زوجات «دواعش» يحلمن بالعودة إلى بلدانهن

تحدثن لـ «الشرق الأوسط» في مخيم عين عيسى بريف الرقة

ديلبر آرتور تحمل طفلها ذا العامين الذي رزقت به في سوريا وتجلس إلى جانبها أختها «رفيقة» وأخوها عبد الله («الشرق الأوسط»)
ديلبر آرتور تحمل طفلها ذا العامين الذي رزقت به في سوريا وتجلس إلى جانبها أختها «رفيقة» وأخوها عبد الله («الشرق الأوسط»)
TT

زوجات «دواعش» يحلمن بالعودة إلى بلدانهن

ديلبر آرتور تحمل طفلها ذا العامين الذي رزقت به في سوريا وتجلس إلى جانبها أختها «رفيقة» وأخوها عبد الله («الشرق الأوسط»)
ديلبر آرتور تحمل طفلها ذا العامين الذي رزقت به في سوريا وتجلس إلى جانبها أختها «رفيقة» وأخوها عبد الله («الشرق الأوسط»)

بيت صغير منعزل داخل مخيم عين عيسى الواقع على بعد 50 كيلومتراً شمال غربي الرقة، يقف حراس من «قوات سوريا الديمقراطية» على بابه، مانعين دخول أي شخص إلا بإذن خطي من إدارة المخيم، فيما يبدو أنه المكان المخصص لاحتجاز نساء مقاتلي «داعش».
نساءٌ قطعنَ مسافات كبيرة لتحقيق حلم تبيّن أنه وهم في الواقع، كانت إحداهنّ من بلجيكا، بالإضافة إلى 3 نسوة من روسيا، واثنتان من الشيشان، وفرنسيات من أصول مغاربية، وإسبانية وهولندية وأذربيجانية، وعربيات من تونس والمغرب وليبيا وغيرهنّ كثيرات من اللاتي قررنّ الفرار بعد اشتداد المعارك، وطرد عناصر التنظيم المتطرف من مدينة الرقة السورية في 17 من الشهر الماضي.
«نعم فرحت كثيراً عندما قتل زوجي، لم أصدق أنني تخلصت منه ومن ظلمه»، بهذه الكلمات تروي حبيبة عفيف (33 سنة)، وهي سيدة إسبانية من أصول مغربية، قصتها لـ«الشرق الأوسط»، فزوجها الذي التحق بتنظيم داعش المتشدد أجبرها السفر إلى سوريا رغماً عنها، وبعد مرور عام قتل بقذيفة طيران ليترك لها مسؤولية تربية 5 أولاد.
حبيبة، التي تزوجت سنة 2001 من رجل مغربي، عاشت كغيرها من الأسر حياة طبيعية وأنجبت من زوجها 4 أطفال لترزق بطفل خامس في سوريا، سافرت العائلة إلى إسبانيا في عام 2007، وحصلوا على جنسيتها وبقوا هناك قرابة 5 سنوات، بعدها قرر زوجها - فجأة - العودة إلى المغرب في شهر ديسمبر (كانون الأول) 2012 ليخبر زوجته أنه ينوي السفر إلى تركيا بدافع العمل.
تكمل حبيبة بملامح وجهها الشاحبة قولها: «عندما كنا في إسبانيا لم ألاحظ التطرف على زوجي، كان يصلي ويحلق شعره وذقنه بشكل طبيعي، لكنه لم يخف تأثره بمآسي الشعب السوري وما يتعرض له من ويلات الحرب»، وبعد وصولهم إلى تركيا، أعلمها بقراره ورغبته الدخول إلى سوريا بغرض الالتحاق بتنظيم «جبهة النصرة»؛ الفرع السوري لتنظيم القاعدة، ليبايع لاحقاً تنظيم داعش المتطرف، كان ذلك بمثابة ضربة على الرأس، حيث رفضت حبيبة بشدة هذا القرار غير العقلاني، وأضافت: «هددني بحرماني من فلذات كبدي، وبأنه سيأخذهم بالقوة، وافقت تحت الضغط والضرب، فهو يعلم أنني متعلقة بأطفالي كثيراً».
وعززت المشاهد المروعة المتتالية عن مجريات الحرب في سوريا مشاعر التعاطف والدعم؛ وأدى انتشارها كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي إلى إثارة عواطف كثير من مواطني بلدان قريبة وبعيدة، لكنهم وقعوا في نهاية المطاف في شراك دعاية «داعش» الإعلامية، الذي عمل منذ نهاية 2013 من خلال شبكاته، على إدخال المقاتلين الأجانب إلى سوريا.
على مقربة من حبيبة، تجلس ديلبر آرتور، الفتاة المنحدرة من جمهورية أذربيجان والتي دخلت عامها الثامن عشر... إنها تبدو أكبر من عمرها بسبب التجارب المريرة التي مرت بها في سن مبكرة، هكذا قالت عن نفسها وشرحت أسباب اضطرارها للسفر إلى سوريا مع والدها الذي قرر الالتحاق بتنظيم داعش بعد طلاق والدتها، وهناك أجبرت على الزواج مرتين من مقاتلين في صفوف «داعش»، لكنهما لقيا مصرعهما بعد أشهر.
بدأت قصة ديلبر بعد سيطرة «داعش» على مدينة الرقة في يناير (كانون الثاني) 2014، وإعلان ما سميت آنذاك «الخلافة الإسلامية» المزعومة، حينها قرر والدها صيف العام نفسه السفر إلى سوريا برفقة أطفاله، كانت ديلبر الأكبر سناً وتبلغ وقتها من العمر 14 عاما، بالإضافة إلى أختها «رفيقة»، وشقيقهما الأصغر عبد الله.
وبلغة عربية فصيحة وجمل ركيكة تخللتها بعض الكلمات التركية، قالت ديلبر: «سافرنا جواً إلى مدينة إسطنبول التركية، ثم براً إلى مدينة غازي عنتاب لنصل إلى الحدود، ثم دخلنا مشياً على الأقدام إلى بلدة الراعي داخل الأراضي السورية».
وقالت ديلبر إنّ أباها كان مقاتلا، بعدها تولى مناصب قيادية في معارك التنظيم بريف حلب الشرقي، ثم انتقلت العائلة للسكن في مدينة الرقة، لكنهم لم يحتملوا مشاهد القتل والإعدامات الجماعية الذي كان ينفذها عناصر التنظيم المتشدد، الأمر الذي دفع بالأب إلى التخطيط للفرار، لكن قبض عليه وقتل مع 3 آخرين من أذربيجان بتهمة أنهم «خوارج».
وتابعت ديلبر: «لم أشعر بطفولتي، أجبرت على الزواج من مقاتل تركي عندما كان عمري 15 سنة بسبب ضغوطات التنظيم، وأنجبت منه طفلا، قُتل زوجي لاحقا بضربة طيران»، حيث زادت مسؤوليتها وهي بهذا السن المبكرة لترعى إخوتها إلى جانب طفلها الصغير، وتضيف: «تزوجت مرة ثانية من تركي أيضاً، وقتل هو الآخر بعد أشهر في مدينة المنصورة العراقية، وقتها قررت الفرار من قبضة التنظيم».
ضغط التنظيم على حبيبة المغربية مراراً للزواج من مقاتل جديد، بعد مرور عام على مقتل زوجها حيث لقي مصرعه في صيف عام 2015. قابلتهم السيدة بالرفض قائلة: «كنت أقول لهم إنني أريد العودة إلى بلدي المغرب، ولا أريد الزواج من أحد»، وأشارت إلى أنّ أطفالها لم يذهبوا إلى المدرسة طيلة السنوات الماضية، وتضيف: «لم تكن في مناطق التنظيم مدراس، كانت هناك معاهد شرعية لكنها لا تدرس العلوم والرياضيات، واقتصرت على إعطاء الدروس الدينية والشرعية».
وفي أبريل (نيسان) الماضي، سيطرت «قوات سوريا الديمقراطية» بدعم من طيران التحالف الدولي على مدينة الطبقة، حيث كانت تسكن حبيبة، مما اضطرها للنزوح مع أطفالها إلى مدينة الميادين شرق محافظة دير الزور، مكثت هناك 5 أشهر عندها خططت للهرب، إلا أن عائقا آخر ظهر أمامها هذه المرة، وكشفت عنه بالقول: «التحق ابني البكر أنس عندما بلغ سن 14 بصفوف التنظيم، وفي إحدى المرات قلت له يجب أن نترك سوريا ونعود إلى بلدنا. حذرني من الهرب وهددني بأنه سيخبر التنظيم، خفت وصعقت من كلامه، لذلك هربنا دون إخباره، عقليته تشبه إلى درجة كبيرة عقلية والده».
وتمكنت حبيبة من الهرب بمساعدة مهربين محليين بعد أن دفعت لهم ألف دولار أميركي، وهي الآن تقيم في غرفة جماعية بمخيم عين عيسى منذ 3 أشهر، وارتسمت على وجهها وهي تتحدث عبارات الحنين إلى مسقط رأسها المغرب، مؤكدة رغبتها بالعودة، وتقول: «أتصل بعائلتي بشكل دوري، مشتاقة إلى أمي كثيراً وحماتي التي تبرأت من ابنها لقراره، عندما قلت لهم إنني سافرت إلى سوريا، تعرض والدي لانهيار عصبي، أما أمي فلم تتعاف من الصدمة لأشهر، أحلم بلقائهم مرة ثانية».
أما ديلبر، فتمكنت من الفرار قبل 20 يوما مع طفلها (الذي صار عمره عامين) وإخوتها. تحلم بالعودة إلى حياتها الطبيعية وإتمام مرحلة شبابها في بلدها الأم، والزواج من شاب أذربيجاني، وقالت في ختام حديثها: «قبل مجيئي إلى سوريا كنت في المدرسة، وكان لدي حلم بأن أصبح طبيبة. إذا رجعت لبلدي فسأكمل تعليمي وأحقق أمنيتي».



انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يشعلون مزيداً من الصراعات القبلية

غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)
غياب العدالة وتجريف القضاء أديا إلى تنامي الصراعات القبلية في مناطق سيطرة الحوثيين (إ.ب.أ)

بالتزامن مع بيانات أممية أكدت اتساع رقعة الفقر في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، تواصل الجماعة المدعومة إيرانياً إشعال الصراعات القبلية التي تحولت إلى أحد مصادر كسب الأموال لدى قادتها، إلى جانب إشغال فئات المجتمع بالصراعات البينية لتجنب أي انتفاضة شعبية نتيجة تدهور الأوضاع المعيشية.

وذكرت مصادر قبلية أن وجهاء محليين في محافظة الجوف (شمال شرقي صنعاء) أبرموا اتفاقاً للهدنة بين قبيلتي «المعاطرة» و«ذو زيد» بعد أسبوع من المواجهات القبلية التي أدت إلى وقوع 16 قتيلاً وجريحاً من الجانبين.

عناصر حوثيون في صنعاء خلال حشد دعا إليه زعيمهم (أ.ف.ب)

وأوضحت المصادر أن الوسطاء أعادوا فتح الطرقات بين منطقتي المواجهة التي تأتي في سياق تغذية الصراعات القبلية في المحافظة لإضعاف القبائل وإبعادها عن أي مواجهة مرتقبة مع الحوثيين.

واندلعت الاشتباكات - بحسب المصادر - نتيجة خلافات قبلية على ملكية جبل يسمى «نهم» يفصل بين القبيلتين، ويدَّعي كل طرف ملكيته، لكنها اتهمت قيادات في جماعة الحوثي بالوقوف خلف تلك الاشتباكات بعد تغذيتها للخلافات بين الطرفين منذ ما يقارب الشهرين، وعدم فصلها فيها رغم لجوء الطرفين إلى المشرفين الحوثيين هناك.

نزاع في إب

وفي مديرية الشعر التابعة لمحافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) قام القيادي الحوثي أشرف الصلاحي، وهو المسؤول عن إدارة المديرية، بشن حملة لاختطاف العشرات من السكان، وتغذية خلافات بين عائلتي «شهبين» و«عبية» على خلفية السعي لافتتاح طريق فرعي يمر عبر أراضٍ زراعية تملكها الأولى، رغم وجود طريق رئيسي تم تعبيده على نفقة السكان، ويُستخدم منذ عشرات السنين.

ووفقاً لما ذكره سكان في المنطقة التي تعد واحدة من بؤر المعارضة لسلطة الحوثيين، نشب خلاف بين الأسرتين في قرية «الشريحيين» بعزلة الأملوك حول استحداث طريق إضافي في المنطقة، حيث رفضت عائلة «شهبين» ضغوط القيادي الحوثي الصلاحي المعين مديراً للمديرية لفتح الطريق بقوة السلاح.

حملة عسكرية أرسلها الحوثيون لنصرة طرف ضد آخر في محافظة إب (إعلام محلي)

وأكد السكان أن الوضع في طريقه للانفجار في ظل إصرار القيادي الحوثي على انحيازه إلى أحد الأطراف، والحصول على أموال مقابل ذلك الموقف، وتمسُّك المعارضين بموقفهم.

وطبقاً لما روته مصادر قبلية متعددة لـ«الشرق الأوسط»، فإن المسؤولين الحوثيين في معظم المناطق يعتمدون على الجبايات في جمع الأموال، وتدبير نفقاتهم وإدارتهم، حيث يرغمون السكان على دفع نفقات تحرك أفراد الشرطة لمعاينة أي حادثة أو إحضار أحد المطلوبين، كما يحرصون على أن يكونوا محكمين في أي قضايا خلافية بين السكان للحصول على مبالغ مالية والحيلولة دون وصول هذه القضايا إلى المحاكم.

العبث بالقضاء

كانت الجماعة الحوثية قد شكلت قبل عامين ما سمته «المنظومة العدلية» بقيادة محمد علي الحوثي، ابن عم زعيم الجماعة، بهدف إدارة المحاكم والقضاة ومراقبتهم، واتخاذ العقوبات اللازمة بحقهم.

وأخيراً منحت الجماعة نفسها من خلال التعديل الأخير على قانون السلطة القضائية، حق تعيين معممين طائفيين قضاة في المحاكم، كما أضافت مادة إلى القانون تمنح هؤلاء القضاة حق معاقبة المحامين بالمنع من الترافع لمدة 3 أعوام إذا رأوا أن مرافعاتهم لا تسير وفق هوى الجماعة.

ابن عم زعيم الجماعة الحوثية خلال تجمع في صنعاء (أ.ف.ب)

التعديلات التي قوبلت باعتراض رسمي وشعبي واسع رفضتها نقابة المحامين اليمنيين؛ إذ عبّرت عن أسفها من إقدام ما يسمى مجلس النواب في صنعاء الذي يضم عدداً لا يزيد على 40 فرداً أغلبهم تم انتخابهم من قِبل الحوثيين بعد وفاة الأعضاء الأساسيين، على إقرار مشروع التعديل الخاص بقانون السلطة القضائية دون نقاش.

وبينما أكدت النقابة تمسُّكها الكامل بموقف المحامين الرافض للتعديلات القانونية برمتها، وإدانة تمرير المشروع، رأى محامون أن إفراغ القضاء والعد التنازلي لإنهاء استقلاله في مناطق سيطرة الحوثيين بدأ منذ قبول ما يسمى مجلس القضاء «الخضوع والتماهي مع مخططات الجماعة»، وإجبار القضاة على حضور دورات طائفية حتى يحافظوا على فتات لقمة العيش التي يحصلون عليها.

ووصف المحامون تلك التعديلات التي أُدخلت على قانون السلطة القضائية بأنها نتيجة التنازلات المؤلمة التي أصبح ضحيتها الشعب بأكمله.

اشتداد الفقر

تأتي هذه الممارسات الحوثية بينما لا يزال انعدام الأمن الغذائي مرتفعاً، حيث يعاني واحد من كل اثنين من الأسر من استهلاك غير كافٍ للغذاء، في حين تأثرت نحو 43 في المائة من الأسر في مناطق سيطرة الجماعة بشكل كامل.

وبالإضافة إلى ذلك، فإن درجة استهلاك الغذاء الرديئة، وهي مقياس للحرمان الشديد من الغذاء، تعكس مستويات مثيرة للقلق حيث تأثرت نحو 20 في المائة من الأسر سلباً، وفق ما ورد في بيانات أممية حديثة.

مع اتساع رقعة الفقر يخشى الحوثيون من انتفاضة شعبية (الأمم المتحدة)

وطبقاً لبيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو) فإن انعدام الأمن الغذائي في مناطق سيطرة الحوثيين يرجع في المقام الأول إلى خفض المساعدات الإنسانية، ما يؤثر في أولئك الذين اعتمدوا عليها بشكل كبير، جنباً إلى جنب مع الفيضانات الأخيرة والانحدار العام في سبل العيش.

وأدى ذلك - وفق المنظمة الأممية - إلى صدمات للأسر وفقدان الدخل في تلك المناطق، حيث أثرت على نحو 59 في المائة من الأسر، وهي نسبة أعلى بكثير مقارنة بالشهرين الماضيين، أما في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة اليمنية، فقد واجهت نحو 53 في المائة من الأسر صدمات خلال شهر.