الصين تلهم أجيالاً من «القوميين الصغار» في مدارس الجيش الأحمر

يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية
يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية
TT

الصين تلهم أجيالاً من «القوميين الصغار» في مدارس الجيش الأحمر

يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية
يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية

أخذت سيا هونغ تخاطب بنبرة يملأها الحماس والحيوية صفاً دراسياً مكوناً من 50 طالباً في المرحلة الابتدائية يرتدون جميعاً زياً رياضياً موحداً أحمر اللون. وأخذت تقول: «الحياة في عصرنا الحالي ثرية ومفعمة بالبركة والسعادة والمرح. ما هو مصدر هذه الحياة السعيدة؟ من منحنا إياها؟». في صف سيا بمدرسة الجيش الأحمر لابتدائية للعمال والفلاحين، لم تكن هناك سوى إجابة نموذجية واحدة، وقد عملت بدأب لضمان أن يعرفها طلبتها. قال لي جياتشينغ صبي في التاسعة من العمر: «مصدر هذه الحياة هو دماء الشهداء الثوار»، فصفق له الطلبة وأشعّ وجه سيا ضياءً.
ظل الحزب الشيوعي الصيني لعقود يفرض نظاماً للتثقيف الآيديولوجي على الطلبة، يتطلب حفظ دروس عن ماركس، وماو، ومحاضرات نمطية عن فضائل ومزايا البطولة والولاء. الآن وسط المخاوف من ارتخاء قبضة الحزب على العقول الصغيرة، يعيد الرئيس شي جينبينغ تشكيل عملية التثقيف السياسي في عدد من المدارس الابتدائية والثانوية يزيد على 283 ألف مدرسة استعداداً للحقبة الجديدة.
باتت الكتب الدراسية تحتوي على جرعة أكبر من تقاليد الحزب الشيوعي، بما في ذلك الروايات المبجلة عن معارك الحزب ضد قوى الغزو الأجنبي مثل اليابان. كذلك تضيف المدارس مواد عن الطب التقليدي، وفكر كونفوشيوس لتسليط الضوء على إنجازات الصين كحضارة. على الجانب الآخر، تحد الحكومة من مناقشة أعمال لكتّاب متمردين مثل لو شون وسط مخاوف من أن يؤدي تعريف الطلبة بالانتقاد الاجتماعي إلى عصيانهم.
في أمر توجيهي صارم صدر الشهر الماضي أمر الحزب المدارس بتكثيف جهودها للترويج لـ«الثقافة التقليدية الاشتراكية الصينية»، التي تعد خليطاً من الولاء للحزب، والتفاخر القومي بماضي الصين. طبقاً لهذه المعادلة الجديدة، لا يتم التركيز على تصوير الحزب كطليعة ثورة البروليتاريا بقدر ما يتم تصويره قوةً تعمل على إعادة إحياء الصين، واستعادة مكانتها التي تستحقها كقوة عالمية.
مع ذلك، لاقت تلك الطلبات معارضة، بل وسخرية من بعض الآباء والمعلمين، وليس فقط من يطلق عليهن الأمهات الصارمات، حيث يرى الكثيرون أن التلقين السياسي أمر قد تجاوزه الزمن في حقبة يحتاج فيها طلبة المدارس، الذين يزيد عددهم على 181 مليون طالب، إلى تعليم عصري حديث في الرياضيات، والعلوم، والفنون الحرة من أجل إحراز تقدم.
ظهرت تلك الإحباطات على السطح بشكل خاص واضح أخيراً في مقاطعة تشيجيانغ الساحلية الثرية، حيث احتجّ الآباء على قرار اتخذه مسؤولون في التعليم يقضي بجعل الطب الصيني التقليدي مادة أساسية إجبارية على طلبة الصف الخامس الابتدائي.
وامتدت حملة شي إلى الجامعات أيضاً، حيث حظر مسؤولون كتب دراسية تروّج لـ«القيم الغربية»، وعاقبوا أساتذة لانحرافهم عن المسار الشيوعي. ويصف بعض الباحثين القيود المفروضة على حرية التعبير في الصفوف الدراسية بأنها الأكثر شدة وصرامة منذ مذبحة ميدان تيانانمن عام 1989.
يقول المنتقدون إن شي ربما يزيد جرعة التثقيف الوطني خوفاً من أن تضيع رسالة الحزب بين صفوف الأجيال الشابة اليافعة المنغمسة في «فيسبوك» والإنترنت، لكنه يواجه تحديات كبيرة، فقد أشارت دراسة أجراها باحثون صينيون وأميركيون خلال العام الحالي إلى أن الطلبة لا يلقون بالاً للحملات الدعائية الصاخبة ولا يهتمون بها. كذلك تبين بحسب الدراسة، التي تستند إلى نتائج استطلاع رأي قومي تم إجراؤه عام 2010، أن التلقين الآيديولوجي المتواصل الذي تمارسه الحكومة الصينية يأتي بنتائج عكسية، مع تراجع ثقة الذين حصلوا على مستوى مرتفع من التعليم في الحكومة.
بدورها، بدأت وزارة التعليم الصينية خلال الخريف الحالي بإصدار كتب دراسية جديدة خاصة بالتاريخ، واللغة، والقانون، والأخلاقيات، في المدارس الابتدائية والثانوية. تحتوي الكتب الجديدة على دراسات لـ40 بطلاً ثورياً، وكتابات للزعيم الثوري ماو تسي تونغ، مثل خطابه الذي يحمل عنوان «اخدم الشعب» عام 1944، إلى جانب دروس عن مطالبات الصين بحقها في أجزاء من بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، التي تمثل عماد السياسة الخارجية لشي.
وتم دمج تاريخ الحزب في صفوف الرياضيات أيضاً، حيث يطرحون على الطلبة أسئلة عن حساب مسافة انسحاب المسيرة الطويلة الملحمي الذي امتد بطول الصين بين عامي 1943 و1936. الإجابة هي 6 آلاف ميل.
يخبر المعلمون الطلبة بأن الولاء للحزب يمكن أن يساعدهم في تخطي الصعوبات الشخصية، وإضفاء معنى على حياتهم. قالت سيا خلال أحد دروسها عن المثابرة أخيراً: «في الوقت الذي تعاني فيه الدول الأخرى من ويلات الحرب، ولا يزال الناس يتضورون جوعاً في أفريقيا، رجاءً لا تنسوا التضحيات التي بذلها جنود الجيش الأحمر».
وفي الوقت الذي وجدت فيه المناشدات الوطنية تربة خصبة بين أفراد الطبقة العاملة من الصينيين على أساس الشعور بالفخر بالقومية، يحذر بعض الخبراء من مخاطر المبالغة في التركيز على التثقيف القومي. ويقول جيانغ سوهينغ، مستشار في مجال التعليم في بكين، إن التركيز على الفخر بالقومية قد يتحول سريعاً إلى «قومية شرسة عسكرية» من الصعب السيطرة عليها. تشهد رؤية شي للتثقيف الوطني بالفعل ازدهاراً كبيراً في مدارس الجيش الأحمر الابتدائية للعمال والفلاحين التي تأسست عام 1788، لكنها لم تصبح مدرسة تابعة للجيش الأحمر إلا في عام 2012.
يبدأ اليوم الدراسي في تلك المدارس بأغاني الجيش الأحمر، ويتناوب الطلبة على ذكر القصص الثورية. ويقول كوانغ يانلي، طالب في الصف السادس يبلغ من العمر 11 عاماً: «الدماء التي أريقت في الماضي منحتنا الحياة التي نعيشها اليوم. تريد الكثير من الدول الأخرى غزو بلادنا مرة أخرى، لذا علينا أن نجتهد في الدراسة ونحرص على عدم حدوث ذلك».
مع ذلك، يشعر المسؤولون المحليون بحساسية تجاه فكرة تلقين المدرسة الأفكار للطلبة. يصطّف طلبة المدرسة البالغ عددهم 1400 طالب في باحة المدرسة الممهدة عدة مرات أسبوعياً لغناء أنشودة لعبارة شي الشهيرة «الحلم الصيني» وتستمر المنهجية.
- خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

الولايات المتحدة​ دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

دراسة تكشف: مدرستك الثانوية تؤثر على مهاراتك المعرفية بعد 60 عاماً

أظهر بحث جديد أن مدى جودة مدرستك الثانوية قد يؤثر على مستوى مهاراتك المعرفية في وقت لاحق في الحياة. وجدت دراسة أجريت على أكثر من 2200 من البالغين الأميركيين الذين التحقوا بالمدرسة الثانوية في الستينات أن أولئك الذين ذهبوا إلى مدارس عالية الجودة يتمتعون بوظيفة إدراكية أفضل بعد 60 عاماً، وفقاً لشبكة «سكاي نيوز». وجد الباحثون أن الالتحاق بمدرسة مع المزيد من المعلمين الحاصلين على تدريب مهني كان أوضح مؤشر على الإدراك اللاحق للحياة. كانت جودة المدرسة مهمة بشكل خاص للمهارات اللغوية في وقت لاحق من الحياة. استخدم البحث دراسة استقصائية أجريت عام 1960 لطلاب المدارس الثانوية في جميع أنحاء الولايات المتحدة

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
العالم العربي مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

مصر: نفي رسمي لـ«إلغاء مجانية» التعليم الجامعي الحكومي

نفت الحكومة المصرية، أمس السبت، عزمها «إلغاء مجانية التعليم الجامعي»، مؤكدة التزامها بتطوير قطاع التعليم العالي. وتواترت أنباء خلال الساعات الماضية حول نية الحكومة المصرية «إلغاء مجانية التعليم في الجامعات الحكومية»، وأكد مجلس الوزراء المصري، في إفادة رسمية، أنه «لا مساس» بمجانية التعليم بكل الجامعات المصرية، باعتباره «حقاً يكفله الدستور والقانون لكل المصريين».

إيمان مبروك (القاهرة)
«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

«تشات جي بي تي»... خصم وصديق للتعليم والبحث

لا يزال برنامج «تشات جي بي تي» يُربك مستخدميه في كل قطاع؛ وما بين إعجاب الطلاب والباحثين عن معلومة دقيقة ساعدهم «الصديق (جي بي تي)» في الوصول إليها، وصدمةِ المعلمين والمدققين عندما يكتشفون لجوء طلابهم إلى «الخصم الجديد» بهدف تلفيق تأدية تكليفاتهم، لا يزال الفريقان مشتتين بشأن الموقف منه. ويستطيع «تشات جي بي تي» الذي طوَّرته شركة الذكاء الصناعي «أوبن إيه آي»، استخدامَ كميات هائلة من المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت وغيرها من المصادر، بما في ذلك حوارات ومحادثات بين البشر، لإنتاج محتوى شبه بشري، عبر «خوارزميات» تحلّل البيانات، وتعمل بصورة تشبه الدماغ البشري. ولا يكون النصُّ الذي يوفره البرنامج

حازم بدر (القاهرة)
تحقيقات وقضايا هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

هل يدعم «تشات جي بي تي» التعليم أم يهدده؟

رغم ما يتمتع به «تشات جي بي تي» من إمكانيات تمكنه من جمع المعلومات من مصادر مختلفة، بسرعة كبيرة، توفر وقتاً ومجهوداً للباحث، وتمنحه أرضية معلوماتية يستطيع أن ينطلق منها لإنجاز عمله، فإن للتقنية سلبيات كونها قد تدفع آخرين للاستسهال، وربما الاعتماد عليها بشكل كامل في إنتاج موادهم البحثية، محولين «تشات جي بي تي» إلى أداة لـ«الغش» العلمي.

حازم بدر (القاهرة)
العالم العربي بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

بن عيسى يشدد على أهمية التعليم لتركيز قيم التعايش

اعتبر محمد بن عيسى، الأمين العام لمؤسسة منتدى أصيلة، ووزير الخارجية المغربي الأسبق، أن مسألة التعايش والتسامح ليست مطروحة على العرب والمسلمين في علاقتهم بالأعراق والثقافات الأخرى فحسب، بل أصبحت مطروحة حتى في علاقتهم بعضهم ببعض. وقال بن عيسى في كلمة أمام الدورة الحادية عشرة لمنتدى الفكر والثقافة العربية، الذي نُظم أمس (الخميس) في أبوظبي، إن «مسألة التعايش والتسامح باتت مطروحة علينا أيضاً على مستوى بيتنا الداخلي، وكياناتنا القطرية، أي في علاقتنا ببعضنا، نحن العرب والمسلمين».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة
TT

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

جامعة ياغيلونيا البولونية... احتلها النازيون فأسست مؤسسة تعليمية سرية مناهضة

تم تصنيف جامعة ياغيلونيا في مدينة كراكوف البولندية كأفضل مؤسسة تعليمية جامعية في البلاد، إلى جانب كونها واحدة من أعرق الجامعات في العالم. بدأت قصتها عام 1364 عندما نجح الملك كازيمير الأعظم بعد سنوات طويلة في إقناع البابا أوربان الخامس بمنح تصريح لإنشاء مؤسسة للتعليم الجامعي في مدينة كراكوف، قام الملك بتمويلها بعائدات مناجم فياليتشكا الملحية القريبة.
بعد ثلاث سنوات كان الجرس يدق في أرجاء المؤسسة معلناً عن بدء الدروس والتي كانت في الفلسفة والقانون والطب. وبدأت الجامعة، التي كان أول اسم يطلق عليها هو أكاديمية كراكوف، في الازدهار والنجاح خلال القرن التالي عندما بدأت في تدريس الرياضيات واللاهوت والفلك، حيث جذبت تلك المواد الباحثين والدارسين البارزين من مختلف أنحاء أوروبا. وتطلب توسعها بخطى سريعة إنشاء حرم جامعي أكبر. وقد التحق نيكولاس كوبرنيكوس، الذي أحدث بعد ذلك ثورة في فهم الكون، بالجامعة منذ عام 1491 حتى 1495.
مع ذلك، لم يستمر ما حققته الجامعة من نجاح وازدهار لمدة طويلة كما يحدث طوال تاريخ بولندا؛ ففي عام 1939 احتل النازيون مدينة كراكوف وألقوا القبض على الأساتذة بالجامعة وقاموا بنقلهم إلى معسكري التعذيب زاكزينهاوسين، وداخاو؛ ولم يعد الكثيرون، لكن من فعلوا ساعدوا في تأسيس جامعة مناهضة سرية ظلت تعمل حتى نهاية الحرب. كذلك اضطلعت جامعة ياغيلونيا بدور في الاحتجاجات المناهضة للنظام الشمولي في الستينات والثمانينات، واستعادت حالياً مكانتها المرموقة كمؤسسة لتدريب وتعليم النخبة المتعلمة المثقفة في بولندا.
ساعد انضمام بولندا إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004 في زيادة موارد الجامعة، وفتح أقسام جديدة، وإنشاء مرافق أفضل منها ما يسمى بـ«الحرم الجامعي الثالث» أو «الحرم الجامعي للذكرى الـ600» في منطقة بيخوفيسه. وبلغ عدد الملتحقين بالجامعة في 87 برنامجا دراسيا خلال العام الدراسي 2015-2016 47.494 طالباً.
وطوال قرون التحق خلالها عدد كبير من الطلبة بالجامعة، كان التحاق أول طالبة بالجامعة يمثل حدثاً بارزاً، حيث قامت فتاة تدعى نوفويكا، بالتسجيل في الجامعة قبل السماح للفتيات بالالتحاق بالجامعة بنحو 500 عام، وكان ذلك عام 1897، وتمكنت من فعل ذلك بالتنكر في زي شاب، وكانت الفترة التي قضتها في الدراسة بالجامعة تسبق الفترة التي قضاها زميل آخر لحق بها بعد نحو قرن، وكان من أشهر خريجي الجامعة، وهو نيكولاس كوبرنيكوس، الذي انضم إلى مجموعة عام 1492، وربما يشتهر كوبرنيكوس، الذي يعد مؤسس علم الفلك الحديث، بكونه أول من يؤكد أن الأرض تدور حول الشمس، وهو استنتاج توصل إليه أثناء دراسته في الجامعة، ولم ينشره إلا قبل وفاته ببضعة أشهر خوفاً من الإعدام حرقاً على العمود. من الطلبة الآخرين المميزين كارول فويتيالا، والذي يعرف باسم البابا يوحنا بولس الثاني، الذي درس في قسم فقه اللغة التاريخي والمقارن بالجامعة.