في «كاودري هاوس»... أنت اللورد

«ذا ستافورد» اللندني يأخذك إلى أرض البولو والصيد في الريف الإنجليزي

في «كاودري هاوس»... أنت اللورد
TT

في «كاودري هاوس»... أنت اللورد

في «كاودري هاوس»... أنت اللورد

تخيل أن تبدأ صباحك وأنت ترتشف ألذ فنجان قهوة على شرفة قريبة من قصر باكينغهام وكلارينس هاوس، وبعد تناول الفطور الإنجليزي على أصوله، تحزم أمتعتك وتغوص في رحلة قريبة من حيث المسافة بعيدة من حيث المنال، لولا الشراكة بين فندق «ذا ستافورد» The Stafford الواقع في منطقة سانت جيمس و«كاودري هاوس» Cowdray House إلى الغرب من ساسيكس التي تعتبر موطن لعبة البولو، رياضة الأرستقراطيين الإنجليز. وهذه الشراكة تجعلك لورداً، وتحولك إلى فارس ولاعب بولو محترف وصياد ماهر وقناص يعرف كيف يؤكل الغزال.
وبسبب الشراكة بين «ذا ستافورد» و«كاودري»، فلا داعي للتخيل لأن حلم الإقامة في بيت ملكي سيكون حقيقة، خصوصاً أن هذا البيت الذي يضم 15 غرفة حالياً و22 غرفة في مطلع العام المقبل فتح أبوابه أمام الزوار منذ فترة قصيرة، بعدما قرر مالكه اللورد مايكل أورلاندو ويتمان بيرسون، الوريث الرابع لعائلة كاودري الإنجليزية الأرستقراطية، بيع البيت بسعر 25 مليون جنيه إسترليني، بعد أن تغيرت نظرته للحياة المترفة التي أراد مع زوجته مارينا التخلي عنها، والانتقال للعيش في واحد من بيوته الفخمة الأصغر حجماً في منطقة كاودري بارك التي يملك أجمل بيوتها، ولكنه لم يتخل عن أكاديمية رياضة البولو التي تعتبر أشهر ما تزخر به المنطقة، وبعدما تعذر بيع المنزل قرر اللورد تحويله إلى بيت مفتوح يؤجر بكامل غرفه. واليوم، أصبح من أجمل عناوين الإقامة في الريف الإنجليزي، ومقصد الباحثين عن أماكن جميلة لتمضية نهاية الأسبوع، أو إقامة مراسم الزفاف وغيرها من المناسبات العائلية الكبرى.
فلسفة «ذا ستافورد»
مبدأ فندق «ذا ستافورد» الذي يعود تاريخه إلى عام 1912 يرتكز على فلسفة مفادها أن الأكل والسفر يجب أن يكونا مسعى كل إنسان. ومن أجمل ميزات هذا الفندق الواقع في وسط العاصمة أنه يسعى دائماً لتعريف نزلائه على الريف الإنجليزي الجميل وما يزخر به من مواصفات ورياضات.
ومن خلال شراكته مع كاودري، يتمكن الزوار من اختبار ألذ المأكولات التي يحضرها الطاهي الرئيسي في مطعمه «ذا غايم بيرد»، جيمس دورانت، التي ترتكز على المكونات الطازجة المستوردة من المزارع المحلية، وتعلم رياضة البولو والصيد على أنواعه، والتعرف أيضاً على تاريخ «كاودري» الحافل.

بدأ المشوار
في صباح باكر من خريف لندن الذهبي متقلب المناخ والمزاج، تجمعنا للانطلاق في رحلة إلى قلب الريف، انطلقت سيارات بينتلي رباعية الدفع باتجاه «كاودري بارك» في مقاطعة ساسيكس. وبعد ساعة ونصف من القيادة المريحة، بدأت الطبيعة تتبدل، والبيوت تكبر وتبتعد عن بعضها بعضاً، والخضرة على مد العين والنظر. وعبر طريق ملتو، وصلنا إلى «كاودري هاوس»، وكان باستقبالنا فريق من العاملين في البيت الملكي، وهذا المشهد ذكرني بمسلسل «داونتون آبي» الذي تدور أحداثه في أحد البيوت الأرستقراطية الإنجليزية.
قد تكون المسافة ليست ببعيدة جداً عن وسط لندن، إلا أن كل شيء مختلف في هذا القسم من البلاد، فطبيعة الناس تختلف؛ إنهم طيبون اجتماعيون أكثر من أهالي المدن، فالترحيب كان رائعاً دافئاً تماماً مثل دفء ذلك اليوم الخريفي الذي كان أشبه بدفء المتوسط.
نافورة ماء عملاقة مقابل المنزل، وسيارات فارهة في الفسحة الخارجية، وتلال ووديان ترسم الأفق القريب، ومساحات خضراء شاسعة أينما نظرت.
تدخل المنزل عبرة قنطرة من الحجر، فالبيت أثري يعود بناؤه إلى 1520، الأرضية من الحجر، الأسقف عالية جداً، أول ما تراه عند دخولك معدات رياضة البولو: الأحذية والخوذة والعصا. وبعدها، تصل إلى البهو الرئيسي. وفي هذا المكان رهبة غير عادية، وملكية بالتأكيد، فأنت في الحقيقة داخل قصر ولست في منزل؛ تزين الجدران في هذا الركن صور اللوردات الذين تناوبوا على ملكية المنزل، وصولاً إلى المالك الحالي اللورد مايكل وزوجته مارينا، وصورة لابنهما وريث المنزل المستقبلي (باري)، ابن الـ24 عاماً الذي بدا وهو في استقبالنا بطلته البهية وطوله الفاره لطيفاً متواضعاً لأكثر الحدود.
ومن هذا البهو، تنتقل إلى صالونات سوف تعجز عن تفضيل منها واحد عن غيره، ومن كل واحد منهم تصل إلى آخر بديكور مختلف وأثاث رائع؛ ويقال إن هذا الأثاث لم يكن موجوداً في المنزل عندما سكن فيه اللورد مايكل وزوجته الليدي مارينا لأن هذه الأخيرة قررت بيع الأثاث والانتقال إلى العيش في منزل أصغر لا يتطلب أكثر من مدبرة منزل واحدة. وعندما بدل اللورد رأيه اضطرت الليدي إلى شراء أثاث مستعمل من أماكن كثيرة أخرى.
الألوان جميلة زاهية غامقة في الوقت نفسه، وأجمل غرفة جلوس هي تلك التي تطل على بركة السباحة الخارجية، وهي منقسمة إلى مستوين، وكم هي رائعة الجلسة فيها وعلى مقاعدها الوثيرة التي تغرق في ريشها وأقمشتها الراقية.
ولقد أخبرنا جوناثان، المدير التنفيذي للمنزل، أن هناك حالياً 15 غرفة رممت جميعها بالكامل، والعام المقبل ستضاف 7 غرف إضافية.
وعبر سلم خشبي عريض تصل إلى الطابق العلوي، وعلى أنغام الموسيقى الكلاسيكية التي تصدح من البهو في جميع الأوقات تصل إلى الشرفة التي تطل على غرفة الجلوس الرئيسية التي تتوسطها مدفأة نار أكثر من عملاقة، ومن السقف الزجاجي يتسلل النور ويسرق لحظة من المكوث في بيت ملكي.
بعدها تصل إلى الغرف التي كتب على كل منها اسم مختلف، مثل: غرفة «الماس» و«الكريستال». وغرفتي كانت رائعة؛ كان من الصعب عليّ تركها، لولا أنه تعين عليّ تبديل ملابسي للالتحاق بباقي المشاركين بالرحلة لبدء درس البولو، وكان في الغرفة قميص بولو جميل يحمل اسم عائلتي على الظهر، وهذا وحده شعور بالأهمية. وبعدها، وضعت الخوذة وانطلقت إلى الدرس الأول لرياضة الأمراء والأرستقراطيين في البلاد.
والمعروف عن «كاودري بارك» أنه يضم أهم أكاديمية لتعليم البولو في إنجلترا، وتجري فيه أهم 5 مسابقات سنوياً.
وبعد التدرب على ركوب الخيل يبدأ العمل الجدي؛ مهارة رياضية جديدة تعتمد على التركيز والحركة والسرعة، وصدقوني ستشعرون بآلام في عضلات لم تعرفوا أنها كانت موجودة في أجسادكم أصلاً.

كيف تصبح صياداً ماهراً في يوم؟
من الرياضات المهمة الأخرى في «كاودري» الصيد. وهنا، نتكلم عن صيد الغزلان وصيد الأقراص الطائرة، فيقوم فريق من الصيادين المحترفين بتقديم المعلومات اللازمة التي تساعدك على تعلم الصيد. وبعد التجربة، ستصبح صياداً ماهراً يرغب بالمزيد. ويمكن حجز الدرس لفترة ما قبل الظهر بسعر 120 جنيهاً إسترلينياً.

زيارة تاريخية
المعروف عن «كاودري» أنها تضم آثاراً تاريخية لواحد من أشهر البيوت الملكية الذي كانت تقارن هندسته مع أهم قصور البلاد، ويقع إلى الشمال من ضفة نهر «روزرن»، وقد أتت عليه النيران بالكامل في الرابع من سبتمبر (أيلول) عام 1793. وعلى الرغم من تهدم المنزل شبه الكامل، لا يزال في مصاف المنازل التاريخية المدرجة في لائحة الآثار البريطانية، وتمكن زيارته ما بين الساعة الـ11 والرابعة بعد الظهر يومياً. وعندما تزوره، لا بد من الصعود إلى الطابق العلوي المطل على المنطقة عبر برج يضم غرفة للرسم يستعملها حالياً رسام محلي.
وبحسب الدليل السياحي التي كانت برفقتنا، فالجزء الوحيد الذي نجا من ألسنة النيران كان المطبخ، فهو لا يزال شامخاً حتى اليوم تقوم السيدات المحليات بالطهي فيه للمناسبات الخاصة في المنطقة.
عشاء فاخر
المفاجأة الكبرى كانت عند العودة من يوم حافل بالنشاطات والتاريخ، فقد كان وقت العشاء ولم يعرف أحد ما الذي ينتظرنا في غرفة الطعام التي تليق بالملوك، فدخلنا لنجد طاولة تتسع لأكثر من 50 شخصاً تزينها فاكهة الخريف والكستناء والورود التي ترمز إلى تبديل الطبيعة ثوبها ولونها ورونقها، شموع وحاويات زهور تغازل الطاولة، فترى بعضاً منها طويلاً وبعضها الآخر أقصر من حيث العلو. والمفاجأة كانت عندما علمنا أن الشيف جيمس دورانت هو من يقف في المطبخ، ويحضر الأطباق من مكونات أحضرها من المنطقة، مثل الطيور اللذيذة والسلطات التي تغري الحواس والحلوى التي يسيل لها اللعاب. وكان العشاء بحضور مدير فندق «ذا ستافورد»، ستيوارت بروكتر، الذي شرح أن «ذا ستافورد» يعتز بإنجليزيته وتاريخه، ولهذا السبب يبحث دائماً عن شراكات تعزز هذا التاريخ العريق.
العشاء كان استثنائياً لعدة أسباب، أهمها الشعور بالحميمية العائلية لأنك لست في مطعم، بل أنت في منزل عائلي ولدت فيه أجيال، وتربى فيه أطفال أصبحوا اليوم أجداداً. وبعد العشاء، توزع الحضور لفعل ما يحلو لهم من نشاطات قبل تناول الشاي: فبعضهم خاض مباريات حامية في لعبة «البلياردو»، والبعض الآخر غطس في بركة السباحة الداخلية المدفأة، وفئة أخرى توجهت إلى القسم السفلي من المنزل للعب «البولينغ». أما أنا ومن هم مثلي ممن يبحثون عن الهدوء والراحة والاستجمام بعد العشاء، فتوجهنا إلى الغرفة الأجمل برأيي؛ المطلة على بركة السباحة الخارجية، وجلسنا على الأرائك مثلما نفعل في حضور الأهل والأصدقاء في المنزل؛ وهذا الشعور لا يضاهيه أي فندق.
«كاودري» عنوان يلم
العائلات والأصدقاء
قال مدير «كاودري» كلمة أحببتها جداً، وصف فيها ما يميز هذا العنوان عن أي عنوان إقامة راقية آخر، قائلاً: «عندما يأتي الزوار إلينا، لا يشتمون رائحة مساحيق التعقيم والتنظيف، إنما يشتمون عبق الزهور، ويشعرون بالألفة المنزلية، فنحن لا نرنو لتأجير المنزل كل يوم، ونسعى إلى ترك مسافة بين حجز وآخر، ليشعر الضيف بأنه يدخل إلى منزل وليس إلى مكان تم تنظيفه للتو بالمساحيق، لأنه لم يكن هناك الوقت الكافي لاستقبال النزلاء الجدد». وهذا تماماً ما تتلمسه في هذا المكان، لأنه بالفعل يشعرك بالألفة، ففيه فريق عمل رائع يقوم برعاية الضيف على مدار الساعة، ولكنك تشعر كأنك في بيتك.
هذا العنوان يناسب الأصدقاء والعائلات الباحثين عن تمضية عطلة الأعياد أو عطلات نهاية الأسبوع سوياً. فبذلك، يمكن تقاسم سعر الليلة، ليكون وطؤها أفضل على الجيب، ولكن أجمل ما في الفكرة أن المنزل ليس تجارياً؛ وهو فرصة للأحباب للتلاقي، وتمضية أجمل الأوقات، وممارسة الرياضات، وتعلم مهارات جديدة، في أحضان طبيعة لا تعرف معنى التلوث.


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
TT

قرى مصرية تبتكر نوعاً جديداً من السياحة التقليدية

قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)
قرية النزلة بمحافظة الفيوم قبلة عالمية لصناعة الفخار اليدوي (رويترز)

في الخلف من البقع السياحية السحرية بأنحاء مصر، توجد قرى مصرية تجذب السائحين من باب آخر، حيث يقصدونها للتعرف على الحرف التقليدية العتيقة والصناعات المحلية التي تنتجها هذه القرى وتتخصص فيها منذ عشرات السنوات، وفاقت شهرتها حدود البلاد.

ويشتهر كثير من القرى المصرية بالصناعات اليدوية، ذات البعدين التراثي والثقافي، مثل صناعة أوراق البردي، والأواني الفخارية، والسجاد اليدوي وغيرها، وهي الصناعات التي تستهوي عدداً كبيراً من الزوار، ليس فقط لشراء الهدايا التذكارية من منبعها الأصلي للاحتفاظ بها لتذكرهم بالأيام التي قضوها في مصر؛ بل يمتد الأمر للتعرف عن قرب على فنون التصنيع التقليدية المتوارثة، التي تحافظ على الهوية المصرية.

«الشرق الأوسط» تستعرض عدداً من القرى التي تفتح أبوابها للسياحة الحرفية، والتي يمكن إضافتها إلى البرامج السياحية عند زيارة مصر.

السياحة الحرفية تزدهر في القرى المصرية وتجتذب السائحين (صفحة محافظة المنوفية)

ـ الحرانية

قرية نالت شهرتها من عالم صناعة السجاد والكليم اليدوي ذي الجودة العالية، والذي يتم عرضه في بعض المعارض الدولية، حيث يقوم أهالي القرية بنقش كثير من الأشكال على السجاد من وحي الطبيعة الخاصة بالقرية.

والسجاد الذي يصنعه أهالي القرية لا يُضاهيه أي سجاد آخر بسبب عدم استخدام أي مواد صناعية في نسجه؛ حيث يتم الاعتماد فقط على القطن، والصوف، بالإضافة إلى الأصباغ النباتية الطبيعية، من خلال استخدام نباتي الشاي والكركديه وغيرهما في تلوين السجاد، بدلاً من الأصباغ الكيميائية، ما يضفي جمالاً وتناسقاً يفوق ما ينتج عن استخدام الأجهزة الحديثة.

تتبع قرية الحرانية محافظة الجيزة، تحديداً على طريق «سقارة» السياحي، ما يسهل الوصول إليها، وأسهم في جعلها مقصداً لآلاف السائحين العرب والأجانب سنوياً، وذلك بسبب تميُزها، حيث تجتذبهم القرية ليس فقط لشراء السجاد والكليم، بل للتعرف على مراحل صناعتهما المتعددة، وكيف تتناقلها الأجيال عبر القرية، خصوصاً أن عملية صناعة المتر المربع الواحد من السجاد تستغرق ما يقرُب من شهر ونصف الشهر إلى شهرين تقريباً؛ حيث تختلف مدة صناعة السجادة الواحدة حسب أبعادها، كما يختلف سعر المتر الواحد باختلاف نوع السجادة والخامات المستخدمة في صناعتها.

فن النحت باستخدام أحجار الألباستر بمدينة القرنة بمحافظة الأقصر (هيئة تنشيط السياحة)

ـ القراموص

تعد قرية القراموص، التابعة لمحافظة الشرقية، أكبر مركز لصناعة ورق البردي في مصر، بما يُسهم بشكل مباشر في إعادة إحياء التراث الفرعوني، لا سيما أنه لا يوجد حتى الآن مكان بالعالم ينافس قرية القراموص في صناعة أوراق البردي، فهي القرية الوحيدة في العالم التي تعمل بهذه الحرفة من مرحلة الزراعة وحتى خروج المنتج بشكل نهائي، وقد اشتهرت القرية بزراعة نبات البردي والرسم عليه منذ سنوات كثيرة.

الرسوم التي ينقشها فلاحو القرية على ورق البردي لا تقتصر على النقوش الفرعونية فحسب، بل تشمل أيضاً موضوعات أخرى، من أبرزها الخط العربي، والمناظر الطبيعية، مستخدمين التقنيات القديمة التي استخدمها الفراعنة منذ آلاف السنين لصناعة أوراق البردي، حيث تمر صناعة أوراق البردي بعدة مراحل؛ تبدأ بجمع سيقان النبات من المزارع، ثم تقطيعها كي تتحول إلى كُتل، على أن تتحول هذه الكتل إلى مجموعة من الشرائح التي توضع طبقات بعضها فوق بعض، ثم تبدأ عملية تجفيف سيقان النباتات اعتماداً على أشعة الشمس للتخلص من المياه والرطوبة حتى تجف بشكل تام، ثم تتم الكتابة أو الرسم عليها.

وتقصد الأفواج السياحية القرية لمشاهدة حقول نبات البردي أثناء زراعته، وكذلك التعرف على فنون تصنيعه حتى يتحول لأوراق رسم عليها أجمل النقوش الفرعونية.

تبعد القرية نحو 80 كيلومتراً شمال شرقي القاهرة، وتتبع مدينة أبو كبير، ويمكن الوصول إليها بركوب سيارات الأجرة التي تقصد المدينة، ومنها التوجه إلى القرية.

قطع خزفية من انتاج قرية "تونس" بمحافظة الفيوم (هيئة تنشيط السياحة)

ـ النزلة

تُعد إحدى القرى التابعة لمركز يوسف الصديق بمحافظة الفيوم، وتشتهر بصناعة الفخار اليدوي، وقد أضحت قبلة عالمية لتلك الصناعة، ويُطلق على القرية لقب «أم القرى»، انطلاقاً من كونها أقدم القرى بالمحافظة، وتشتهر القرية بصناعة الأواني الفخارية الرائعة التي بدأت مع نشأتها، حيث تُعد هذه الصناعة بمثابة ممارسات عائلية قديمة توارثتها الأجيال منذ عقود طويلة.

يعتمد أهل القرية في صناعتهم لتلك التحف الفخارية النادرة على تجريف الطمي الأسود، ثم إضافة بعض المواد الأخرى عليه، من أبرزها الرماد، وقش الأرز، بالإضافة إلى نشارة الخشب، وبعد الانتهاء من عملية تشكيل الطمي يقوم العاملون بهذه الحرفة من أهالي القرية بوضع الطمي في أفران بدائية الصنع تعتمد في إشعالها بالأساس على الخوص والحطب، ما من شأنه أن يعطي القطع الفخارية الصلابة والمتانة اللازمة، وهي الطرق البدائية التي كان يستخدمها المصري القديم في تشكيل الفخار.

ومن أبرز المنتجات الفخارية بالقرية «الزلعة» التي تستخدم في تخزين الجبن أو المش أو العسل، و«البوكلة» و«الزير» (يستخدمان في تخزين المياه)، بالإضافة إلى «قدرة الفول»، ويتم تصدير المنتجات الفخارية المختلفة التي ينتجها أهالي القرية إلى كثير من الدول الأوروبية.

شهدت القرية قبل سنوات تشييد مركز زوار الحرف التراثية، الذي يضمّ عدداً من القاعات المتحفية، لإبراز أهم منتجات الأهالي من الأواني الفخارية، ومنفذاً للبيع، فضلاً عن توثيق الأعمال الفنية السينمائية التي اتخذت من القرية موقعاً للتصوير، وهو المركز الذي أصبح مزاراً سياحياً مهماً، ومقصداً لهواة الحرف اليدوية على مستوى العالم.

صناعة الصدف والمشغولات تذهر بقرية "ساقية المنقدي" في أحضان دلتا النيل (معرض ديارنا)

ـ تونس

ما زلنا في الفيوم، فمع الاتجاه جنوب غربي القاهرة بنحو 110 كيلومترات، نكون قد وصلنا إلى قرية تونس، تلك اللوحة الطبيعية في أحضان الريف المصري، التي أطلق عليها اسم «سويسرا الشرق»، كونها تعد رمزاً للجمال والفن.

تشتهر منازل القرية بصناعة الخزف، الذي أدخلته الفنانة السويسرية إيفلين بوريه إليها، وأسست مدرسة لتعليمه، تنتج شهرياً ما لا يقل عن 5 آلاف قطعة خزف. ويمكن لزائر القرية أن يشاهد مراحل صناعة الخزف وكذلك الفخار الملون؛ ابتداء من عجن الطينة الأسوانية المستخدمة في تصنيعه إلى مراحل الرسم والتلوين والحرق، سواء في المدرسة أو في منازل القرية، كما يقام في مهرجانات سنوية لمنتجات الخزف والأنواع الأخرى من الفنون اليدوية التي تميز القرية.

ولشهرة القرية أصبحت تجتذب إليها عشرات الزائرين شهرياً من جميع أنحاء العالم، وعلى رأسهم المشاهير والفنانون والكتاب والمبدعون، الذين يجدون فيها مناخاً صحياً للإبداع بفضل طقسها الهادئ البعيد عن صخب وضجيج المدينة، حيث تقع القرية على ربوة عالية ترى بحيرة قارون، مما يتيح متعة مراقبة الطيور على البحيرة، كما تتسم بيوتها بطراز معماري يستخدم الطين والقباب، مما يسمح بأن يظل جوها بارداً طول الصيف ودافئاً في الشتاء.

مشاهدة مراحل صناعة الفخار تجربة فريدة في القرى المصرية (الهيئة العامة للاستعلامات)

ـ ساقية المنقدي

تشتهر قرية ساقية المنقدي، الواقعة في أحضان دلتا النيل بمحافظة المنوفية، بأنها قلعة صناعة الصدف والمشغولات، حيث تكتسب المشغولات الصدفية التي تنتجها شهرة عالمية، بل تعد الممول الرئيسي لمحلات الأنتيكات في مصر، لا سيما في سوق خان الخليلي الشهيرة بالقاهرة التاريخية.

تخصصت القرية في هذه الحرفة قبل نحو 60 عاماً، وتقوم بتصدير منتجاتها من التحف والأنتيكات للخارج، فضلاً عن التوافد عليها من كل مكان لاحتوائها على ما يصل إلى 100 ورشة متخصصة في المشغولات الصدفية، كما تجتذب القرية السائحين لشراء المنتجات والأنتيكات والتحف، بفضل قربها من القاهرة (70 كم إلى الشمال)، ولرخص ثمن المنتجات عن نظيرتها المباعة بالأسواق، إلى جانب القيمة الفنية لها كونها تحظى بجماليات وتشكيلات فنية يغلب عليها الطابع الإسلامي والنباتي والهندسي، حيث يستهويهم التمتع بتشكيل قطعة فنية بشكل احترافي، حيث يأتي أبرزها علب الحفظ مختلفة الأحجام والأشكال، والقطع الفنية الأخرى التي تستخدم في التزيين والديكور.

الحرف التقليدية والصناعات المحلية في مصر تجتذب مختلف الجنسيات (معرض ديارنا)

ـ القرنة

إلى غرب مدينة الأقصر، التي تعد متحفاً مفتوحاً بما تحويه من آثار وكنوز الحضارة الفرعونية، تقبع مدينة القرنة التي تحمل ملمحاً من روح تلك الحضارة، حيث تتخصص في فن النحت باستخدام أحجار الألباستر، وتقديمها بالمستوى البديع نفسه الذي كان يتقنه الفراعنة.

بزيارة القرية فأنت على مشاهد حيّة لأهلها وهم يعكفون على الحفاظ على تراث أجدادهم القدماء، حيث تتوزع المهام فيما بينهم، فمع وصول أحجار الألباستر إليهم بألوانها الأبيض والأخضر والبني، تبدأ مهامهم مع مراحل صناعة القطع والمنحوتات، التي تبدأ بالتقطيع ثم الخراطة والتشطيف للقطع، ثم يمسكون آلات تشكيل الحجر، لتتشكل بين أيديهم القطع وتتحول إلى منحوتات فنية لشخصيات فرعونية شهيرة، مثل توت عنخ آمون، ونفرتيتي، وكذلك التماثيل والأنتيكات وغيرها من التحف الفنية المقلدة، ثم يتم وضع المنتج في الأفران لكي يصبح أكثر صلابة، والخطوة الأخيرة عملية التلميع، ليصبح المنتج جاهزاً للعرض.

ويحرص كثير من السائحين القادمين لزيارة المقاصد الأثرية والسياحية للأقصر على زيارة القرنة، سواء لشراء التماثيل والمنحوتات من المعارض والبازارات كهدايا تذكارية، أو التوجه إلى الورش المتخصصة التي تنتشر بالقرية، لمشاهدة مراحل التصنيع، ورؤية العمال المهرة الذين يشكلون هذه القطع باستخدام الشاكوش والأزميل والمبرد، إذ يعمل جلّ شباب القرية في هذه الحرفة اليدوية.