الصين تلهم أجيالاً من «القوميين الصغار» في مدارس الجيش الأحمر

يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية
يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية
TT

الصين تلهم أجيالاً من «القوميين الصغار» في مدارس الجيش الأحمر

يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية
يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية

أخذت سيا هونغ تخاطب بنبرة يملأها الحماس والحيوية صفاً دراسياً مكوناً من 50 طالباً في المرحلة الابتدائية يرتدون جميعاً زياً رياضياً موحداً أحمر اللون. وأخذت تقول: «الحياة في عصرنا الحالي ثرية ومفعمة بالبركة والسعادة والمرح. ما هو مصدر هذه الحياة السعيدة؟ من منحنا إياها؟». في صف سيا بمدرسة الجيش الأحمر لابتدائية للعمال والفلاحين، لم تكن هناك سوى إجابة نموذجية واحدة، وقد عملت بدأب لضمان أن يعرفها طلبتها. قال لي جياتشينغ صبي في التاسعة من العمر: «مصدر هذه الحياة هو دماء الشهداء الثوار»، فصفق له الطلبة وأشعّ وجه سيا ضياءً.
ظل الحزب الشيوعي الصيني لعقود يفرض نظاماً للتثقيف الآيديولوجي على الطلبة، يتطلب حفظ دروس عن ماركس، وماو، ومحاضرات نمطية عن فضائل ومزايا البطولة والولاء. الآن وسط المخاوف من ارتخاء قبضة الحزب على العقول الصغيرة، يعيد الرئيس شي جينبينغ تشكيل عملية التثقيف السياسي في عدد من المدارس الابتدائية والثانوية يزيد على 283 ألف مدرسة استعداداً للحقبة الجديدة.
باتت الكتب الدراسية تحتوي على جرعة أكبر من تقاليد الحزب الشيوعي، بما في ذلك الروايات المبجلة عن معارك الحزب ضد قوى الغزو الأجنبي مثل اليابان. كذلك تضيف المدارس مواد عن الطب التقليدي، وفكر كونفوشيوس لتسليط الضوء على إنجازات الصين كحضارة. على الجانب الآخر، تحد الحكومة من مناقشة أعمال لكتّاب متمردين مثل لو شون وسط مخاوف من أن يؤدي تعريف الطلبة بالانتقاد الاجتماعي إلى عصيانهم.
في أمر توجيهي صارم صدر الشهر الماضي أمر الحزب المدارس بتكثيف جهودها للترويج لـ«الثقافة التقليدية الاشتراكية الصينية»، التي تعد خليطاً من الولاء للحزب، والتفاخر القومي بماضي الصين. طبقاً لهذه المعادلة الجديدة، لا يتم التركيز على تصوير الحزب كطليعة ثورة البروليتاريا بقدر ما يتم تصويره قوةً تعمل على إعادة إحياء الصين، واستعادة مكانتها التي تستحقها كقوة عالمية.
مع ذلك، لاقت تلك الطلبات معارضة، بل وسخرية من بعض الآباء والمعلمين، وليس فقط من يطلق عليهن الأمهات الصارمات، حيث يرى الكثيرون أن التلقين السياسي أمر قد تجاوزه الزمن في حقبة يحتاج فيها طلبة المدارس، الذين يزيد عددهم على 181 مليون طالب، إلى تعليم عصري حديث في الرياضيات، والعلوم، والفنون الحرة من أجل إحراز تقدم.
ظهرت تلك الإحباطات على السطح بشكل خاص واضح أخيراً في مقاطعة تشيجيانغ الساحلية الثرية، حيث احتجّ الآباء على قرار اتخذه مسؤولون في التعليم يقضي بجعل الطب الصيني التقليدي مادة أساسية إجبارية على طلبة الصف الخامس الابتدائي.
وامتدت حملة شي إلى الجامعات أيضاً، حيث حظر مسؤولون كتب دراسية تروّج لـ«القيم الغربية»، وعاقبوا أساتذة لانحرافهم عن المسار الشيوعي. ويصف بعض الباحثين القيود المفروضة على حرية التعبير في الصفوف الدراسية بأنها الأكثر شدة وصرامة منذ مذبحة ميدان تيانانمن عام 1989.
يقول المنتقدون إن شي ربما يزيد جرعة التثقيف الوطني خوفاً من أن تضيع رسالة الحزب بين صفوف الأجيال الشابة اليافعة المنغمسة في «فيسبوك» والإنترنت، لكنه يواجه تحديات كبيرة، فقد أشارت دراسة أجراها باحثون صينيون وأميركيون خلال العام الحالي إلى أن الطلبة لا يلقون بالاً للحملات الدعائية الصاخبة ولا يهتمون بها. كذلك تبين بحسب الدراسة، التي تستند إلى نتائج استطلاع رأي قومي تم إجراؤه عام 2010، أن التلقين الآيديولوجي المتواصل الذي تمارسه الحكومة الصينية يأتي بنتائج عكسية، مع تراجع ثقة الذين حصلوا على مستوى مرتفع من التعليم في الحكومة.
بدورها، بدأت وزارة التعليم الصينية خلال الخريف الحالي بإصدار كتب دراسية جديدة خاصة بالتاريخ، واللغة، والقانون، والأخلاقيات، في المدارس الابتدائية والثانوية. تحتوي الكتب الجديدة على دراسات لـ40 بطلاً ثورياً، وكتابات للزعيم الثوري ماو تسي تونغ، مثل خطابه الذي يحمل عنوان «اخدم الشعب» عام 1944، إلى جانب دروس عن مطالبات الصين بحقها في أجزاء من بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، التي تمثل عماد السياسة الخارجية لشي.
وتم دمج تاريخ الحزب في صفوف الرياضيات أيضاً، حيث يطرحون على الطلبة أسئلة عن حساب مسافة انسحاب المسيرة الطويلة الملحمي الذي امتد بطول الصين بين عامي 1943 و1936. الإجابة هي 6 آلاف ميل.
يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية، وإضفاء معنى على حياتهم. قالت سيا خلال أحد دروسها عن المثابرة أخيراً: «في الوقت الذي تعاني فيه الدول الأخرى من ويلات الحرب، ولا يزال الناس يتضورون جوعاً في أفريقيا، رجاءً لا تنسوا التضحيات التي بذلها جنود الجيش الأحمر».
وفي الوقت الذي وجدت فيه المناشدات الوطنية تربة خصبة بين أفراد الطبقة العاملة من الصينيين على أساس الشعور بالفخر بالقومية، يحذر بعض الخبراء من مخاطر المبالغة في التركيز على التثقيف القومي. ويقول جيانغ سوهينغ، مستشار في مجال التعليم في بكين، إن التركيز على الفخر بالقومية قد يتحول سريعاً إلى «قومية شرسة عسكرية» من الصعب السيطرة عليها. تشهد رؤية شي للتثقيف الوطني بالفعل ازدهاراً كبيراً في مدارس الجيش الأحمر الابتدائية للعمال والفلاحين التي تأسست عام 1788، لكنها لم تصبح مدرسة تابعة للجيش الأحمر إلا في عام 2012.
يبدأ اليوم الدراسي في تلك المدارس بأغاني الجيش الأحمر، ويتناوب الطلبة على ذكر القصص الثورية. ويقول كوانغ يانلي، طالب في الصف السادس يبلغ من العمر 11 عاماً: «الدماء التي أريقت في الماضي منحتنا الحياة التي نعيشها اليوم. تريد الكثير من الدول الأخرى غزو بلادنا مرة أخرى، لذا علينا أن نجتهد في الدراسة ونحرص على عدم حدوث ذلك».
مع ذلك، يشعر المسؤولون المحليون بحساسية تجاه فكرة تلقين المدرسة الأفكار للطلبة. يصطّف طلبة المدرسة البالغ عددهم 1400 طالب في باحة المدرسة الممهدة عدة مرات أسبوعياً لغناء أنشودة لعبارة شي الشهيرة «الحلم الصيني» وتستمر المنهجية.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
TT

{سفارات المعرفة}... خدمات بحثية وأنشطة ثقافية في 20 مدينة مصرية

القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)
القائمون على مشروع سفارات المعرفة بمكتبة الإسكندرية أثناء اجتماع بالفيديو مع السفارات العشرين («الشرق الأوسط»)

منذ 15 عاما حينما تأسست مكتبة الإسكندرية الجديدة، وكان الطلاب والباحثون من مختلف أنحاء مصر يشدون الرحال إلى «عروس المتوسط» للاستفادة من الأوعية المعرفية كافة التي تقدمها المكتبة لزائريها، والاطلاع على خدمات المكتبة الرقمية والدوريات العلمية والبحوث، لكن الجديد أن كل ذلك أصبح متاحا في 20 محافظة في مختلف أنحاء مصر وللطلاب العرب والأفارقة والأجانب المقيمين في مصر كافة من خلال «سفارات المعرفة».

فعاليات لنبذ التطرف
لم تكتف مكتبة الإسكندرية بأنها مركز إشعاع حضاري ومعرفي يجمع الفنون بالعلوم والتاريخ والفلسفة بالبرمجيات بل أسست 20 «سفارة معرفة» في مختلف المحافظات المصرية، كأحد المشروعات التي تتبع قطاع التواصل الثقافي بالمكتبة لصناعة ونشر الثقافة والمعرفة ورعاية وتشجيع الإبداع الفني والابتكار العلمي.
ويقول الدكتور مصطفى الفقي، مدير مكتبة الإسكندرية، لـ«الشرق الأوسط»: «هذا المشروع من أدوات المكتبة لنشر العلم والثقافة في مصر والعالم أجمع، ووجود هذه السفارات يساعد المكتبة على تحقيق أهدافها على نطاق جغرافي أوسع. ونحن هذا العام نسعى لمحاربة التطرف الذي ضرب العالم، وخصصنا السمة الرئيسية للمكتبة هذا العام (نشر التسامح تعظيم قيمة المواطنة، ونبذ العنف والتصدي للإرهاب) والتي سوف نعلن عن فعالياتها قريبا». يضيف: «نتمنى بالطبع إقامة المزيد من السفارات في كل القرى المصرية ولكن تكلفة إقامة السفارة الواحدة تزيد على مليون جنيه مصري، فإذا توافر الدعم المادي لن تبخل المكتبة بالجهد والدعم التقني لتأسيس سفارات جديدة».

خطط للتوسع
تتلقى مكتبة الإسكندرية طلبات من الدول كافة لتفعيل التعاون البحثي والأكاديمي، يوضح الدكتور الفقي: «أرسلت لنا وزارة الخارجية المصرية مؤخرا خطابا موجها من رئيس إحدى الدول الأفريقية لتوقيع بروتوكول تعاون، وتسعى المكتبة لتؤسس فروعا لها في الدول الأفريقية، وقد أوصاني الرئيس عبد الفتاح السيسي بالعلاقات الأفريقية، ونحن نوليها اهتماما كبيرا».
يؤكد الدكتور الفقي «المكتبة ليست بعيدة عن التعاون مع العالم العربي بل هناك مشروع (ذاكرة الوطن العربي) الذي سيكون من أولوياته إنعاش القومية العربية».
«مواجهة التحدي الرقمي هو أحد أهداف المكتبة منذ نشأتها»، يؤكد الدكتور محمد سليمان، رئيس قطاع التواصل الثقافي، قائلا لـ«الشرق الأوسط»: «مشروع سفارات المعرفة يجسد الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا في نقل المعرفة لكل مكان في مصر، ومصطلح (سفارة) يعني أن للمكتبة سيطرة كاملة على المكان الذي تخصصه لها الجامعات لتقديم الخدمات كافة، بدأ المشروع عام 2014 لكنه بدأ ينشط مؤخرا ويؤدي دوره في نشر المعرفة على نطاق جغرافي واسع».
يضيف: «تقدم المكتبة خدماتها مجانا للطلاب وللجامعات للاطلاع على الأرشيف والمكتبة الرقمية والمصادر والدوريات العلمية والموسوعات التي قام المكتبة بشراء حق الاطلاع عليها» ويوضح: «هناك 1800 فعالية تقام بالمكتبة في مدينة الإسكندرية ما بين مؤتمرات وورشات عمل وأحداث ثقافية ومعرفية، يتم نقلها مباشرة داخل سفارات المعرفة بالبث المباشر، حتى لا تكون خدمات المكتبة قاصرة على الباحثين والطلاب الموجودين في الإسكندرية فقط».
«كل من يسمح له بدخول الحرم الجامعي يمكنه الاستفادة بشكل كامل من خدمات سفارة المعرفة ومكتبة الإسكندرية بغض النظر عن جنسيته» هكذا يؤكد الدكتور أشرف فراج، العميد السابق لكلية الآداب بجامعة الإسكندرية، والمشرف على «سفارات المعرفة» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه السفارات هي أفرع لمكتبة الإسكندرية تقدم للباحثين خدماتها والهدف من هذا المشروع هو تغيير الصورة النمطية عن المكتبة بأنها تخدم النخبة العلمية والثقافية، بل هذه الخدمات متاحة للطلاب في القرى والنجوع» ويضيف: «يمكن لأي باحث من أي دولة الحصول على تصريح دخول السفارة من مكتب رئيس الجامعة التي توجد بها السفارة».

صبغة دبلوماسية
حول اسم سفارات المعرفة ذي الصبغة الدبلوماسية، يكشف الدكتور فراج «للمصطلح قصة قانونية، حيث إن قسم المكتبات يدفع للناشرين الدوليين مبلغا سنويا يقدر تقريبا بنحو 25 مليون، لكي تكون الدوريات العلمية المتخصصة والمكتبات الرقمية العالمية متاحة لمستخدمي المكتبة، ولما أردنا افتتاح فروع للمكتبة في المدن المصرية واجهتنا مشكلة بأن هذه الجهات ستطالب بدفع نفقات إضافية لحق استغلال موادها العلمية والأكاديمية لكن مع كونها سفارة فإنها تتبع المكتبة ولها السلطة الكاملة عليها».
ويضيف: «تهدف السفارات لإحداث حراك ثقافي ومعرفي كامل فهي ليست حكرا على البحث العلمي فقط، وقد حرصنا على أن تكون هناك فعاليات خاصة تقام بكل سفارة تخدم التنمية الثقافية في المحافظة التي أقيمت بها، وأن يتم إشراك الطلاب الأجانب الوافدين لكي يفيدوا ويستفيدوا، حيث يقدم كل منهم عروضا تقديمية عن بلادهم، أو يشارك في ورشات عمل عن الصناعات اليدوية التقليدية في المحافظات وبالتالي يتعرف على التراث الثقافي لها وهذا يحقق جزءا من رسالة المكتبة في تحقيق التلاحم بين شباب العالم».
تتيح سفارات المعرفة للطلاب أنشطة رياضية وفنية وثقافية، حيث أسست فرق كورال وكرة قدم تحمل اسم سفارات المعرفة، وتضم في عضويتها طلابا من مختلف الجامعات والتخصصات وتنافس الفرق الجامعية المصرية. ويلفت الدكتور فراج «تقيم سفارات المعرفة عددا من المهرجانات الفنية وورشات العمل ودورات تدريبية لتشجيع الطلاب على بدء مشروعاتهم الخاصة لكي يكونوا أعضاء منتجين في مجتمعهم خاصة في المدن السياحية».

قواعد موحدة
تم عمل بروتوكول تعاون مع وزارة التعليم العالي والجامعات الحكومية ومع التربية والتعليم ومع أكاديمية البحث العلمي والتكنولوجيا، ويوجد بكل سفارة شخصان تكون مهمتهما إرشاد الطلاب للمصادر الرقمية للمكتبة، وتقديم برنامج الأحداث والفعاليات الخاص بالمكتبة لمدة 3 شهور مقبلة، لكي يتمكن الباحث من تحديد المؤتمرات التي يرغب في حضورها عبر البث الحي».
كل قواعد المكتبة تتبع في كل سفارة ويتم التحكم في الأنظمة والأجهزة كافة عبر السفارات العشرين، من مكتبة الإسكندرية بالشاطبي حيث تتابع المكتبة السفارات العشرين عبر شاشات طوال فترة استقبال الباحثين من الساعة الثامنة النصف صباحا وحتى الخامسة مساء.
ويكشف الدكتور فراج «السفارة تنفق نحو نصف مليون كتكلفة سنوية، حيث توفر الخدمات والأجهزة كافة للجامعات بشكل مجاني، بل تساعد سفارات المعرفة الجامعات المصرية في الحصول على شهادات الأيزو من خلال ما تضيفه من تكنولوجيا وإمكانيات لها. ويؤكد فراج «يتم إعداد سفارة في مرسى مطروح لخدمة الطلاب هناك وسوف تقام مكتبة متكاملة في مدينة العلمين الجديدة».

أنشطة مجتمعية
يشير الدكتور سامح فوزي، المسؤول الإعلامي لمكتبة الإسكندرية إلى أن دور سفارات المعرفة يتخطى مسألة خدمة الباحثين وتخفيف عبء الحصول على مراجع ومصادر معلومات حديثة بل إن هذه السفارات تسهم في تطوير المجتمع بشكل غير مباشر، أما الأنشطة المجتمعية ذات الطابع العلمي أو الثقافي فهي تخلق جواً من الألفة بين أهل القرى وبين السفارة».
تُعد تلك السفارات بمثابة مراكز فرعية للمكتبة، فهي تتيح لروادها الخدمات نفسها التي تقدمها مكتبة الإسكندرية لجمهورها داخل مقرها الرئيسي، وتحتوي على جميع الأدوات والامتيازات الرقمية المقدمة لزوار مكتبة الإسكندرية؛ مثل إتاحة التواصل والاستفادة من الكثير من المشروعات الرقمية للمكتبة، مثل: مستودع الأصول الرقمية (DAR)؛ وهو أكبر مكتبة رقمية عربية على الإطلاق، ومشروع وصف مصر، ومشروع الفن العربي، ومشروع الأرشيف الرقمي لمجلة الهلال، ومشروع ذاكرة مصر المعاصرة، ومشروع «محاضرات في العلوم» (Science Super Course)... إلخ، بالإضافة لإتاحة التواصل مع الكثير من البوابات والمواقع الإلكترونية الخاصة بالمكتبة، مثل: موقع «اكتشف بنفسك»، والملتقى الإلكتروني (Arab InfoMall)، وبوابة التنمية... إلخ. ذلك إلى جانب خدمة «البث عبر شبكة الإنترنت»، التي تقدِّم بثاً حياً أو مسجلاً للفعاليات التي تقام بمركز مؤتمرات مكتبة الإسكندرية؛ حتى يُتاح لزائري المكتبة مشاهدتها في أي وقت بشكل سلس وبسرعة فائقة. علاوة على ذلك، تتيح مكتبة الإسكندرية لمستخدمي سفارات المعرفة التمتع بخدمات مكتبة الوسائط المتعددة، واستخدام نظام الحاسب الآلي فائق السرعة (Supercomputer).