الأصولية العنيفة بين الوهج والانهيار

من شكري مصطفى... إلى «داعش»

جندي عراقي يعتقل عنصراً محتملاً من {داعش} (أ.ف.ب)
جندي عراقي يعتقل عنصراً محتملاً من {داعش} (أ.ف.ب)
TT

الأصولية العنيفة بين الوهج والانهيار

جندي عراقي يعتقل عنصراً محتملاً من {داعش} (أ.ف.ب)
جندي عراقي يعتقل عنصراً محتملاً من {داعش} (أ.ف.ب)

ربما من المثير التذكير أن جماعة «التكفير والهجرة» وزعيمها شكري مصطفى طلبا من الحكومة المصرية - حسب شهادة للمحامي محمود عزام خال أيمن الظواهري، السماح له ولجماعته بالهجرة للشام أو للعراق، حتى يؤسس هناك «خلافة» للمسلمين، كما هو الوعد القديم في روايات آخر الزمان تمهيدا لقدوم «المهدي المنتظر» وهو نفس ما روجه تنظيم «داعش» في مرحلة وهجه الذي خبا، وبريقه الذي زال بعد ذلك، وهكذا كانت «دابق» عنوانا لمجلته بالإنجليزية وجذبا للمقاتلين الأجانب لصفوفه انتصارا للحسم الذي زال بسقوطها ثم زال تماما.
من المثير أيضا أن نجد قضية «كتكفير المعين» أو «عدم العذر بالجهل»، وهي السبب الرئيسي للخلاف الراهن والمحتدم الآن بين الأجنحة المتنازعة في «داعش»، تيار «الحازميين» من جهة وتيار «البنعلية» من جهة أخرى، هي السبب أيضا الذي دفع المهندس شوقي الشيخ - بقرية كحك بمحافظة الفيوم المصرية - زعيم ما عرف بالشوقيين أواخر الثمانينات في مصر للانشقاق عن «الجماعة الإسلامية» المصرية وإمارة عمر عبد الرحمن، بعد أن كفر الأخير كما كفر بعض الحازميين «داعش» وأميرها أبو بكر البغدادي الآن.
وبعيدا عن هذه الدائرية والتكرار الحديث، وعودا للغلاة الأول عند الخوارج كانت البيعة والتحكيم وتكفير القاعديين، والتكفير بالمعصية، من أسباب تشتت فرقهم، كذلك كانت واحدة من تصدعات «داعش» النظرية وخلافات أفرادها قبل السقوط الميداني بقليل ومعه.
يبدو أن انتهاج آيديولوجيا التكفير لامتلاك وتصنيف وتصفية الأمة والطائفة، وطموح الخلافة والإمامة لامتلاك السلطة جعل القضايا نفسها وبنفس الطريقة والتأثير عند جماعات التطرف المعاصرة ومجموعاته الصغرى والكبرى في كل حين، بشكل لا شعوري ولا تاريخي يجهل التاريخ ودروسه في إصراره على رفض الوسط والوسطية، والاحتكام وفقط لما يفهمه ولما يراه النص وهو فهمه له.
من هنا، مثلت صراعات المتطرفين الآيديولوجية فيما بينهم أكثر من 70 في المائة، اتهاما وسجالا وردا ودفاعا، من مجموع مؤلفاتهم ومضامين وغايات خطاباتهم تقريبا، وتسير معهم، سواء منذ تأسيساتهم أو انشقاقاتهم البكر أو في مسار واقعهم وتاريخهم، السابق والراهن، ويحتفظون بها في المجتمع كما في السجون.
وكان الانشقاق هو السمة الأغلب والأوضح في مسار وتاريخ الجماعات المتطرفة دائما، وخصوصا تلك التي ولدت في أزمات عميقة كالأزمة السورية أو الليبية أو العراقية بدرجة ما، وإن كان يقلل وجود الانشقاق وظهور جماعات كثيرة «جهادية» وجود المضاد الطائفي الحافز للتوحد أحيانا.
ويتضح في مختلف محطات وتاريخ حركات التطرف العنيف غلبة الانشقاق على التوحد أو الاندماج، وفي تاريخها المصري نجد أنه حتى أغسطس (آب) عام 1993 ميلادية فقط بلغت حالات الانشقاق في الجماعات الدينية المتطرفة أكثر من 93 حالة انشقاق في مشهد الجماعات المتطرفة حينها، وتشظت المجموعات المقاتلة في سوريا والعراق وليبيا إلى مئات بل آلاف رغم ادعائها جميعا وحدة الهدف والعدو؟
ويمكننا أن نوجز أسباب الانشقاق داخل الجماعات المتطرفة فيما يلي:
1- التكفير والتوسع فيه: وهو ماثل ومشاهد الآن في المشهد الداعشي، فأمثال الراحل تركي البنعلي وأبو جعفر القحطاني وأبو ميسرة الشامي وقبلهم أبو بكر ناجي أو الحكايمة الذين أصروا على تكفير كل مخالفيهم، من الإخوان للقاعدة، يصلون نار التكفير من تيار الحازميين الآن، ويكفي أن نذكر عناوين بعض مقالات الحازميين الحالية:
2- وهذه بعض عناوين تلك المقالات تغني عن محتواها: «القول الندي في كفر دولة البغدادي» «و«فساد عقيدة أبو محمد العدناني» و«بيان طاغوتية البغدادي» و«الرد على دولة الأصنام في قضية سب الله وتارك الصلاة» و«طواغيت دولة الأصنام في العراق وجدالهم عن الطواغيت» و«سل الحسام على دولة الأصنام» و«إعلان النكير على فرقة البنعلي الجهمية الحمير» إلى غيرها من المقالات والمنشورات التي يتداولها الحازميون في مواقعهم وحساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
ونذكر شبيها سابقا بتيار الحازميين ما عرف بتيار الشوقيين الذي ظهر في مصر أواخر الثمانينات، في انشقاق عن الجماعة الإسلامية المصرية، وكفر أميرها حينئذ الراحل عمر عبد الرحمن، واعتمد على فتاوى أميره شوقي الشيخ، حتى كفر بعض مقرئي القرآن الكريم، ونذكر في هذا السياق القضية رقم 2471 لسنة 1989 فهي أكثر غرابة إذ عاقب أنصار شوقي الشيخ بقالاً يدعى شعبان أبو طالب لأنه دأب على سماع القرآن الكريم بصوت الشيخ عبد الباسط عبد الصمد، وكان شوقي يعتبر أن المقرئين المشهورين «كفرة» لأنهم يتعاملون مع النظام القائم.
3- إشكاليات فقهية «كالعذر - أو عدم العذر - بالجهل»: وكما كان سبب الخلاف بين المجموعات المتطرفة المصرية في السجن بعد مقتل السادات سنة 1981، ازدادت حدته وصار سببا للخلاف بين أجنحة «داعش» الآن، وخصوصا بين «الحازميين» الذين يرفضون العذر بالجهل ويكفرون من لم يكفر من كفروه، وبين البنعليين الذين لا يعذرون بالجهل ولكن لا يكفرون من يقول بعدم التكفير به..
4- الإمارة ونزاعها: مثل جدل إمارة الأمير وإمارة الأسير في تاريخ الحركة الجهادية المصرية أو الجزائرية، وصولا لاشتراط تنظيم «داعش» البيعة من كل مخالفيها، وإلا كان مصيرهم الحكم بالردة واستحلال القتل، وهو ما سبق أن مارسته تنظيمات التكفير والهجرة والشوقيين في مصر أو الجماعة الإسلامية المسلحة في الجزائر.
5- كثرة المفتين وفوضى الإفتاء: التخوين والاتهام بالعمالة عند أدنى اختلاف أو اعتراض، وهو ما ينتجه ويساهم فيه كثرة المفتين وثقة المتطرف وجسارته على الإفتاء في المسائل الخطيرة، ولافتته في تطهير الصف وتصحيح ومصلحة التوحيد وما شابه مما يجعل إمكانية نشوء مجموعات جديدة قائما دائما.
6- طبيعة التطرف الانقسامية: ويلاحظ في تاريخ جماعات «الجهاد المصري» مثلا، أنها ولدت مجموعات صغيرة، ولم تتوحد إلا مرة واحدة إعدادا لاغتيال السادات في عملية «الجهاد» الكبرى سنة 1981 ثم تفككت بعد ذلك، إلا في المهجر تحت قيادة الظواهري وليس كل المجموعات «الجهادية»، ثم انطوت وانضوت تحت لواء «القاعدة» وشبكتها فيما بعد.
العوامل الحاكمة للانشقاق والاتحاد بين الجماعات
يختلف معدل الانشقاق من جماعة إلى أخرى، من كونها دينية دعوية إلى كونها «جهادية»، وحسب حجمها وعمرها الزمني وهيكلها التنظيمي وسيطرته.
عرف تاريخ التنظيمات المتطرفة دائما، محاولات للاندماج أو عمليات للانشقاق، ولكن الأولى قد تقف عند حدود التنسيق أو الشكل الجبهوي سياسيا أو «جهاديا»، وهو ما يكون عند وجود تحديات أو طموحات مشتركة، كما كان في تحالفات الإسلاميين الانتخابية، في مصر في الثمانينات أو في الجزائر مع جبهة الإنقاذ سنة 1989 أو في غيرهما، أو في مجلس شورى «المجاهدين» الذي أسسه الزرقاوي سنة 2004 ليضم مختلف الفصائل «الجهادية»، كما عرفناه فيما بعد الثورات العربية في أشكال مختلفة سياسية و«جهادية» وعنفية، حيث تم اندماج مجموعات أصغر وتشكلت جبهات أكبر مختلفة خاصة في الساحتين السورية والليبية، حيث وحدهم جميعا طموح الدولة والإمارة لتكوين جبهات متوحدة، كما شاهدنا ونشاهد في بؤر الصراع في سوريا وليبيا بالخصوص.
لكن كان الخلاف والانشقاق والصدام بين الجماعات دائما أكثر تكرارا من محاولات التنسيق، سواء على المستوى النظري أو العملي، بدءا من الصراع على إمامة المساجد حتى الصراع على إمارة الجماعة والناس.
وكثيرا ما وصل الخلاف بين تنظيمات التطرف العنيف، لحد القتل والاستحلال المتبادل والخيانة ومحاولات الاغتيال، وسبق أن اتهم بعض مؤرخي الإخوان التنظيم الخاص بقتل حسن البنا، ووصفه الظواهري في الطبعة الأولى من «الحصاد المر» بشيء من ذلك، كما قتلت مجموعة «الجهاد المصري» في بني سويف أحد قيادييها الذي فكر في الانشقاق سنة 1986 يدعى (حسام البطوجي)، أو تاريخ العشرية السوداء في الجزائر حين أعدم عنتر زوابري 500 «جهادي» كانوا معه من تيار الجزأرة لمجرد تفكيرهم في المصالحة، كان في مقدمتهم قائده الدكتور محمد سعيد، وغير هذا كثير، أو ما أثير مؤخرا من تسريبات بعض قيادات جبهة فتح الشام في سوريا من تبييتهم النية لاستئصال شأفة حركة أحرار الشام وآخرين وأدت للانشقاقات الأخيرة فيها.
إن جماعات التطرف بطبيعتها تطهيرية وانقسامية وانشقاقية وتتناسب درجة انقسامها طرديا مع درجة تشددها، فأكثرها غلوا تكون أكثرها انقساما، كما تتناسب عكسيا مع قصر وطول عمرها، فالحركات طويلة العمر نسبيا أقل درجة من التعرض للانشقاق.
ومثالا على ذلك أنه في الانقسام الداعشي الحالي الراهن، بين الحازمية والبنعلية، لم يتصور أحد أن تكون بداية تفكك هذا التنظيم العسكري العتيد من مسألة منهجية دقيقة تجاوزها العقل المسلم مع ما تجاوزه من مسائل العقيدة والكلام في عصر التحديات الحضارية والصراعات الوجودية التي تعيشها الأمة، ولم يستطع التنظيم رغم بطشه وسطوته حسم هذه المسألة ودياً بين أنصاره وعناصره، ولم تفلح دعواته المتكررة لجنوده و«رعاياه» إلى عدم الخوض فيها والنقاش حولها، ومكمن الخطورة في هذه المسألة - أو على الأرجح كما يتصورها تنظيم داعش - أن المواقف المترتبة عنها لا تتوزع بين: رأي صحيح ورأي خاطئ، بل تتراوح بين رأي سني ورأي كفري! بمعنى إما أن تأخذ برأيي في المسألة فتسمى مسلماً أو تصر على رأيك فتبقى كافراً مرتداً.
ختاماً، يزخر مشهد التطرف العنيف المعاصر بتناقض غريب بين خطاب المتطرفين الداعي للوحدة في سوريا والعراق وليبيا ومصر وغيرها، والمحتكر للفرقة الناجية والصحة وبين واقع صراعاتهم، عالميا أو إقليميا أو وطنيا، من فرق الخوارج العشرين، إلى الشوقيين والجماعة الإسلامية المصرية التي انشقوا عنها، إلى الجولاني وأبي هاشم الشيخ الشركاء السابقين في جبهة فتح الشام إلى قنبلة العذر بالجهل القديمة بين الجماعة الإسلامية المصرية ومجموعات «الجهاد المصري»، ثم بين الحازميين والبنعليين في صفوف «داعش»، وهكذا يفقد الوهج الآيديولوجي اللاتاريخي مع اختبارات التاريخ بريقه ويسقط نظرا وواقعا مع الوقت.



«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
TT

«حزب الله» العراق... صورة حول الفرات بأهداف تتجاوز الأصل اللبناني

أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)
أعلام صفر لـ«كتائب حزب الله» العراق خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (الشرق الأوسط)

ارتبط مسمى «حزب الله» بنوعين؛ أعلام صفراء في لبنان، وحسن نصر الله أمين عام حزب الله، لبنان، لكن النوع العقائدي الأكبر خطورة يسير في دماء العراق، حزب هو بذات الاسم، عقائديون أكبر أثراً في سفك الدماء، حيث يرعون الأمر أكبر من مجرد حزب أصفر له الضاحية الجنوبية في لبنان؛ مسكن ومقر ومشيعون.
بين دجلة والفرات، حزب يسمى كتائب «حزب الله العراق»، له أكثر من 13 عاماً وهو في تشكيله الحالي، ليس بالهين عوضاً عن ميليشيات «الحشد الشعبي» التي أخذت كل الوهج الإعلامي كونها مرتبطة بنظام إيران، لكن «حزب الله العراق» وكتائبه تمر في أزقة السواد وبأخطر من دور ميداني تمارسه «الحشد الشعبي»، لأن العقائدية ونشرها أشد خطورة من ميدان يتقهقر فيه الأضعف، نظراً للضربات الآمنة التي يقودها الحلفاء أولو القوة من غرب الأرض لوقف تمدد النزيف، دائماً ما يكون مصنع الوباء يمر بحزب الله العراق.

قبل أشهر، كان الحزب تعرض لواحدة من أعنف الغارات على مواقعه، بعد هجوم صاروخي استهدف قاعدة التاجي في العراق، وقتل فيها جنديين أميركيين وبريطانياً، وجاء الرد خلال ساعات قليلة بفعل غارات أميركية - بريطانية مشتركة، ضد منشآت لميليشيات حزب الله العراقي في محافظتي بابل وواسط ومنطقة سورية محاذية للحدود العراقية.
نظرة سريعة على حزب الله العراق، من التاريخ، كان عماد مغنية (قتل في 2008 بغارة إسرائيلية في دمشق) الإرهابي اللبناني التابع لإيران، وحزب الله لبنان، كان أحد صنّاع هيكل هذا الحزب في العراق، حيث بدأ في العمل وفقاً لتوجيهات وأوامر نظام الملالي في تكوين حزب يشبه حزب الله اللبناني، وهو ما يبدو أن الأوامر جاءته في تجويد هذا الحزب ليكون بذراعين: عسكرية وعقائدية، ويبدو أن مغنية تجاوز أخطاء عديدة في تشكيل ووهج حزبه اللبناني، فصنع بهدوء هيكلة مختلفة للحزب، جعلت كل المساجد والحسينيات وقوداً يضخ فيها البذور التي يرغبها أولو العمائم.
ظهر الحزب بحضوره الأول بقوام تجاوز 4 آلاف شخص، منتمين بعضويات عدة داخله، وتنامى العدد حتى قبل تصنيف الولايات المتحدة له كـ«تنظيم إرهابي»، لكنه جعل دوره التسويقي للحشد والتنظيم أكبر من مجرد عسكرة، بل فكرة أكثر ارتباطاً في نشر آيديولوجيا عبر مواقع عدة، ومنها تفريخ عناصر في قطاعات مهمة داخل العراق؛ منها وزارة التعليم ووضع لبنات التعاون مع أحزاب دينية؛ منها «الحزب الإسلامي» الذي يتغذى بمنهج الإخوان المسلمين.
ربما ما يدور أن الحزب هو جزء في تكوين «الحشد الشعبي» لكن ذلك يمر بتقاطعات، حيث يشير عبد القادر ماهين، المتخصص في شؤون التنظيمات الإرهابية، إلى أن الحزب يظهر كونها جزءاً من تكوين الحشد، لكنه جزء يصنع الكعكة الميليشياوية ويشارك في تسميمها ويعمل على توزيعها في المناطق المجاورة.
يشير ماهين في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» إلى أنه لا أمين عاماً للحزب أسوة بحزب الله اللبناني، حيث يظهر فيه حسن نصر الله، مبرراً ذلك أن الفرق بين تكوين الحزبين هو الحاجة والدور، حيث يتمركز في جنوب العراق بعتاد عسكري، له هدف في وضع حضور طاغٍ يحاول تفخيخ الحدود، لأن الهدف يرتبط مع إمبراطورية إيران الكبرى الممتدة، ولا يظهر له الأثر السياسي كممثلين له كما هو الحزب اللبناني ليكون أثره في تشكيل الحكومات والبرلمانات.

إذن ما الدور الذي يلعبه الحزب؟

الحزب كما يرى ماهين، أنه ذو دور عسكري في الأصل، لكن الترتيبات ما بعد 2009 جعلته أكثر قدرة في تكوين فريق احتياط عسكري ليس أكثر وفق الحاجة، يدعم التوجهات والسياسات الإيرانية، لكن ما أخل بتلك القاعدة مشاركته المباشرة في دعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، وأصبح أكثر من 4 أو 5 آلاف جندي مشاركين في السيطرة على مدن سورية تحت إمرة إيران في سوريا التي تتشكل من 4 فصائل مسلحة.
الحزب ليس عسكرياً فقط؛ كان ولا يزال صاحب دور في الترويج العقائدي، وتصوير الحضور الإيراني بشكل إيجابي مزعوم، إضافة إلى عمله الاقتصادي، حيث يدخل عناصره الكبرى في مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي، من شركات اتصالات وشركات نفطية، وأخرى ذات علاقة بقطاع الطيران، وإدارة المطارات والمنافذ، وبعض الأشخاص أبرزهم هادي العامري الذي كان صاحب صولات وجولات حين حمل حقيبة وزارة النقل العراقية في وقت سابق، وكان أبرز مهددي الاستمرار الكويتي في بناء ميناء مبارك الكبير، حيث هددت كتائب الحزب الشركات من الاستمرار بالعمل، وحينها ظهر العامري بأن ذلك المشروع «يغلق القناة الملاحية لموانئ العراق».
مرحلة مختلفة ظهرت، حين عاودت الآلة العسكرية الحزبية لكتائب حزب الله العراق، بالعمل من خلف الصفوف، حيث كانت أبرز مهددي السفارات وأكثر ملغمي مسارات الحلول السياسية، بل ومن رمى بقادة العراق اليوم في تحدي أن يرضخوا أمام شعب بدأ في كراهية الحضور الإيراني، وكان الحزب أبرز علامات استهداف المتظاهرين في العراق في كل البلاد، بغية كسر حدة السيوف الشعبية لتصبح مجرد مقبض دون رأس حربة كي يحافظ الحزب على الوجود الإيراني، خصوصاً أنه أبرز متلقٍ للأموال من نظام إيران وأكثرها غناءً.
الدور الاقتصادي لكتائب حزب الله العراق أصبح أكثر وضوحاً، حيث كان أكبر المنتفعين في عام 2015، من «الفدية القطرية» التي وصلت إلى أكثر من مليار دولار، مقابل إطلاق سراح قطريين كانوا يقضون وقتهم في الصيد جنوب العراق، ورغم أن الأنباء قالت إن الخاطفين لعدد من أبناء الأسرة الحاكمة القطرية ومعاونيهم الذي بلغ 28 شخصاً، كانوا من تنظيم «داعش»، لكن التقارير المسربة لاحقاً في بدايات 2016 حيث جرى تخليصهم وعودتهم إلى قطر، كانوا يتبعون لكتائب حزب الله العراق، وهو ما ينافي الرواية الرسمية القطرية التي تقول إنها دفعت المبلغ للحكومة العراقية.
الدور المستقبلي لن ينفك عن منهجية تتقاطع مع حزب الله اللبناني، حيث لدى الحزب اليوم الرؤى ذاتها، خصوصاً في اعتماد سياسة «افتعال الأزمات»، كي لا ينكسر الحضور الإيراني ونفوذه في المؤسسات الدينية وبعض السياسية، التي يجد فيها بعضاً من رجاله الذين يقبعون في سياسة تخفيف الضغط على النظام السياسي ومحاصصته التي تستفيد منها ميليشيات إيران في العراق، وما بعد مقتل قاسم سليماني، غربلة يعيشها الحزب الذي يجرب يوماً بعد آخر أسلوب التقدم خطوة بخطوة، مستفيداً من تكتيك الفأر في نشر طاعون على أرض هي الأهم لإيران.