي من السهل انجراف المرء إليها. لكن، ﻻ بأس في أن أقول لك إن هذه النافذة «الفيسبوكية» تعطيني مساحة كبيرة من الحرية؛ من ناحية سرعة النشر، وسرعة تلقي الانطباع ممن يتابعني من خلال بعض التعليقات التي كثيرا ما تفرحني، فنحن نحتاج أحيانا لمن يصفق لنا، نحتاج لمن يمدحنا بين وقت وآخر، نحتاج لمن يدفعنا إذا ساخت أقدامنا في رمل الإحباطات لننطلق مسافة أبعد، ونحتاج لمن يجعلنا نرتفع قليلا لنشعر بجدوى ما نكتب، كما قال سليم بركات في واحد من لقاءاته النادرة.
باختصار، نحتاج إلى قارئ حقيقي. وكلام الشاعر الرائع قاسم حداد حول مثل هذا القارئ في جريدة «الشرق»، قبل وقت قصير، يمكن أن يضيء شيئا مما أردت قوله.
* ماذا تمنحك الكتابة في الوسائط الإلكترونية؟
- أنت لست في معزل عما يكتب وينشر في هذه الوسائط، ولست منفصلا عما يقترح فيها؛ فهي متاحة لك. بذلك، أنت تتصل بأشياء جميلة ورائعة كانت غائبة عنك بشكل أو بآخر، فبين حين وآخر ترتفع الصخرة فيضيء داخلك وترى بأي مدخرات تكتنز روحك وقد كانت مغطاة ومتروكة، تجد فجأة جسرا لتعبر إليها وتتحسسها، تحملها وتجري بها في لحظة تكون أنت جاهزا بأدواتك وتكون معداتك تقريبا مكتملة.
* ألا تشعر بأن الفضاء الإلكتروني يسلبك بهجة التواصل مع الجمهور؟
- الأمر على العكس من ذلك؛ في ظل ما ترى من عزوف الجمهور عن حضور الأمسيات إﻻ ما ندر، ﻷسباب عدة ليس هنا مجال ذكرها أو الخوض فيها. ولن أذهب في هذه اللحظة مع بول شاوول في أن الشعر ليس جماهيريا، ولكن أعيد هنا ما سبق أن قلته: أنت بحاجة إلى قارئ حقيقي يقدر على التنبؤ بمواقفك قبل أن تتخذها، على حد قول قاسم حداد، هذا القارئ بت أعثر عليه في هذا الفضاء من خلال أسماء معروفة أحبها وأجلها وأجد رد فعلها أيضا على ما أجترحه وأقترحه من نصوص، وبشكل سريع.

* القصيدة الحديثة والرقمية
* هل يمكن أن يمنح الفضاء الإلكتروني مساحة أوسع لكتاب القصيدة الحديثة في المملكة تحديدا، ويوفر لهم قنوات اتصال سالكة مع الجمهور؟
- هذا كلام يعيدنا إلى ما قاله عبد الله السفر عن الحرية التي يوفرها ويمنحك إياها الفضاء الإلكتروني، أنت اﻵن في هذا الفضاء تجد السائد هو هذه القصيدة الجديدة، ولا تكاد تجد القصيدة القديمة أو كما تسمى أحيانا التقليدية أو العمودية. تجد المهتمين بهذه القصيدة وتشعر بتقبلها والتفاعل معها. هو فضاء افتراضي يوفر لك ما تريد، يوفر لك القارئ الذي تبحث عنه، القارئ الذي يحييك ويصفق لك، ويقدم لك درعا افتراضية هي في الحقيقة أفضل من الدرع التي تقدم لك في ختام كل أمسية، تتسلمها وأنت تضحك في داخلك من النهاية التي آلت إليها اﻷمور؛ وميض كاميرات ودرع ليست معها دليل إرشادي للكيفية التي توضع بها على الصدر.. تكتشف في النهاية أنك صنديد، يخجل من الدخول بدرعه إلى بيته.
* ما شروط القصيدة الرقمية (إن صحت العبارة)؟
- أي قصيدة، سواء أكانت رقمية أم غير ذلك، ما من شروط لها سوى أن تكون قصيدة تحمل حالة شعرية، تحمل شحنة شعرية تجفل منها يدك حين تلمسها؛ لغة وتراكيب جديدة وتأويلات تسلك من أجلها طرق الخيال الحي والحار، لغة تتنفس بكل عنفوان..
أنت حين تكتب القصيدة ﻻ تفكر فيما إذا كانت رقمية أو ﻻ، أنت تحاول أو تسعى لأن تقول، لأن تتخلص وأن تكتب قصيدة.
* هناك تدافع هائل تشهده الساحة الثقافية في السعودية نحو النشر الرقمي تحديدا.. هل ترى ثمة فوائد لهذا الفائض الكبير من ممارسة التعبير؟
- ما تسميه أنت فائضا هو في الواقع عملية غربلة مستمرة، غير مرئية لكنها موجودة، ﻷن ما سيبقى هو اﻷقدر على الصمود ومقاومة الظروف وعوامل الوقت، ما سيبقى هو اﻷقدر على تجديد نفسه، أما الضحل الذي بلا عمق فسيجرف ويلقى به بعيدا، هذا من فوائد التدافع الهائل الذي ذكرت. دع الكل يكتب، دع الجميع يتدافع.. يجرب، ويقترح، فثمة مصفاة تقف بالمرصاد.
* عبر وسائل الإعلام الرقمية؛ كتبت ما يزيد على 400 نص في سنة واحدة، وهو ما يعادل ما نشرته في خمس مجموعات شعرية على مدى ربع قرن.. إلى أي شيء تعزو هذا الثراء الشعري؟
- ما حدث هو أن هناك من جاء وأخذك في زيارة إلى الفنانة «فريدا كاهلو» وأجلسك عند سريرها، من نبهك إلى مرآتها المعلقة فوق ذاك السرير، من أخذ عينك ووضعها عند ما ينز منها..
ما حدث هو أن هناك من أدخلك في لوحة غزالتها وجعلك الغزالة المطاردة، من جعلك تئن مما ينغرز فيك من السهام، من منحك الدم ذاته الذي كان يبلل الهواء كلما انغرز سهم جديد فيك..
ما حدث هو أن هناك من أعارك ملابس وعيون وقلق شخوص لوحات هنري تولوز..
من جعلك تسمع نعيب غربان فان غوخ وجعلك تشم فجيعته في حقوله الصفراء، ومن جعلك مصبا ومرمى لعيونه..
ما حدث هو أن هناك من جعلك تصاحب «ياني» اليوناني وفتح لك فتحة على جنونه وعلى كمنجاته وعلى صفير موسيقاه الحاد الذي كان يغرزه في أكياس كانت مخبأة في نفسك، وجعل ما بداخلها يخرج وينسكب على الأرض، فتحة على «أورجه» و«غيتاره» الذي كانت أوتاره تكسر جرارك فيسيل ما فيك، جعلك تقف عاريا تحت مطره..
وهناك من جعلك ترافق عود نزار روحانا وعود أنور أبراهام، من صيرك فراشة هناك..
من وضعك في أعواد الثلاثي جبران وجعلك تفتتح بها صباحاتك وغيرهم وغيرهم..
هناك من جعلك تعشق كاميليا جبران في «صوت في سكون الليل يناديني»، فادية طنب الحاج في أغنيتها «أيها الساقي إليك المشتكى»، ودنيا مسعود ومروان عبادو وريم البنا وغادة شبير وهبة القواس وجاهدة وهبة وغيرهم وغيرهم..
من جعل رائحة الجرائد اللبنانية: «السفير» و«النهار» و«المستقبل» تخرج من ثيابك فتبريك كتابات أحمد بزون، ونديم جرجورة، وصفوان حيدر، وعناية جابر، وسمر دياب، وعارف حمزة، وعقل عويط، وعباس بيضون وغيرهم وغيرهم.. وجرائد أخرى وأخرى..
هناك من جعلك تتنشق الغاز الذي خنقت به نفسها في مطبخها «سيلفيا بلاث» وجعلك تتحسس خيط حذاء الممثلة المسرحية «سارة كين» الذي شنقت به نفسها دائما في جيبك..
ما جعلك تعاني عذابات وجنون النحاتة العاشقة «كاميل كلوديل»..
هناك من غسلك ونظفك وصهرك يا صديقي..
لغة أخرى.. لغة أخرى.. يا صديقي..
أردت أن أقول إني كنت مصدوما، أو لنقل على اﻷصح: كنت مفجوعا، فعن أي 400 نص تتحدث، تلك كانت بكاءات.
فماذا كنت تنتظر بعد كل هذا، ضع نفسك أنت أو غيرك في مكاني، حاول أن تخلص في صحبتك للبيانو أو الناي أو الكمنجة أو التشللو وانظر ما يحدث لك.

* تسلق اللغة
* لديك علاقة وثيقة باللغة تتسم بالحفر والمداومة والحضور في شتى الفنون، حيث يمكنك الحديث عن الفن التشكيلي والموسيقى من خلال الشعر.. كيف أثرت هذه اللغة في إثراء تجربتك الشعرية؟
- اللغة قصتنا، واللغة شجرتنا التي نتسلقها لنسد جوعنا، واللغة نخلتنا التي ما نبرح نهزها.. منذ أمد بعيد، تحدث الشاعر قاسم حداد عن ذلك وأشار إليه، كنا متنبهين إذن منذ البدء إلى وجوب الاعتناء بها، متنبهين إلى أهمية سقايتها وتربيتها..
أنت تكتب قصيدة نثر، تحتاج إلى مهارة عالية. أو لنقل إنك تكتب نصا، إذا لم تكن لديك لغة، إذا لم تهتم بما يرن ويلمع من المفردات، لما ينقل حالتك ويكون أمينا عليها، فسيسقط نصك أمامك، ويفلت من يدك وتراه شظايا على الأرض..
الحالة الشعرية، أو لنقل حالة الكتابة، ﻻ يمكن أن تنهض وحدها دون لغة ترفدها، تمسك يدها وترفعها؛ أنت ماذا لديك هنا غير اللغة؟
قرأنا القرآن الكريم، وقرأنا الأحاديث ومنها القدسية ذات اللغة العالية التي تبهرك.. قرأنا لغة المتصوفة: النفري والحلاج والتوحيدي وجلال الدين الرومي وغيرهم، قرأنا للغيطاني وبسام حجار وإدوار الخراط.. كل هؤلاء كانوا يصقلون لغتك ويزيلون عنها الشوائب، حد أنك تستطيع أن تصب شيئا منها وتجعله قرطا أو سوارا وتهديه لمن تحب.. من هنا، جاءت اللغة إذا كنت ترى أن لدي لغة..
فاللوحات والمنحوتات والقصائد وأنواع الموسيقى كلها موجودة فيك، لكنها تحتاج إلى ممر، تحتاج إلى جسر.
* هناك من يرى أن هذه العلاقة الوطيدة باللغة ساهمت في إحداث (عزلة) بينك وبين الناس، مما أضعف تجربتك في العلاقات الإنسانية؟
- الأمر ليس كما تسميه «عزلة»، وليس للغة علاقة به، كل ما في الأمر هو أنك ﻻ تجيد عرض نفسك، أو بالأحرى هو الكسل.. فلم يحدث في أي أمسية لي أن قمت بإرسال رسالة واحدة عنها لأي كان، أو أعلنت عنها في أي قناة تواصل.. أما العلاقات الإنسانية، فأمرها هو أنك تبحث عمن يثريك، عمن يعينك، عمن تشم فيه رائحة الشعر من مسافة بعيدة.
* هل يتعين على أي شاعر طليعي أن تكون لديه مواقف متميزة عن بقية الناس؟ لماذا أنت تتحاشى اتخاذ مثل هذه المواقف؟
- عن أي مواقف تتحدث؟ اذكر لي موقفا واحدا لم أكن فيه واضحا مثل قصيدة، وإذا أردت فاسأل الوردة، فأوراقي كلها بين أصابعها وأغاني ﻻ تخرج إلا من بوابتها.. ثم، هل تريد مني أن أكون شعاراتيا، هل تريد صراخا!
نصوصي هي مواقفي، بكائي أمام اللوحات ودخولها ثم عدم الخروج منها أو التخلص من ألوانها. بسهولة، أليس هذا موقفا..
استغراقي وذهابي بكليتي في الموسيقى الجميلة، أليس هذا موقفا؟ ملازمتي للوردة، ألا تعده موقفا؟ ألا يعجبك؟
* أنت أحد شعراء قصيدة النثر في السعودية، وتتجلى تجربتك في ديوانك (خشب يتمسح بالمارة) مثلا، كيف تجد مستقبل هذه القصيدة محليا؟
- في البدايات، أذكر أني أعطيت بعض نصوصي للشاعر قاسم حداد، لتجيئني بعد فترة، رسالة منه، حجرها: «أبشرك برفض كبير لكتابتك ممن حولك، وهذا الرفض لن يزيدك إلا مجدا ومكابرات». وقد ثبت أن كلامه كان صحيحا، فلا شك في أن هناك رفضا للقصيدة الجديدة - إن لم يكن محاربة، يقابله تكريس للقصيدة التقليدية، تكريس للنظم، ومع كل ذلك النبذ وإغلاق الأبواب في وجهها ومع ما يصب عليها من خرسانة إلا أنها كما ترى تدفع الإسمنت وتكسر الأبواب.. تخرج وترفع جذعها، تفتح أوراقها وتبرعم زهورها.
فانظر إلى ما يطرح من أعمال، سواء كانت ورقية أو رقمية، وأنت تعرف.. جل ما يطرح الآن هو قصيدة نثر أو ما يشبهها أو هو محاولة لكتابتها..
ثم إنك تكتب القصيدة ليس لأن فلانا أو علانا يكتبها، لكن لأنك تشعر بأنها تلبي حاجتك وهي الأقدر على قولك..
أنت ﻻ ترفض الوزن ولا القافية، أنت ﻻ ترفض القصيدة العمودية، لكن شرط أن تكون قصيدة.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».