في بيتنا مصمم: المصمم روميو... عاشق ولهان للقفطان المغربي

اسم روميو في المغرب لصيق بالقفطان المتجدد. فتصاميمه تناسب الذائقة العالمية وفي الوقت ذاته تحظى برضا ومباركة المرأة المغربية لعدم مساسه بأساسيات هذه القطعة المتجذرة في التاريخ.
محمد العربي عزوز هو اسمه الحقيقي، لكنه اختار اسم روميو لقباً له كأنه كان يستبق العالمية ويحضّر نفسه لها باسم له دلالاته وسهل في النطق، أو ربما فقط للتعبير عن عشقه للمرأة والجمال عموماً. ينحدر من مدينة تطوان شمال المغرب. مال إلى تصميم الأزياء النسائية منذ الصغر رغم أن الأمر كان تحدياً اجتماعياً كبيراً كلفه الكثير في بداية مشواره. فعندما عرف الأب برغبة ابنه في تصميم الأزياء النسائية لم يستسغ الأمر كأي رجل من الجيل القديم. اعتبر مجرد الفكرة خروجاً على التقاليد التي تقول إن الخياطة النسائية خاصة بالنساء فقط. كان من الممكن أن يتقبل فكرة أن يُصبح خياطاً رجالياً لكن أن يصمم للمرأة، فهذا ما لم يتقبله ورفضه رفضاً قاطعاً. عندما وجد مقاومة من الابن، طرده من البيت من باب الضغط عليه وأملاً في أن يتوب ويعود إلى صوابه. لكن الشاب الصغير كان مسكوناً بالتحدي ويشعر في قرارة نفسه بأن تصميم الأزياء سواء كان للرجل والمرأة، قدره. كان يحلم أن يرتقي بالقفطان إلى مصاف العالمية ويُبرهن للمجتمع التطواني المنغلق، آنذاك، أنها مهنة لا تتعارض مع الرجولة، بل بالعكس يتميز فيها الرجل عن المرأة في الكثير من الأحيان.
يقول إن أخته الكبرى أول من فتح عيونه على هذا العالم «فحسب تقاليد الأسر التطوانية كان من الطبيعي أن لا تكمل الفتاة تعليمها وتتجه إلى تعلم الخياطة أو التطريز في المقابل». هذا كان مصير معظم البنات ومن بينهن أخته. كان يراقبها بفضول وإعجاب وهي تدمج الأقمشة والخيوط والألوان بعضها ببعض لتنتهي العملية بقطعة كل ما فيها يشي بالبريق والأناقة والجمال. كان يتطوع أحياناً بطرح اقتراحات وأفكار جديدة عليها وبالتدريج بدأ يساعدها على تنفيذها.
عندما أُغلقت في وجهه أبواب البيت العائلي، قرر أن يستقل ويُثبت نفسه. شعر بأن عليه دراسة المهنة على أصولها لكي يؤخذ بجدية، فانخرط في معهد إيسمود، بعدها شارك مع إيلي صعب في «ميشين فاشيين»، البرنامج الذي كان يذاع على القناة اللبنانية «ل.ب.س». وبالفعل استطاع روميو أن يتميز ويُقنع المصمم العالمي بإمكانياته. كان من بين 4 مشاركين تلقوا دعوة للعمل والتدريب في مشاغل إيلي صعب ببيروت، لكن روميو رفض العرض. يعترف أنه ربما كان قراراً خاطئاً من جانبه، لأنه الآن انتبه إلى أنه كان بإمكانه أن يتعلم الكثير من المصمم العالمي، لا سيما فيما يتعلق بالتطريز الذي يدخل في صميم صناعة القفطان، لكنه في ذلك الوقت كان محكوماً ومدفوعاً بفورة الشباب وما يترافق معها من رغبة في إثبات الذات. يقول: «كنت قد أسست مشغلي للتو ودربت (معلمين) وحرفيين مهرة للعمل معي. بدت لي 6 أشهر في بيروت طويلة جداً. استحوذ عليّ الخوف من أني سأخسر هؤلاء (المعلمين) وكل ما بنيته بين ليلة وضحاها، فعندما أعود إلى المغرب سأضطر إلى البدء من الصفر مرة ثانية». ويتابع: «لم يكن لديّ الصبر، وكل ما كنت أفكر به أني تعبت كثيراً لكي أضع أسس داري الخاصة وأدرب الحرفيين وبالتالي عليّ أن أكمل المشوار... أعترف أني آنذاك لم أفكر في أبعد من هذا».
ومع ذلك يؤكد روميو، وهو يتذكر هذه الفترة، أنه غير نادم على قراره رغم أنها كانت فرصة ذهبية. فما حققه إلى الآن لا يستهان به على المستويين المحلي والعالمي. أضف إلى هذا أن أدواته تختلف عن أدوات أي مصمم عصري حتى وإن كان إيلي صعب. فهو متخصص في القفطان أولاً وأخيراً ونذر نفسه للحفاظ على أصالته وعراقته مع تجديده بما يناسب التقاليد المغربية والمتطلبات العصرية. وبالنظر إلى شهرته حالياً، فإنه حقق هدفه. لا ينكر أنه تعلم من تجربته القصيرة مع إيلي صعب، لكنه يعيد الفضل في نجاحه إلى موهبته المصقولة بالتجربة، متجاهلاً الدراسة الأكاديمية. عند سؤاله حول هذه النقطة يجيب بكل صراحة بأن انخراطه في معهد إيسمود كان «فضولاً أكثر من أي شيء آخر، أو ربما محاولة لإعطاء نفسي فرصة القول: إني جربت ودرست فنون التصميم بشكل أكاديمي... ما اكتسبته من التجارب والحياة كان أهم بكثير من كل ما يمكن تعلمه في المعاهد والجامعات».
غنيّ عن القول إنه بعد النجاح الذي حققه، أقنع والده بتقبل مهنته كمصمم أزياء نسائية ورجالية من الطراز الأول، إلى حد أنه، أي الأب، أصبح من أكثر المشجعين له والمُفتخرين به. فاسمه أصبح ضمن قائمة أفضل المصممين المغاربة، ومؤخراً شارك في فعالية «قصص من المغرب» التي أقيمت على هامش أسبوع لندن لموضة ربيع وصيف 2018. وبهر الحضور بتشكيلة كل ما فيها يضج بالأناقة والأنوثة والإبداع.
كان القفطان بالطبع هو البطل. تأرجح بين الأصالة وتلك الرغبة الجامحة في تجديده لمخاطبة شريحة عالمية. تشعر في بعض الإطلالات، بأن المصمم الشاب، ورغم مرور سنوات طويلة على احتكاكه بإيلي صعب، متأثر به إلى حد ما سواء من ناحية التطريز أو من ناحية بعض التصاميم التي تبدو مزيجاً بين القفطان وفستان سهرة. كان هناك مثلاً قفطان مطرز بسخاء تميز بذيل طويل. أجمل ما فيه أنه يمكن أن يلعب وظيفة فستان زفاف في حال اختارت العروس إطلالة تقليدية عصرية. كما كان هناك قفطان انسدل على الجسم ليأخذ شكل بنطلون واسع. كل هذا تراقص على أقمشة مترفة وتطريزات سخية صاغها في قالب يفيض بالديناميكية والشبابية.
أما الورود والأزهار التي تناثرت على شكل تطريزات هنا وهناك فأضفت على كل هذه القفاطين رومانسية لا تخطئها العين. بل تبدو في الكثير من الحالات كأنها تحكي قصة حب تتحدى الزمن. فقوة روميو، كما يُجمع كل من يعرفه، تكمن في قُدرته على نسج القصص المثيرة، وهو ما دعا هؤلاء لأن يطلقوا عليه لقب شهريار. وسواء لُقب محمد العربي عزوز بروميو أو بشهريار فإن النتيجة واحدة وهي أنه عاشق ضعيف أمام الجمال.