«سي آي إيه» توقف نشر وثائق زعيم «القاعدة»

«سي آي إيه» توقف نشر وثائق زعيم «القاعدة»
TT

«سي آي إيه» توقف نشر وثائق زعيم «القاعدة»

«سي آي إيه» توقف نشر وثائق زعيم «القاعدة»

استمر أمس الاهتمام الواسع بآلاف الوثائق التي أفرجت عنها وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي إيه) والتي صودرت من مخبأ زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن في أبوت آباد (باكستان) بعد قتله على أيدي قوة خاصة أميركية قبل ست سنوات. وتُسلّط هذه الوثائق الضوء على تأثر زعيم «القاعدة» الراحل بجماعة «الإخوان المسلمين» وعلاقته بإيران واهتمامه بقطر وتركيزه على قناة «الجزيرة» التي تملكها. كما تكشف الوثائق، كما يبدو، سعي بن لادن إلى استغلال ما يُعرف بثورات «الربيع العربي»، واستغلال ليبيا كمنصة استهداف لأوروبا كنتيجة للثورة التي أطاحت حكم العقيد الراحل معمر القذافي.
ولم يكن ممكناً أمس تصفح الوثائق التي رفعت وكالة الاستخبارات المركزية السرية عنها يوم الأربعاء. فبعد يوم واحد من تغريد وكالة الاستخبارات الأميركية على صفحتها في «تويتر» بأنها نشرت قرابة نصف مليون وثيقة تابعة لبن لادن من مجموعة وثائق أبوت آباد، حذّرت يوم الخميس الذين يريدون مشاهدة الوثائق على الإنترنت بأنها ربما تحتوي على فيروسات. وحذّرت الـ«سي آي إيه» الباحثين عن الملفات الموجودة في موقعها قائلة: «إن المواد ضُبطت من منظمة إرهابية ولا يوجد هناك ضمان مطلق بأنه قد تمت إزالة جميع البرامج الضارة فيها». ثم أوقفت «سي آي إيه» نشر الملفات صباح الخميس، وقالت إنها «غير متوافرة مؤقتاً، في انتظار حل مشكلة فنية». وأضافت: «نعمل على توفير المواد مرة أخرى في أسرع وقت ممكن». لكن «العطل الفني» استمر، كما يبدو، طوال نهار الجمعة.
وركّزت وكالة أسوشييتد برس، أمس، على إحدى الوثائق المصادرة من منزل زعيم «القاعدة» في باكستان، وقالت إن وثيقة من 19 صفحة كتبها بن لادن تشرح علاقة مجموعته بتنظيمات ودول، ومنها إيران (تناولت «الشرق الأوسط» هذه الوثيقة بالتفصيل في عدد الجمعة). واعتبرت الوكالة الأميركية أن هذه الصفحات «يبدو أنها تدعم الادعاءات الأميركية بأن إيران دعمت الشبكة المتطرفة (القاعدة) قبيل هجمات 11 سبتمبر (أيلول) الإرهابية». وأضافت: «منذ فترة طويلة، يقول مسؤولون في الاستخبارات الأميركية ومدعون قانونيون إن إيران أسست علاقات فضفاضة مع المنظمة الإرهابية اعتباراً من عام 1991».
ورد وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، بتغريدة على «تويتر» أمس نفى فيها المعلومات عن علاقة بلاده بـ«القاعدة»، وانتقد وكالة الاستخبارات المركزية و«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات» التي نشرت بعض وثائق أبوت آباد قبل نشرها على موقع «سي آي إيه». وقالت أسوشييتد برس إنها فحصت التقرير الخاص بوثائق بن لادن والذي نشرته «لونغ وور جورنال» (دورية الحرب الطويلة، الحرب ضد الإرهاب)، التابعة لـ«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات»، والذي خلص إلى أن إيران مستعدة لدعم «كل من يريد ضرب أميركا» بما في ذلك «القاعدة». وقالت الوكالة الأميركية إنه، بحسب وثيقة «القاعدة»، عرضت إيران على مقاتلي هذه المنظمة «المال والأسلحة وكل ما يحتاجون له.
وعرضت عليهم التدريب في معسكرات حزب الله في لبنان، مقابل ضرب المصالح الأميركية في السعودية».
ومعلوم أن لجنة التحقيق في هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001 أوردت معلومات أفادت بأن مسؤولين إيرانيين التقوا مع قادة تنظيم «القاعدة» في السودان إما في عام 1991 أو أوائل عام 1992. وقال تقرير تلك اللجنة إن مقاتلي «القاعدة» تلقوا تدريباً في لبنان في وقت لاحق على أيدي تنظيم «حزب الله» الشيعي. وكان الادعاء الأميركي قال سابقاً إن «القاعدة» وجدت دعماً من إيران و«حزب الله»، كما أوضحت لائحة الاتهام التي وجهت إلى بن لادن، في عام 1998، بعد التفجيرات التي استهدفت السفارتين الأميركيتين في كينيا وتنزانيا، والتي أسفرت عن مقتل 224 شخصاً من بينهم 12 أميركياً.
وقال تقرير لجنة 11 سبتمبر إن «العلاقة بين تنظيم القاعدة وإيران أظهرت أن الانقسامات السنية - الشيعية لا تشكل بالضرورة حاجزاً لا يمكن تجاوزه للتعاون في العمليات الإرهابية».
وفعلاً، قال تقرير «القاعدة» إن إيران، قبل هجمات 11 سبتمبر 2001 على مركز التجارة العالمي في نيويورك ومبنى البنتاغون قرب واشنطن، سمحت لمسلحي بن لادن بالمرور عبر حدودها، من دون الحصول على طوابع على جوازات سفرهم أو تأشيرات دخولهم عبر قنصليتها في كراتشي. وأضاف تقرير «القاعدة» أن هذا التساهل ساعد أعضاء «القاعدة» السعوديون على تجنب الشكوك حولهم. وقال هؤلاء إنهم كانوا على اتصال مع عملاء للمخابرات الإيرانية.
وقالت أسوشييتد برس إن هذه المعلومات تتطابق مع ما جاء في تقرير لجنة 11 سبتمبر عن أن 8 من الذين خطفوا الطائرات في هجمات 11 سبتمبر مروا بإيران قبل أن يصلوا إلى الولايات المتحدة. وقال تقرير «القاعدة» (الوثيقة المفرج عنها على موقع «سي آي إيه»)، كما نقلت أسوشييتد برس، إن إيران وضعت، في وقت لاحق، قادة وأعضاء من «القاعدة» تحت الحراسة المنزلية. ووصف التقرير الغزو الأميركي للعراق، عام 2003، بأنه شكل عاملاً ضاغطاً على إيران، خاصة مع زيادة نفوذ «القاعدة» في العراق بعد الغزو. وقالت أسوشييتد برس إن لهذا صلة بما حدث عام 2015، عندما بادلت إيران بعض قادة «القاعدة» فيها مع دبلوماسي إيراني كان معتقلاً في اليمن لدى فرع تنظيم «القاعدة» هناك. في ذلك الوقت، قال اليمن إنه كان تبادل أسرى. لكن إيران وصفت ما حصل بأنه كان «صعباً ومعقداً» بهدف إنقاذ الدبلوماسي الإيراني من «أيدي الإرهابيين».



العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
TT

العالم يخسر المعركة ضد الجريمة المنظمة

تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)
تتلقى امرأة المساعدة عندما أحرق مدنيون غاضبون جثث أفراد عصابة مشتبه بهم في هايتي (رويترز)

بينما يشهد العالم ركوداً في التجارة العالمية وتراجع الاستثمارات عبر الحدود، هناك استثناء صارخ لهذه الفوضى الاقتصادية: العصابات الدولية والجريمة المنظمة التي تشهد ازدهاراً غير مسبوق، مستغلة التكنولوجيا الحديثة وانتشار المخدرات الصناعية لتوسيع نفوذها عالمياً. وفقاً لتقرير لمجلة «إيكونوميست».

الجريمة المنظمة تنمو بمعدلات قياسية

يورغن ستوك، الذي أنهى مؤخراً فترة عمله أمينا عاما لـ«الإنتربول»، أكد أن العالم يشهد نمواً غير مسبوق في احترافية واتساع نطاق الجريمة المنظمة. وبينما أظهرت الإحصائيات انخفاضاً عالمياً في معدلات جرائم القتل بنسبة 25 في المائة منذ بداية القرن، تحذر منظمات دولية من ارتفاع هائل في أنشطة العصابات التي تتجاوز الحدود الوطنية لتتحول إلى شبكات عالمية متعددة الأنشطة.

التكنولوجيا: سلاح جديد في يد العصابات

أسهمت التقنيات الحديثة، مثل التطبيقات المشفرة والعملات الرقمية، في تسهيل عمليات الاتصال ونقل الأموال بين العصابات دون ترك أي أثر. الإنترنت المظلم بات سوقاً مفتوحاً لتجارة البضائع الممنوعة، بينما ظهرت الجرائم الإلكترونية كمجال جديد يدر أرباحاً بمليارات الدولارات.

تقديرات تشير إلى أن عائدات الاحتيال والسرقات الرقمية بلغت 7.6 مليار دولار في عام 2023، في وقت يستغل فيه المجرمون أدوات الذكاء الاصطناعي لابتكار طرق جديدة للاحتيال.

يحمل الناس أمتعتهم أثناء فرارهم من حيهم بعد هجمات العصابات التي أثارت رد فعل مدنياً عنيفاً في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

المخدرات الصناعية تغير قواعد اللعبة

مع التحول إلى المخدرات المصنعة كالميثامفيتامين والفنتانيل، أصبحت العصابات أقل اعتماداً على مناطق زراعة النباتات المخدرة مثل الكوكا أو الأفيون. هذه المخدرات، الأرخص والأقوى تأثيراً، ساهمت في توسيع نشاط العصابات إلى أسواق جديدة، خصوصاً في جنوب شرق آسيا، حيث زادت المصادرات بأربعة أضعاف بين 2013 و2022.

تنويع الأنشطة والانتشار الجغرافي

لم تعد العصابات تقتصر على نشاط واحد؛ فهي الآن تجمع بين تجارة المخدرات، الاتجار بالبشر، القرصنة الرقمية، وحتى تهريب الأحياء البرية. على سبيل المثال، أصبحت عصابات ألبانيا لاعباً رئيسياً في سوق الكوكايين بالإكوادور، بينما تستغل عصابة «ترين دي أراجوا».الفنزويلية أزمة اللاجئين لتعزيز أرباحها من تهريب البشر.

يستجوب السكان شخصاً ليس من الحي بعد محاولة هجوم ليلي شنتها عصابات على ضاحية بيتيون فيل الثرية ما أثار استجابة مدنية عنيفة في بورت أو برنس بهايتي (رويترز)

العصابات والسياسة: تأثير متصاعد

امتدت أيدي العصابات إلى التأثير على السياسة في بعض الدول. ففي الإكوادور، اغتيل مرشح رئاسي على يد أفراد يُعتقد ارتباطهم بعصابات كولومبية، بينما شهدت المكسيك مقتل عشرات المرشحين السياسيين في الانتخابات الأخيرة.

العالم في مواجهة تحدٍّ عالمي

على الرغم من النجاحات الفردية لبعض الدول في مكافحة الجريمة، يبقى التعاون الدولي في مواجهة العصابات محدوداً مقارنة بتوسعها السريع عبر الحدود. خبراء يؤكدون أن النهج التقليدي لإنفاذ القانون يحتاج إلى تحديث جذري لمواكبة التحديات التي تفرضها الجريمة المنظمة في عصر العولمة.