تقديرات بارتفاع أسعار السلع في اليمن إلى 500 %

الازدواج الضريبي والسوق السوداء وتدهور العملة أبرز الأسباب

يمني يعمل في متجر للخضراوات والفاكهة في صنعاء (رويترز)
يمني يعمل في متجر للخضراوات والفاكهة في صنعاء (رويترز)
TT

تقديرات بارتفاع أسعار السلع في اليمن إلى 500 %

يمني يعمل في متجر للخضراوات والفاكهة في صنعاء (رويترز)
يمني يعمل في متجر للخضراوات والفاكهة في صنعاء (رويترز)

أكدت مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات في اليمن أن القدرة الشرائية في مختلف أرجاء البلاد تراجعت إلى أدنى مستوياتها، فيما ارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 500 في المائة، مسجلة أعنف موجة تضخم؛ وذلك لأسباب متعددة، من أبرزها تدهور سعر الريال اليمني، والازدواج الضريبي، إضافة إلى فرض إتاوات على السلع المستوردة والمحلية والمهربة على السواء.
وأوضح الخبير الاقتصادي ورئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات أحمد الشماخ، أن الأسعار في اليمن تفاوتت نسبة الزيادة فيها، فهناك ما بلغت نسبة الزيادة فيها إلى 500 في المائة مثل سلع المواد الأساسية كالغذاء والدواء.
وأرجع أسباب هذه الزيادة الكبيرة إلى الازدواج الجمركي، وفرض السلطات المحلية في جميع أنحاء اليمن الإتاوات التي تزيد في كل فترة على السلع الوطنية والمستوردة وحتى المهربة.
وبين أن القدرة الشرائية في اليمن تراجعت إلى أدنى مستوياتها في الفترة الأخيرة، بسبب فصل الكثير من الموظفين في القطاعين العام والخاص، والذي أدى بطبيعة الحال إلى وصول نسبة مستوى البطالة والفقر إلى 85 في المائة، مؤكداً أنه في ظل سوء الأوضاع المعيشية والإنسانية التي تمر بها اليمن استفاد من هذه الأزمة الفاسدون، وتحمل المواطن اليمني البسيط جميع الأعباء. وقال إن «الاقتصاد الرسمي في اليمن ذهب وتلاشى، وظهر للسطح الاقتصاد الخفي (السوق السوداء)، وما يتحكم في الاقتصاد اليوم سوق المشتقات النفطية، وسوق أسعار الصرف، والاقتصاد الحالي غير أخلاقي؛ كون قوانين العرض والطلب لا تحكمه».
وتوقع الشماخ أن يصل سعر الصرف لـ500 ريال يمني للدولار خلال الشهرين المقبلين إذا لم توجد خطوات من سلطات الأمر الواقع في صنعاء، وسلطات الحكومة الشرعية لإيقاف التدهور الحاصل في الاقتصاد الكلي بما يخص العملة الوطنية.
وشدد على أهمية وضع حلول لإنقاذ التدهور الاقتصادي والعملة اليمنية من خلال استئناف تصدير النفط للخارج بإشراف الأمم المتحدة، وعودة استيراد المشتقات النفطية إلى الجانب الحكومي وليس للقطاع الخاص الذي اتسم بالفوضى، وعدم التنظيم الذي أدى إلى تدهور قيمة الريال اليمني، إضافة إلى تحييد البنك المركزي وتفعيل أدواته، وألا يكون تابعاً لأي سلطة سياسية، والوقوف على مسافة مساوية لكل الأطراف، وأن يكون بمنأى عن الصراعات السياسية، وفقا لقرارات إنشاء البنك المركزي.
من جهته، أوضح الخبير الاقتصادي علي الوافي أن أسعار المشتقات النفطية اختلفت باختلاف المناطق، مبيناً أن المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثيين ارتفعت أسعار المشتقات النفطية فيها بشكل كبير بسبب المغالاة الناتجة عن المضاربة في هذه السوق، أما في المناطق المسيطر عليها من قبل الحكومة الشرعية لم ترصد فيها أي مبالغة في الأسعار.
ورأى أن قرار تعويم الريال اليمني لم يكن له أي أثر في السوق، فالعملة من الأساس معومة؛ لعدم قدرة البنك المركزي على إدارة سياسة نقدية سليمة، مشيرا إلى أن السعر الواقعي الذي تتعامل به السوق كان فوق الـ300 ريال يمني، وأن البنوك التجارية والبنك المركزي كانت تقوم بمعاملات محدودة بسعر 250، بينما معظم المعاملات كانت فوق ذلك.
لكن البنك المركزي اليمني سبق أن شرح قرار التعويم على لسان وكيله خالد العبادي، إذ قال في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط»: «كقاعدة اقتصادية هذا الأمر صحي؛ لأن البنك المركزي لو حدد سعر صرف ولم يستطع دعمه فإن الناس ستنشئ سوقاً سوداء، فيضطر الآخرون لإنشاء سوق سوداء مبنية على العرض والطلب، فدائماً أفضّل أننا نجعل سعر الصرف بحسب العرض والطلب».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم