بوتين يشارك في قمة ثانية لـ«ثلاثي قزوين»

مكرسة لبحث تطوير شبكة سكك حديدية للنقل البري

الرئيس الروسي بوتين سيشارك إلى جانب الرئيسين الإيراني روحاني والأذربيجاني إلهام علييف في القمة الثانية لثلاثي قزوين (أ.ب)
الرئيس الروسي بوتين سيشارك إلى جانب الرئيسين الإيراني روحاني والأذربيجاني إلهام علييف في القمة الثانية لثلاثي قزوين (أ.ب)
TT

بوتين يشارك في قمة ثانية لـ«ثلاثي قزوين»

الرئيس الروسي بوتين سيشارك إلى جانب الرئيسين الإيراني روحاني والأذربيجاني إلهام علييف في القمة الثانية لثلاثي قزوين (أ.ب)
الرئيس الروسي بوتين سيشارك إلى جانب الرئيسين الإيراني روحاني والأذربيجاني إلهام علييف في القمة الثانية لثلاثي قزوين (أ.ب)

يبدأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم زيارة إلى العاصمة الإيرانية طهران، حيث سيجري محادثات ثنائية مع نظيره الإيراني حسن روحاني، تتناول العلاقات بن البلدين والأزمة السورية، ومن ثم سيشارك بوتين إلى جانب الرئيسين روحاني والأذربيجاني إلهام علييف في القمة الثانية لـ«ثلاثي قزوين»، التي ستركز على البحث في مشروعات التعاون الاقتصادي - التجاري، وبصورة خاصة مشروع شبكة السكك الحديدية المعروفة باسم «شمال - جنوب» والتي يفترض أن تربط أوروبا مع الهند ومنطقة الخليج العربي.
وتأتي هذه الزيارة في وقت يستمر فيه الجدل دولياً بشأن الاتفاق النووي الإيراني، وسط إصرار أميركي على إعداد صيغة جديدة من الاتفاق، وهو الموقف الذي ترفضه موسكو.
وقال ديمتري بيسكوف، الناطق الرسمي باسم الكرملين في تصريحات أمس، إن الرئيس بوتين سيصل إلى طهران اليوم الأربعاء 1 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي؛ حيث سيجري لقاءات ثنائية وثلاثية مع الرئيسين الإيراني حسن روحاني والأذربيجاني إلهام علييف، وأكد أن «الأزمة السورية ستكون بالطبع على جدول أعمال محادثات بوتين في طهران، وبالدرجة الأولى على جدول أعمال المحادثات الثنائية بين بوتين وروحاني». وتتبنى موسكو وطهران مواقف تكاد تكون متطابقة حيال كثير من جوانب الأزمة السورية، لا سيما دعمهما المطلق للنظام السوري سياسيا وعسكريا. ويتوقع أن يحمل بحث بوتين وروحاني اليوم للأزمة السورية أهمية خاصة، نظراً لأن المحادثات تجرى بعد يوم واحد على انتهاء الجولة السابعة من المفاوضات في آستانة، حيث تلعب إيران وروسيا إلى جانب تركيا دور القوى الضامنة في المفاوضات.
ويرى مراقبون أن الرئيسين بوتين وروحاني سيبحثان بالضرورة التعاون بين البلدين وتنسيق الخطوات لمواجهة الموقف الأميركي من الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب، أعلن في كلمة عبر وسائل الإعلام يوم الجمعة 13 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي عن استراتيجيته الجديدة نحو إيران، وطالب بإدخال تعديلات على الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، وهدد بالانسحاب من الاتفاق، وقال إنه في حال «عدم توصلنا إلى حل بالعمل مع الكونغرس وحلفائنا، فسيتم إبطال الاتفاق»، ووصفه بأنه أسوأ اتفاق أبرمته الولايات المتحدة، أضاف أنه «اتفاق مليء بالعيوب» متعهدا بالعمل على إصلاحها. ورفضت روسيا الموقف الأميركي، وقال سيرغي ريابكوف نائب وزير الخارجية الروسي إن روسيا ترى أن مهمتها الأساسية الآن هي منع انهيار الاتفاق النووي، ودعا جميع الأطراف إلى التمسك به.
ومع كثرة الملفات على جدول أعمال المحادثات بين بوتين وروحاني، إلا أن الهدف الرئيسي من الزيارة هو المشاركة في القمة الثانية التي تعقدها دول «ثلاثي قزوين»، روسيا وأذربيجان وإيران، وستكون مكرسة لبحث تطوير خط النقل البري «شمال - جنوب»، وهو عبارة عن شبكة سكك حديدية للنقل البري تربط الهند ومنطقة الخليج العربي، عبر أذربيجان وروسيا، مع أوروبا والبلطيق والدول الاسكندنافية. وانطلق الحديث أول مرة حول هذا المشروع عام 1993. وفي عام 2000 وقعت روسيا وأذربيجان وإيران اتفاقية حول نيتها فتح طريق نقل بري مباشر غرب بحر قزوين، وبناء سكة حديد تربط بين ميناء «قزوين» الإيراني وميناء «أتساري» في أذربيجان. وفي وقت سابق أعلن الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أن أعمال مد الجزء الأذربيجاني من الشبكة انتهت منذ عام. وقالت مؤسسة السكك الحديدة الروسية إنها تمكنت خلال العام الحالي من نقل 4.7 مليون طن عبر شبكة «شمال - جنوب».
وهذه القمة الثانية التي يعقدها قادة روسيا وأذربيجان وإيران، وكانوا التقوا أول مرة ضمن هذا الإطار مطلع أغسطس (آب) العام الماضي في العاصمة الأذربيجانية باكو. ومع أن الجانب الاقتصادي وطرق النقل كانت موضوعا رئيسيا للقمة، إلا أنها لم تكن اقتصادية بالمطلق وشملت قضايا سياسية عدة. وبرز هذا الأمر بصورة جلية في بيان ختامي مشترك صدر عقب القمة الثلاثية في باكو، دعا فيه القادة الثلاثة المجتمع الدولي لتوحيد الجهود في الحرب على الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود. وقال بوتين حينها إن «اللقاء في باكو فرصة مثالية للاتفاق على توحيد الجهود. ذلك أنه هناك تحديات لا يمكن مواجهتها إلا معاً»، وأشار إلى بؤر توتر كبرى «في أفغانستان والشرق الأوسط، بالقرب من حدود روسيا وأذربيجان وإيران»، وقال إن روسيا تقترح تعزيز التنسيق لمواجهة عبور الإرهاب والجريمة المنظمة من تلك المناطق.
من جانبه، وجه الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف الشكر لروسيا على دورها في تسوية النزاع مع أرمينيا حول إقليم قره باغ، أما الرئيس الإيراني فقد أشاد في قمة باكو بالدور الروسي في التوصل للاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟