شعر حقيقي أم قصائد «لايكات»؟

ما ينشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي

شريف الشافعي  -  عبد السلام المساوي  -  أحمد اللاوندي
شريف الشافعي - عبد السلام المساوي - أحمد اللاوندي
TT

شعر حقيقي أم قصائد «لايكات»؟

شريف الشافعي  -  عبد السلام المساوي  -  أحمد اللاوندي
شريف الشافعي - عبد السلام المساوي - أحمد اللاوندي

ونحن نواجه هذا الفضاء الإلكتروني المفتوح على كل الجهات والاتجاهات، يعترضنا العديد من التساؤلات حول هذا العدد الهائل من الكتابات التي يطرح أصحابها أنفسهم كشعراء أو كتاب أو أدباء بشكل عام، متخلصين من صرامة الإصدار الورقي، ومن عيون النقاد. فهل هم شعراء فعلاً؟ وهل ما يكتبونه شعر فعلا؟ هل نجح قسم منهم في تقديم قصيدة ناضجة فنياً؟ هل أصبحوا جزءا من المشهد الشعري العربي؟ أم إن كتاباتهم مجرد «خواطر» يبثها أصدقاء لأصدقاء؟ ولماذا الشعر فقط؟ لماذا لا نقرأ قصة قصيرة مثلا في وسائل الاتصال الاجتماعي إلا ما ندر؟
الناقد الأكاديمي المغربي الدكتور عبد السلام المساوي متابع جيد للمشهد الأدبي، ورقياً وإلكترونياً، يقول:
يصعب توصيف كل من ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي بـ«الشعراء»، بالمعنى الاصطلاحي لكلمة «الشعراء» أي بالطريقة التي يحددها النقد الأدبي والأكاديمي حسب المعايير الفنية للشعر. وحتى هذه المعايير فيها ما هو ثابت، وفيها ما هو متحول ومساير للتحول الحضاري والذوقي للمجتمعات الإنسانية. ذلك أن الحسم في هذا الموضوع يتطلب إنجاز بحوث ودراسات إحصائية وفنية للوصول إلى نتائج علمية مقبولة.
ويذكر الدكتور المساوي فضلاً لمواقع التواصل الاجتماعي، ويصف ذلك بقوله: عموما، فإننا لا ننكر فضل هذه الواقع الإلكترونية على الفن الشعري الذي ظل حبيس الدواوين الشعرية على الرفوف، ومُفتقراً إلى المنابر التي تجعله مُتاحاً للناس.
فهذه المواقع أتاحت للجميع فتح حسابات شخصية، ونشر ما يرغبون في نشره، دون المرور تحت مقصّ الرقيب من القائمين على الصفحات الثقافية. وإذا كانت مطالب الشعراء دائما هي جعل القصيدة حالة يومية، فلا شك أن هذه المواقع قد ساهمت بشكل مدهش في إيصالها إلى جمهورها. أما تقييم التجارب الإبداعية فموكول لذوي الاختصاص من الدارسين.... قد يقول قائل: إن سهولة النشر قد فتحت الباب أمام المتطفلين والجاهلين بأوليات الفن الشعري وخصائصه.... ليَكُنْ، لأن الشعر الحقيقي يبقى ـ أبداً ـ محمياً بعيون المتذوقين والنقاد العارفين.
وعن جمهور الشعر، يقول الدكتور المساوي: إنه لا ينحصر ـ عادة ـ في جمهور الأمسيات الشعرية المألوفة. ونظرة على أرقام الحضور في هذه الأمسيات تصيب الإنسان بالإحباط. فباستثناءات قليلة (أمسيات محمود درويش ونزار قباني و......) التي حطمت أرقاما قياسية في الحضور، فإن جمهور باقي الأمسيات يظل محدودا جداً. والجمهور الذي يُعْتَدُّ به هو الذي يتلقّى الشعر على الورق أو على الشاشات. من هنا نرى أن مواقع التواصل الاجتماعي قد سهلت الوصول إلى الشعر والشعراء. كما أنها تقدمه أحياناً في شكل جذاب، سواءً كان مكتوبا أو مُلْقى.
أما لماذا الشعر الأكثر انتشاراً على مواقع التواصل الاجتماعي، فيجيب الدكتور المساوي: أكثر من الرواية والقصة، فأعتقد لأنه الأقرب إلى المشاعر، مثلما كان في القديم.... وربما استسهال كتابته يُطْمعُ فيه الكثيرين. فيظنون أنه سهلُ المَأْتى. ولعل النظرة المغلوطة التي وقع فيها كثيرون من الذين فهموا أن قصيدة النثر هي الكتابة نثراً والتوزيع الحر لأي كلام على الصفحة.... فهذا مما جعل «الشعر» يحظى بالمراتب الأولى في التداول.
أما الجمهور الذكي العارف بالشعر وقيَمه الفنية والدلالية، فلا شك أنه يستمتع بالشعر الحقيقي في هذه المواقع التي لا نعدم فيها الجودة والإمتاع.
استغلال فرص الإنترنت
الشاعر والكاتب المصري شريف الشافعي، له رؤية يطرحها من خلال كونه له العديد من الإصدارات الورقية، إلى جانب كونه ينشر مقاطع من أشعاره على «فيسبوك»، فيقول:
سوف أتحدث عن شبكات التواصل ليس بوصفها وعاء نشر، فهذا ليس الغرض من نشوئها والتعاطي معها، كما أنه لم يثبت تبلور صنف أدبي جديد يوصف بأنه «فيسبوكي» مثلاً. ويضيف: لكن، مما لا شك فيه، أن الإنترنت، وشبكات التواصل، أسهمت ـ فيما يخص الشعر مثلاً ـ في أن تبدو اللحظة الآنية مناسبة تماماً، لعودة القصيدة الحيوية، أو ميلادها بصورتها النقية، بل لعلها اللحظة التاريخية الأكثر مثالية منذ سنوات بعيدة، بعد أن انهارت الوسائط التقليدية لتوصيل النص، وانقاد النقاد والوسطاء الانتفاعيون إلى مكان بارد في الذاكرة، معلنين إفلاسهم، وعدم قدرتهم على التمرير والمنع في عصر الرقمية والفضاءات المفتوحة.
ويضيف الشافعي: مع ذلك، فإن القادرين على استغلال الفرصة من الشعراء العرب «الموهوبين» يمكن عدهم عداً على الأصابع، لأن جوهر الأزمة لا يزال قائماً، وهو الجوهر الشعري نفسه، المعدن الأصيل في صورته النقية المجردة، وما أندره وسط هذا الفيضان الشعري الزاعق الجارف.
ويرى الشاعر شريف الشافعي أن «المجال صار متاحاً ليقول الشاعر ما يشاء، وقتما يشاء، بالطريقة التي يشاء، والنشر الإلكتروني عبر الإنترنت، في صفحات موقعه الشخصي أو مدونته أو في المواقع والصحف الإلكترونية ذائعة الصيت، أعفى هذا الشاعر من كثير جداً من البوابات السلطوية والنخبوية والرقابية التقليدية، ومكنه من النشر بسهولة، بل إنه أحياناً يمتلك حق تنسيق وتثبيت قصيدته بيده في هذه الصحيفة أو ذلك الموقع، والإعلان عنها في الصفحة الرئيسية. ومنطقي أن يختار الشاعر لكتابته الجديدة هذه وعاء لغوياً حياً، سهلاً، حيث إن التواءات المجاز تعوق كثيراً سيولة (التداول الشعري)، الذي يحلم به».
إنه عصر الفرص المتاحة حقاً، عصر العدالة الافتراضية المتحققة بقدر مقبول جداً، فالعلاقة صارت مباشرة إلى حد كبير بين الشاعر والجمهور في الفضاء الرقمي، وتقلصت مسؤولية مؤسسات الدولة، بل كل المؤسسات. الشاعر الآن لا ينتظر إقراراً من أحد، ولا توقيعاً على مخطوط ديوانه، كي يكون.
حتى النشر الورقي ذاته، يبدو وقد تأثر كثيراً بهذه الثورة الرقمية، فلا ينكر أحد أن تسهيلات عظيمة للغاية قدمتها دور النشر الخاصة، في السنوات الأخيرة للشعراء والأدباء الراغبين في النشر لديها، ولا أظن أن مساهمة مادية غير مبالغ فيها من الأديب في تكلفة نشر كتابه ستقف عائقاً أمام طموحه في الوجود والتحقق، خصوصاً أن الكتابة صناعة في الأساس، وأنه إن حقق كتابه رواجاً تسويقياً، فسوف ينتفع هو ماديا، بالقدر الذي ينتفع به الناشر.
واعتبر الشافعي أننا نعيش عصراً رقمياً: هذه حقيقة، ولا يمكن أن تغيب تأثيرات وانعكاسات هذه «الرقمية» ـ كنمط حياة ـ عما يكتبه الشاعر الحقيقي اليوم، وإلا فإنه يكتب عن عصر آخر، ويعيش حياة أخرى، فوق كوكب آخر. والنشر الإلكتروني للشعر هو أحد ـ وليس كل ـ وجوه الاجتياح الرقمي للشاعر. لكن الأهم بالتأكيد من اختيار الشاعر للرقمية كوعاء جديد للنشر، أن يكون ما في الوعاء جديداً، معبراً عن معاناة الإنسان في العصر الرقمي الخانق.
وأضاف الشافعي: إذا كانت «حياة الشعر» مرهونة في الأساس بكونه «شعر حياة»، فبقدرة النص الحيوي على النبض الطبيعي والحركة الحرة، من دون أجهزة إعاشة وأسطوانات أكسجين وأطراف صناعية، تُقاس عافيته وخصوبته، ويتحدد عمره الحقيقي، ويمتد عمره الافتراضي خارج المكان والزمان.
ويقول الشافعي: قبل أن نطالب بأن يعود الشعر خبزاً للقراء، ملقين باللوم على القوى القاهرة والشروط والعوامل المساعدة، يجب أن يلغي الشاعر أولاً المسافة بينه وبين نفسه، وبالتالي تذوب المسافة بينه وبين قارئه، وتخترق قصائده كل الحدود، بقوتها الذاتية، لا بأي دعم خارجي. إن حضور القارئ، بل حلوله، في الماهية الإبداعية الملغزة، هو وضع طبيعي يعكس انفتاح المبدع كإنسان على أخيه الإنسان، ويعكس انفتاح الكتابة الإبداعية الجديدة على العالم الحسي المشترك، والوقائع والعلاقات المتبادلة، وأيضاً على الأحلام والهواجس والافتراضات والفضاء التخيّلي غير المقتصر على فئة نخبوية من البشر دون سواها. وليست هناك مسافة أصلاً بين الشاعر والقارئ، بشرط ألا تكون هناك مسافة بين الشاعر ونفسه.
ويختتم الشافعي بقوله: انطلاقاً من هذا، وفي القرية الكونية التي نعيش فيها الآن، وفي فضاء النشر الإلكتروني، وفي ظل امتلاك أغلبية الشعراء مواقع شخصية على شبكة الإنترنت، على الشاعر الحقيقي الموهوب أن يطمح إلى أن يكون صوت نفسه بالضرورة، وصوت صديقه القارئ، صديقه الإنسان، في كل مكان، خصوصاً أن هموم البشر الملحة صارت تتعلق أكثر بمصيرهم المشترك، بوجودهم ذاته، وليس بقضاياهم الإقليمية المتضائلة. على الشعر أن يتحرر، فلا يكون اهتماماً، بمعنى الاحتشاد والانشغال والقصدية. الشعر عملية حيوية، عادية جداً، لكنها لازمة للوجود، شأن التنفس والهضم. الشعر هو «التمثيل الضوئي» الذي فُطرت عليه روح الشاعر الموهوب، وتمارسه ليل نهار، بكلوروفيلها الخاص جداً، ولا تستلزم آلية عملها طاقة الشمس كأوراق النباتات.
- فضاء بلا رقابة
الشاعر والروائي السوري محمد العثمان يعتبر أن ما كنا نلاحظه سابقا في حجز المنابر الثقافية المهمة لأسماء معينة أو مكرسة جعل الشاعر لاحقا يبحث عن منابر أخرى يعرض فيها إنتاجه كالصحف والدوريات المهتمة بالأدباء الجيدين المغمورين أو بالشعراء الشباب. ويضيف العثمان: لأن «فيسبوك» هو منبر جيد لعملية التواصل؛ خلق الشعراء منه منبرا إعلاميا لتوصيل أشعارهم وكلمتهم فمن خلاله شخصيا تعرفت على أسماء مهمة كثيرة لم أكن أعرفها سابقا. ويعتقد العثمان بأن ذلك يحصل لأنه لا توجد رقابة؛ أعطى هذا المكان المساحة لكل من يريد أن يكتب وينشر. فضاع الغث مع الثمين.
وأضاف: لا نستطيع أحيانا متابعة كل ما هو حقيقي وجيد؛ بسبب الكثرة وعدم التقييم والرقابة الجادة؛ لذلك خلق هذا الأمر فوضى حقيقية وكبيرة في عملية الترويج والنشر. لكن المتابع والمهتم الحقيقي يعرف أين يجد ضالته إذا كثف البحث. وعلى الرغم من ذلك أرى «فيسبوك» الآن أهم منصة للشاعر؛ فهو بأي لحظة يمكن أن يقوم بنشاط شعري وقراءة ما يريده ببث مباشر أو تصوير مقطع فيديو ليصل لعدد كبير من الناس بشتى الأصقاع؛ وأنا شخصيا أتحمس لهذه الخاصية وخصوصا أن الفيديوهات التي أنشرها تصل إلى قرابة 2000 مشاهد.... وهذا عدد لا يمكن أن نراه حاضرا في أي أمسية. ويؤكد العثمان بثقة: نعم «فيسبوك» ساعد على النشاطات الخطابية الصوتية أكثر من الكتابية كالقصة أو المقالة؛ فمن يتابع ليس لديه الوقت الكافي لقراءة منشور قد يستغرق 10 دقائق؛ أو أن زحمة المنشورات تجعله غير قادر على ذلك.... فسهولة التعامل مع المنشورات الشعرية؛ أظن أنها لاقت رواجا أكبر.
الشاعر المصري أحمد اللاوندي لديه العديد من الإصدارات الورقية، كما أنه ناشط شعرياً على مواقع التواصل الاجتماعي، لديه وجهة نظر يقول من خلالها:
- كلام لا يمت للشعر
الشعر رسالة والشاعر الذي يعي حقيقة ذلك منذ اللحظة الأولى سيعيش ويستمر مهما كانت الضغوطات والتحديات التي تواجهه، ويضيف: من هنا سيكون ظهوره لائقا بالشعر ومكانته وبه هو شخصيا قبل أي شيء. والشاعر الواعي الحريص على تميزه وتفرده هو الذي لا يتعجل النشر سواء عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو في أي مكان آخر لأنه صاحب التقييم الأساسي قبل القائمين أو المشرفين على الصفحات الثقافية. ويكمل اللاوندي: أما الذين لا يعرفون جوهر الشعر وقضيته وحقيقته ينشرون بالطبع كلاما سيئا لا يمت للشعر بصلة وهؤلاء وإن نجحوا في الترويج لبضاعتهم الفاسدة لن يستمروا طويلا لأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض وغير ذلك سوف يذهب جفاء. من وجهة نظري أن الشعر وإن مر بحالات فوضى وكسل وترد لن يموت فهو فن العربية الأول وفي الأثر لن تدع العرب الشعر حتى تدع الإبل الحنين ولا شك في أن الشعر هو الأكثر انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي من كافة الأجناس الأدبية الأخرى لأنك من الممكن أن تنشر قصيدة كاملة وليس متاحا أن تقوم بنشر رواية دفعة واحدة أو قصة طويلة للغاية.



كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.