تونس: جدل حول «تقصير» أمني في محاكمة المتهمين بهجوم متحف باردو

TT

تونس: جدل حول «تقصير» أمني في محاكمة المتهمين بهجوم متحف باردو

نظرت المحكمة الابتدائية في العاصمة التونسية المختصة في قضايا الإرهاب، أمس الثلاثاء، في ملف المتهمين في الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم 18 مارس (آذار) 2015 واستهدف متحف باردو غرب العاصمة القريب من مقر البرلمان، مما خلّف 21 قتيلاً من السياح الأجانب وأحد أفراد الأمن التونسي. وعُقدت جلسة المحكمة بحضور محامين فرنسيين وتحت رقابة أمنية مشددة.
ودارت المحاكمة في ظل جدل حول تقييم مدى تقدم القضاء التونسي في الكشف عن الحقائق، خاصة ما يتعلّق بـ«تقصير» مزعوم لأحد أعوان الأمن التونسي كان مكلفاً بمراقبة المدخل الرئيسي للمتحف زمن الهجوم، ووسط مطالبة هيئة الدفاع عن المتهمين بضم قضية باردو إلى قضية الهجوم الإرهابي على منتجع سياحي في مدينة سوسة، وهو هجوم إرهابي وقع يوم 26 يونيو (حزيران) من السنة نفسها وخططت له العناصر الإرهابية نفسها التي تلقت تدريبات في ليبيا المجاورة.
ووفرت المحكمة ترجمة فورية إلى اللغة الفرنسية على اعتبار أن عائلات الضحايا الفرنسيين والمحامين الفرنسيين الذين واكبوا الجلسة طالبوا بذلك لمتابعة أطوار القضية وملابساتها. ولمح محامون فرنسيون يمثّلون عائلات الضحايا إلى «تباطؤ» في تفكيك الملف وإلى صعوبة في إقناع العائلات بصواب الطريقة الحالية في التعامل مع الأدلة والحجج القانونية المتعلقة بالقضية.
وفي هذا السياق، طالب المحامي جيرار شملة الذي يدافع عن 27 طرفاً مدنياً، بتحقيق العدالة. وقال في تصريح إعلامي إن العدل يعني الشفافية والحقيقة والوصول إلى المعلومات، على حد تعبيره. وعبّر عن أمله في تأجيل الجلسة الثانية للمحاكمة إلى وقت لاحق حتى تتابع عائلات الضحايا المحاكمة في تونس أو عن بُعد من خلال نقلها إليها.
وكانت الجلسة الأولى للمحاكمة التي عقدت يوم 26 مايو (أيار) الماضي «شكلية» على حد وصف المحامين، وطالبت خلالها هيئة الدفاع عن المتهمين بضم قضية الهجوم الإرهابي على متحف باردو إلى قضية الهجوم الإرهابي على المنتجع السياحي في سوسة، لأن القضية شملت المتهمين أنفسهم. كما طالبت هيئة الدفاع بالإفراج المؤقت عن المتهمين في القضية، وهو مطلب رفضته المحكمة.
وتعود القضية الإرهابية برمتها إلى يوم 18 مارس 2015 حين فتح الإرهابيان التونسيان جابر الخشناوي وياسين العبيدي النار من رشاشي كلاشنيكوف، على سياح عند نزولهم من حافلتين أمام متحف باردو، ثم طاردوهم داخل المتحف. وتمكنت قوات الأمن التونسية من تصفية المهاجمين، لكن الهجوم الذي تبناه تنظيم داعش أوقع 22 قتيلاً جميعهم من الأجانب باستثناء عون أمن تونسي. وكان من بين القتلى ضحايا من جنسيات فرنسية وإيطالية ويابانية وإسبانية وبريطانية وروسية وكولومبية وبلجيكية.
ووفق مصادر قضائية تونسية، يفوق عدد الملاحقين في هذه القضية 50 متهماً بينهم 21 موقوفاً، وثلاثة يُتابعون في حالة سراح. ومن بين المتهمين شقيقة الإرهابي جابر الخشناوي ومتهمة ثانية. كما أن من بين المتهمين عون أمن كان مكلفاً بحراسة الباب الخارجي لمتحف باردو خلال الهجوم الإرهابي. ومن أبرز المطلوبين في قضيتي باردو وسوسة الإرهابي التونسي شمس الدين السندي وهو بحالة فرار.
وأكدت السلطات التونسية أنها فككت نحو 80 في المائة من الخلية المتورطة في الاعتداء الإرهابي، وتعرفت على مختلف عناصرها، غير أن منظمات حقوقية متابعة لسير الملف أعلنت أن القضاء التونسي أفرج بعد بضعة أشهر من الاعتداء عن ثمانية متهمين.
في غضون ذلك، أوردت وكالة الأنباء الألمانية أن وزارة الداخلية التونسية أعلنت أمس الثلاثاء إيقاف خمسة عناصر «تكفيرية» بشبهة الانتماء إلى تنظيمات إرهابية خلال حملة لمكافحة الإرهاب شملت ولايات عدة. وأفادت الوزارة بأن العناصر الخمسة تم إيقافهم في ولايات سوسة، وقفصة، وبنزرت، ونابل بتهمة الترويج لتنظيم داعش المتطرف وتمجيده عبر مواقع التواصل الاجتماعي والتواصل مع عناصر إرهابية في مناطق نزاع خارج البلاد. كما أوضحت أن أحد العناصر الموقوفة صدر بحقه محضر تفتيش لتورطه في جرائم إرهابية، كاشفة أن عنصراً آخر يتواصل مع شقيقه وزوجته الموجودين خارج تونس ضمن جماعات إرهابية.
ومنذ الهجمات الإرهابية الكبرى التي تعرضت لها تونس عام 2015. تقلص هامش تحرك الجماعات المتشددة في البلاد بشكل كبير في ظل حملات مكثفة شنتها الأجهزة الأمنية ضد الخلايا النائمة والمسلحين المتحصنين في الجبال، بحسب الوكالة الألمانية. وفي مطلع العام الحالي، قالت الحكومة إن ما يقارب ثلاثة آلاف عنصر تونسي يقاتلون في صفوف جماعات متشددة خارج البلاد وأشارت إلى أن معظمهم قُتل في النزاع السوري كما يقبع عدد منهم في السجون هناك.


مقالات ذات صلة

إردوغان يوجه تحذيراً صارماً لـ«العمال الكردستاني»

شؤون إقليمية إردوغان تعهد بدفن مسلحي «العمال الكردستاني» إذا رفضوا إلقاء أسلحتهم (الرئاسة التركية)

إردوغان يوجه تحذيراً صارماً لـ«العمال الكردستاني»

بينما يواصل وفد الحوار مع زعيم حزب «العمال الكردستاني» السجين عبد الله أوجلان في إطار مبادرة لإنهاء الإرهاب في تركيا، وجّه إردوغان تحذيراً صارماً لمقاتلي الحزب.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي عناصر من الفصائل الموالية لتركيا تواصل القتال مع «قسد» على محاور جنوب شرقي منبج (أ.ف.ب)

إردوغان: تركيا لم تتدخل في سوريا

تتواصل الاشتباكات بين الفصائل الموالية لتركيا و«قسد» على محاور جنوب شرقي منبج... وأكد الرئيس رجب طيب إردوغان أن بلاده ستواصل الحرب ضد الإرهاب في سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
الخليج الشراكة قائمة على تعزيز التعاون وتوسيع التنسيق حيال الوقاية ومكافحة الإرهاب والتطرف العنيف (الشرق الأوسط)

«تلغرام» و«اعتدال» يزيلان 100 مليون محتوى متطرّف

تمكن «المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف» ومنصة «تلغرام»، عبر مواصلة جهودهما في مكافحة النشاط الدعائي للتنظيمات الإرهابية، من إزالة 100 مليون محتوى متطرف

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ يتحدث دوري كورين مساعد قائد شرطة لاس فيغاس متروبوليتان خلال مؤتمر صحافي بشأن تطورات انفجار شاحنة ليلة رأس السنة الجديدة يوم الجمعة 3 يناير 2025 في المدينة (أ.ب)

«إف بي آي»: لا صلة لـ«الإرهاب» بانفجار شاحنة «تسلا» في لاس فيغاس

أكد المحققون الفيدراليون أن العسكري الذي قضى انتحارا في شاحنة صغيرة من طراز «سايبرتراك» خارج فندق ترمب بمدينة لاس فيغاس الأميركية، كان يعاني اضطرابا

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس (الولايات المتحدة))
آسيا سائقو الشاحنات يتجمعون بجوار شاحنات إمدادات المساعدات المتوقفة على جانب الطريق في هانجو يوم 4 يناير 2025 بعد أن نصب مسلحون كميناً لقافلة مساعدات باكستانية (أ.ف.ب)

مقتل 6 أشخاص جرَّاء هجوم انتحاري جنوب غربي باكستان

لقي 6 أشخاص مصرعهم، وأصيب أكثر من أربعين بجروح، جراء هجوم انتحاري استهدف موكباً لقوات الأمن في منطقة تُربت، بإقليم بلوشستان، جنوب غربي باكستان.


«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
TT

«الجبهة الوطنية»... حزب مصري جديد يثير تساؤلات وانتقادات

مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)
مصريون بمحافظة القاهرة يشاركون في حملة جمع توكيلات لحزب «الجبهة الوطنية» الجديد (صفحة الحزب - فيسبوك)

ما زال حزب «الجبهة الوطنية» المصري الجديد يثير انتقادات وتساؤلات بشأن برنامجه وأهدافه وطبيعة دوره السياسي في المرحلة المقبلة، خاصة مع تأكيد مؤسسيه أنهم «لن يكونوا في معسكر الموالاة أو في جانب المعارضة».

وكان حزب «الجبهة الوطنية» مثار جدل وتساؤلات في مصر، منذ الكشف عن اجتماعات تحضيرية بشأنه منتصف الشهر الماضي، انتهت بإعلان تدشينه في 30 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وتمحورت التساؤلات حول أسباب ظهوره في هذه المرحلة، وهل سيكون بديلاً لحزب الأغلبية في البرلمان المصري (مستقبل وطن)، لا سيما أن مصر مقبلة على انتخابات برلمانية نهاية العام الجاري.

هذه التساؤلات حاول اثنان من مؤسسي الحزب الإجابة عنها في أول ظهور إعلامي مساء السبت، ضمن برنامج «الحكاية» المذاع على قناة «إم بي سي»، وقال وكيل مؤسسي حزب «الجبهة الوطنية» ووزير الإسكان المصري السابق عاصم الجزار، إن «الحزب هو بيت خبرة هدفه إثراء الفكر وإعادة بناء الوعي المصري المعاصر»، مؤكداً أن الحزب «لا يسعى للأغلبية أو المغالبة، بل يستهدف التأثير النوعي وليس الكمي».

وأضاف: «هدفنا تشكيل تحالف من الأحزاب الوطنية القائمة، إذ لن نعمل وحدنا»، معلناً استعداد الحزب الجديد، الذي لا يزال يستكمل إجراءات تأسيسه رسمياً، للتحالف مع «أحزاب الأغلبية مستقبل وطن وحماة وطن والمعارضة والمستقلين أيضاً بهدف خدمة المصلحة الوطنية»، مستطرداً: «لن نكون أداة لتمرير قرارات، بل أداة للإقناع بها».

وشدد الجزار على أن «الحزب لا ينتمي لمعسكر الموالاة أو للمعارضة»، وإنما «نعمل لمصلحة الوطن».

وهو ما أكده رئيس «الهيئة العامة للاستعلامات» بمصر وعضو الهيئة التأسيسية لحزب «الجبهة الوطنية»، ضياء رشوان، الذي قال: «سنشكر الحكومة عندما تصيب ونعارضها عندما تخطئ»، مشيراً إلى أن «مصر ليس لها حزب حاكم حتى يكون هناك حديث عن موالاة ومعارضة».

الانتقادات الموجهة للحزب ارتبطت بتساؤلات حول دوره في ظل وجود نحو 87 حزباً سياسياً، وفق «الهيئة العامة للاستعلامات»، منها 14 حزباً ممثلاً في البرلمان الحالي، يتصدرها حزب «مستقبل وطن» بأغلبية 320 مقعداً، يليه حزب «الشعب الجمهور» بـ50 مقعداً، ثم حزب «الوفد» بـ39 مقعداً، وحزب «حماة الوطن» بـ27 مقعداً، وحزب «النور» الإسلامي بـ11 مقعداً، وحزب «المؤتمر» بـ8 مقاعد.

ورداً على سؤال للإعلامي عمرو أديب، خلال برنامج «الحكاية»، بشأن ما إذا كان الحزب «طامحاً للحكم ويأتي بوصفه بديلاً لحزب الأغلبية»، قال رشوان: «أي حزب سياسي يسعى للحكم، لكن من السذاجة أن نقول إن حزباً يعمل على إجراءات تأسيسه اليوم سيحصد الأغلبية بعد 8 أو 10 أشهر»، مشيراً إلى أن «الحزب لن يعيد تجارب (الهابطين من السماء)». واستطرد: «لن نسعى للأغلبية غداً، لكن قد يكون بعد غد».

وأضاف رشوان أن «الحزب يستهدف في الأساس إعادة بناء الحياة السياسية في مصر بعد فشل تجربة نظام الحزب الواحد في مصر منذ عام 1952»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إحياء تحالف 30 يونيو (حزيران)»، لافتاً إلى أن «التفكير فيه هو ثمرة للحوار الوطني الذي أثار زخماً سياسياً».

طوال ما يزيد على ساعة ونصف الساعة حاول الجزار ورشوان الإجابة عن التساؤلات المختلفة التي أثارها إعلان تدشين الحزب، والتأكيد على أنه «ليس سُلمة للوصول إلى البرلمان أو الوزارة»، وليس «بوابة للصعود»، كما شددا على أن «حزب الجبهة يضم أطيافاً متعددة وليس مقصوراً على لون سياسي واحد، وأنه يضم بين جنباته المعارضة».

وعقد حزب «الجبهة الوطنية» نحو 8 اجتماعات تحضيرية على مدار الأسابيع الماضي، وتعمل هيئته التأسيسية، التي تضم وزراء ونواباً ومسؤولين سابقين، حالياً على جمع التوكيلات الشعبية اللازمة لإطلاقه رسمياً.

ويستهدف الحزب، بحسب إفادة رسمية «تدشين أكبر تحالف سياسي لخوض الانتخابات البرلمانية المقبلة، عبر صياغة تفاهمات سياسية واسعة مع الأحزاب الموجودة»، إضافة إلى «لمّ الشمل السياسي في فترة لا تحتمل التشتت».

ومنذ إطلاق الحزب تم ربطه بـ«اتحاد القبائل والعائلات المصرية» ورئيسه رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، حتى إن البعض قال إن «الحزب هو الأداة السياسية لاتحاد القبائل». وعزز هذه الأحاديث إعلان الهيئة التأسيسية التي ضمت رجل الأعمال عصام إبراهيم العرجاني.

وأرجع الجزار الربط بين الحزب والعرجاني إلى أن «الاجتماعات التحضيرية الأولى للحزب كانت تجري في مكتبه بمقر اتحاد القبائل؛ كونه أميناً عاماً للاتحاد»، مؤكداً أن «الحزب لا علاقة له باتحاد القبائل». وقال: «العرجاني واحد من عشرة رجال أعمال ساهموا في تمويل اللقاءات التحضيرية للحزب». وأضاف: «الحزب لا ينتمي لشخص أو لجهة بل لفكرة».

وحول انضمام عصام العرجاني للهيئة التأسيسية، قال رشوان إنه «موجود بصفته ممثلاً لسيناء، ووجوده جاء بترشيح من أهل سيناء أنفسهم».

وأكد رشوان أن «البعض قد يرى في الحزب اختراعاً لكتالوج جديد في الحياة السياسية، وهو كذلك»، مشيراً إلى أن «الحزب يستهدف إعادة بناء الحياة السياسية في مصر التي يقول الجميع إنها ليست على المستوى المأمول».

بينما قال الجزار: «نحن بيت خبرة يسعى لتقديم أفكار وحلول وكوادر للدولة، ونحتاج لكل من لديه القدرة على طرح حلول ولو جزئية لمشاكل المجتمع».

وأثارت تصريحات الجزار ورشوان ردود فعل متباينة، وسط تساؤلات مستمرة عن رؤية الحزب السياسية، التي أشار البعض إلى أنها «غير واضحة»، وهي تساؤلات يرى مراقبون أن حسمها مرتبط بالانتخابات البرلمانية المقبلة.

كما رأى آخرون أن الحزب لم يكن مستعداً بعد للظهور الإعلامي.

بينما أشار البعض إلى أن «الحزب ولد بمشاكل تتعلق بشعبية داعميه»، وأنه «لم يفلح في إقناع الناس بأنه ليس حزب موالاة».

وقال مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو الشوبكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الحزب قدم حتى الآن كلاماً عاماً دون تصور أو رؤية واضحة للإصلاح التدريجي»، موضحاً أنه «من حيث المبدأ من حق أي جماعة تأسيس حزب جديد».

وبينما أكد الشوبكي أن ما عرضه المسؤولون عن الحزب الجديد بشأن «عدم طموحه للحكم لا يختلف عن واقع الحياة السياسية في مصر الذي يترك للدولة تشكيل الحكومة»، مطالباً «بتفعيل دور الأحزاب في الحياة السياسية»، فالمشكلة على حد تعبيره «ليست في إنشاء حزب جديد، بل في المساحة المتاحة للأحزاب».