عملت عدة عوامل ذاتية وموضوعية في سنة 2016، على إحداث تراجع حاد في النشاط الإرهابي لحركة الشباب الصومالية. فبفضل الجهود الإقليمية والدولية خسرت الحركة معظم الأراضي التي كانت تحكمها منذ 2009؛ كما أدت النزاعات الداخلية التي دبت وسط التنظيم الإرهابي، وظهرت للسطح منذ سنة 2012 لخلخلة حقيقية للصف الداخلي للحركة. كما أدت لانشقاق بعض الأفراد عن التنظيم الأم، ومبايعة أبي بكر البغدادي.
أظهرت بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال (أميصوم)، قدرة مهمة على المواجهة؛ خاصة بعد الدعم الأميركي والبريطاني الأوروبي لقواتها، تسليحا وتدريبا. وكذا بعد النجاحات التي حققتها الغارات الأميركية في الوصول لقيادات الصف الأول لهذه الحركة الإرهابية.
ورغم فقدان تنظيم الشباب لأهم معاقله ومصادر تمويله والشح الكبير في المقاتلين الذي يعانيه اليوم؛ فإن حركة الشباب الصومالية، بقيادة الأمير الحالي للمنظمة «أحمد ديري أبو عبيدة»، ما زالت تشكل تهديدا خطيرا للحكومة، والاستقرار الأمني الهش أصلا في كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا. فقد استطاع التنظيم التأقلم مع الوضع الجديد لميزان القوة على الأرض؛ وغير منذ 2016 من سياسة المواجهة التقليدية، لقوات الاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية، وتنبي استراتيجية حرب العصابات. وكون لهذا الغرض مجموعة متخصصة في الاستخبارات، وأخرى للعمليات الخاصة.
الضربات المركزة
وضمن سياسته الجديدة، يعمل التنظيم الإرهابي الصومالي على اختيار أهدافه بدقة، مع ضمان بقائه على مسرح الأحداث باعتباره قوة لا يمكن تجاوزها. ويبدو أن النصف الأخير من سنة 2017 التي نعيشها، يعرف تطورا نوعيا لطبيعة المواجهة التي يتبناها التنظيم؛ والتي تقوم على اختيار نوعية الأهداف ووقت المواجهة، والرجوع للمناطق المسيطر عليها للاختباء. في هذا السياق يمكن تفسير أكبر عملية وحشية نفذتها حركة الشباب منذ 2007، حيث استهدف تفجير إرهابي في 15 أكتوبر (تشرين الأول) 2017 منطقة مزدحمة في قلب العاصمة الصومالية مقديشو مخلفا نحو 250 قتيلا، وعددا كبيرا من الجرحى؛ كما خلف هذا العمل الوحشي خسائر مادية قدرت بنحو 6.3 مليون دولار أميركي.
وفي دعم لسياسة الضربات المركزة، والإبقاء على العاصمة مقديشو تحت «جحيم» الإرهاب؛ شن التنظيم الصومالي هجوما إرهابيا 28 أكتوبر 2017، على فندق «ناسا هابلود 2»؛ خلف أكثر من 70 قتيلا من بينهم برلمانيون سابقون، وضباط في الشرطة برتب عالية، ومسؤولون في الدولة وشخصيات أجنبية. وأعلنت الشرطة الصومالية، أن العملية تمت عن طريق انتحاري قاد السيارة المستعملة في الهجوم، فيما اقتحم مسلحون من تنظيم الشباب الفندق الذي يتردد عليه سياسيون في مقديشو، لقربه من القصر الرأسي.
وفي السياق نفسه الذي يؤكد عودة الشباب لمسرح الأحداث الصومالية، شن التنظيم عملية إرهابية بسيارتين مفخختين السبت 14 أكتوبر 2017، في مكانين مختلفين بالعاصمة مقديشو، أدت إلى مقتل نحو 22 شخصاً وإصابة آخرين.
وأمام هذا التصعيد الذي يمارسه التنظيم الإرهابي، اتخذت الحكومة الصومالية الضعيفة، إجراءات استعجالية لمواجهة هذا الوضع؛ حيث أقالت بتاريخ 29 أكتوبر، قائد الشرطة «عبد الحكيم طاهر ساعد»، ومدير جهاز المخابرات الوطنية «عبد الله محمد سنبلولشي». مما يعني أن التنظيم قادر على التأثير بقوة في الساحة الصومالية، وإرباك السياسة الأمنية للحكومة.
ويستنتج من كل ما سبق، أن الانتصارات التي حققها التنظيم الإرهابي الصومالي مؤخرا، لا تتعلق فقط بزعزعة الأمن والاستقرار؛ بل إن الشهور الأخيرة عرفت تقهقرا وهزائم نكراء للجيش الحكومي أمام مقاتلي الشباب، ونتج عن ذلك أزمة سياسية حقيقية، أضيفت لمشكلات الحكومة الحالية. ويمكن اعتماد انتصارات حركة الشباب، في مواجهتها المسلحة مع الجيش الصومالي مؤخرا بعد شن مقاتلي التنظيم، لهجوم على بلدة بريري التي تبعد 60 كلم جنوب غربي العاصمة مقديشو، مؤشرا بارزا على الإرباك العسكري والسياسي الذي تمثله حركة الشباب للحكومة الحالية.
حيث تمكنت الشباب من قتل نحو 100 عنصر من القوات الخاصة الصومالية العالية التدريب؛ وهو ما أدى إلى استقالة وزير الدفاع، عبد الرشيد عبد الله محمد، والقائد العام للجيش الصومالي الجنرال محمد جمعالي عرفيد.
وفي سياق العودة القوية دائما للتنظيم الإرهابي الصومالي؛ استولت حركة الشباب الصومالية 4 أغسطس (آب) الماضي، على بلدة ليجو التي تبعد عن مقديشو بنحو 130 كيلومترا إلى الشمال الغربي. وتجدر الإشارة أن هذه المنطقة عرفت أسبوعا داميا قبل السيطرة على البلدة، حيث قتل تنظيم الشباب لنحو 12 من قوات حفظ السلام الأفريقية بعد مواجهات عنيفة جدا. من جانب آخر دفع تصاعد وتيرة وقوة الأحداث الإرهابية التي نفذها تنظيم الشباب، بنحو 50 نائبا برلمانيا إلى التوقيع على عريضة تطالب باستقالة الرئيس الصومالي محمد عبد الله فرماجو، في الأسبوع الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) 2017.
تجاوز الأزمة الداخلية
ويبدو أن هناك مجموعة من العوامل ساعدت على تنامي نشاط تنظيم أحمد ديري أبو عبيدة، في مقدمتها تجاوز الخلافات الداخلية. وكانت الحركة قد تأثرت بشكل قوي، بالتجاذب والنزاعات الداخلية؛ منذ أن خرج أحد أعضائها من أصل أميركي عمر حمامي للإعلام سنة 2012 للحديث عن تهميش قيادة التنظيم، لما سماهم «بالمقاتلين الأجانب».
ومما زاد من استفحال الأزمة الداخلية، ظهور رسالة بعنوان «أنا النذير العريان» التي وجّهها إبراهيم الأفغاني إلى زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، في عام 2013 يكشف فيها الأفغاني ما يعتبره انحرافا في «حركة شباب» الصومال بقيادة أبي الزبير، والتي اتهمها بشن حرب ضد «العلماء والمجاهدين». ويقول أبو بكر الزيلعي المعروف بإبراهيم الأفغاني، في رسالته المشار إليها، أن «معظم الشخصيات في قائمة المطلوبين دوليا بتهمة الإرهاب من قبل أميركا وأوروبا ودول الجوار هم أيضاً نفس المطاردين أو المعتقلين أو المهمشين لدى حركة الشباب».
ومع هذه الأجواء الداخلية المشحونة، نشبت في صيف 2013، مواجهات مسلحة عنيفة وغير مسبوقة بين أفراد التنظيم. بين التيار الموالي لجودان من جانب، والتيار الموالي لمختار روبو وأويس وشونجول من جانب آخر؛ وقد أسفرت المواجهات عن إقصاء نحو 200 عنصر من «جهاز أمنيات» للاستخبارات التابع لتنظيم الشباب. كما تمكن الشباب في هذه المواجهات من قتل الأفغاني في 20 يونيو (حزيران) 2013.
وفيما يخص القيادي والمؤسس مختار روبو، قد خاضت قواته عدة مواجهات مع تنظيم الشباب إلى سنة 2017، واستمر الخلاف بينه وبين التنظيم التابع لـ«القاعدة»؛ وفي 14 أغسطس 2017 تمكن مختار روبو (أبو منصور) من الوصول للعاصمة الصومالية مقديشو جوا، بعد مفاوضات مع الحكومة الحالية، حسمت مستقبله ومستقبل المقاتلين الموالين له. وقد ساعد شطب الولايات المتحدة الأميركية في شهر يونيو 2017 اسم مختار روبو، من لائحة الإرهابيين المطلوبين على التعجيل بهذا التحول.
كسر شوكة التنظيم
يبدو أن جهود كسر شوكة تنظيم الشباب الصومالي، لا تتعلق باستقطاب واحد من أبرز مؤسسيه فقط، بل تتجه جهود الحكومة الصومالية لتعزيز التعاون الدولي والإقليمي لمواجهة التنظيم. فبعد الأحداث الإرهابية المشار إليها أعلاه، والتي مثلت تحديا كبيرا للحكومة؛ قام قبل أيام الرئيس محمد فرماجو بزيارة إقليمية، إلى كل من أوغندا وإثيوبيا وجيبوتي، للحصول على دعم عسكري والتسريع من وتيرة التنسيق لمواجهة حركة الشباب. وفي هذا الإطار نشرت وسائل إعلامية صومالية يوم الخميس الماضي، أن إثيوبيا نشرت قوات إضافية في إقليم جيدو، تقدر بنحو ألف جندي ومدججة بأسلحة ثقيلة. وأعلن مسؤول رسمي صومالي بالولاية، أن هذا التحرك العسكري يأتي في سياق التنسيق الصومالي الإثيوبي، والخاص بالهجوم المرتقب من قوات البلدين على مواقع الحركة الإرهابية في الإقليم استجابة لدعوة الرئيس محمد فرماجو.
رغم كل هذه الجهود الرسمية الصومالية، والدعم الدولي خاصة الغارات الأميركية على مواقع الشباب، المتواصلة (أعلنت واشنطن الجمعة أنها شنت غارتين ضد تنظيم داعش في الصومال وأنهما خلفت عدة قتلى)، ويمكن القول أيضاً أن تنظيم الشباب استعاد كثيرا من عافيته الداخلية، ومكنته تجربته الطويلة في القتال من الخروج من معاركه ضد قوات حفظ السلام الأفريقية بأقل الخسائر.
ورغم الانكماش الكبير جغرافيا الذي يعيشه التنظيم منذ 2016، وعودة آلاف الصوماليين من الدول المجاورة، جراء التحسن المؤقت للوضع الأمني؛ فإن الوضع الداخلي للبلد والانقسامات القبلية والعشائرية، والاختلافات القائمة بين دول الجوار الصومالي، إضافة لقلة التجهيزات والجاهزية العسكرية لقوات حفظ السلام الأفريقية. كلها عوامل تستغلها حركة الشباب لصالحها، خاصة مع الدعم القوي الذي يقدمه لها تنظيم القاعدة؛ والذي يرغب بشدة في استعادة موقعه في الصومال، وجعل البلد قاعدة حقيقية لتنظيم أيمن الظواهري في أفريقيا جنوب الصحراء والقرن الأفريقي، واستقطاب المقاتلين الموالين لـ«داعش» في المنطقة.
وهدا التوجه الجديد لحركة «الشباب»، لا يشكل تهديدا على الصومال فقط؛ بل يتجاوزه ليمس استقرار منطقة القرن الأفريقي، (جيبوتي، وإريتريا، والصومال، وإثيوبيا وكينيا)، وصولا لليمن والخليج العربي. ولهذا يتوجب على القوى الإقليمية والدولية، تقديم مزيد من الدعم للدولة الصومالية، حماية لمصالحها، والمصالح الدولية الاقتصادية والتجارية بالمنطقة.
* أستاذ زائر العلوم السياسية جامعة محمد الخامس - الرباط