ليبيا: «جثث الأبيار» تتحول إلى مادة للجدل السياسي

حكومة السراج تفتح تحقيقاً... والسفارة الإيطالية «مصدومة»

المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي (رويترز)
المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي (رويترز)
TT

ليبيا: «جثث الأبيار» تتحول إلى مادة للجدل السياسي

المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي (رويترز)
المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي (رويترز)

تحولت واقعة العثور على 36 جثة مجهولة، قبل يومين، في منطقة الأبيار قرب بنغازي بشرق ليبيا، إلى مادة للجدل السياسي بين المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، وخصومه، خصوصاً حكومة الوفاق الوطني المدعومة من بعثة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى مفتى البلاد المعزول من منصبه.
وفي حين وجّه حفتر، أول من أمس، تعليماته إلى المدعي العام العسكري بفتح تحقيق في الواقعة بناءً على البلاغات التي وصلت إليه من الأجهزة الأمنية مرفقة بالتقارير حولها، أعلن المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني التي يترأسها فائز السراج في العاصمة الليبية طرابلس، أمس، فتح تحقيق عاجل بالتنسيق مع النيابة العامة للكشف عن ملابسات هذه الجريمة واعتقال مرتكبيها وتقديمهم للعدالة، مؤكداً أن «هذه الجريمة والجرائم كافة لن تمر دون عقاب رادع وقصاص مُستحق طال الزمان أم قصُر».
وأضاف «رئاسي الوفاق» أن ما وصفه بـ«العمل الإجرامي البشع، لا يقوم به إلا من تجرد من إنسانيته ومن كل التعاليم الدينية والقيم الاجتماعية، ويتناقض تماماً مع ما يتطلع إليه الشعب الليبي من بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تحافظ على حقوق الإنسان وتجرّم القتل خارج نطاق القانون».
من جانبه، حمّل مفتى ليبيا المقال من منصبه الصادق الغرياني، المشير حفتر، المسؤولية، قائلاً: «يتحمل وزرَ هذه الجرائم في بلادِنا العائلة، والقبيلة التي تصطف خلف فرد أو جماعة من أبنائها المجرمين».
وأضاف: «يتحمل المسؤولية أيضاً كل من يقف مع المجرمين أو يبرر لهم ولا يدينهم من السياسيين والمجالسِ المتعددة المدعية لحكم البلاد». ولم يفوّت حزب العدالة والبناء الذراع السياسة لجماعة الإخوان المسلمين، الفرصة، ودخل على خط الأزمة، حيث اعتبر أن العثور على عشرات الجثث في منطقة الأبيار شرقيّ بنغازي، بمثابة «جرائم حرب وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي الإنساني، ومبادئ حقوق الإنسان».
وطالب الحزب، في بيان له، المجلس الرئاسي لحكومة السراج باتخاذ إجراءات عاجلة لفتح تحقيقات رسمية في هذه الانتهاكات ومعاقبة منفذيها، داعياً إلى تفعيل ودعم وزارة الداخلية في بنغازي، لضبط الأمن في المدينة.
وكان حفتر قد وجّه، في رسالة حملت توقيعه ووزعها مكتبه، بأن يشمل التحقيق «معرفة العناصر التي ارتكبت هذه الجريمة، وتحديد هويتهم والقبض عليهم لغرض محاكمتهم، واستدعاء كل من له علاقة بالواقعة، وإجراء التعرف على هوية أصحاب هذه الجثامين، وهل تم القبض عليهم في السابق وإيداعهم أحد السجون المعتمدة من قبل القوات المسلحة أم لا».
واستنكرت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا ما وصفته بالجريمة «البشعة»، ودعت في بيان مقتضب إلى إجراء تحقيق فوري لجلب الجناة للعدالة.
وقالت السفارة الإيطالية في تغريدة لها عبر موقع «تويتر»: «صُدمنا من صور الجثث التي وُجدت في الأبيار»، مضيفة: «جريمة بشعة مثل هذه يجب أن لا تفلت من دون عقاب».
وعثر على الجثث مساء يوم الخميس الماضي في مدينة الأبيار التي تبعد نحو 70 كيلومتراً شرقي بنغازي، في واقعة تعتبر هي الأحدث في سلسلة وقائع مماثلة جرى خلالها العثور على جثث، بعضها يحمل علامات التعذيب والإصابة بطلقات نارية في هذه المنطقة التي يسيطر عليها الجيش الوطني الليبي بقيادة حفتر.
إلى ذلك، أعلن جهاز النهر الصناعي مساء أول من أمس، استئناف ضخ المياه باتجاه العاصمة طرابلس، وأكد البدء في عمليات التشغيل وتدفق المياه عبر منظومة الحساونة سهل الجفارة، إلى المدينة التي عانت مؤخراً من طول انقطاع مياه الشرب عن السكان المحليين.
وأوضح الجهاز في بيان نشرته صحفته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»: «أن المياه ستبدأ في الوصول تدريجياً إلى أغلب المدن بحلول غد (الثلاثاء)»، لافتاً إلى أن عدم قدرته علي إعادة ضخ المياه بعد استكمال أعمال الصيانة، كان ناتجاً عما وصفه بـ«أسباب خارجة عن إرادته».
وطالب الجهاز، في بيانه، الشعب الليبي بجميع أطيافه بإصدار ميثاق شرف أخلاقي يتم من خلاله تأكيد ضرورة تحييد مشروع النهر الصناعي عن أي تجاذبات أو مطالبات فئوية.
وكشف النقاب عن أن هذا المشروع «تعرض لأعمال وحشية وغير مسبوقة على مدار السنوات السابقة تمثلت في مئات عمليات التخريب والنهب والتدمير والتوصيلات غير القانونية التي طالت كل مواقعه»، مؤكداً «ضرورة قيام الجهات الرسمية، بصفة خاصة، والشعب الليبي بصفة عامة، بحماية هذا المشروع، وأن العبث به يهدد الأمن القومي للدولة».
كان سكان في أنحاء العاصمة الليبية طرابلس قد بدأوا الحفر في الشوارع للوصول إلى الآبار، في بحث يائس عن المياه بعد انقطاعها عبر الصنابير، في تدنٍّ جديد لأحوالهم المعيشية. وبعد سنوات من الإهمال قطع عمالٌ المياه بسبب أعمال صيانة عاجلة هذا الشهر، مما أوقف الإمدادات لكثير من المنازل في طرابلس، ثم خرّبت جماعة مسلحة شبكة المياه، مما أطال من أمد المعاناة.
وبالنسبة إلى الليبيين، تتجسد الفوضى في انقطاع الكهرباء واستمرار أزمات السيولة النقدية، حيث تتفاقم هذه الأزمات بسبب الاشتباكات بين جماعات مسلحة تتنافس على السيطرة والنفوذ في الدولة الغنية بالنفط والفقيرة حالياً في بنيتها التحتية.
وقالت جماعة مسلحة في جنوب ليبيا الأسبوع الماضي، إنها أغلقت إمدادات المياه من النهر الصناعي العظيم الذي أقيم في عهد القذافي، وهو نظام لنقل المياه عبر أنابيب يضخها من تحت الصحراء الشاسعة في الجنوب الليبي إلى المناطق الساحلية مثل طرابلس.
وقال توفيق الشويهدي، أحد مديري مشروع النهر الصناعي العظيم في مدينة بنغازي شرق البلاد، إن الجماعة تطالب بالإفراج عن قيادي مسجون لدى جماعة منافسة في العاصمة. وأضاف لوكالة «رويترز»: «بدأنا أعمال صيانة في 16 من الشهر الجاري وأوقفنا الإمدادات عن طرابلس، بعد ذلك أضرمت جماعة مسلحة النار في إحدى محطات الكهرباء وأغلقت 3 محطات أخرى و24 بئراً».
وحرم ذلك السكان من المياه وأنعش عمل المشتغلين بحفر الآبار الذين يحصلون على ما بين 4000 و6000 دينار ليبي (2940 - 4410 دولارات بالسعر الرسمي) مقابل الوصول إلى المياه الجوفية.
وزاد الصراع الذي تفاقم في عام 2014 الضغط على سكان طرابلس الذين زاد عددهم إلى 3 ملايين بوصول أسر نازحة من مدن ليبية أخرى.
وقال ناجي السيد رئيس هيئة المياه الليبية، إن الميزانية لم تصل إلى الهيئة منذ عام 2011 باستثناء الميزانية الطارئة، وأرجع السبب إلى المصاعب المالية التي تواجهها الدولة.
وتراجع إنتاج محطات تحلية المياه بشكل حاد، حيث انخفض في محطة بمدينة زوارة في غرب البلاد من 80 ألف لتر مكعب إلى 16 ألفاً في العام.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.