فرنسا قلبت صفحة الطوارئ... ورئيس حكومتها يدعو إلى «التعبئة» لتلافي الأعمال الإرهابية

وزير الداخلية يؤكد تعطيل 32 مؤامرة في عامين

TT

فرنسا قلبت صفحة الطوارئ... ورئيس حكومتها يدعو إلى «التعبئة» لتلافي الأعمال الإرهابية

بعد 719 يوماً، قلبت فرنسا، أمس، صفحة حالة الطوارئ التي فرضت عقب هجمات 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 والتي أوقعت في باريس وضاحية سين سان دوني 130 قتيلا ومئات الجرحى. لكن الهجوم الإرهابي الذي ضرب مدينة نيويورك أول من أمس عاد ليطرح العديد من التساؤلات حول صحة قرار السلطات في الوقت الذي اعتبر فيه رئيس الحكومة إدوار فيليب أمس، أن باريس «تعي أن مستوى التهديد الإرهابي ما زال مرتفعاً». وزاد وزير الداخلية جيرار كولومب، بمناسبة جولة تفقدية قام بها المسؤولان أمس للقوة الأمنية المكلفة بحراسة برج إيفل، أن القوى الأمنية نجحت في «تعطيل 32 محاولة إرهابية» في العامين الماضيين. ورغم أن العمل بحالة الطوارئ لم يحل دون تكرار الهجمات الإرهابية في العديد من المدن الفرنسية، فإن محصلة العمل بها تبين أنها كانت فاعلة إلى حد كبير. ووفق الإحصائيات التي كشف عنها وزير الداخلية، فإن حالة الطوارئ سمحت بالقيام بـ4 آلاف و300 عملية دهم لمنازل ومواقع، وفرض الإقامة الجبرية على 625 شخصا، ومصادرة 625 قطعة سلاح بينها عشرات الأسلحة الحربية، وغيرها من التدابير والإجراءات التي كان غرضها العام توفير الأمن وطمأنة المواطنين الفرنسيين في مواجهة المؤامرات الإرهابية.
حقيقة الأمر أن رئيس الجمهورية والحكومة يعيان أن حصول أي عملية إرهابية جديدة على الأراضي الفرنسية سيوضع في خانة رفع حالة الطوارئ. إلا أن هذا الإجراء لا يأتي في فراغ بل مباشرة عقب توقيع الرئيس إيمانويل ماكرون على القانون الجديد الخاص بمحاربة الإرهاب وتوفير الأمن الذي صوت عليه البرلمان الفرنسي بمجلسيه يوم 18 أكتوبر (تشرين الأول) المنصرم، ودخل منتصف الليل الماضي حيز التنفيذ.
وقال إدوار فيليب للصحافة أمس، من أمام برج إيفل، إن وقف العمل بحالة الطوارئ «قد يدفع بعدد من مواطنينا إلى التخوف من تراجع الاحترازات الأمنية»، مضيفا أن «هذا لن يحصل بل العكس الذي سيحصل، إذ إن الفرنسيين سيستمرون في رؤية رجال الدرك والشرطة والعسكريين يقومون بدورياتهم في الشوارع في إطار عملية (سانتينيل) التي لن تتغير». ودعا رئيس الحكومة الفرنسية المواطنين إلى أن يكونوا جزءا من المنظومة الأمنية، إذ يرى أنه «من الضروري جدا» أن يفهم هؤلاء أن «توفير الأمن ليس فقط مسؤولية رجال الأمن بل مسؤولية الجميع». وبرأيه أنه إذا أراد الفرنسيون أن يعثروا على «الرد الهادئ والصارم (للتهديدات الإرهابية)، تتعين تعبئة القوى الأمنية وتوفير الأطر القانونية، ولكن أيضا توافر اليقظة من مكونات المجتمع كافة».
من هذا المنطلق، دعا فيليب كل فرنسي إلى «احترام مجموعة من القواعد، وأن يكون متنبها لما يحصل في محيطه، بمعنى أن يبلغ الشرطة عن كل أمر مريب»، مشيرا إلى أنه تم تعطيل عدد من المحاولات الإرهابية بفضل يقظة المواطنين. وكان فيليب يشير بذلك إلى اكتشاف «مختبر» لتصنيع المتفجرات في مدينة فيل جويف الواقعة على مدخل باريس الجنوبي الشرقي في بداية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي بفضل تنبه عاملين فنيين. كذلك سمح اتصال قام به أحد سكان مبنى في الدائرة الـ15 في باريس لاحظ وجود قوارير غاز على مدخل البناية بتعطيل تفجير كان سيوقع العديد من الضحايا.
قبل يومين، زار رئيس الجمهورية مقر المحكمة الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان في مدينة ستراسبورغ. وكان الغرض الذي سعى ماكرون لتحقيقه هو الدفاع عن القانون الجديد الذي أثار جدلا واسعا داخل فرنسا وخارجها. وركز المنتقدون من اليسار أو من الجمعيات المدافعة على حقوق الإنسان على نقطتين رئيسيتين: الأولى، أن القانون الجديد يؤسس لحالة طوارئ دائمة، لأنه يستعير العديد من الإجراءات والتدابير والصلاحيات التي توفرها حالة الطوارئ الاستثنائية، بحيث ينتقل العمل بها إلى القانون العادي. ومن أبرزها فرض الإقامة الجبرية والقيام بعمليات دهم للمنازل والمكاتب ليلا نهارا، وتوسيع صلاحيات التفتيش والرقابة المتاحة للأجهزة الأمنية وإقامة مناطق محمية واسعة بمناسبة احتفالات فنية أو نشاطات رياضية، وتوسيع دائرة التفتيش والملاحقة في المطارات والمرافئ والمنافذ البرية. ومن التدابير التي يتيحها القانون الجديد تمكين المحافظ والأجهزة الأمنية من إغلاق أماكن العبادة التي يظن بأنه تنشر فكرا راديكاليا متطرفا وإبعاد الأئمة المسؤولين عن ذلك. أما المأخذ الثاني على القانون الجديد فهو أنه يضرب الحريات الخاصة والعامة ويقيم دولة بوليسية... وعلى ذلك كله، رد ماكرون أمام المحكمة الأوروبية الخاصة بحقوق الإنسان بأن نص القانون الجديد «فعال»، كما أنه يحترم حقوق الأفراد ويحميهم ويندرج في إطار المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان. وبحسب الرئيس الفرنسي، فإن القانون الجديد يحقق هدفين: فهو من جهة يتيح الخروج من حالة الطوارئ، «وهذا ما حصل»، ومن جهة ثانية، فإنه يضمن المحافظة على أمن المواطنين، وهذا سيكون اختبار الأسابيع والأشهر المقبلة.
وفي أي حال، فإن الجدل بخصوص القانون الجديد لم تنته فصوله، إذ إن جمعيات دفاع عن حقوق الإنسان قدمت دعاوى لغرض إلغاء القانون الجديد أمام المجلس الدستوري الذي من المفترض أن ينظر فيها في الأيام المقبلة. وإحدى النقاط التي يرتكز عليها الساعون للإلغاء هي أنه يؤسس لحالة من التمييز العرقي. ويعود السبب في ذلك إلى أنه يدعو الأجهزة المختصة إلى القيام بعمليات التحقق من الهويات والتفتيش استنادا إلى «مؤشرات خارجية»، الأمر الذي سيعني عمليا استهداف الأجانب وكل من له لون بشرة يختلف عن المفترض أن تكون عليه بشرة الفرنسي.



«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
TT

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)
الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الملك عبد الله العالمي للحوار «كايسيد»، أن برامجهم النوعية تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم وسط عالم يعاني من الانقسامات.

واحتفى المركز بتخريج دفعة جديدة من برنامج «الزمالة» من مختلف المجموعات الدولية والعربية والأفريقية في مدينة لشبونة البرتغالية، بحضور جمع من السفراء والممثلين الدبلوماسيين المعتمدين لدى جمهورية البرتغال.

وعدّ الحارثي، البرنامج، «منصة فريدة تجمع قادة من خلفيات دينية وثقافية متنوعة لتعزيز الحوار والتفاهم، وهو ليس مجرد رحلة تدريبية، بل هو استثمار في مستقبل أكثر سلاماً»، مبيناً أن منسوبيه «يمثلون الأمل في عالم يعاني من الانقسامات، ويثبتون أن الحوار يمكن أن يكون الوسيلة الأقوى لتجاوز التحديات، وتعزيز التفاهم بين المجتمعات».

جانب من حفل تخريج دفعة 2024 من برنامج «الزمالة الدولية» في لشبونة (كايسيد)

وجدَّد التزام «كايسيد» بدعم خريجيه لضمان استدامة تأثيرهم الإيجابي، مشيراً إلى أن «البرنامج يُزوّد القادة الشباب من مختلف دول العالم بالمعارف والمهارات التي يحتاجونها لبناء مجتمعات أكثر شموليةً وتسامحاً».

وأضاف الحارثي: «تخريج دفعة 2024 ليس نهاية الرحلة، بل بداية جديدة لخريجين عازمين على إحداث تغيير ملموس في مجتمعاتهم والعالم»، منوهاً بأن «الحوار ليس مجرد وسيلة للتواصل، بل هو أساس لبناء مستقبل أكثر وحدة وسلاماً، وخريجونا هم سفراء التغيير، وسنواصل دعمهم لتحقيق رؤيتهم».

بدورها، قالت ويندي فيليبس، إحدى خريجات البرنامج من كندا، «(كايسيد) لم يمنحني فقط منصة للتعلم، بل فتح أمامي آفاقاً جديدة للعمل من أجل بناء عالم أكثر عدلاً وسلاماً»، مضيفة: «لقد أصبحت مستعدة لمواجهة التحديات بدعم من شبكة متميزة من القادة».

الدكتور زهير الحارثي يتوسط خريجي «برنامج الزمالة الدولية» (كايسيد)

وحظي البرنامج، الذي يُمثل رؤية «كايسيد» لبناء جسور الحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وتعزيز التفاهم بين الشعوب؛ إشادة من الحضور الدولي للحفل، الذين أكدوا أن الحوار هو الوسيلة المُثلى لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات وأكثر شمولية.

يشار إلى أن تدريب خريجي «برنامج الزمالة الدولية» امتد عاماً كاملاً على ثلاث مراحل، شملت سان خوسيه الكوستاريكية، التي ركزت على تعزيز مبادئ الحوار عبر زيارات ميدانية لأماكن دينية متعددة، ثم ساو باولو البرازيلية وبانكوك التايلاندية، إذ تدربوا على «كيفية تصميم برامج حوار مستدامة وتطبيقها»، فيما اختُتمت بلشبونة، إذ طوّروا فيها استراتيجيات لضمان استدامة مشاريعهم وتأثيرها الإيجابي.