معرض الشارقة للكتاب: 1650 دار نشر... وأكثر من 1.5 مليون عنوان

حاكم الشارقة افتتح فعاليات دورته الجديدة

شعار المعرض
شعار المعرض
TT

معرض الشارقة للكتاب: 1650 دار نشر... وأكثر من 1.5 مليون عنوان

شعار المعرض
شعار المعرض

افتتح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى، حاكم الشارقة، صباح أمس، الدورة 36 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب، الذي ينظم تحت شعار «عالم في كتابي».
ويشارك في فعاليات هذه الدورة، التي تنظمها هيئة الشارقة للكتاب، 1650 دار نشر من 60 دولة تعرض أكثر من 1.5 مليون عنوان، بحضور 393 كاتباً ومثقفاً، من 48 دولة، يحيون عدداً من الفعاليات العربية والأجنبية التي تتواصل على مدى 11 يوماً.
وقال حاكم الشارقة في كلمته التي ألقاها في الافتتاح إننا «نجد أنفسنا أمام تيار ظلامي يريد بنا أن نكون (لا شيء)، والمتتبع للأحداث التي تنقل إلينا من كل بلدان العالم العربي، يجد أن هناك أياديَ خفيةً تلعب بعقول بعض من أبنائنا الذين خوت عقولهم من الفكر والثقافة والعلم وبدت تهد (قبل كل شيء) الإسلام الذي ننتمي إليه، وإذا هو يظهرنا أمام العالم بأجمعه وكأننا لسنا بشراً، والقصد تحطيم معتقداتنا... ولم يكتفوا بذلك بل حطموا تراثنا وحطموا ثقافتنا وعِلْمَنا ومعرفتنا، والناس تظن أن مجابهة هذا التيار الظلامي تكون بالمدافع، تكون بالرشاش، تكون بالجيوش، وأقولها صراحة: (مجابهة الظلام تكون بالنور)، والنور هو الكلمة الصادقة والعلم النير والثقافة التي تستطيع أن تملأ العقول الخاوية، التي تأكل كل الرذيلة، فما بالكم إذا أرادت أن تأكلنا نحن».
أما أحمد العامري، رئيس هيئة الشارقة للكتاب، فأشار في كلمته خلال إلى أن مدينة الشارقة للنشر التي افتتحها حاكم الشارقة قبل يومين من انطلاق المعرض، إلى أن الشارقة ستكون«باباً مشرعاً أمام سوق الكتاب العالمي، لترفده في مراحلها القادمة بأكثر من 500 مؤسسة عاملة في قطاع النشر من جميع أنحاء العالم، وستعمل بقدرة طباعية تصل إلى مليون كتاب يومياً، كما سيتم توفير أكثر من 15 مليون عنوان بمختلف لغات العالم ضمن المؤسسات ودور النشر العاملة في المدينة».
وخلال حفل الافتتاح، منح حاكم الشارقة «درع شخصية العام الثقافية» للدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة المصري الأسبق، وذلك «تقديراً لمكانته الثقافية البارزة وشخصيته الأكاديمية المتميزة، ولاهتمامه بتطوير العمل الثقافي، وتعزيز علاقات مصر مع جميع الجهات الثقافية»، وكذلك، «درع جائزة ترجمان» للدار الإسبانية «بيربوم»، وذلك عن نشرها ترجمة كتاب «ألف ليلة وليلة». ووزعت بعد ذلك جوائز المعرض، المخصصة لأفضل كتاب لمؤلف إماراتي في مجال الإبداع، وفازت بها الكاتبة نادية النجار عن روايتها «ثلاثية الدال»، وأفضل كتاب إماراتي في مجال الدراسات، وفازت بها الدكتورة ميثاء ماجد الشامسي عن كتابها «سيميائية العلامة في المسرح الإماراتي المعاصر»، وأفضل كتاب إماراتي مطبوع عن الإمارات، وفاز بها الدكتور راشد أحمد المزروعي عن كتابه «موسوعة الأمثال والأقوال الشعبية في دولة الإمارات العربية المتحدة»، وأفضل كتاب عربي في مجال الرواية، وفاز بها الكاتب عبد الله البصيص عن رواية «طعم الذئب»، وأفضل كتاب أجنبي خيالي، وفازت بها الكاتبة لاوري كوبيتسل، وأفضل كتاب أجنبي واقعي، وفاز بها كل من الكُتَّاب صوفي لي راي، وراديكا بونشي، وديفيد بي جونز.
وكذلك خصص المعرض جوائز لأفضل دار نشر محلية، وفازت بها دار ملهمون للنشر والتوزيع من دولة الإمارات العربية المتحدة، وأفضل دار نشر عربية، وفازت بها دار المدى للثقافة والنشر من العراق، وأفضل دار نشر أجنبية، وفازت بها دار «ماثروبومي برنتنج آند ببليشنغ» من الهند.
ومن ضيوف المهرجان الأجانب، تستضيف الدورة الحالية من المعرض، الكاتب الأميركي بيتر ليرانغيس، والروائية الأميركية تيارا جونز، والروائية الأرجنتينية إلسا أوسوريو، والروائي الصربي فلاديمير بستالو، والكاتبة والصحافية الألمانية سعاد ميخينيت، والكاتب والممثل التلفزيوني البريطاني مارك بيلينجهام، والكاتبة الأسترالية لانغ ليف، والروائي الفرنسي جوليان كولوميو.
ويشارك في المعرض كذلك الكاتب والمحامي التركي برهان سونميز، والكاتبة والمؤرخة البريطانية نيكولا كورنيك، والروائية الأميركية فيكتوريا كريستوفر موراي، والكاتبة البريطانية كيران ميلوود هارغريفاس، والشاعر والروائي الفلبيني إدغار كالابيا سامار، وأستاذ التاريخ العالمي بجامعة أكسفورد البريطانية بيتر فرانكوبان، والكاتبة البريطانية كيران ميلوود هارغريفاس، والكاتب الهندي المقيم في لندن نيل مخرجي.
ويفرد المعرض مساحة واسعة من برنامجه للأطفال، عبر فعاليات كثيرة تناسب مختلف فئاتهم العمرية، وتتنوع بين الفعاليات المعرفية، والعلمية، والفنية، والأنشطة التوعوية، وتشمل سلسلة عروض، ومسرحيات، وورشاً إبداعية يقدمها أكثر من 44 ضيفاً، بمشاركة فرق من بريطانيا، والكويت، وبولندا، والأردن، وأستراليا، ومولدوفا، وروسيا، والهند، والبحرين، وآيسلندا، ومنغوليا، وسوريا، وإيطاليا، وأوكرانيا.
وضمن جديد هذا العام، يشهد معرض الشارقة الدولي للكتاب تنظيم معرض للقصص المصورة (كوميكس)، بهدف جذب محبي هذا النوع من الأعمال التي تحظى بشعبية ملحوظة في المنطقة.
وينظم المعرض ورشاً فنية تدريبية مجانية حول تصميم الشخصيات الكرتونية وصناعة صفحات القصص، إضافة إلى جلسات نقاشية مع مختصين في مجال رسوم القصص المصورة.
وللمرة الأولى يخصص معرض الشارقة الدولي للكتاب جناحاً كبيراً لدور النشر والمواقع الإلكترونية المتخصصة في إنتاج وتوزيع الكتب الإلكترونية والصوتية، تحت عنوان «منطقة المستقبل».
ويحتفي المعرض هذا العام بالمملكة المتحدة كضيف شرف، وذلك في إطار احتفالات عام الثقافة الإماراتية - البريطانية 2017 التي ينظمها المجلس الثقافي البريطاني بهدف «تعزيز التبادل الثقافي بين الدولتين اللتين تربطهما علاقات تاريخية وطيدة امتدت على مدى عقود من الزمن».
ويتضمن الجناح عرض أقدم نسخة للقرآن الكريم، تعد واحدة من المقتنيات النادرة لجامعة برمنغهام البريطانية، ترافقها ندوة حوارية حول هذه النسخة يشارك فيها متخصصون في المخطوطات والتراث الإسلامي.
ويرافق المعرض تنظيم الدورة الرابعة من مؤتمر المكتبات، الذي ينعقد يومي 8 و9 من نوفمبر (تشرين الثاني) بالشراكة مع جمعية المكتبات الأميركية، ويتضمن 26 فعالية، يتحدث خلالها 23 خبيراً من كل من الولايات المتحدة، وأوروبا، وأفريقيا، ومنطقة الخليج العربي، في كثير من المواضيع المتخصصة في مجال صناعة المكتبات، بما في ذلك التقنيات المبتكرة، وإعداد الميزانيات، وتطوير الفعاليات المكتبية.
ومن المتحدثين هذا العام، جيم نيل، رئيس جمعية المكتبات الأميركية، وأمين المكتبة الفخري في جامعة كولومبيا، الذي سيتناول جملة من الموضوعات الملهمة والمحفزة للتفكير حول المكتبات ودورها في ثلاثية «التحول، والقيادة، والشرعية»، في حين يناقش خالد محمد إمام الحلبي، رئيس الاتحاد العربي للمكتبات والمعلومات، موضوع «مكتبات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تواصل مسيرة التقدم: من التقليد إلى التحول».


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية
TT

كل الحروب سياسية... والاستراتيجية الرديئة تزيدها سوءاً

الحرب الكورية
الحرب الكورية

اشتهر كارل فون كلاوزفيتز، كبير فلاسفة الحرب في الغرب، بملاحظته أن الحرب امتداد للسياسة، كما أشار إلى نقطة ثانية، وهي أن الحرب تابعة للسياسة، ومن ثم فهي تتشكّل من خلالها، مما يجعل «تأثيرها ملموساً حتى في أصغر التفاصيل العملياتية».

نحن نرى هذا اليوم في الشرق الأوسط، حيث قد تسترشد محاولات إنقاذ الرهائن الفتاكة، والاغتيالات الكبرى، كتلك التي أودت بحياة حسن نصر الله زعيم «حزب الله»، بنقاط سياسية بقدر ما تسترشد بالرغبة في إنهاء الحرب بأسرع وقت ممكن. وعلى الجانب الآخر من المعادلة، يبدو أن أحدث سرب من الصواريخ الباليستية الإيرانية، التي انفجر معظمها من دون ضرر فوق إسرائيل، كان عملاً من أعمال المسرح السياسي الذي يهدف في المقام الأول إلى رفع المعنويات على الجبهة الداخلية.

من المفيد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وآية الله علي خامنئي من إيران، ناهيكم عن الرئيس الأميركي المقبل، أن يقرأوا كتاب جفري فافرو «حرب فيتنام: تاريخ عسكري» (652 صفحة، دار «بيسك بوكس» للنشر).

إنه يُلقي أفضل نظرة عامة على المغامرة الأميركية في جنوب شرقي آسيا، ومن المؤكد أنه سوف يصبح كتاباً معيارياً عن تلك الحرب، وبينما نتابع المعاناة الجارية في الشرق الأوسط، فإن هذا الكتاب يقدّم لنا أيضاً دروساً قوية بشأن المخاطر المترتبة على شن حرب مفتوحة من دون إستراتيجية حقيقية.

تركّز أغلب كتب التاريخ عن حرب فيتنام على الدبلوماسية والسياسة في الصراع، بالعودة إلى العمليات العسكرية للأحداث الرئيسية فقط، مثل هجوم «تيت» ومعركة مدينة «هوي»؛ إذ يتبع واورو، المؤرخ في جامعة نورث تكساس، نهجاً أكثر تنويراً.

ووفقاً لرأي فافرو، كان التدخل الأميركي في فيتنام بمثابة درس كبير في كيفية تجنّب شنّ الحرب، وقد أدى الاعتقاد الطائش في فاعلية القوة النارية المحضة، إلى حملات القصف الأميركية المدمِّرة التي كما يقول واورو: «أدّت إلى إحراق سُبع أراضي جنوب فيتنام» و«خلقت خمسة ملايين لاجئ داخلي»، على أمل دفع قوات «فيت كونغ» الفيتنامية إلى العراء، ورفض الخصم الشيوعي القتال بهذه الطريقة، بل كانوا يشتبكون سريعاً، ثم ينسحبون عندما يردّ الأميركيون بوابل عنيف من نيران المدفعية والغارات الجوية. في الأثناء ذاتها، كلما حاول الرئيس ليندون جونسون - الذي لم يدرس مبادئ كلاوزفيتز - فصل الحرب عن السياسة، بالكذب بشأن تكاليفها ورفض تعبئة الاحتياطي العسكري؛ صارت الحرب أكثر سياسية، وهيمنت على الخطاب الأميركي، ثم عصفت به خارج الرئاسة.

لم يكن أداء أميركا أفضل مع الهجمات المستهدفة، وكما هو الحال مع أجهزة البيجر المتفجرة التي استخدمتها إسرائيل، فإن برنامج «فينكس» من إعداد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية لاغتيال أعضاء «فيت كونغ» قد «ركّز على (القبض أو القتل)»، كما كتب واورو، وأدى إلى سقوط ضحايا أبرياء، كما أنه لم يؤدِّ إلى الاقتراب من نهاية الحرب؛ لأن البرنامج بأكمله كان مبنياً على «أرقام ملفقة»، كما يوضح المؤلف، «وليس على الواقع الحقيقي»، وكان البرنامج عبارة عن طريقة أخرى لقتل الناس من دون فهم الحرب.

جعلتني قراءة التاريخ الرائع الذي كتبه فافرو أفكّر في نتيجة لازمة جديدة لنظريات كلاوزفيتز: كلما كانت الاستراتيجية أقل تماسكاً في الحرب، أصبحت أكثر تسييساً، دخلت الولايات المتحدة الحرب لأسباب سياسية ودبلوماسية غامضة (الظهور بمظهر الصرامة أمام خصوم الحرب الباردة ليس نهاية المطاف). بعد عقدين من الزمان كان الغزو القصير والفوضوي لجنوب «لاوس» من قِبل القوات البرّية الفيتنامية الجنوبية والقوة الجوية الأميركية بمثابة «مسرحية سياسية، وليس حرباً»، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية عام 1972، لم تكن هناك نهاية في الأفق، وكان الدافع وراء الهجوم هو رغبة الرئيس ريتشارد نيكسون في جعل الأمر يبدو وكأن فيتنام الجنوبية تتولّى زمام الأمور في القتال، وبدلاً من ذلك، زاد من زعزعة استقرار المنطقة، ولم يفعل شيئاً يُذكر لقطع خطوط إمداد العدو.

لحسن الحظ، خلال الحرب العالمية الثانية استخدمت الولايات المتحدة السياسة لخدمة المجهود الحربي بدلاً من العكس، وإن لم يكن الجميع يرَون الأمر على هذا النحو. في كتاب «أميركا أولاً: روزفلت ضد ليندبيرغ في ظل الحرب» (444 صفحة، دار «دوبلداي للنشر»)، يُصوّر إتش دبليو براندز، نجم الطيران الشهير تشارلز ليندبيرغ، الذي تحدث عن النزعة الانعزالية في البث الإذاعي الوطني، بوصفها أمراً ساذجاً، ولكن صادقاً، في حين يُصوّر الرئيس فرانكلين روزفلت بأنه مخادع بشكل ملحوظ في جهوده لدفع الولايات المتحدة إلى الحرب.

لكن في الواقع، كان فرانكلين روزفلت هدفاً كبيراً لهذه التهمة؛ إذ تعهد الرئيس أثناء حملته الانتخابية للفوز بولاية ثالثة غير مسبوقة، قائلاً: «لن يُرسَل أبناؤكم إلى أي حروب خارجية»، وكان جيمس، نجل روزفلت، يتساءل عن سبب اتخاذ والده هذا الموقف، فقال والده موضحاً: «جيمي، كنت أعلم أننا ذاهبون إلى الحرب، كنت متأكداً من أنه لا يوجد مخرج من ذلك، كان لزاماً أن أثقّف الناس بشأن الحتمية تدريجياً، خطوة بخطوة»، ربما يكون هذا مخادِعاً، لكن هذه السياسة ساعدت الأميركيين على المشاركة في المجهود الحربي، كان كلاوزفيتز ليفخر بذلك.

في الوقت نفسه، عندما يرفض ليندبيرغ الدعوة إلى هزيمة ألمانيا في أواخر يناير (كانون الثاني) 1941، يُعيد إلى الأذهان رفض دونالد ترمب دعم المعركة الأوكرانية ضد العدوان الروسي، ويلاحظ براندز، وهو مؤرخ في جامعة تكساس فرع أوستن، ليونةَ ليندبيرغ إزاء ألمانيا النازية، ولكن - في رسم صورة متعاطفة للرجل - يستبعد عديداً من التفاصيل التي تظهر في كتب أخرى، مثل السيرة الذاتية تأليف «إيه سكوت بيرغ»، الفائزة بجائزة بوليتزر لعام 1998.

لا يذكر براندز، على سبيل المثال، أن ليندبيرغ رفض في مايو (أيار) 1940 الحديث عن مخاطر انتصار النازية، بوصفه «ثرثرة هستيرية»، أو أنه، في العام نفسه، ألّفت زوجة الطيار آن مورو ليندبيرغ كتاب «موجة المستقبل»، وفيه جادلت بأن العهد الجديد ينتمي إلى أنظمة استبدادية، وكان ذلك الرجل يحمل مثل هذه الولاءات المُرِيبة حتى بعد بيرل هاربر، كما قال ليندبيرغ (في تصريحات أغفلها براندز أيضاً): «إن بريطانيا هي السبب الحقيقي وراء كل المتاعب في العالم اليوم».

إن مثل هذه الإغفالات تجعل كتاب براندز يبدو وكأنه مُوجَز متحيّز إلى ليندبيرغ أكثر من كونه كتاباً تاريخياً نزيهاً. كتب براندز يقول: «لقد أصاب ليندبيرغ كثيراً في حملته ضد الحداثة، لكنه أخطأ في أمر واحد كبير- فهو لم يرَ أن الأميركيين كانوا على استعداد للتدخل في الصراعات الخارجية». وأودّ أن أزعم أن ليندبيرغ كان مخطئاً أكثر من ذلك؛ فقد عبث بمعاداة السامية، وهو شيء ينتقص براندز من أهميته، وعلى نحو مفاجئ بالنسبة لطيار شهير، لم يكن يبدو أن لديه الكثير من البصيرة في دور القوة الجوية في الحرب، وحتى في القراءة الأكثر تعاطفاً، لا بد أن كلاوزفيتز كان ليحتدم غيظاً.

الجنرال البروسي العجوز هو موضوع تحليل جديد لاذع، وربما شديد التحريض من ناحية «أزار غات»، المؤرخ الفكري في جامعة تل أبيب. في كتابه «أسطورة كلاوزفيتز: أو ملابس الإمبراطور الجديدة» (228 صفحة، دار «كرونوس للنشر»)، يزعم غات أن كتاب كلاوزفيتز «عن الحرب» مؤثر بصورة رئيسية؛ لأنه مُحير للغاية. ويَخلُص إلى أن «الكثير من سمعة الكتاب تستند إلى سوء فهم دائم لما يعنيه في الواقع».

هناك في الأساس اثنان من كلاوزفيتز؛ الأول ألّف في وقت مبكر من حياته المهنية الكثير من كتب «عن الحرب»، بينما يسعى إلى فهم انتصارات نابليون السريعة والساحقة على بروسيا، والآخر كان يحاول بعد سنوات رسم مسارٍ لاستعادة بروسيا مكانتها في أوروبا، ولكن بدلاً من تأليف كتاب ثانٍ، كما يقول غات، عاد الضابط البروسي ونقّح كتاب «عن الحرب» بطرق تتناقض على نحو جَلِيّ مع بعض الأجزاء الأسبق من نفس الكتاب. بدأ كلاوزفيتز بكتابة أن النصر يعتمد على هزيمة سريعة للعدوّ في معركة كبيرة واحدة. وفي وقت لاحق أدرك أن العديد من الأطراف الفاعلة، سيما الأضعف منها، قد يكون لديها سبب لإطالة أمد القتال. وشرع في التنقيح، لكنه لم يكن لديه الوقت لعلاج هذا التضادّ قبل وفاته عام 1831.

وبينما كنت أقرأ كتاب غات، ظللتُ أفكّر في أنه لم يدرك النقطة الأكثر أهميةً؛ قد تشوب الأعمال الكلاسيكية حالة من النقص إلى حد بعيد؛ إذ تطرح أسئلة أكثر مما تقدّم من إجابات، وهو ما كان بمثابة طريق أكثر أماناً للاستمرار عبر الزمن. في الواقع، كانت واحدة من أشهر ملاحظات كلاوزفيتز تتعلّق بطرح الأسئلة، وهو يقول إنه قبل أن تتصاعد أعمال العنف يجب على القادة المفكرين أن يسألوا أنفسهم: ما نوع هذه الحرب؟ وما الذي تريد أمّتي تحقيقه؟ وهل يمكن أن تحقّق ذلك فعلاً؟

هذه اعتبارات جيدة. إن مواصلة حرب استنزاف لا نهاية لها، سواء في جنوب شرقي آسيا، أو في الشرق الأوسط، من غير المرجّح أن تؤدي إلا إلى المزيد من الفوضى والموت، وعلى نحو مماثل، لو تعامل قادة أميركا بجدّية مع نهاية المسألة قبل غزو فيتنام، ناهيكم عن العراق أو أفغانستان، ربما كانت حروبهم لتسير على نحو أفضل كثيراً، أو ربما لم تكن لتحدث على الإطلاق.

-------------------

خدمة: «نيويورك تايمز».