حركة «الشباب» الصومالية... عودة الاستنزاف بالإرهاب

بعد نجاح الغارات الأميركية في الوصول لقيادات الصف الأول

تفجير انتحاري نفذته «حركة الشباب» أمام فندق في مقديشو الشهر الماضي (إ.ب.أ)
تفجير انتحاري نفذته «حركة الشباب» أمام فندق في مقديشو الشهر الماضي (إ.ب.أ)
TT

حركة «الشباب» الصومالية... عودة الاستنزاف بالإرهاب

تفجير انتحاري نفذته «حركة الشباب» أمام فندق في مقديشو الشهر الماضي (إ.ب.أ)
تفجير انتحاري نفذته «حركة الشباب» أمام فندق في مقديشو الشهر الماضي (إ.ب.أ)

عملت عدة عوامل ذاتية وموضوعية في سنة 2016، على إحداث تراجع حاد في النشاط الإرهابي لحركة الشباب الصومالية. فبفضل الجهود الإقليمية والدولية خسرت الحركة معظم الأراضي التي كانت تحكمها منذ 2009؛ كما أدت النزاعات الداخلية التي دبت وسط التنظيم الإرهابي، وظهرت للسطح منذ سنة 2012 لخلخلة حقيقية للصف الداخلي للحركة. كما أدت لانشقاق بعض الأفراد عن التنظيم الأم، ومبايعة أبي بكر البغدادي.
أظهرت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم)، قدرة مهمة على المواجهة؛ خاصة بعد الدعم الأميركي والبريطاني الأوروبي لقواتها، تسليحا وتدريبا. وكذا بعد النجاحات التي حققتها الغارات الأميركية في الوصول لقيادات الصف الأول لهذه الحركة الإرهابية.
ورغم فقدان تنظيم الشباب لأهم معاقله ومصادر تمويله والشح الكبير في المقاتلين الذي يعانيه اليوم؛ فإن حركة الشباب الصومالية، بقيادة الأمير الحالي للمنظمة «أحمد ديري أبو عبيدة»، ما زالت تشكل تهديدا خطيرا للحكومة، والاستقرار الأمني الهش أصلا في كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا. فقد استطاع التنظيم التأقلم مع الوضع الجديد لميزان القوة على الأرض؛ وغير منذ 2016 من سياسة المواجهة التقليدية، لقوات الاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية، وتنبي استراتيجية حرب العصابات. وكون لهذا الغرض مجموعة متخصصة في الاستخبارات، وأخرى للعمليات الخاصة.

الضربات المركزة
وضمن سياسته الجديدة، يعمل التنظيم الإرهابي الصومالي على اختيار أهدافه بدقة، مع ضمان بقائه على مسرح الأحداث باعتباره قوة لا يمكن تجاوزها. ويبدو أن النصف الأخير من سنة 2017 التي نعيشها، يعرف تطورا نوعيا لطبيعة المواجهة التي يتبناها التنظيم؛ والتي تقوم على اختيار نوعية الأهداف ووقت المواجهة، والرجوع للمناطق المسيطر عليها للاختباء. في هذا السياق يمكن تفسير أكبر عملية وحشية نفذتها حركة الشباب منذ 2007، حيث استهدف تفجير إرهابي في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 منطقة مزدحمة في قلب العاصمة الصومالية مقديشو مخلفا نحو 250 قتيلا، وعددا كبيرا من الجرحى؛ كما خلف هذا العمل الوحشي خسائر مادية قدرت بنحو 6.3 مليون دولار أميركي.
وفي دعم لسياسة الضربات المركزة، والإبقاء على العاصمة مقديشو تحت «جحيم» الإرهاب؛ شن التنظيم الصومالي هجوما إرهابيا 28 أكتوبر 2017، على فندق «ناسا هابلود 2»؛ خلف أكثر من 70 قتيلا من بينهم برلمانيون سابقون، وضباط في الشرطة برتب عالية، ومسؤولون في الدولة وشخصيات أجنبية. وأعلنت الشرطة الصومالية، أن العملية تمت عن طريق انتحاري قاد السيارة المستعملة في الهجوم، فيما اقتحم مسلحون من تنظيم الشباب الفندق الذي يتردد عليه سياسيون في مقديشو، لقربه من القصر الرأسي.
وفي السياق نفسه الذي يؤكد عودة الشباب لمسرح الأحداث الصومالية، شن التنظيم عملية إرهابية بسيارتين مفخختين السبت 14 أكتوبر 2017، في مكانين مختلفين بالعاصمة مقديشو، أدت إلى مقتل نحو 22 شخصاً وإصابة آخرين.
وأمام هذا التصعيد الذي يمارسه التنظيم الإرهابي، اتخذت الحكومة الصومالية الضعيفة، إجراءات استعجالية لمواجهة هذا الوضع؛ حيث أقالت بتاريخ 29 أكتوبر، قائد الشرطة «عبد الحكيم طاهر ساعد»، ومدير جهاز المخابرات الوطنية «عبد الله محمد سنبلولشي». مما يعني أن التنظيم قادر على التأثير بقوة في الساحة الصومالية، وإرباك السياسة الأمنية للحكومة.
ويستنتج من كل ما سبق، أن الانتصارات التي حققها التنظيم الإرهابي الصومالي مؤخرا، لا تتعلق فقط بزعزعة الأمن والاستقرار؛ بل إن الشهور الأخيرة عرفت تقهقرا وهزائم نكراء للجيش الحكومي أمام مقاتلي الشباب، ونتج عن ذلك أزمة سياسية حقيقية، أضيفت لمشكلات الحكومة الحالية. ويمكن اعتماد انتصارات حركة الشباب، في مواجهتها المسلحة مع الجيش الصومالي مؤخرا بعد شن مقاتلي التنظيم، لهجوم على بلدة بريري التي تبعد 60 كلم جنوب غربي العاصمة مقديشو، مؤشرا بارزا على الإرباك العسكري والسياسي الذي تمثله حركة الشباب للحكومة الحالية.
حيث تمكنت الشباب من قتل نحو 100 عنصر من القوات الخاصة الصومالية العالية التدريب؛ وهو ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع، عبد الرشيد عبد الله محمد، والقائد العام للجيش الصومالي الجنرال محمد جمعالي عرفيد.
وفي سياق العودة القوية دائما للتنظيم الإرهابي الصومالي؛ استولت حركة الشباب الصومالية 4 أغسطس (آب) الماضي، على بلدة ليجو التي تبعد عن مقديشو بنحو 130 كيلومترا إلى الشمال الغربي. وتجدر الإشارة أن هذه المنطقة عرفت أسبوعا داميا قبل السيطرة على البلدة، حيث قتل تنظيم الشباب لنحو 12 من قوات حفظ السلام الأفريقية بعد مواجهات عنيفة جدا. من جانب آخر دفع تصاعد وتيرة وقوة الأحداث الإرهابية التي نفذها تنظيم الشباب، بنحو 50 نائبا برلمانيا إلى التوقيع على عريضة تطالب باستقالة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، في الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.

تجاوز الأزمة الداخلية
ويبدو أن هناك مجموعة من العوامل ساعدت على تنامي نشاط تنظيم أحمد ديري أبو عبيدة، في مقدمتها تجاوز الخلافات الداخلية. وكانت الحركة قد تأثرت بشكل قوي، بالتجاذب والنزاعات الداخلية؛ منذ أن خرج أحد أعضائها من أصل أميركي عمر حمامي للإعلام سنة 2012 للحديث عن تهميش قيادة التنظيم، لما سماهم «بالمقاتلين الأجانب».
ومما زاد من استفحال الأزمة الداخلية، ظهور رسالة بعنوان «أنا النذير العريان» التي وجّهها إبراهيم الأفغاني إلى زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في عام 2013 يكشف فيها الأفغاني ما يعتبره انحرافا في «حركة شباب» الصومال بقيادة أبي الزبير، والتي اتهمها بشن حرب ضد «العلماء والمجاهدين». ويقول أبو بكر الزيلعي المعروف بإبراهيم الأفغاني، في رسالته المشار إليها، أن «معظم الشخصيات في قائمة المطلوبين دوليا بتهمة الإرهاب من قبل أميركا وأوروبا ودول الجوار هم أيضاً نفس المطاردين أو المعتقلين أو المهمشين لدى حركة الشباب».
ومع هذه الأجواء الداخلية المشحونة، نشبت في صيف 2013، مواجهات مسلحة عنيفة وغير مسبوقة بين أفراد التنظيم. بين التيار الموالي لجودان من جانب، والتيار الموالي لمختار روبو وأويس وشونجول من جانب آخر؛ وقد أسفرت المواجهات عن إقصاء نحو 200 عنصر من «جهاز أمنيات» للاستخبارات التابع لتنظيم الشباب. كما تمكن الشباب في هذه المواجهات من قتل الأفغاني في 20 يونيو (حزيران) 2013.
وفيما يخص القيادي والمؤسس مختار روبو، قد خاضت قواته عدة مواجهات مع تنظيم الشباب إلى سنة 2017، واستمر الخلاف بينه وبين التنظيم التابع لـ«القاعدة»؛ وفي 14 أغسطس 2017 تمكن مختار روبو (أبو منصور) من الوصول للعاصمة الصومالية مقديشو جوا، بعد مفاوضات مع الحكومة الحالية، حسمت مستقبله ومستقبل المقاتلين الموالين له. وقد ساعد شطب الولايات المتحدة الأميركية في شهر يونيو 2017 اسم مختار روبو، من لائحة الإرهابيين المطلوبين على التعجيل بهذا التحول.

كسر شوكة التنظيم
يبدو أن جهود كسر شوكة تنظيم الشباب الصومالي، لا تتعلق باستقطاب واحد من أبرز مؤسسيه فقط، بل تتجه جهود الحكومة الصومالية لتعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة التنظيم. فبعد الأحداث الإرهابية المشار إليها أعلاه، والتي مثلت تحديا كبيرا للحكومة؛ قام قبل أيام الرئيس محمد فرماجو بزيارة إقليمية، إلى كل من أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي، للحصول على دعم عسكري والتسريع من وتيرة التنسيق لمواجهة حركة الشباب. وفي هذا الإطار نشرت وسائل إعلامية صومالية يوم الخميس الماضي، أن إثيوبيا نشرت قوات إضافية في إقليم جيدو، تقدر بنحو ألف جندي ومدججة بأسلحة ثقيلة. وأعلن مسؤول رسمي صومالي بالولاية، أن هذا التحرك العسكري يأتي في سياق التنسيق الصومالي الإثيوبي، والخاص بالهجوم المرتقب من قوات البلدين على مواقع الحركة الإرهابية في الإقليم استجابة لدعوة الرئيس محمد فرماجو.
رغم كل هذه الجهود الرسمية الصومالية، والدعم الدولي خاصة الغارات الأميركية على مواقع الشباب، المتواصلة (أعلنت واشنطن الجمعة أنها شنت غارتين ضد تنظيم داعش في الصومال وأنهما خلفت عدة قتلى)، ويمكن القول أيضاً أن تنظيم الشباب استعاد كثيرا من عافيته الداخلية، ومكنته تجربته الطويلة في القتال من الخروج من معاركه ضد قوات حفظ السلام الأفريقية بأقل الخسائر.
ورغم الانكماش الكبير جغرافيا الذي يعيشه التنظيم منذ 2016، وعودة آلاف الصوماليين من الدول المجاورة، جراء التحسن المؤقت للوضع الأمني؛ فإن الوضع الداخلي للبلد والانقسامات القبلية والعشائرية، والاختلافات القائمة بين دول الجوار الصومالي، إضافة لقلة التجهيزات والجاهزية العسكرية لقوات حفظ السلام الأفريقية. كلها عوامل تستغلها حركة الشباب لصالحها، خاصة مع الدعم القوي الذي يقدمه لها تنظيم القاعدة؛ والذي يرغب بشدة في استعادة موقعه في الصومال، وجعل البلد قاعدة حقيقية لتنظيم أيمن الظواهري في أفريقيا جنوب الصحراء والقرن الأفريقي، واستقطاب المقاتلين الموالين لـ«داعش» في المنطقة.
وهدا التوجه الجديد لحركة «الشباب»، لا يشكل تهديدا على الصومال فقط؛ بل يتجاوزه ليمس استقرار منطقة القرن الأفريقي، (جيبوتي، وإريتريا، والصومال، وإثيوبيا وكينيا)، وصولا لليمن والخليج العربي. ولهذا يتوجب على القوى الإقليمية والدولية، تقديم مزيد من الدعم للدولة الصومالية، حماية لمصالحها، والمصالح الدولية الاقتصادية والتجارية بالمنطقة.

* أستاذ زائر العلوم السياسية جامعة محمد الخامس - الرباط



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.