باريس تنتقد مؤتمر سوتشي وتتمسك بـ«الانتقال السياسي»

تريد إعادة طرح «مجموعة الاتصال»

TT

باريس تنتقد مؤتمر سوتشي وتتمسك بـ«الانتقال السياسي»

صوبت باريس أمس على المبادرة الروسية الجديدة الهادفة إلى الدعوة إلى «المؤتمر السوري للحوار الوطني» في سوتشي. وصدرت التحفظات الفرنسية بالتزامن من باريس ونيويورك لتكون بذلك أول ردة فعل دولية على المشروع الروسي الذي ينظر إليه فرنسيا على أنه امتداد لاجتماعات آستانة التي تغيب عنها فرنسا ودول أوروبية، لكنها لم تعارضها لأنها تعتبر أنها تتناول فقط الجوانب العسكرية بعكس مؤتمر سوتشي.
وقالت مصادر رسمية فرنسية لـ«الشرق الأوسط» أمس إن باريس «مستمرة في التشاور مع شركائها» الأوروبيين ومع الولايات المتحدة الأوروبية بشأن المشروع الروسي، لكن أيضا بخصوص الجولة الثامنة من جنيف المفترض أن تنطلق وفق المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا في 28 الجاري في جنيف. وقالت الناطقة باسم الخارجية أنييس روماتيه - إسباني، في إطار المؤتمر الصحافي الإلكتروني إن «عملية جنيف هي المنتدى الوحيد الملائم والمتفق عليه دوليا لبحث أبعاد الأزمة السورية السياسية خاصة فيما يتعلق بالعملية الانتخابية والدستور الجديد». وتابعت أن باريس «تدعم كلّ خطوة من شأنها إنجاح هذه العملية بالاستناد إلى القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويجب أن تندرج جميع المساعي الدولية ومن بينها المساعي الروسية في هذا الإطار بالتحديد»، الأمر الذي يعني أن فرنسا لا تعتبر أن المبادرة الروسية تتلاءم مع متطلبات القرار الدولي المشار إليه. وفي السياق عينه، أعلن المندوب الفرنسي في الأمم المتحدة فرنسوا دولاتر أمس أن «المعيار الوحيد» للحكم على المبادرة الروسية هو معرفة ما إذا كانت «تخدم أم لا مسار جنيف»، مؤكدا أن أي مبادرة تعزز جنيف مرحب بها بينما أي مبادرة لا تستوفي هذا الشرط «مصيرها الفشل». وذهب زميله البريطاني ماتيو ريكروفت في السياق عينه بإعلانه أن «الطريق إلى السلام يمر في جنيف»، مضيفا أن مشروعا كهذا «لا يثير اهتمامه» ويبقى بشأنه «مشككا».
تقول المصادر الرسمية الفرنسية، إن عيب سوتشي الأول أنه «يغيب موضوع الانتقال السياسي» الذي يشكل أساس القرار الدولي 2254 بعكس اجتماعات جنيف التي تنطلق من القرار المذكور وتسعى إلى تحقيق أهدافه. وإذ تعترف المصادر الفرنسية بأن مسلسل اجتماعات جنيف «لم يأت حتى الآن بالنتائج المرجوة منه» لكنه بنظرها يتميز بأمرين أساسيين: الأول، أنه «حيادي ويحظى بإجماع دولي وهو ليس حال المبادرة الروسية». والثاني أنه «موجود» وبالتالي رغم ضعفه، فإنه «يمكن البناء عليه».
وتضيف هذه المصادر أن المبادرة الفرنسية الداعية إلى إقامة «مجموعة اتصال» تهدف تحديدا، من خلال جمع الدول الخمس الكبرى والدول الإقليمية المؤثرة في الأزمة السورية، إلى «مواكبة جنيف» وتوفير «الأجواء الدولية والإقليمية» التي يمكن أن تساعد الوسيط الدولي والأطراف السورية. بحسب مصادر فإن باريس «تريد تفعيل مجموعة الاتصال» مع اقتراب الاجتماع القادم في جنيف أملا بـ«إطلاق دينامية جديدة» تدفع باتجاه الحل السياسي الواجب التركيز عليه «مع الاقتراب من دحر داعش». وبالإضافة لهذه التحفظات الخاصة بها، فإن باريس تعتبر أن رفض المعارضة السورية للمقترح الروسي كما ورد في الساعات الأخيرة «يفرغه من معناه» لأن الحل السياسي في النهاية «يجب أن يكون بين النظام والمعارضة وليس بين النظام والنظام».
ثمة مآخذ فرنسية أخرى على سوتشي ليس أولها أنه «من غير المفيد الإكثار من المبادرات». فضلا عن ذلك، فإن المصادر الفرنسية تنتقد الأداء الروسي الذي يشتم من ورائه أن موسكو «تسعى لسحب البساط إليها» وتهميش دور الأمم المتحدة والأطراف الأخرى ومنها فرنسا. ومنذ شهور، انتقد الرئيس إيمانويل ماكرون المسار الذي سلكته المفاوضات و«تغييب» باريس «وأطراف أخرى» عنها. كذلك تنتقد باريس الجور الأميركي الذي ترى أنه «لا يهتم سوى بداعش وبمناطق شرق سوريا فيما لا نفهم ولا نرى ما هو التصور الأميركي لمستقبل سوريا السياسي وكيفية ترجمة المسعى الأميركي لجبه النفوذ الإيراني على الأراضي السورية». كذلك تنظر باريس بكثير من الحذر لتصريحات وزير الخارجية الأميركي الأخيرة حول الأسد وحول نهاية حكمه.
حقيقة الأمر أن الموقف الفرنسي يتماهى مع موقف المعارضة السياسية السورية، وليس فيه ما يفاجئ المراقبين بالنظر لكون فرنسا وقفت دوما إلى جانب المعارضة ودعمتها سياسيا وماديا وعسكريا. لكن مشكلة المبادرة الفرنسية التي تحدث عنها الرئيس ماكرون منذ الصيف الماضي وكلف وزير خارجيته متابعتها «لا تلقى الحماسة الزائدة»، وفق تعبير مراقبين في باريس. فالطرف الأميركي «فاتر» تجاهها والطرف الروسي «لا يرى الفائدة المرجوة منها» فضلا عن أن أحد الأطراف الإقليمية وهو إيران مرفوض التواصل المباشر معه بسبب «الفيتو» الأميركي. ورغم ذلك، فإن باريس ماضية بها، وهي تفسر غيابها عن آستانة بأن الاجتماعات المذكورة ترعاها الدول التي لها قوات على الأراضي السورية وهي روسيا وإيران وتركيا. لكن باريس تتناسى أن القوات الأميركية موجودة هناك، وليس فقط في إطار التحالف الدولي «الجوي» الذي تقوده. وبأي حال، فإن باريس التي تراجعت مواقفها كثيرا قياسا لما كانت عليه سابقا بخصوص مصير النظام والمطالبة برحيل الأسد، بسبب اتباعها سياسة أكثر براغماتية، تبقى متمسكة بمبدأ «الانتقال السياسي»، رغم التغيرات الميدانية التي حصلت في العامين الأخيرين. لكن يبقى موضوع تحديد محتوى الانتقال المذكور قيد التداول سورياً بين مجموعتين متعارضتين في فهمهما لهذه النقلة الأساسية للملف السوري.



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم