ليبيا: استمرار أزمة المختطفين الأجانب... ومطالب بالتحقيق في اغتصاب محتجزين

هجوم على بوابة للجيش في الجنوب ومقتل جندي

مجموعة من اللاجئين في إحدى القواعد البحرية بعد إنقاذهم من قِبل السلطات الليبية (رويترز)
مجموعة من اللاجئين في إحدى القواعد البحرية بعد إنقاذهم من قِبل السلطات الليبية (رويترز)
TT

ليبيا: استمرار أزمة المختطفين الأجانب... ومطالب بالتحقيق في اغتصاب محتجزين

مجموعة من اللاجئين في إحدى القواعد البحرية بعد إنقاذهم من قِبل السلطات الليبية (رويترز)
مجموعة من اللاجئين في إحدى القواعد البحرية بعد إنقاذهم من قِبل السلطات الليبية (رويترز)

كشفت تقارير إعلامية إيطالية عن اعتقال قوات «الردع الخاصة» الليبية لشخص إيطالي مطلوب للعدالة الإيطالية بتهمة «الاحتيال»، في وقت طالب فيه المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بتحرك رسمي لوقف «انتهاكات الاغتصاب التي يتعرض لها محتجزون في ليبيا».
وقالت وكالة «أنساميد» الإيطالية إن جيوليو لولي، وهو رجل أعمال من مدينة بولونيا، كان هارباً في ليبيا منذ سبع سنوات، وصدر بحقه أمران اعتقال دوليان، مشيرة إلى أنه كان مسجونا بالفعل في السجون الليبية أثناء حكم العقيد الراحل معمر القذافي وتم تحريره من قبل الميليشيات المتمردة، التي انضم إليها لبعض الوقت. وجرى اعتقال جيوليو المتهم بتهمة الانضمام لمنظمة إجرامية تقوم بعمليات نصب واحتيال، مجددا الأسبوع الماضي، قبل أن يتم تأكيد الخبر أمس، من قبل السلطات القضائية الليبية. ونقلت وكالة «أكي» الإيطالية عن مصادر قضائية إيطالية إن قوات الردع التابعة لوزارة الداخلية الليبية اعتقلت رجل الأعمال البالغ من العمر 52 عاما، موضحة أن «الاعتقال تم لأسباب تتعلق بقضايا ليبية محلية لا تزال طبيعتها غير معروفة». لكنها قالت في المقابل إن «مكتب المدعي العام في طرابلس لم يبلغ السفارة الإيطالية بعد بأسباب الاعتقال».
في غضون ذلك، طالب المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان بتحرك رسمي وحقوقي دولي بشكل فوري لوقف «الانتهاكات البالغة بالاغتصاب التي يتعرض لها محتجزون في ليبيا، والعمل على توفير منافذ آمنة للهجرة، هرباً من واقع الجحيم الحاصل لآلاف المهاجرين وطالبي اللجوء، الذين يتم احتجازهم فيها أثناء محاولتهم السفر عبر المتوسط إلى أوروبا».
وقال المرصد الذي يتخذ من جنيف مقراً له في بيان أمس، إن «الشهادات الموثقة عن انتهاكات الاغتصاب في مراكز التحقيق في ليبيا هي حالات يندى لها الجبين ومروعة بمعني الكلمة، وتتطلب تحركاً فورياً لوقفها بكل الوسائل».
ونشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية تحقيقاً سيعرض مصوراً العام المقبل، تضمن شهادات من رجال ونساء، أكدوا «تعرضهم للاغتصاب من قبل ميلشيات حاربت لإسقاط نظام القذافي، حيث عرض التحقيق الذي استغرق إعداده ثلاثة أعوام، شهادات مروعة لانتهاكات حدثت بين أعوام 2011 و2016، وسط شكوك بأن الاغتصاب لا يزال مستمراً كاستراتيجية ممنهجة حتى اليوم من قبل فصائل ليبية».
وتبين أدلة تضمنها التحقيق أن «الاغتصاب يستخدم بصورة منهجية لكسر السجناء في ليبيا، وأنهم يجبرون على الاعتداء الجنسي على بعضهم البعض، وإذا رفضوا يتم تهديدهم بالقتل، كما أنه يستخدم عند الاشتباكات لإذلال المعارضين بعد الفوز».
واعتبر بيان المرصد أن دول الاتحاد الأوروبي أجبرت بسياساتها الخاطئة المهاجرين واللاجئين على تذوق الجحيم في ليبيا، وهي مطالبة بتوفير طرق آمنة للمهاجرين وطالبي اللجوء الراغبين في الوصول إلى أوروبا، وذلك عبر إيجاد نظام عادل وشفاف يعنى بشؤون الهجرة وطلبات اللجوء.
من جهة أخرى، نفى أحد أعضاء مجلس النواب ما تردد عن إطلاق سراح أربعة مهندسين أجانب من تركيا وجنوب أفريقيا يعملون لصالح شركة «إنكا» التركية للإنشاءات، اختطفوا أول من أمس جنوب غربي ليبيا، مؤكدا أن الأجهزة الأمنية والأطراف المحلية تقوم بجهود كبيرة لمعرفة مقر اختطافهم.
وأشارت «إنكا» في بيان على موقعها الإلكتروني إلى اختطاف ثلاثة مواطنين أتراك، مشيرة إلى أنها تتابع الموضوع عن كثب، وأنها على اتصال بالسلطات التركية والليبية. فيما قال نائب في البرلمان، الموجود بمدينة طبرق بأقصى الشرق الليبي في تصريحات له أمس، إن الأجهزة الأمنية تقوم بمساعدة وجهاء القبائل بجهود كبيرة للمساهمة في تتبع الخاطفين، ومعرفة مصير الأجانب. وقالت مصادر محلية إن قوات تابعة لحكومة الوفاق بدأت بفرض حصار على الخاطفين، وذلك بعد ساعات من تردد معلومات عن تنفيذ قوة أمنية خاصة مشتركة (ليبية - أوروبية) لعملية خاطفة في أوباري لتحرير الأجانب الأربعة، الذين اختطفتهم مجموعة مسلحة مجهولة الهوية أثناء توجههم إلى موقع المحطة في بلدية أوباري، الواقع على بعد 1100 كيلومتر جنوبي العاصمة طرابلس، بعد وصولهم جوا.
وكانت أعمال تنفيذ المحطة، التي بدأ تشييدها عام 2012، قد توقفت عام 2014 بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة، خاصة أعمال العنف القبلية في أوباري، قبل أن تقرر الشركة التركية المنفذة للمشروع استئناف العمل في شهر فبراير (شباط) الماضي، حيث تمكنت مؤخرا من إنهاء تنفيذ الوحدة الأولى للمحطة، ووصلها بالشبكة العامة للكهرباء في ليبيا. واعتبر المجلس الأعلى للطوارق في ليبيا، الذي طالب بالإفراج عن الأجانب، أن ما وصفه بالعمل الإجرامي لا يصدر إلا ممن يسعى إلى إطالة أزمة الجنوب الذي يعاني أصلا من انقطاع متواصل في التيار الكهربائي. وتم الاختطاف على الرغم من تعهد حكومة الوفاق، التي يترأسها فائز السراج في العاصمة طرابلس، والشركة العامة للكهرباء بتهيئة كل الظروف الفنية والأمنية لضمان استكمال المشروع الحيوي الأكبر في جنوب البلاد.
من جهة أخرى، لقي جندي بالجيش الوطني الليبي مصرعه وأصيب أربعة آخرون، بعدما شنت ميليشيات مسلحة هجوما مباغتا على نقطة للجيش بالقرب من منطقة براك الشاطئ، التي تبعد نحو 700 كيلومتر جنوبي العاصمة طرابلس. وقالت مصادر عسكرية إن الهجوم استهدف اللواء 12 التابع للجيش، مشيرة إلى أن قوات الجيش تصدت للهجوم وألحقت خسائر غير معلومة بالمهاجمين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.